الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد، الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.
نهانا الله أن نتمنى في المستقبل ما فضَّل فيه بعضنا على بعض إراحة لنفوسنا:
أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس السادس عشر من دروس سورة النساء، ومع الآية الثانية والثلاثين، وهي قوله تعالى:
﴿ وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكۡتَسَبُواْۖ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكۡتَسَبۡنَۚ وَسۡـَٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمًا(32)﴾
أيها الإخوة الكرام، في القرآن الكريم أمر ونهي، وكل أمر يقتضي الوجوب وكل نهي يقتضي الترك، كل نهي يقتضي الامتناع، فإنك كمؤمن بينك وبين الله عقد إيماني، هذا العقد الإيماني ينبغي أن تفعل إذا أُمِرت، وأن تنتهي إذا نُهِيت، هذه الآية مُصدَّرة بلا الناهية، الله جل جلاله يقول: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ﴾ والتمني فعل متعلق بالمستقبل، التمني أن تتمنى شيئاً لا يقع، بينما الترقُّب أن تنتظر شيئاً يقع، إذا قلت:
ألا ليتَ الشبابَ يعودُ يوماً فأخبرَه بما فعلَ المشيبُ
فهذا تمنٍّ، والتمني كما يقول بعض الحكماء بضائع الحمقى، تعيش في خيالات، وفي أوهام لا تقع، فالله سبحانه وتعالى تطييباً لقلوبنا وإراحة لنفوسنا نهانا أن نتمنى في المستقبل ما فُضِّل فيه بعضنا على بعض.
الحقيقة أيها الإخوة، أن الله سبحانه وتعالى خلقَ جنس البشر، وجنس البشر خُلِق على نوعين؛ ذكر وأنثى، وللذكر أفراد، وللأنثى أفراد، صار هناك جنس، ونوع، وأفراد، فالجنس البشري مؤلف من نوعين؛ ذكر وأنثى، مشكلة الحضارة الحديثة أنهم أرادوا إزالة الفروق كلياً بين النوعين، فوقع المجتمع في فساد خطير، حينما تزول الفوارق بين الذكر والأنثى فهناك فساد عريض، الحقيقة أن أصل التصميم الإلهي أن الإنسان ذكر وأنثى، وأن لكل من الذكر والأنثى خصائص عقلية، ونفسية، واجتماعية، وجسمية، ينفرد بها كل طرف، لكنهما يجتمعان في أن الأنثى والذكر كائنان مُكرَّمان عند الله، كائنان مُخيَّران، كائنان مسؤولان، كائنان مشرَّفان، فحينما أقول الجنس البشري ذكر وأنثى فهناك قواسم مشتركة بينهما وهناك فوارق.
القواسم المشتركة بين الذكر والأنثى أكدتها آيات كثيرة:
القواسم المشتركة أكدتها آيات كثيرة.
﴿ إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَٰتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ وَٱلْقَٰنِتِينَ وَٱلْقَٰنِتَٰتِ وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلصَّٰدِقَٰتِ وَٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰبِرَٰتِ وَٱلْخَٰشِعِينَ وَٱلْخَٰشِعَٰتِ وَٱلْمُتَصَدِّقِينَ وَٱلْمُتَصَدِّقَٰتِ وَٱلصَّٰٓئِمِينَ وَٱلصَّٰٓئِمَٰتِ وَٱلْحَٰفِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَٰفِظَٰتِ وَٱلذَّٰكِرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرًا وَٱلذَّٰكِرَٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا(35)﴾
كلاهما في التكليف، وفي التشريف، وفي المسؤولية سواء، المرأة راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رعايتها، والرجل راع في بيته، ومسؤول عن رعيته، فنقاط الاشتراك كثيرة جداً، هي من بني البشر، هي إنسانة، لها فكرها، ولها مشاعرها، ولها عواطفها، يؤذيها ما يؤذيك، ويُفرِحها ما يفرحك، ترقى إلى الله كما ترقى أنت إلى الله، تسمو كما تسمو، وتسقط كما تسقط، وتنحط كما تنحط، هناك قواسم مشتركة بين الذكر والأنثى لأنهما من جنس واحد، من جنس البشر.
﴿ وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَآيَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ(21)﴾
من جنسكم، من جنس بشريتكم، إنسانة.
الله سبحانه وتعالى أعطى لكل نوع الخصائص التي تعينه على أداء مهمته:
لكن:
﴿ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّى وَضَعْتُهَآ أُنثَىٰ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلْأُنثَىٰ ۖ وَإِنِّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّىٓ أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ(36)﴾
أنت حينما تتجاهل ما تتميز به الأنثى وقعت في خطأ كبير، وحينما تتجاهل ما يتميز به الرجل وقعت في خطأ كبير، فلذلك ورد في أسباب نزول هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى حينما فرض الفرائض، وفرض للذكر مثل حظ الأنثيين تمنى النساء أن يكون لهنّ في الإرث نصيب كنصيب الرجل، وحينما فُرِض للذكر مثل حظ الأنثيين تمنى الرجال أن يكون أجرهم في الآخرة مثلَي أجر المرأة، فجاءت الآية الكريمة: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍۚ﴾ المنطلق أن الله سبحانه وتعالى أعطى لكل نوع الخصائص التي تعينه على أداء مهمته، ففي أصل التصميم صُمِّمت المرأة لتكون أماً، ولتكون زوجة أُعطِيت من الخصائص الجسمية والخصائص النفسية وهي شدة عاطفتها، ومن الخصائص الاجتماعية تعلقها بزوجها، ومن الخصائص الفكرية اعتناؤها بالجزئيات ما يؤهّلها لتكون زوجة ناجحة، وأماً ناجحة، فهذه الخصائص التي اختص الله بها النساء كجنس بُنِيت على حكمة بالغة، وعلى خبرة لا نهائية، وعلى علم كبير، قال تعالى:
﴿ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍۢ (14)﴾
وتلك الخصائص التي خصّها الله للذكور من اهتمام بالكليات لا بالجزئيات، ومن خصائص جسمية، ونفسية، واجتماعية، وعقلية تتناسب مع كسب الرزق، ومع الحركة خارج البيت.
المرأة سكن لزوجها والرجل قائد لمؤسسة البيت:
في الآية الكريمة:
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى(1)﴾
الليل من خصائصه السكون والهدوء، وأنه يحجب كل شيء.
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى(1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى(2)﴾
ومن خصائص النهار الحركة والضياء، ثم يقول الله عز وجل:
﴿ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(3)﴾
هناك إشارة لطيفة إلى أن الرجل عمله خارج البيت، عمله كسب الرزق، وأن المرأة مهمتها الأولى تربية الأولاد، هي سَكَنٌ لزوجها، وهو قائد لمؤسسة البيت، هناك تناغمٌ وتكاملٌ بينهما، وقد ورد هذا المعنى في قصة المرأة التي اشتكت زوجها إلى الله، فقال الله عز وجل:
﴿ قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِى تُجَٰدِلُكَ فِى زَوْجِهَا وَتَشْتَكِىٓ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَآ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌۢ بَصِيرٌ(1)﴾
قالت: يا رسول الله إن زوجي تزوجني وأنا شابة ذات أهل ومال وجمال، فلما كبرت سني، وتفرّق أهلي، ونثرَ بطني، وذهب مالي قال لي: أنتِ عليّ كظهر أمي، ولي منه أولاد؛ إن تركتهم إليه ضاعوا؛ أنا أربيهم، وإن ضممتهم إليّ جاعوا؛ هو ينفق عليهم، هذه المرأة الصحابية وضّحت أن للرجل والمرأة تكاملاً فيما بينهما، فيا أيها الإخوة، الحضارة الغربية تريد أن تلغي الفوارق بين الذكور والإناث، أي حينما تختلط المرأة مع الرجل في العمل، وحينما لا تكون ملتزمة في ثوبها، وفي حجابها، ينشأ عن هذا الاختلاط وهذا التواصل فساد لا يعلمه إلا الله، لأننا خرجنا عن منهج الله عز وجل، فلذلك الله جل جلاله يقول: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ﴾ هناك صفات إنسانية مشتركة بين الذكور والإناث، كلاهما مُكرَّم عند الله، وكلاهما مُشرَّف عند الله، وكلاهما مُكلَّف عند الله، وكلاهما مسؤول أمام الله.
المرأة مستقلة في دينها عن زوجها ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق:
لحكمة أرادها الله جعل امرأة فرعون الطاغية الذي قال:
﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى(24)﴾
والذي قال:
﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)﴾
جعل امرأة هذا الطاغية صِدِّيقة، آسيا امرأة فرعون بكل ثقله، وكل جبروته، وكل قوته، وكل ألوهيّته المزعومة ما استطاع أن يقنعها أن تعبده، ولا أن تُقِرّ بألوهيته المزعومة، قالت:
﴿ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِى عِندَكَ بَيْتًا فِى ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِۦ وَنَجِّنِى مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ (11)﴾
ماذا أراد الله من هذه القصة؟ أن يعلم النساء جميعاً أن المرأة مستقلة في دينها عن زوجها، تُحاسَب عن دينها، ولتعلم أيضاً أنه:
(( لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالقِ. ))
فلذلك معظم النساء حينما يقلن: هكذا يريد أزواجنا، إن شاء الله هذا في رقبتهم، هذا كلام مرفوض، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، هي مُكرَّمة كما هو مُكرَّم، مُشرَّفة كما هو مُشرَّف، مُكلَّفة كما هو مُكلَّف، مسؤولة كما هو مسؤول، هذه نقاط الالتقاء، أما نقاط الاختلاف فإذا تجاهلناها وقعنا في فساد عريض، وقع تحت يدي كتاب عنوانه (عمل المرأة في الميزان) ، هذا الكتاب ليس من مؤلفه كلمة، ولا كلمة إلا أن مؤلفه جمع إحصاءات في العالم الغربي عن الفساد العريض الذي يحصل حينما تكون المرأة مع الرجل في العمل، ولا يكون عند الطرفين الإيمان الرادع.
هناك فروق دقيقة جداً وكثيرة جداً بين الذكور والإناث:
إذاً حينما قال الله عز وجل:
﴿ وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ ٱلْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا(33)﴾
الأصل أن المرأة تقوم بأخطر عمل أناطه الله بها، حينما تَقرُّ في بيتها لتربية أولادها، المرأة التي تربي أولادها، وتدفعهم إلى المجتمع عناصر ملتزمة مخلصة واعية هي امرأة بطلة، لأن شهاداتها الحقيقية ليست تلك الأوراق التي تُعلَّق على الجدران، إن شهاداتها الحقيقية أولادها الذين ربتهم، ودفعتهم إلى المجتمع، وكثيراً ما نعثر على شباب يلفتون النظر بأخلاقهم، ويلفتون النظر برحمتهم، ويلفتون النظر بتعاونهم، ويلفتون النظر بحبهم للخير، لو دققنا وبحثنا لوجدنا أنهم تلقَّوا تربية عالية من أمهاتهم، إنك إن علَّمت فتاة علَّمت أسرة، فيا أيها الإخوة الكرام، المرأة والرجل كلاهما مُكلَّف، وكلاهما مُشرَّف، وكلاهما مسؤول، ولكن هناك فروق دقيقة جداً، وكثيرة جداً بين الذكور والإناث، خصائص الذكور نبدأ بالجسمية والعقلية والاجتماعية والنفسية تتناسب مع المهمة التي أُنِيطت بهم، وخصائص الإناث العقلية والجسمية والاجتماعية والنفسية تتناسب مع المهمات التي أنيطت بهن.
حينما كنا في الجامعة درسنا كتاباً لمؤلف فرنسي عن الفروق الدقيقة بين الذكور والإناث، والكتاب يقع في ثمانمئة صفحة، درسنا قدرة قدرة؛ القدرة على الحفظ، كيف هي في الرجال، وكيف هي في النساء، القدرة على الخطابة، القدرة على التأمل، القدرة على التحليل، القدرة على استيعاب المواد مادةً مادة، الفتيات يتفوقن في التاريخ، في الجغرافية، وقد يتخلفن عن الذكور في الرياضيات وبعض المواد المُجرّدة، على كلٍ الكتاب ممتع جداً، وهو مترجم إذا قرأته من دفَّته إلى دفَّته، ثم قرأت قوله تعالى: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾ لا تملك إلا أن تخر لله ساجداً، لأن القرآن ذكر آية خطيرة، هذا الكتاب ترجمة هذه الآية، فأي مجتمع، وأي نظام، وأي ترتيب يتجاهل الفروق بين المرأة والرجل، هذا نظام يقع في إشكال كبير، وفي فساد عريض.
الإنسان مُخيَّر فيما كُلِّف ومُسيَّر في أشياء كثيرة:
﴿وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍۚ﴾ شيء آخر: طبعاً بدأت بالفرق بين الذكور والإناث، ولكن لو أخذنا الذكور وحدهم، كما يقال: إنسان ساقته الأقدار ليكون معلماً، وإنسان ساقته الأقدار ليكون تاجراً، وإنسان ليكون مهندساً، فهذه الحِرَف، وتلك الدخول، وهذه الخصائص التي خصك الله بها، لو كُشِف لك الغيب ما تمنيت غير ذلك، لذلك قالوا: لو كُشِف الغطاء لاخترتم الواقع، فأنت مخير، وأنت مُسيَّر، أنت مخير فيما كُلِّفت ومُسيَّر في أشياء كثيرة، إنك مسير في والديك، من منا اختار والديه؟ ولا أحد، أنت مسير في زمن ولادتك، نحن جئنا في هذا القرن، لو جئنا قبل خمسة قرون لكان حالنا حالاً آخر، أنت مُسيّر في البلد الذي وُلِدت فيه، لو جئنا في مجاهل أفريقيا، أو في أستراليا، أو في أمريكا، لكان لنا حال آخر، إذاً أنت مُسيَّر في أمك وأبيك، مُسيَّر في مكان ولادتك، مسير في زمن ولادتك، ثم إنك مسير في شكلك، من منا اختار شكله؟ مسير في قدراتك، هذا ألمعي، وهذا أقل ذكاء، وهذا محدود، وهذا فيه ضعف فكري شديد، وهذا قوي البنية، وهذا عليل الصحة، وهذا يتمتع بذاكرة قوية، وهذا يتمتع بطلاقة لسان، وهذا يتمتع بقدرة على الخطابة، فهناك آلاف القدرات، كل واحد منا خصه الله ببعض هذه القدرات، هذا يسوقنا إلى حقيقة في التوحيد مهمة جداً، وكلمة حظوظ مصطلح، يعني أنت لك حظ من الوسامة، لك حظ من الذكاء، لك حظ من الصحة، لك حظ من الإرث، إنسان يولد من أبويين فقيرين، وإنسان يولد ابن ملك، طبعاً ليس هذا من كسبه، وليس ذاك من كسبه، وراثتك، وخصائصك، وقدراتك، وشكلك، وإمكانياتك، واستعداداتك هذه أيضاً أنت مسير فيها، ولكن ينبغي أن تعلم علم اليقين أن هذا الذي سُيِّرت فيه لصالحك مئة في المئة، ولو كُشِف الغطاء ما اخترت إلا الواقع، وهذا معنى قول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: "ليس في الإمكان أبدع مما كان" ، أو ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني، لذلك نقول: توزيع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء، وسوف تُوزَّع في الآخرة توزيع جزاء، لو أن إنسانَين لهما عمر واحد، أحدهما يملك الملايين المُملينة، والثاني لا يملك القروش، اختلفا في حظ المال، حظ المال امتحان من الله، فالغني امتُحِن بغناه، والفقير امتُحِن بفقره، فرضاً لو أن الفقير نجح في امتحان الفقر فكان صابراً محتسباً متجملاً عفيفاً، ولو أن الغني امتُحِن في امتحان الغنى فلم ينجح، وعاشا ثمانين عاماً، الفقير يتلوّى من الجوع، لكنه صبر، والثاني يتلوى من التُّخمة، لكنه كفر، ثم انقلبا إلى الآخرة، فالفقير في الجنة إلى أبد الآبدين، وهذا الغني الذي لم ينجح في امتحان الغنى في جنهم إلى أبد الآبدين، فمن هو الرابح الحقيقي؟ هذه الدنيا دنيا الصور، لهذا قال الله عز وجل حينما وصف الدار الآخرة بأنها:
﴿ خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ(3)﴾
في الآخرة.
(( رُبَّ أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره ))
[ رواه أحمد ومسلم عن أبي هريرة ]
في الآخرة.
وقد قيل: ألا يا رب نفس جائعة عارية في الدنيا، طاعمة ناعمة يوم القيامة، ألا يا رب نفس طاعمة ناعمة في الدنيا، جائعة عارية يوم القيامة. العبرة للمستقبل الأبدي والخسارة الحقيقة هي خسارة الأبد.
الحظوظ في الدنيا موزعة توزيع ابتلاء و في الآخرة توزيع جزاء:
أيها الإخوة الكرام: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍۚ﴾ الحظوظ في الدنيا موزعة توزيع ابتلاء، وسوف تُوزَّع في الآخرة توزيع جزاء، قصة أرويها لكم فيها موعظة بالغة إن شاء الله؛ دخلت إلى أحد البيوت، وكان بيتاً من أرقى البيوت، قال لي صاحب البيت: هذا البيت مساحته أربعمئة متر، قلت له: بارك الله به، شي جميل، قال لي: وهذا البلاط استوردته خصيصى من إيطاليا، قال لي: بالشحن الجوي شي جميل، وهذا الأثاث مستورد، وهذه اللوحة ثمنها كذا، وهذا الثريا، حتى أطنب إطناباً لا حدود له في الحديث عن بيته، وعن كسوة بيته، وعن أثاث بيته، فخطر لي أن أذكره بآية قرآنية، قلت له: ما قولك لو وازنَّا بين هذا البيت وبيت يقع في أطراف المدينة تحت الأرض بلا طلاء، وبلا مرافق، وهو صغير، قال لي: لا نسبة بينهما، وازنا بين بيتين، بيت لا يزيد ثمنه على مئة ألف، وبيت لا يقل ثمنه عن خمسين مليوناً، لا قياس بينهما، وازن بين طبيب جراح، كل عمل جراحي يتقاضى عليه مبلغاً كبيراً، وبين ممرض مبتدئ مهمته تنظيف المرضى المُقعَدِين، كلاهما في الطب، لكن هذا ممرض، وذاك طبيب جراح، وازِن بين أستاذ في الجامعة يحتل أعلى مكانة، وله دخل كبير، ومعلم ابتدائي في قرية، وازن بين رئيس غرفة التجارة وبين بائع متجول في الأسواق يخاف من الشرطة، وازن بين رتبة عسكرية عالية جداً في مكتب فخم مكيف، عدة سيارات على الباب، وبين جندي في خدمة إلزامية في الخط الأول في الشتاء في حفرة كلها ماء مثلاً، قال تعالى:
﴿ ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍۢ ۚ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَٰتٍۢ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا(21)﴾
مسافة كبيرة.
مراتب الدنيا مؤقتة أما مراتب الآخرة فأبدية:
قال تعالى: ﴿وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَٰتٍۢ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾ مراتب الدنيا أيها الإخوة لا تعني شيئاً، لأنها مؤقتة، بل تعني العكس، في ثماني آيات هؤلاء الذي أُترِفوا هم الكفار، كفروا وأترفناهم في الحياة الدنيا، في ثماني آيات حصراً الله عز وجل قرنَ بين الترف وبين الكفر، قلت له: مراتب الدنيا لا تعني شيئاً، وقد تعني العكس، مراتب الدنيا مؤقتة، وليست أبدية، بينما مراتب الآخرة أبدية.
﴿ لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48)﴾
أما لو اعتنى أحدنا بالبيت عناية تفوق حد الخيال فلا بد أن يخرج منه أفقياً، ولو كان ثمنُ بيتك مئة مليون، في أحد الأيام يخرج المرء من بيته هكذا (أفقياً) ولن يعود، ألم تدخل إلى بيوت فخمة جداً لتعزي أصحابها؟ هم الذين بنوها، وزينوها، وفرشوها، أين هم الآن؟ في القبور، فلذلك مراتب الآخرة تعني كل شيء، مراتب الدنيا لا تعني شيئاً، مراتب الدنيا مؤقتة، مراتب الآخرة أبدية: ﴿وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ﴾ الآن دعونا من الفرق بين النساء والرجال، والذكور والإناث، فيما بين الرجال، فلان دخله كبير، لا تتمنَّ أن يكون دخلك كدخله، ارضَ بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس، أنا لا أدعو إلى أن تجلس، وإلى أن تقعد، وإلى أن تتكاسل، اجتهد ما أمكنك الاجتهاد، حيث وصل بك الاجتهاد إلى هذا المكان فهذا أنسب مكان لك، لذلك قال بعض العارفين بالله، وهو ابن عطاء الله السكندري: ربما كان المنع عين العطاء، يقول: ربما كان المنع عين العطاء، ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك.
الله تعالى أناط بكل جنس مهمات من أجل أن يحققوا أهدافهم بخصائص متعلقة بهم:
قال تعالى:
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰٓ أَن تَكْرَهُواْ شَيْـًٔا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّواْ شَيْـًٔا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)﴾
أيها الإخوة الكرام، كما قال الله عز وجل ﴿وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍۚ﴾ الآن سبب هذا التفضيل إذا أعدناه إلى نوع الجنس نحن من جنس البشر، لكن نحن ذكور، وأخواتنا إناث، قال: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكۡتَسَبُواْۖ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكۡتَسَبۡنَۚ﴾ إما أن الله أناط بالذكور مهمات ومسؤوليات وأوتي هؤلاء الرجال من أجل أن يحققوا أهدافهم خصائص متعلقة بهم، أو أنّ لكل واحد بحسب استقامته، وبحسب إقباله، وبحسب انضباطه، وبحسب علاقته بربه هيّأ الله له الشيء الذي يُعَدّ بحقه حكمة بالغة.
(( أتاني جبريل فقال: يا محمد! ربك يقرأ عليك السلام ويقول: إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالغنى، ولو أفقرته لكفر، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالقلة، ولو أغنيته لكفر. ))
[ ابن رجب في جامع العلوم بسند ضعيف ]
ومِن الناس مَن لا يتحمل الغنى، مقاومتهم هشّة، لمجرد أن يتوافر المال بين أيديهم ينحرفون عن سواء السبيل، (وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا بالقلة، ولو أغنيته لكفر) ولأن الله سبحانه وتعالى علم ما كان، وعلم ما يكون، وعلم ما سيكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون، أي أنت بهذا الحال مستقيم والحمد لله، ولكن لا أنا أعلم ولا أنت تعلم لو كنت في حال آخر كيف تكون، فكأن الله اختار لك أفضل شيء لك، وهذا معنى قول الإمام علي رضي الله عنه: "لو كُشِف الغطاء ما ازددت يقيناً" ، فيقيني بحكمة الله، وعدالة الله، ورحمة الله قبل كشف الغطاء كيقيني بعد كشف الغطاء.
لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال:
قال: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍۚ لِّلرِّجَالِ﴾ أي لنوع الرجال: ﴿نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكۡتَسَبُواْۖ﴾ تقول المرأة: أنا امرأة، حسناً أنت أيتها المرأة الكريمة دينك بسيط:
(( إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ. ))
من منكم يصدق أنّ الرجل أمامه مئة ألف امتحان، مئة طريقة لكسب المال مُحرَّمة ربما لا يعلمها، فهناك مسؤوليات منوطة بالرجل، وهناك مسؤوليات منوطة بالمرأة، فالإنسان لا يتمنى أن يكون من جنس آخر لذلك:
(( لعن اللهُ المتشبهين بالنساءِ من الرجالِ والمتشبهاتِ من النساءِ بالرجالِ. ))
أن يقف أمام المرآة ساعات وساعات، وأن يتبختر في مشيته، وأن يتعطر، وأن يتكسر، هذا كله محرم: (والمتشبهاتِ من النساءِ بالرجالِ) المتشبه من الرجال بالنساء يتمنى أن يكون امرأة، والمتشبهة من النساء بالرجال تتمنى أن تكون رجلاً، بل إن المرأة الرَّجِلة؛ أي المُسترجِلة، فعلها من أكبر الكبائر لأنها رفضت اختيار الله لها أن تكون أنثى، فالمرأة المؤمنة ترضى عن الله أنه اختارها أنثى، مع أن الأنثى لا تقل ولا شعرة واحدة في مكانتها عند الله عن الذكر.
بديل الحسد أن تسأل الله من فضله:
نحن تحدثنا عن الفرق بين الذكور والإناث، ثم تحدثنا عن الفرق بين الذكور، لكن لو أنك تمنيت أن تكون مثلاً غنياً، وأنت لست كذلك، فهذا لا يمنع، قال: ﴿وَسۡـَٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦٓ﴾ لا تحسُد بل تسأل، لا تحسد، الحسد جهل، والحاسد جاهل، الحاسد يتمنى أن يتحول الخير من أخيه إليه، هذا مستوى، هناك مستوى أشر؛ أن يتمنى أن يتحول الخير عن أخيه فقط دون أن يصل إليه، والمستوى الأشر من هذين المستويَين؛ أن يسعى بجهده كي يُذهِب عن أخيه الخير، الحسود جاهل، والحسود عاصٍ لله، والحسود لا يعرف الله.
أَلا قُلْ لِمَن باتَ لي حَاسدًا أَتدرِي على مَنْ أسأْتَ الأَدبَ
أسأتَ على اللهِ في حُكْمِه لأنّك لمْ ترضَ لي مَــــا وَهَبَ
أما البطولة: ﴿وَسۡـَٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦٓ﴾ قال بعض الشعراء:
ملكُ الملوكِ إذا وهَبَ لا تسألَنّ عن السَّببِ
أنا عدلته فقلت: قم فاسألن عن السبب:
اللهُ يعطي مَن يشاء فقِفْ على حدِّ الأدبِ
هذا الذي أعطاه يعطيك، وهذا الذي أكرمه يكرمك، الإله الذي رفعه يرفعك، الإله الذي أغناه يغنيك، الإله الذي وفّقه يوفقك، كن موحداً، تمنيتَ شيئاً على أخيك المؤمن لا مانع، بالمناسبة ليس من المُحرَّم أن تتمنى من خيرَي الدنيا والآخرة، اللهم اجعل لي رزقاً حلالاً طيباً، اللهم ارزقني زوجة صالحة تسرني إن نظرت إليها، وتحفظني إن غبت عنها، وتطيعني إن أمرتها، ليس حراماً أن تتمنى من فضل الله في الدنيا والآخرة، ولكن الحرام أن تتمنى أن يزول هذا الخير عن أخيك لضِيق أفقٍ منك أو لجهلٍ منك.
﴿وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكۡتَسَبُواْۖ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكۡتَسَبۡنَۚ وَسۡـَٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦٓ﴾ بديل الحسد أن تسأل الله من فضله.
الله موجود اسأله فيما بينك وبينه كما ورد في آيات قرآنية كثيرة:
يقول الله عز وجل في الحديث القدسي:
(( ينْزِلُ رَبّنَا كُلّ لَيْلَةٍ إِلى السّمَاءِ الدّنْيَا حَتّى يَبْقَى ثُلثُ اللّيْلِ الآخر، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْألُنِي فأُعْطِيَهُ؟ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فأَغْفِرَ لَه؟ حتى ينفجر الفجر. ))
[ مسلم عَنْ أبي هُرَيْرَةَ ]
الله موجود، اسأله فيما بينك وبينه، بل إن الله سبحانه وتعالى في أكثر من اثنتي عشرة آية جاءت على الشكل التالي:
﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ(219)﴾
﴿ وَيَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِى ٱلْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ(222)﴾
﴿ يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِىَ مَوَٰقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ ۗ وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ ۗ وَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَٰبِهَا ۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(189)﴾
اثنتا عشرة آية إلا آية واحدة.
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ(186)﴾
ليس في هذه الآية كلمة "قل"، أي ليس بينك وبين الله حجاب، وليس بينك وبين الله وسيط، وليس بينك وبين الله إنسان، اسأله مباشرة.
محبة الله تعالى للملحين في الدعاء:
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(( لِيَسْأَلْ أحدُكم ربَّه حاجتَه كُلَّها، حتى يَسْأَلَهُ شِسْعَ نَعْلِهِ إذ انْقَطَعَ. ))
[ أخرجه الترمذي بسند ضعيف ]
وإن الله يحب من عبده أن يسأله ملح طعامه، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال:
(( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا دعا ثلاثاً، وإذا سأل سأل ثلاثاً. ))
(( مَن لم يَدعُ اللَّهَ سبحانَهُ، غَضبَ علَيهِ. ))
ليس بينك وبين الله حجاب، اسأل ربك حاجتك كلها، اسأله ملح طعامك، شِسع نعلك، اسأله كل شيء، وليس بينك وبينه وسيط، وليس بينك وبينه إنسان، إذاً بديل الحسد والحقد والتآمر والكيد والعداوة والبغضاء: ﴿وَسۡـَٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦ﴾ أسأله الذي أعطاه يعطيك، والذي أكرمه يكرمك، والذي وفقه يوفقك:
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(13)﴾
والله لا أنسى كلمة دخلت إلى أعماق أعماقي، سيدنا عمر التقى بسعد بن أبي وقاص، سيدنا سعد بن أبي وقاص له ميزتان؛ كان كلما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم يداعبه ويقول:
(( أقبل سعدٌ فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ :هذا خالي فليُرِنِي امرؤٌ خالَهُ. ))
وهو الصحابي الوحيد من بين أصحاب النبي الذي فدّاه النبي بأبيه وأمه، في إحدى المعارك قال له:
(( لقد جمعَ لي رسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يومَ أُحدٍ أبويه فقال: ارمِ سعدٌ فِداك أبي وأُمِّي. ))
هذا الصحابي التقى عمر بن الخطاب بعد وفاة النبي فقال له سيدنا عمر: يا سعد لا يغُرَّنّك أنه قد قيل: خال رسول الله، فالخلْق كلهم عند الله سواسية، ليس بينه وبينهم قرابة إلا طاعتهم له"، لا أحد أحسن من أحد، نتفاضل عند الله بطاعتنا فقط، أطعْ أكثر تكن أكرم على الله من أي إنسان آخر، حتى بأية جلسة أي أحد منكم لو كان أشد إخلاصاً من إنسان يُظَنّ أنه الأول لسبقه ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ﴾ بديل الحسد أن تسأل الله من فضله.
قال تعالى: ﴿وَسۡـَٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمًا﴾ أيها الإخوة الكرام، الشيء الدقيق في هذه الآية أن متاعب الناس؛ العداوة، البغضاء، الحسد، الحسد فتّت قلوبهم بجلسة كلها غيبة ونميمة، كلها حسد، بل إن الاختلاف على أنواع ثلاث.
1 ـ اختلاف أساسه نقص المعلومات وهذا اختلاف طبيعي:
اختلاف أساسه نقص المعلومات، هذا اختلاف طبيعي، لا فيه إثم، ولا فيه ثواب، أوضح مثل له سمعنا إطلاق مدفع، غداً العيد، يا ترى هذا مدفع العيد؟ لقد ثبت أن العيد غداً؟ الله أعلم، وقد يكون تفجيراً بالجبل، اختلفنا، سبب الخلاف نقص المعلومات، استمعنا في الأخبار أنه ثبت لدى القاضي الشرعي غداً أول أيام عيد الفطر، معنى ذلك هذا مدفع العيد، حُسم الأمر.
﴿ كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ ۚ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ بَغْيًۢا بَيْنَهُمْ ۖ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِۦ ۗ وَٱللَّهُ يَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍ(213)﴾
اختلفوا لنقص معلوماتهم، جاء الأنبياء وحسموا الخلاف، الاختلاف الأول اختلاف طبيعي، سببه نقص المعلومات، فإذا جاء الوحي من السماء حَسم الأمر.
2 ـ اختلاف الحسد والبغضاء وهذا اختلاف قذر:
الاختلاف الثاني اختلاف قذر، اختلاف الحسد والبغضاء، بكل أسف المسلمون بينهم تسعة وتسعون بالمئة قواسم مشتركة، ادخل إلى أي جامع في الأرض تسمع: قال الله تعالى، قال رسول الله، ومع ذلك يتقاتلون، وبينهم تسعة وتسعون بالمئة قواسم مشتركة، أعداء المسلمين يتعاونون وبينهم خمسة بالمئة فقط قواسم مشتركة، أليس هذا الاختلاف بين المسلمين وصمة عار بحقهم؟ فلذلك الاختلاف الثاني اختلاف الحسد والبغي، قال تعالى:
﴿ إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلْإِسْلَٰمُ ۗ وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْيًۢا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ(19)﴾
هناك اختلاف أساسه الحسد، أكثر ما يقوم به مُشادّات بين الناس موضوع تأكيد للذات، أي أخوك تكلم يجب أن أنتقده، يجب أن أًسفِّهه غير صحيح ليس لهذه الدرجة، هذا شيء غير صحيح، فحينما يقصد الإنسان أن يؤكد ذاته على حساب مكانة أخيه إذاً هذا اختلاف الحسد.
3 ـ اختلاف التنافس وهذا اختلاف محمود:
وهناك اختلاف محمود اختلاف التنافس، قال تعالى:
﴿ خِتَٰمُهُۥ مِسْكٌ ۚ وَفِى ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَٰفِسُونَ (26)﴾
إنسان رأى أن أفضل شيء تأليف القلوب بدعوة مباشرة، وإنسان رأى أن أفضل شيء تأليف الكتب، إنسان رأى بناء المساجد، إنسان رأى تأسيس جمعيات خيرية، نحن نختلف هنا في وجهات النظر، لكن هذا الاختلاف محمود لأنه رحمة، كل واحد أخذ خطاً وسار فيه.
أيها الإخوة الكرام، إن شاء الله في الدرس القادم نتابع الآيات التي تلي هذه الآية ﴿وَلَا تَتَمَنَّوۡاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِۦ بَعۡضَكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكۡتَسَبُواْۖ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكۡتَسَبۡنَۚ وَسۡـَٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمًا﴾ .
الملف مدقق