الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الثامن عشر من دروس سورة النساء، ومع الآية الكريمة الرابعة والثلاثين، وهي قوله تعالى:
﴿ ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡۚ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلۡغَيۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚ وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِي ٱلۡمَضَاجِعِ وَٱضۡرِبُوهُنَّۖ فَإِنۡ أَطَعۡنَكُمۡ فَلَا تَبۡغُواْ عَلَيۡهِنَّ سَبِيلًاۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)﴾
شُرِح في الدرس الماضي بعضها، وسوف أشرح بتوفيق الله بقية هذه الآية.
أيها الإخوة الكرام، يقول الله عز وجل: ﴿وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾ النشوز: الارتفاع، أرض ناشز: أرض مرتفعة، نغَمٌ ناشز: نغم خارج عن الأنغام المألوفة، فالمرأة حينما يخاف زوجها أن تنشُز، أي أن تعصيه أو أن تعصي ربها، أو أن تسيء العلاقة بينها وبينه، حينما تعصي الله فلا تتحجب، أو لا تصلي، أو تسمح لأجنبي أن يدخل إلى البيت في غيبة الزوج، أنا أذكر أمثلة لئلا يتوهم الزوج أن أي مخالفة بسيطة تقتضي هذه المعالجة.
﴿وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾ أي أن يستعلِينَ على طاعة الأزواج.
الله سبحانه وتعالى بحكمته هيأ الزوج ليكون صاحب القرار:
في بداية الآية قال تعالى: ﴿ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ﴾ هذه المؤسسة التي هي الأسرة فيها مساواة كاملة بين أفرادها، وفيها حب وتقدير وكرامة، لكن هذه المؤسسة تحتاج إلى قائد، وصاحب قرار، وتحتاج إلى إنسان واسع الأفق، حريص على صالح هذه المؤسسة، أن يقول في الوقت المناسب لا، وأمره نافذ، تحتاج إلى قائد وإلى صاحب قرار، فالله سبحانه وتعالى بحكمته هيّأ الزوج بقدراته العقلية وصفاته النفسية، وخصائصه الاجتماعية والجسدية، وبما أنفق من ماله أن يكون صاحب القرار، وقوّاماً على هذه الأسرة، فالمرأة التي تتأبّى أن تنصاع لأمر صاحب القرار، وتقف ندّاً له تريد أن تضعف سلطته، وتعصي أمره، إنها في هذه الحقيقة تعصي الله عز وجل، فعَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قَال:
(( أَتَيْتُ الْحِيرَةَ فَرَأَيْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِمَرْزُبَانٍ لَهُمْ فَقُلْتُ: رَسُولُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُسْجَدَ لَهُ، قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: إِنِّي أَتَيْتُ الْحِيرَةَ فَرَأَيْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِمَرْزُبَانٍ لَهُمْ فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ، قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ مَرَرْتَ بِقَبْرِي أَكُنْتَ تَسْجُدُ لَهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا، لَوْ كُنْتُ آمِراً أَحَداً أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنَ الْحَقِّ. ))
[ أبو داود عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ ]
فنظام المسلمين في شأن الأسر أن هذه الأسرة لها قائد هو الزوج، ليس معنى كلامي هذا أن الزوج يستخدم هذه السلطة استخداماً تعسُّفّياً، لا، ليس معنى هذا أن الزوج يتعالى على زوجته، ليست هذه حكمة الشارع، لا أن يتعالى، ولا أن يستبدّ، ولا أن يستخدم هذه المكانة التي وضعه الله فيها استخداماً فيه ترفُّع، وفوقية، وتحكُّم، وإذلال، وتعسُّف، هذا النموذج لا علاقة له بهذه الآية، ولا علاقة له بهذا القرآن.
الزوج المؤمن الذي يريد أن يقيم الإسلام في الأسرة ينبغي أن يُطاع:
الزوج المؤمن الذي يخاف الله، الحريص على أسرته، على علم أسرته، وعلى أخلاق أسرته، ومستقبل أسرته، وعلى مستقبلهم الديني، وعلى مصيرهم الأبدي، هذا الزوج المؤمن الذي يأتمر بما أمر الله، وينتهي عما نهى عنه، هذا الزوج المؤمن الذي يريد أن يقيم الإسلام في الأسرة ينبغي أن يُطاع، لكن زوجاً ما أمر بمعصية نقول:
(( لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالقِ. ))
ولو كان زوجاً، وأكبر دليل أن الله ضرب لنا مثلاً في امرأة فرعون، إنها صدِّيقة، فعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ. ))
[ البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّهُ عَنْهُ ]
قال:
﴿ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِى عِندَكَ بَيْتًا فِى ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِۦ وَنَجِّنِى مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ (11)﴾
فرعون بكل جبروته، وقوته، وادعائه الألوهية لم يستطع أن يحمل زوجته على أن تعتقد به كما يعتقد رعاياه، ولا أن تطيعه كما يطيعه رعاياه. إذاً المرأة مستقلة في دينها عن زوجها، بمعنى أن الله لا يقبل منها يوم القيامة أن تقول: هكذا يريد زوجي، ماذا أفعل؟ (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) لكن لو أن هذا الزوج المؤمن أمرك أن تربي أولادك، وأن تقومي على رعايتهم، وأمرك أن تتحجبي، وألاّ تدخلي أحداً إلى بيته في غيابه، أو أمرك ألاّ تظهري من زينتك إلا لمحارمك، أمرك بأمر الله، وأن تقتصدي في الإنفاق، أمرك أن هذا المال قِوام الحياة فلا ينبغي أن يُنفَق على مظاهر الحياة، بل على حقيقتها، فحينما يهب الله الزوج رؤية عميقة، وبعيدة، وحكمة واسعة فينبغي للزوجة أن تطيع زوجها، فقال تعالى: ﴿ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ﴾
المرأة التي تستنكف أن تطيع الله وزوجها حينما يأمرها بالمعروف هي امرأة ناشز:
أما المرأة التي تتأبّى وتستنكف عن طاعة زوجها، أمرها أن تتحجب فأبَت، أذكر لكم حالات تتناسب مع النشوز، أمرها ألاّ تُدخِل أحداً في غيبته فأدخلت، أمرها أن تحتجب عن ابن عمها فلم تحتجب، أمرها ألاّ تخلو بأجنبي فاختلَت، تأبّت على الله أن تطيعه، وتأبّت على زوجها أن تطيعه فيما أمر الله، لو تلقت أمراً فيه معصية لله فلها أن تقول بملء فمها لزوجها: لا، لا أطيعك في معصية، بل إن الصحابية الجليلة كانت إذا ودعت زوجها تقول له: نحن بك فاتّق الله، نصبر على الجوع، ولا نصبر على الحرام، هكذا كانت الصحابية الجليلة تنصح زوجها، أما إذا رأينا زوجة تعاند زوجها، ولا تطيع أمره إلا إذا أرضى غرورها كي تفتخر على بنات جنسها، أنا أقول هذه الآية موجهة للمؤمنين والمؤمنات، لزوج مؤمن يعرف الله، في قلبه رحمة وإنصاف، يأتمر بما أمر الله، وينتهي عما نهى الله عنه، يريد أن يقيم الإسلام في بيته، فإذا أبت الزوجة أن تتحجب، وأن تستقيم على أمر الله في غيبة الزوج فهذه امرأة ناشز، مُتأبِّية، أي ارتفعت، ولم تخضع لأمر الله، واستعصت كما فعل إبليس، استنكف أن يطيع الله عز وجل، فالمرأة التي تستنكف أن تطيع الله، وتستنكف أن تطيع زوجها حينما يأمرها بالمعروف بأمر الله، وبما تعارف الناس عليه: اطبخي، لا أطبخ، اشتري من المطعم، نظفي، لا أنظف، ربي أولادك، لا أربيهم، دعهم للخادمة، اجلسي في البيت، لا أجلس، لا تخرجي بغير إذني، تخرج، لا تذهبي لبيت فلان، تذهب لعنده، هذه امرأة ناشز، قال تعالى: ﴿وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾ والله أيها الإخوة، هناك في هذه الآية ملمح دقيق جداً، ما قال الله عز وجل: واللاتي ينشزن، ﴿وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾ ، قبل أن يقع الشيء ينبغي أن تنتبه إليه إن رأيت بوادر منه، مشكلة المسلمين اليوم حينما ينحرف ابنه يصحو! أين كنت؟ حينما يُؤتَى به ليتسلّم ابنته من مكان لا يرضي الله يُصعَق! أين كنت؟ يوجد ملمح بالآية، ينبغي أن تراقب، وينبغي أن تكون عينك ساهرة، ينبغي أن تتابع، وتحقق، وتضبط إذا بدا لك بوادر نشوز تبدأ هذه المعالجة، لكن بعد أن يقع النشوز هنا المشكلة، العادة أن الآباء والأمهات تقع المشكلة الكبيرة في بيوتهم بعد أن تقع يتنبّهون، أين كنتم قبل أن تقع هذه المشكلة؟ هناك بوادر، هل تعرف من يصاحب ابنك؟ هل تعرف هذه البنت إلى أين ذهبت؟ تقول: إلى صديقتي، هل تأكدت من هذا وأوصلتها، أو اتصلت هاتفياً بصديقتها؟ كيف تمشي الماء دون أن تشعر؟ إلى أن تقع الطامة نصعق! لا!
توجيه الله تعالى الإنسان لمعالجة الأمر من بدايته وليس بعد أن يستفحل:
قال: ﴿وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾ ينبغي أن تكون متيقِّظاً حذِراً مراقباً محققاً مدققاً، الأبوة مسؤولية كبيرة جداً، صدقوني أيها الإخوة، لو ملكت أموال الأرض، وكنت في أعلى منصب في الأرض، وكنت أغنى الأغنياء، وأقوى الأقوياء، ولم يكن ابنك امتداداً لك، إن لم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس، ابنك أو ابنتك، ففي هذا الملمح: ﴿وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾ قبل أن تنشُز ينبغي أن تعالج، وقبل أن تنحرف، قبل أن تخلو بأجنبي، قبل أن ترفض الحجاب يجب أن تعالج الأمر في بدايته.
الآن في الطب أمراض كثيرة جداً، حين نتنبّه إليها في بدايتها يكون علاجها مضموناً، واحتمال الشفاء بالمئة خمسة وتسعون، أما حينما نتنبّه للمرض في وقت متأخر، بعد أن يستفحل فالأمل في الشفاء يصبح معدوماً، فالله عز وجل يوجهنا، فلا ينبغي أن تهملوا وتغفلوا، وألا تدققوا، وألا تحققوا، وألا تراقبوا إلا عند وقوع النشوز والانحراف، هذا خطأ فاحش.
﴿وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾ ماذا تفعل أيها الزوج؟ بوادر معصية، لا تعبأ بالصلاة، لا تتحجب، تفتح الباب على مصراعيه، تستقبل من أقربائها من تشاء في غيبتك، وقد يكون أجنبياً، ولو كان ابن عمها، لم يقع شيء، لكن هناك تقصير وإهمال، لا تعبأ هذه الزوجة بشرع الله.
المرأة الطاهرة المؤمنة العفيفة ينبغي أن تحفظ غيبة زوجها وفق منهج الله:
كيف ذكرت في الآية السابقة: ﴿فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلۡغَيۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚ﴾ يحفظن أزواجهن في غيبتهِن لا وفق مزاجهن بل وفق شرع الله، كم من امرأة تقول: هذا مثل أخي، وقد تربينا سوية، ماذا جرى؟ هي تتوهم أنها تحفظ غيبة زوجها، ولكن وفق مزاجها لا وفق منهج الله عز وجل، المرأة المؤمنة الطيبة الطاهرة العفيفة الحَصان ينبغي أن تحفظ غيبة زوجها في نفسها، وفي ماله بحفظ الله، أي وفق منهج الله، أو وفق الحلال والحرام، فلا خلوة:
﴿ يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍۢ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ ۚ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِى فِى قَلْبِهِۦ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا (32)﴾
﴿وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾ ماذا ينبغي أن تفعل؟ الذي يفعله المسلمون أنه يغفل، ويُهمِل، ويتعامى، ولا يعبأ، ولا يأبه حتى تقع الطامة الكبرى، فإذا وقعت الطامة الكبرى يريد أن يقتلها، أو يطلقها! أنت تمشي في طريق غير صحيح.
الموعظة أول طرق معالجة النشوز:
قال تعالى: ﴿وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ﴾ ما هي الموعظة؟ أجمعَ العلماء على أن الموعظة ينبغي أن تختار لها الوقت المناسب، إنسان غاضب لو وعظته لانفجر، إنسان متوتر لو وعظته لتطاول عليك، إنسان مقهور ومتضايق، الموعظة بالدرجة الأولى تحتاج إلى وقت مناسب، في ساعة سرور، وانسجام، ورضى، ومباسطة، في ساعة فيها راحة نفسية.
شيء آخر، أضرب لكم مثلاً: لو أن ابناً تشكو منه أمه أخبرت الأب فجاء بهدية لابنه، فلما تملَّك الهدية فرح فرحاً شديداً، فصار متعلقاً بالأب ومنسجماً معه، ثم يقول له الأب: يا بني شكت لي أمك، ولو كنت علمت شكواها لما كنت أتيت بهذه الحاجة، الابن يتقبل هذه الملاحظة، لأنه أكرمه، حينما تكرم إنساناً فلك أن توجهه وتعظه. فأنا أرى الزوج إذا أراد أن يعِظَ زوجته لا بد أن يقدم لها شيئاً يملك به قلبها، لا بد من عمل طيب، لا بد من هدية، من لطف، من رفق، من ابتسامة، من مؤانسة، من عطف، من محبة، من خدمة، فحينما تملك قلبها بإمكانك أن تعظها قالوا: الإحسان قبل البيان، والقدوة قبل الدعوة، إن لم تكن قدوة كيف تعظها؟ إذا كنت عصبياً فإذا توترت أعصابك تكلمت كلاماً لا يليق بك، أنت لست مؤهلاً أن تعِظها، لا تستطيع، لو كنت شهوانياً، لو اطّلعت زوجتك على انحراف لك لا يرضي الله فلن تستطيع أن تعِظها، انتهيت، وانتهى دورك كواعظ، لن تستطيع أن تعظها إلا إذا كنت أنت قدوة لها، لن تستطيع أن تعِظها إلا إذا كنت مستقيماً عفيفاً، أو إذا كنت كبيراً أمامها بعلمك، وأخلاقك، وأدبك، وموضوعيتك، وعطفك، ورحمتك، كلمة ﴿فَعِظُوهُنَّ﴾ أعلم أن آلاف الأزواج حينما يعظون زوجاتهم يُفاجَؤون بتعالٍ، واستطالة، ورفضٍ لهذه الموعظة، ما السبب؟ لأنه ليس قدوة لها، وليس ملتزماً كما يعظها، ولأنه ليس مطبقاً للشريعة، فكيف يعظها وفاقد الشيء لا يعطيه.
لذلك لن تستطيع أن تعظ أحداً إلا إذا كنت قدوة له، لن تستطيع أن تعظ أحداً إلا إذا كنت سابقاً له، إلا إذا كان فعلك مطابقاً لقولك. فإذا قال الله تعالى: ﴿فَعِظُوهُنَّ﴾ أي كونوا قدوة أولاً، وكونوا منصفين ثانياً، وكونوا كُمَّلاً ثالثاً، عندئذ تستطيع أيها الزوج أن تعظها وقد ملكتَ قلبها بهدية، أو بطِيب معاملة، أو بابتسامة حارّة، أو بمعاملة إسلامية، أو بأن ترحمها، إذا رحمتها وقدمت لها هدية، ورأت منك كمالاً واستقامة تقبل منك هذه الموعظة، ولا تقول كلمة واحدة.
﴿فَعِظُوهُنَّ﴾ فالموعظة لا يمكن أن تؤتي أُكُلَها إلا إذا خرجت من قدوة، من مَثل، من إنسان أخلاقي، عفيف، صادق، أمين، هذه دعوة إلى الأزواج أن يتحلّوا بالكمال قبل أن يُنصِّبوا أنفسهم وعّاظاً لزوجاتهم.
إن لم تنجح الموعظة فيجب هجرها في المضاجع:
قال: ﴿وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ﴾ لو أن امرأة سيئة فاسدة على الرغم من موقف زوجها، من علمه وأخلاقه، وهو قدوة لها ومثَل، وجاءها بأمر طبيعي، وموعظة رقيقة، وفي ساعة مناسبة، وقدّم بين هذه الموعظة هدية فلم تعبأ لا بهديته، ولا برقته، ولا بكماله، ولا بمثاليته، معالجة هذه الزوجة عن طريق الموعظة لم تنجح، وهذا الدواء لم يؤثر، ماذا نفعل في هدي القرآن الكريم؟ قال: ﴿فَعِظُوهُنَّ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِي ٱلۡمَضَاجِعِ﴾ لا بد من حديث دقيق حول هذا الموضوع: الحقيقة طبيعة الرغبة عند الزوج تختلف عن طبيعة الرغبة عند الزوجة، بشكل مختصر هي أكثر صبراً على هجرانه منه على هجرانها، هذه حقيقة، لأن طبيعة الغريزة فيه تُثار بسرعة، فإذا أُثيرَت فلا بد أن تنتهي النهاية المعروفة، أما هي فلا تُثار إلا ببطءٍ شديد، ويمكن إذا استُثيرت ألّا تحرص على متابعة الأمر، مَن أقدرُ على الهجر بشكل واقعي؟ الزوج أم الزوجة؟ الزوجة أقدر على الهجر! فكيف يقول الله عز وجل: ﴿وَٱهۡجُرُوهُنَّ﴾ عقاب للزوج لا للزوجة، سلاح المرأة الوحيد رغبة الزوج بها، هذا سلاحها الفعال، فإن كنت رجلاً، واستطعت أن تهجرها، وألّا تعبأ بحاجتك إليها عندئذ قد تخضع، تدريب قرآني للزوج، هي أصبر على الهجران منك، وأنت أقل صبراً منها، لأن طبيعة رغبتك تختلف عن طبيعة رغبتها، إنك تُستثار بسرعة، فإذا استُثرت لا بد أن تفعل، بينما هي تُستثار ببطء، وإذا استُثيرت يمكن ألاّ تفعل، هي أقدر.
الحكمة من الهجر في المضاجع وليس خارج الغرفة:
كيف يأمرك الله أيها الزوج أن تهجرها، وهو عقاب لك وليس لها؟ هي سلاحها الوحيد أنك بحاجة إليها، وأنّ رغبتك قوية في القُرب منها، فإذا كنت رجلاً، وأرَيتها أن هذه الرغبة التي تتوهّمها أنها قوية عندك لا قيمة لها عندك، عندئذ تخضع! لكن قال: أين تهجروهن؟ هنا روعة القرآن الكريم، لو هجرتها إلى غرفة أخرى لعرف الأولاد المشكلة، وانكشف الأمر، وتدخّلوا، لو هجرتها إلى بيت آخر لعرف الأقرباء المشكلة، إما أن تبقي المشكلة بينك وبينها، وإما أن تدخل بها أولادك وبناتك، وإما أن تُدخِل بها أقرباءك.
الحقيقة الأولى في العلاقة الزوجية أنها كلما اقتصرت على الزوجين سهل حلها، وكلما استشرت إلى ما بعد الزوجين إلى الأولاد أو الأقرباء تأخر حلها كثيراً، لذلك حينما قال الله عز وجل:
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ ۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّآ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٍۢ مُّبَيِّنَةٍۢ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُۥ ۚ لَا تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا(1)﴾
فيما أتصور أن أكبر مشكلة إذا بقيت بين الزوجين فقط سريعاً ما تصغر إلى أن تنتهي بالوِفاق، وإن أصغر مشكلة إذا خرجت من حدود الزوجين إلى حدود الأولاد والأقرباء حدث تدخُّل خارجي أصبحت الزوجة عنيدة والزوج أشد عناداً، عندئذ صار الطريق طويلاً، لأن كل طرف من طرف الزوجة يلقي في رَوعها: لا ترجعي إليه، يليق بك زوج أفضل من هذا، وهو يُلقى في روعه أيضاً: هذه الزوجة ينبغي ألاّ تبقي عليها، ليست صالحة، أصغر مشكلة بين الزوجين إذا خرجت من البيت أصبحت أكبر مشكلة، وقد تنتهي إلى الطلاق، وأكبر مشكلة إذا بقيت بين الزوجين قد تُحَلّ وتنتهي بالوفاق لذلك: ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ﴾
الحل الثالث لهذه المشكلة الضرب غير المبرح:
التوجيه هنا أدق، ليست القضية قضية بيت، قضية غرفة نوم، لا ينبغي للزوج أن يهجر زوجته في غرفة أخرى، ولا في بيت آخر، في غرفة أخرى اكتشف الأولاد المشكلة، البنت مع أمها دائماً، في بيت آخر اكتشف الأقرباء المشكلة، قال: ﴿وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ﴾ في السرير الواحد، هي إلى جانبك، وهي زوجتك أعطِها ظهرك، وامتنع عنها حتى تعلم أنّ شهوتك مِلْكُ يديك، وتحت قدمك، وأنك يمكن أن تستغني عنها إلى أمَدٍ طويل، هذا الحل الثاني، الحل الأول أن تكون قدوة، عفيفاً، منصفاً، رحيماً، وأن تختار وقتاً مناسباً، وأن تقدِّم للموعظة بهدية تملك قلبها، افتح قلبها بهدية قبل أن تعظها، فإن لم تنجح الموعظة ينبغي أن تهجرها في الفراش، في المضاجع، لا في غرفة أخرى، ولا في بيت آخر.
﴿وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِي ٱلۡمَضَاجِعِ وَٱضۡرِبُوهُنَّۖ﴾ أنا مُضطر أن أقدم بأمثلة كثيرة لهذه الكلمة في هذه الآية، لأن أعداء المسلمين يعدّونها مأخَذاً علينا في الدين، أقدم لكم بأمثلة:
إذا كان عندك يتيم، لا أب ولا أم، وهو في محلك التجاري، وسرق، فأبسط حل أن تطرده، لكنك إذا ضربته، وأدّبته، وأبقيته عندك في المحل، وراقبته إلى أن كبُر، وصار صالحاً، وزوّجته أنت حوّلت إنساناً من سارق مجرِم إلى إنسان طيّب، فهل هذا الضرب لصالحه؟ بالمئة مليون، لو تأبّيت أن تضربه، وطردته، أصبح سارقاً كبيراً ومصيره في السجن، أما أنت فأبقيته عندك في المحل، وأدّبته، وراقبته إلى أن أصبح شاباً صالحاً زوّجته، نقلته من مجرم إلى إنسان صالح خيِّر بهذا الضرب.
امرأة لا أحد يمون عليها لا أمها ولا أبوها، نشزت، رأيت في بيتها رجلاً، ابن عمها، وقد منعتها أن تدخله إلى البيت في غيابك، فأنت بكل بساطة تطلقها، إن طلقتها انحرفت، أما إن أبقيتها، وأدّبتها، ثم أصلحتها فلك أجر كبير.
القصد من الضرب أن تشعر المرأة أنها في مكانة صغيرة عندك:
إخواننا الكرام، قال علماء التفسير: هذه الحلول الثلاثة على التسلسل، ممنوع أشد المنع أن تبدأ بالضرب، قدمت لها هدية، ووعظتها بأحلى كلام، وألطف طريق، وأنعم أسلوب، وملكت قلبها، فلم تنصع لك ولم تستجب لك، هجرتها في الفراش، وأقنعتها أنك مستغنٍ عنها، فلم تأتمر بأمرك، ولم تنصع للحق، وقيل: ليس لازماً بل مباحاً، إن رأيت من الحكمة أن تضربها ضرباً غير مبرّح؛ لا تكسر عظماً، ولا تُسِل دماً، ضرباً يشعرها أنك لست راضياً عنها، فإن صلحت انتهى الأمر، وآخر الطب الكَيّ.
أعود وأكرر، لو تصوّرت أن هذه المرأة الناشز التي انحرفت، وارتكبت مخالفة كبيرة في الشرع، وأبت أن تنصاع لحكم الله، وأبَت أن تنصاع لأمر زوجها الذي يطابق حكم الله عز وجل، ووعظتها فلم تتعظ، وهجرتها فلم ترتدع، وأيقنتَ أنك إذا ضربتها خرج منها شيطانها، إن ضربتها ضرباً لا يؤذي تجتنب الوجه، والضرب المتكرر في موضع واحد لئلا يؤذي، وتجتنب الضرب المؤذي، القصد من الضرب أن تشعرها أنها في مكانة صغيرة عندك. قال بعض العلماء: أن تضربها بالسواك أخذاً من قول النبي عليه الصلاة والسلام حينما أرسل خادماً، وتأخر كثيراً فغضب النبي عليه الصلاة والسلام غضباً شريفاً، فلما عاد هذا الخادم قال: أين كنت؟ فذكر قال:
(( لولا خشيةَ القَودِ لأوجَعْتُك بهذا السِّواكِ ))
الضرب المبني على حِقد، وانتقام، وعلى قسوة، وقلب كالحجر مَنهيٌّ عنه، لكن هذه المرأة لا تستجيب لأحد.
والله أيها الإخوة، عشرات الإخوة يقولون لي: تفعل زوجتي هكذا، أين أمها وأبوها؟ لا تعبأ بهما، حالة انحراف، وشذوذ، ونشوز، تقف وتعترض طريق الحق، تأمر ابنك بالصلاة، إنه نائم، دعه نائماً، هذا يقع كل يوم، ترفض أن توقظ ابنك للصلاة، قد تذهب البنت إلى مكان لا يرضي الله، ترفض أن تمنعها، هذه امرأة ناشز، ينبغي ألّا يفهم الأزواج أن الأكل إذا تأخر فهي ناشز، لا، أنها إذا لم تُهيِّئ حاجاتك كاملة فهي ناشز، ليس هذا هو المعنى، حينما تنحرف، وتخرج عن منهج الله، وتتأبّى أن تطيع الله، وترفض أن تتحجب، وتحمل بناتها على الفجور، اذهبن لأي مكان تُرِدْنه، فهذه زوجة ينبغي أن تعامل هذه المعاملة.
إذا أطاعت الزوجة زوجها فقد استجابت لأمر الله:
قال: ﴿وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِي ٱلۡمَضَاجِعِ وَٱضۡرِبُوهُنَّۖ﴾ إنسان ضرب زوجته ضرباً مُبرِّحاً في بريطانيا، فلما اشتكت عليه إلى قاضي بريطاني استدعاه فقال له: نحن في كتابنا المقدس الله يأمرنا أن نضرب الزوجات، أساء إلى الدين إساءة ما بعدها إساءة، هذا الضرب له مقدمات، وله مبررات، وله أسباب، وله شروط، وقد يُستغنى عنه، والأَولى أن تستغني عنه، القاعدة أنك أمام مشكلة، كلما استطعت أن تعالجها بأسلوب أخف ينبغي أن تعالجها بأسلوب أخف، ولا تنتقل إلى الأشد إلا عند المعاندة، الطبيب هكذا يفعل، إذا كان هذا المرض يشفى بحبة مستواها خمسمئة ينبغي ألاّ تعطيه حبة مستواها ألف، تتصاعد في الدواء، فأول حل ﴿فَعِظُوهُنَّ﴾ والحل الثاني ﴿وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِي ٱلۡمَضَاجِعِ﴾ واجعل هذه المشكلة في أضيق حيز بينك وبينها فقط في غرفة النوم، والحل الثالث ﴿وَٱضۡرِبُوهُنَّۖ﴾ قال: ﴿فَإِنۡ أَطَعۡنَكُمۡ فَلَا تَبۡغُواْ عَلَيۡهِنَّ سَبِيلًاۗ﴾ أطاعتني لكن لا تحبني، هذا لا يهم، ليس لك علاقة بالموضوع الداخلي أبداً، والله يحاسبك، ولك منها طاعتك، أطاعتك، وتحجبت، وصلت، وأمرت ابنتها أن تصلي، واستجابت لأمر الله.
الآية التالية تهديد للأزواج حتى لا يظلموا زوجاتهم:
﴿فَإِنۡ أَطَعۡنَكُمۡ فَلَا تَبۡغُواْ عَلَيۡهِنَّ سَبِيلًاۗ﴾ لكن انظروا إلى التهديد الإلهي قال: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ إن ظلمتها، أو افتريت عليها لتأخذ بعض ما آتيتها، أو تأخذ ما عندها، أو تفكر في شيء آخر، فافتعلت هذه المشكلة، فضربتها فتوقّعْ أن الله سوف يعاقبك أشد العقاب: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ هذا تهديد للأزواج، هذه امرأة، لو بدت لك أنها ضعيفة، لكن الله معها، وإذا أراد الله أن ينتقم من الزوج جعله يبكي أمام الرجال، أفقره وأهانه حتى يبكي:
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ(12)﴾
آخر فقرة في الآية تهديد للأزواج، أيها الأزواج إياكم أن تستعملوا حقكم بشكل تعسّفي ﴿فَإِنۡ أَطَعۡنَكُمۡ فَلَا تَبۡغُواْ عَلَيۡهِنَّ سَبِيلًاۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ .
أيها الإخوة: ﴿وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِي ٱلۡمَضَاجِعِ وَٱضۡرِبُوهُنَّۖ فَإِنۡ أَطَعۡنَكُمۡ فَلَا تَبۡغُواْ عَلَيۡهِنَّ سَبِيلًاۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ كما ذكرت آخر فقرة في الآية تهديد من الله للأزواج أن يفتعلوا مشكلة، أو أن يظلموا امرأة ضعيفة، أو أن يدّعوا ما ليس هو واقع ﴿إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ .
على كل زوج أن يعلم أن الله أقدر عليه منه على زوجته:
النبي عليه الصلاة والسلام رأى أحد أصحابه يضرب غلامه فقال عليه الصلاة والسلام: عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ:
(( كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَاماً لِي فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتاً: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ، فَقَالَ: أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ. ))
[ مسلم عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ ]
يجب أن يعلم كل زوج أن الله أقدرُ عليه منه على زوجته، هناك أمراض تجعل حياة الزوج جحيماً لا يُطاق، هناك فقر مُذِلّ، ومرض مُفنِّد، وهرم لا يُحتمَل، أقرب الناس إليك يتمنى موتك.
أيها الإخوة، آخر فقرة في الآية تهديد من الله عز وجل، هذه المرأة التي تراها ضعيفة، الله عز وجل قادر على أن يحرمك منها، وأن ينتقم منك انتقاماً لا يوصف، فقبلَ أن تفتري على الزوجة، وقبل أن تستخدم هذا الحق الشرعي في القِوامة استخداماً تعسُّفياً عد للمليون قبل أن تفعل ذلك، وفي درس آخر إن شاء الله ندخل في الحل الثاني:
﴿ وَإِنۡ خِفۡتُمۡ شِقَاقَ بَيۡنِهِمَا فَٱبۡعَثُواْ حَكَمًا مِّنۡ أَهۡلِهِۦ وَحَكَمًا مِّنۡ أَهۡلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصۡلَٰحًا يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيۡنَهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا(35)﴾
صار الطريق مسدوداً، لا الموعظة أجدت، ولا الهجران في الفراش أجدى، ولا الضرب أجدى، فصار الطلاق على قاب قوسين، قال تعالى: ﴿وَإِنۡ خِفۡتُمۡ شِقَاقَ بَيۡنِهِمَا فَٱبۡعَثُواْ حَكَمًا مِّنۡ أَهۡلِهِۦ وَحَكَمًا مِّنۡ أَهۡلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصۡلَٰحًا يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيۡنَهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾ .
الملف مدقق