وضع داكن
03-02-2025
Logo
الدرس : 22 - سورة النساء - تفسير الآيات 40-42 عدل الله سبحانه وطاعة رسوله
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.

العقل البشري لا يستطيع أن يحيط بعلم الله عز وجل وعدله:


 أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الثاني والعشرين من دروس سورة النساء، ومع الآية الأربعين، وهي قوله تعالى: 

﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفۡهَا وَيُؤۡتِ مِن لَّدُنۡهُ أَجۡرًا عَظِيمًا(40)﴾

[ سورة النساء ]

 أيها الإخوة، الله سبحانه وتعالى الذات الكاملة، صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى، والله عز وجل في كل أسمائه الحسنى مطلق، الإنسان نسبي، قد يقضي القاضي بمئة حكم، تسعة وتسعون منها أحكام عادلة، وفي أحكامه حكمٌ واحد فيه ظلم يُسمَّى عند الناس قاضياً عادلاً، لكن الله سبحانه وتعالى كماله مطلَق، فلا يمكن أن يكون من الله عز وجل أيّ ظلم، ولو بدا صغيراً، لكن الإنسان لا يستطيع أن يدرك عدل الله بعقله؛ لأن عقله محدود، وعقله مرتبط بمكان وزمان معيّنَين، وعقله مرتبط بمعطيات محددة، لكن في حالة واحدة افتراضية يمكن أن تدرك عدل الله بعقلك إذا كان لك علمٌ كعلم الله، ولأن هذا مستحيل وألف ألف مستحيل لا تستطيع أن تدرك عدل الله بعقلك، قد تجد شعوباً غارقة في الفواحش والآثام، وشعوباً أخرى تعاني ما تعاني، قد تسأل لمَ هؤلاء في بحبوحة وهؤلاء في ضنك؟ العقل البشري لا يستطيع أن يحيط بعلم الله عز وجل، قاصر لكن الله أخبرنا في قرآنه بآيات كثيرة جداً أن الله سبحانه وتعالى لا يظلم: 

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوٓاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ۚ وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ لَوْلَآ أَخَّرْتَنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٍۢ قَرِيبٍۢ ۗ قُلْ مَتَٰعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ وَٱلْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلً ا(77)﴾

[  سورة النساء ]

﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنۢبِهِۦ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(40)﴾

[  سورة العنكبوت ]

﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَٰٓئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)﴾

[  سورة النساء ]

 لا قِطمير، ولا فتيل، ولا نقير، وهذه الأسماء مشتقة من حياة العرب في صحرائهم، النواة لها رأس مُؤَنَّف كالإبرة تماماً، اسمه نقير، وبين فلقَتَيها خيط اسمه فتيل، ولها غلاف رقيق اسمه قطْمير، لا تظلمون لا نقيراً، ولا قطميراً، ولا فتيلاً، ﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ﴾. 

على عقلنا أن يقبل من الله أنه أخبرنا عن عدله:


 قال تعالى: 

﴿ ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ(17)﴾

[  سورة غافر ]

 آيات كثيرة جداً تخبرنا عن عدل الله، فعقلنا ينبغي أن يقبل من الله أنه أخبرنا عن عدله.
 إخواتنا الكرام، هناك تسلسل في علم العقيدة، يمكن أن تؤمن بوجود الله ووحدانيته وكماله من خلال عقلك، ومن خلال هذا الكون الذي كله آيات دالة على عظمة الله، قال الشاعر: 

وفي كلّ شي له آيةٌ       تدلّ على أنَّه واحد

[ لبيد بن ربيعة العامري ]

ولك أن تؤمن بالقرآن الكريم من خلال عقلك أيضاً لأن فيه إعجازاً كثيراً، آيات الإعجاز في القرآن الكريم كثيرة جداً، ففي أدلة قطعية أنه لا يُعقَل، ولا يمكن، ومستحيل، وألف ألف مستحيل أن يكون هذا القرآن من صنع بشر، ثم إنك تستطيع أن تؤمن أن الذي جاء بهذا القرآن هو رسول الله أيضاً بعقلك، بعد أن آمنت بوجود الله ووحدانيته وكماله بعقلك، وبعد أن آمنت بأن هذا القرآن الكريم كلام الله بعقلك، وبعد أن آمنت أن الذي جاء بهذا القرآن الكريم هو رسول الله بعقلك انتهى دور العقل، وبدأ دور النقل أخبرك الله عز وجل أنه لا يظلم، هذا دليله أن هناك آية تكفي، ما دمت قد آمنت بالله بأنه هو الصادق، هو الكامل، هو الحكيم، هو الرحيم، هو القوي، هو المتين، هو الرزاق، ما دمت قد آمنت بأسمائه الحسنى من خلال هذا الكون ينبغي أن تصدق إخباره لك بأنه لا يظلم، فأنا أعجب من هؤلاء الذين يبحثون عن أدلة عقلية لعدل الله عز وجل، قد تجد إنساناً غارقاً في المعاصي والآثام، ويعيش حياةً مديدة بصحة طيبة، ويموت بهيئة راقية، من قال لك إن الدنيا هي دار جزاء، من قال لك ذلك؟ إنما هي دار ابتلاء فقط، فإذا عاقب الله بعض المسيئين يعاقبهم ردْعاً للباقين، وإذا أكرم الله بعض المُحسنين يكرمهم تشجيعاً للباقين، ولكن الدنيا ليست دار جزاء إنما هي دار ابتلاء، وليست دار تكريم إنما هي دار تكليف، التشريف في الآخرة والتكليف في الدنيا، الجزاء في الآخرة، والعمل في الدنيا، إذاً وطِّن نفسك على أنك في مرحلة ابتلاء.

آيات من القرآن الكريم تبين أن الدنيا ليست دار جزاء إنما هي دار ابتلاء:


 قال تعالى: 

﴿ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)﴾

[ سورة المؤمنون ]

 لا يُقلقك أن ترى إنساناً كافراً يتمتع بالحياة الدنيا تمتُّع البهائم، يأكل، ويشرب، ويرتدي أجمل الثياب، ويسكن في أجمل البيوت، ويركب أجمل المركبات. 

﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى ٱلْبِلَٰدِ(196) مَتَٰعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَىٰهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ(197)﴾

[  سورة آل عمران ]

﴿ قُلْ مَتَٰعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾

﴿  إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً(27)﴾

[  سورة الإنسان ]

﴿  فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ(8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ(9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ(10)﴾

[  سورة المدثر ]


على الإنسان أن يؤمن بعدل الله من خلال آياته وكلامه:


 حينما تعتقد أو تتوهم أن هذه الدنيا دار جزاء وقعت في خطأ فاحش، لأنك سوف تُفاجَأ أنه قد تجد إنساناً كافراً منحرفاً غارقاً في المعاصي، وهو في أبهى زينة، وفي أكبر ثروة، وفي أجمل بيت، وقد تجد إنساناً حريصاً على طاعة الله حرصاً لا حدود له، ويعاني ما يعاني، إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي، لا شك أن المؤمن يحب أن يوقن أنّ الله كامل، عادل، رحيم، حكيم، قوي، متين، بيده كل شيء، هذه المعاني ترتاح لها النفس، لذلك حقائق الدين متوافقة مع الفطرة، فأنت حينما تتمنى أن يكون عدلُ الله مطلقاً فمعك الحق، هذه فطرتك، ولكن لا تسلك طريقاً لم يسمح الله لك به أن تسلكه، ينبغي أن تؤمن بعدله من خلال كلامه، قال لك: ﴿وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾ ﴿لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ﴾

﴿ وَنَضَعُ ٱلْمَوَٰزِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْـًٔا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍۢ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ (47)﴾

[  سورة الأنبياء ]

عدل الله عز وجل :
 آيات كثيرة جداً، لكن أيها الإخوة هناك مشكلة أتمنى أن تكون واضحة لديكم أنت تعيش في مجتمع، وفي هذا المجتمع الغني والفقير، والصحيح والمريض، والقوي والضعيف، والوسيم والدميم، والمُعمِّر وقصير العمر، ما الذي يحدث؟ ترى أن زيداً من الناس قد أُصيب بمرض عُضال، أنت اطَّلعت على قصة في آخر فصل من فصولها، ولأنك لا تدري بقية الفصول تقع في حَيرة، بمَ يُفسَّر هذا المرض؟ والذي مرض إنسان مسلم مؤمن مستقيم فيما تعلم، قد تجد إنساناً آخر في أشد حالات المعصية والانحراف، ومع ذلك في بحبوحة وجسمه قوي، أيضاً أنت اطّلعت على قصة في آخر فصل من فصولها، ولم تطَّلع على بقية الفصول، لكن ما منا واحد أيها الإخوة إلا وعنده بعض القصص، وقد تكون قليلة يعرف كل فصولها من أولها إلى آخرها، يرى عدل الله المطلق، يرى حكمته المطلقة، والله أيها الإخوة لولا أن الوقت لا يسمح، وأن مقام تفسير القرآن لا يتسع لقصص كثيرة، لكن والله عندي عشرات بل بضع عشرات، بل مئات من القصص إنْ سمعتَ فصولها كلها من أولها إلى آخرها ينبغي أن تخِرّ ساجداً لله عز وجل لعدالته المطلقة، لكن العقل البشري لا يستطيع أن يعرف كل شيء، الإنسان بحكم أقربائه ومَن حوله، ومَن يتعامل معهم قد يطَّلع على بعض القصص، فيرى عدل الله المطلق، ولكن آلاف القصص أنت لا تطَّلع عليها، تطَّلع على آخر فصل من فصولها، فربما لا تفهمه، قد تحارُ به، لذلك حينما يقول الله عز وجل: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍۖ﴾ لا يمكن أن يبخس لك عملك الصالح، ضحيت، بذلت وقتاً، بذلت جهداً، وبالمقابل لا يمكن أن تنال ما لا تستحق، لا يمكن أن يبخس لك عملك الصالح، كما أنه لا يمكن أن تنال منه ما لا تستحق، هذا عدل الله عز وجل.
 كل إنسان في علاقته مع الله يرى رأي العين أن الله عادل، على مستوى علاقتك مع الله، كم من إنسان أصيب بشيء ثم أدرك أن هذا الشيء يقابل هذا الشيء. 

(( ما من عثرة، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، وما يغفر الله أكثر. ))

[ ضعيف الجامع ]


الإنسان يمكن أن يظلم أما الله جل جلاله فلا يمكن لذاته الكاملة أن يظلم:


 إن الله لا يظلم، لأن الذي يظلم يحتاج إلى أن يظلم، لأنه فقير أحياناً فيأخذ ما ليس له، لأنه قوي وعنده أحقاد فيأخذ ما ليس له، لكن الله جل جلاله لا يمكن لذاته الكاملة، ولأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى أن يظلم، لذلك: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍۖ﴾ لو أنك نزعت من المسجد قشّةً لا يزيد طولها على سنتيمتر هذا العمل سوف تُكافَأ عليه، لذلك في بعض الأحاديث أنه: 

(( يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان.  ))

[ سنن الترمذي ]

 لكن الآية الكريمة والله تملأ النفس راحة: 

﴿ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ(21)﴾

[  سورة الجاثية ]

هل يُعقَل ذلك؟ هل يقُبَل ذلك؟ هل يُصدَّق ذلك؟ ﴿أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ حدثني أخ كريم قال: ذهبنا إلى بلد غربي لشراء سيارتيَن وبيعِهما في سورية، فذهبا إلى هناك بالطائرة، وعادا بهاتَين السيارتين، في بلد أوروبي أظن بولونيا، ناما في أحد فنادقها، بعد منتصف الليل طُرِق باب كليهما من قِبَل امرأة، واحد فتح الباب، وعصى الله، والثاني قال: معاذ الله، إني أخاف الله رب العالمين، الموقف واحد، واحد فتح، والثاني ما فتح، عادا إلى الشام واحد في صعود، والثاني في انهيار، بشِّر الزاني بالفقر ولو بعد حين.

أدلة تُبين أن الله عز وجل لا يضيع ولا مثقال ذرة:


 أيها الإخوة الكرام، أحياناً تتأمل أفعال الله لا تملك إلا أن تخر ساجداً لله، لا يضيع عليك ولا مثقال ذرة، لو تكلمت كلمة، لو أكرمت شيخاً لسنه لا بد أن يُسَخِّر الله لك من يكرمك عند سن هذا الشيخ: 

(( ما أكرم شاب شيخاً لسنه إلا قيض اللَّه له من يكرمه عند سنه. ))

[ التِّرْمِذِيّ بسند ضعيف ]

 حدثني أخ قال لي: رجل في بلد عربي من الدرجة الوسطى من حيث أخلاقه ودينه، وأقل من الوسط، وله أولاد ليسوا أبراراً، علاقتهم عادية جداً مع أبيهم، أُصيب الأب بمرض عُضال، قام أولاده على خدمته بطريقة لا يتصوّرها العقل، اهتمام، وبذل، وتضحية، لا الأب يستأهِل هذه الخدمة الراقية جداً، ولا الأولاد عُهِد منهم أنهم أبرار، ما السبب؟ لأن هذا الذي وقع في المرض كان باراً بوالديه، فهيّأ الله له هؤلاء الأولاد مع أنهم ليسوا على المستوى المطلوب ليبرّوه عند مرضه، فعل الله واضح جداً، لكن أنا أتمنى على كل إنسان أن يقف عند أفعال الله، أن يتأملها، أن يحلِّلها، يجد العجب العُجاب، يجد رحمة، يجد عدلاً، يجد إنصافاً، يجد حكمة، يجد لطفاً أحياناً: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍۖ﴾ 
أحد الخلفاء جاءه شارب خمر، فقال: أقيموا عليه الحد، فقال هذا الإنسان: والله يا أمير المؤمنين الله قدّر علي ذلك، فقال: أقيموا عليه الحد مرتين، مرة لأنه شرب الخمر، ومرة لأنه افترى على الله، قال: ويحك يا هذا، إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار، أنت مخير: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفۡهَا﴾ قد تضع لقمة في فم زوجتك تودُداً لها، ورحمة بها، تجدها عند الله يوم القيامة كجبل أُحُد. 

﴿ مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُۜطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(245)﴾

[  سورة البقرة ]


من يتاجر مع الله يأتيه الأجر أضعافاً مضاعفة:


 قدِّم معونات لإخوانك المؤمنين، واسِ مرضاهم، تفقدْ فقراءهم، خذ بيدهم إلى الله، الوقت الذي تبذله معهم محسوب عند الله، والجهد الذي تبذله محسوب عند الله، والمال الذي تبذله محسوب عند الله، وقد تمشي مع أخيك في خدمته، وقد قال عليه الصلاة والسلام: 

(( لئن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إلي من أن أعتكف شهراً في هذا المسجد. ))

[ أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط ]

 تعمل عملاً صالحاً بإخلاص تودداً من الله عز وجل ثم لا تجد الأجر الذي تستحقه؟ مستحيل: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفۡهَا﴾ أضعافاً مضاعفة، كأن الله سبحانه وتعالى ينتظرنا أن نتاجر معه. 

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَٰرَةٍۢ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍۢ(10) تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُجَٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(11)﴾

[  سورة الصف ]


لا يليق بنا كبشر أن نكون لغير الله لذلك أعظم تجارة هي التجارة مع الله:


﴿وَيُؤۡتِ مِن لَّدُنۡهُ أَجۡرًا عَظِيمًا﴾ لو أنك عملت لإنسان ماذا يعطيك؟ والله أيها الإخوة، كلمة دقيقة: لا يليق بك كإنسان أن تكون لغير الله، وإذا كنت لغير الله غير الله ماذا يعطيك؟ يعطيك بيتاً في الحياة الدنيا، يعطيك مركبةً؟ من الذي بإمكانه أن يعطيك جنةً عرضها السماوات والأرض؟ إنه الله.
 يروى أن أحد خلفاء بني العباس، وأظنه هارون الرشيد كان في الحرم المكي أيام الحج، رأى عالماً جليلاً زاهداً، قال له: "سلْني حاجتك، قال: والله إني أستحي أن أسأل غير الله في بيوت الله، فلما رآه خارج الحرم المكي قال له: سلني حاجتك، قال: والله ما سألتها مَن يملكها، فكيف أسألها مِمّن لا يملكها، فلما ألح عليه، قال له: حاجتي أن تدخلني الجنة، وأن تنقذني من النار، قال له: هذه ليست لي، قال له: إذاً ليست لي عندك حاجة" ، يعني لا يليق بك كإنسان أن تكون لغير الله، أنت حينما ترفض أشياء كثيرة ترفضها احتقاراً لها، قد ترفض بيتاً ثمنه كبير، وحجمه صغير، قد ترفض تجارةً متعبة، وربحها قليل، قد ترفض فتاةً لا تعجبك، ومهرها كبير، أنت أحياناً ترفض أشياء كثيرة، ترفضها احتقاراً لها، إلا أنك إذا رفضت دين الله عز وجل فإنك تحتقر نفسك.

﴿  وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَٰهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُۥ ۚ وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَٰهُ فِى ٱلدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُۥ فِى ٱلْآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ(130)﴾

[  سورة البقرة ]

﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَظۡلِمُ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفۡهَا وَيُؤۡتِ مِن لَّدُنۡهُ أَجۡرًا عَظِيمًا﴾ لذلك أعظم تجارة هي تجارة مع الله، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( لأَنَّ يَهْدِي اللهُ بِكَ رَجُلًا واحدًا خَيْرٌ لَكَ من الدُّنيا وما فيها. ))

[ رواه أحمد ]


كل مكتسبات الإنسان في الدنيا لا وزن لها في الآخرة:


 هناك شركات حجم رأسمالها يزيد على ميزانيات دول، إحصائية ربما لا تصدقونها، شركة واحدة من الشركات العملاقة دخلُها السنوي يزيد على الدخل القومي لبلدٍ يبلغ تعداد شعبه خمسين أو ستين مليوناً، هذه الشركات لو أنك تملك واحدة منها مثلاً، قال رسول الله لسيدنا علي رضي الله عنه:

(( فو اللَّهِ لأنْ يهْدِيَ اللَّه بِكَ رجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لكَ من حُمْرِ النَّعم. ))

[ متفق عليه ]

(( يَا عَلِيُّ، لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ. ))

[ من حديث أبي رافع  ]

 سيدنا موسى حينما سقى الفتاتين ابنتي سيدنا شعيب قال: 

﴿ فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰٓ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّى لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍۢ فَقِيرٌ(24)﴾

[  سورة القصص ]

 حتى إنه في بعض الأدعية ورد أن: لا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله قرباً، (بعمل صالح) ولا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله علماً.
 لذلك المؤمن همه الأوحد أن يقدم أعمالاً صالحة خالصةً لله عز وجل، يبتغي بها وجه الله، هذا أغنى إنسان، لو إنسان فرضاً يملك مليارات من عملة معينة، فذهب إلى بلد لا يُعتَرف بهذه العملة، إذاً هو فقير هناك، ربما لا يملك ثمن طعام، كل ما يملك من عملة غير مقبولة هناك، لذلك كل مُكتسَبات الإنسان في الدنيا لا وزن لها في الآخرة، هناك الوزن لعمل الصالح، الوزن لعمل صالح ابتُغي به وجه الله، والعمل الصالح أيها الإخوة لا يقبله الله إلا إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتُغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة.

﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِىٓ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِىٓ أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحًا تَرْضَىٰهُ وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ ٱلصَّٰلِحِينَ(19)﴾

[  سورة النمل ]

 العمل الصالح لا يُقبَل إلا إذا رضيه الله عز وجل، مقيد برضا الله عز وجل، ورضا الله عز وجل يتحقق أن يكون وفق سنة رسول الله. 

﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(31)﴾

[  سورة آل عمران ]

 تقوم بحفلة غنائية وريعها يُرصَد للأيتام، لا يصح هذا العمل، يانصيب خيري؟ يجب أن تعمل عملاً صالحاً وفق منهج الله، وتبتغي به وجه الله، هذه هي الثروة الحقيقية، هذا الذي يرفعك عند الله، والعمل الصالح يرفعك. 

الله جل جلاله ألزم نفسه بهداية العباد:


 ثم يقول الله عز وجل: 

﴿ فَكَيۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِيدٍ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ شَهِيدًا(41)﴾

[ سورة النساء   ]

 أي كل أمة أرسل الله لها نبياً ورسولاً يشهد لها منهج الله، وعدل الله، ورحمة الله، وقد أخبرها أن هناك يوماً آخر فيه يُحاسَب الناس، فيه تُسوّى الحسابات، لأن الله عز وجل لا يمكن أن يدع عباده من دون رسول، من دون إرشاد، لقوله تعالى: 

﴿  إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى(12)﴾

[  سورة الليل ]

 الهدى على الله، وكلمة (على) مع لفظ الجلالة تفيد أنّ الله ألزم نفسه بهدى العباد، الله جل جلاله ألزم نفسه بهداية العباد: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾
﴿فَكَيۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِيدٍ﴾ (شهيد) صيغة مبالغة على وزن فعيل، أي نبي كريم يتقن لغة قومه، فصيح، كامل، معصوم، يبين، يوضّح، في أعلى درجة من الفطانة، والحكمة، والبيان، والفصاحة: ﴿فَكَيۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِيدٍ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ شَهِيدًا﴾ .

الله تعالى لعلمه بالغيب جعل سنة رسوله متداولة في شتى بقاع الأرض:


 تروي بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من ابن مسعود أن يتلوَ أمامه القرآن، فقرأ له سورة النساء، فلما وصل عبد الله بن مسعود إلى قوله تعالى: ﴿فَكَيۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِيدٍ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ شَهِيدًا﴾ قال له: حسْبك، فقال ابن مسعود: "فنظرت إلى رسول الله فإذا عيناه تذرفان" .
 إخواننا الكرام، سنة رسول الله بين أيدينا، لأن النبي خاتم الأنبياء، وخاتم الرسل، وكأن الله سبحانه وتعالى بعلمه للغيب جعل هذه السنة متداوَلة في شتى بقاع الأرض، والله ذهبت إلى أقصى مكان في الدنيا، سيدني، إذاعات إسلامية، الأحاديث، والقرآن، والتفسير، وقد تنبّأ النبي بذلك، قال: 

((  لَيبلغنّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار.  ))

[ مسند الإمام أحمد ]

 يعني أي مكان في الأرض فيه ليل ونهار، هذا الحق سوف يصل إليه، الآن لو ذهبت إلى معظم أقطار الدنيا، في أي مكان العلم الإسلامي مبذول في أيّ مركز إسلامي، عن طريق الأشرطة، وعن طريق المحاضرات، وعن طريق الضيوف، والمؤتمرات، فالنبي صلى الله عليه وسلم يشهد يوم القيامة أنه بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغُمّة، وجاهد في الله حق الجهاد، وهدى العباد إلى سبيل الرشاد، الحجة قائمة علينا، ما من مشكلة على وجه الأرض إلا وفيها شرحٌ أن هذه المشكلة سبب حصولها مخالفة منهج الله عز وجل، أبداً، لو كنت محللاً اجتماعياً، ما من مشكلة في أي بيت، في أي عمل، بين صديقين، بين شريكين، بين زوجين، ما من مشكلة إلا بسبب خطأ ارتكبه أحد الطرفين، أو كلاهما: 

﴿ فَكَيۡفَ إِذَا جِئۡنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِيدٍ وَجِئۡنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ شَهِيدًا(41) يَوۡمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوۡ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضُ وَلَا يَكۡتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثًا(42)﴾

[ سورة النساء ]


العبرة بالنهاية:


 مشكلة الناس اليوم أيها الإخوة، أنهم يعيشون لحظتهم، ولو عاشوا مستقبلهم لارتعدت فرائصهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا. ))

[ صحيح مسلم ]

 حينما يدرك الإنسان أنه لا بد من أن يموت، والناس ماذا يفعلون؟ يعدّون أعمارهم عداً تصاعدياً، والأَولى أن يعدّوا أعمارهم عدّاً تنازلياً، أن يسأل كلٌّ منا نفسه: كم بقي لي؟ ثم سؤال آخر: هل بقي بقدر ما مضى؟ والإنسان إذا تجاوز الأربعين أغلب الظن أنه لم يبقَ بقدر ما مضى، فإذا كان الذي مضى مَضى كلمح البصر، والذي بقي أيضاً يمضي كلمح البصر، وما مِن واحد منا إلا وحوله أشخاص توفّاهم الله عز وجل، كانوا أشخاصاً، وكان لهم بيوت وزوجات وأولاد، تجارة أو منصب، وله عاداته وتقاليده، وله مكانته، له أنماط حياة خاصة، يحب بعض الأكلات، يستمتع ببعض الأشياء، فجأة أصبح نعياً على الجدران، بعد حين أصبح تحت التراب، ملف وانتهى، كل مخلوق يموت، ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت. 

واللّيـلُ مهمـــا طــــــالَ          فلا بدّ من طُلــوعِ الفجْـــرِ

والعُمــرُ مهمـــا طـَــالَ          فلا بدّ مـــن نُــزولِ القَبـــرِ

****

كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ   يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ

[ كعب بن زهير  ]

فـإذا حملتَ إلى القبـــــورِ جنــازةً    فـاعلمْ بأنّك بعدَهـــــــا محمـولُ

****

﴿يَوۡمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوۡ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضُ﴾ العبرة أيها الإخوة بالنهاية، العبرة مَن يضحك آخراً، الناس اليوم يضحكون قليلاً حينما يغتنمون بعض الغنائم، يقتنصون بعض الشهوات، حينما يحققون بعض مباهجهم في الدنيا، يضحكون، ولكنهم يضحكون قليلاً، فإن لم يكونوا على حق في كسبهم للمال، إن لم يكونوا على حق في اقتناصهم للشهوات فسوف يبكون كثيراً، لكنك إذا كنت بطلاً تضحك آخراً، تضحك حينما ترى مقامك في الجنة، تضحك حينما تموت على الإيمان، واكربتاه يا أبت، قال: لا كرب على أبيك بعد اليوم، غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه.

النبي صلى الله عليه وسلم وحده يطاع استقلالاً:


 إخواننا الكرام، ما لم تؤمن باليوم الآخر إيماناً حقيقياً، وما لم تنقل إليه كل اهتماماتك، وما لم يكن عملك الصالح موجهاً إلى الدار الآخرة مع الإخلاص الشديد فأنت لا تعيش الحياة التي أرادها الله لك، لذلك يقولون: في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، إنها جنة القرب، إنها جنة الطاعة، إنها جنة العمل الصالح. 
﴿يَوۡمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوۡ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضُ﴾ ما قال: وعصوا الله، ﴿وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ﴾ لأن الرسول أمرنا الله عز وجل أن نطيعه، يُطاع رسول الله استقلالاً، يطاع الله في قرآنه، ويطاع النبي في سنته. 

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِى ٱلْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَٰزَعْتُمْ فِى شَىْءٍۢ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا(59)﴾

[ سورة النساء ]

 لكنّ أولي الأمر يُطاعون تبَعاً، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالقِ. ))

[ أخرجه البغوي ]

أولو الأمر هم العلماء، وأولو الأمر هم الأمراء، العلماء يعلمون الأمر، والأمراء ينفذون الأمر، لكن طاعتهم مرتبطة بطاعة رسول الله، إذ (لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالقِ) ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم وحده يطاع استقلالاً، لقوله تعالى: 

﴿ مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ كَىْ لَا يَكُونَ دُولَةًۢ بَيْنَ ٱلْأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ ۚ وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ ۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ(7)﴾

[  سورة الحشر ]


السنة الشريفة هي في حقيقتها تبيان لما في القرآن الكريم:


 الآن أيها الإخوة، هناك موجة تجتاح العالم الإسلامي، هذه الموجة تكتفي بالقرآن، يقولون: حسْبُنا القرآن، فلو قبِلْنا معك هذه النظرية، أين تجد في القرآن عدد الصلوات، وعدد الركعات؟ وأين تجد في القرآن أنصبة الزكاة، أين تجدها؟ القرآن فيه كليات، أما التفاصيل ففي السنة الشريفة، بل إن السنة الشريفة هي في حقيقتها تبيان لما في القرآن الكريم، من هنا قال الله عز وجل: 

﴿ مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ ۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا(80)﴾

[  سورة النساء ]

 طاعة رسول الله عين طاعة الله، وطاعة الله تقتضي أن تطيع رسول الله والدليل: 

﴿ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ(50)﴾

[  سورة القصص ]

 هؤلاء الذين كفروا، وعصوا الرسول يتمنون يوم القيامة لو تُسوّى بهم الأرض، ﴿وَلَا يَكۡتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثًا﴾ الإنسان معه معلومات، إذا أدلى بها يخاف أن يُقطَع رزقه، أو يخسر منصبه، لذلك يكتمها، هذا الذي يسكت عن الحق شيطان أخرس.
 أيها الإخوة، في درس قادم إن شاء الله ننتقل إلى قوله تعالى: 

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقۡرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمۡ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعۡلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغۡتَسِلُواْۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَآءَ أَحَدٞ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآئِطِ أَوۡ لَٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءٗ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدٗا طَيِّبٗا فَٱمۡسَحُواْ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَيۡدِيكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا(43)﴾

[ سورة النساء   ]


الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور