وضع داكن
27-09-2024
Logo
الدرس : 4 - سورة النازعات - تفسير الآيات 34-46 اليوم الآخر وثمن الجنة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 

الطَّامة هي اسمٌ من أسماء يوم القيامة التي لابدّ من أن تأتي:


أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الرابع من سورة النازعات، ومع الآية الرابعة والثلاثين، وهي قوله تعالى:

﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34)﴾

[ سورة النازعات  ]

قال علماء اللغة: "إذا" تفيد تحقق الوقوع، بينما "إن" تفيد احتمال الوقوع أي:

﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)﴾

[ سورة النصر ]

لابدّ من أن يأتي.
﴿فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ﴾ لابدّ من أن تأتي.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)﴾

[ سورة الحجرات ]

قد يأتي وربما لا يأتي، لأنّ "إن" تفيد احتمال الوقوع، بينما "إذا" تفيد تحقق الوقوع، فهذه الطَّامة التي هي اسمٌ من أسماء يوم القيامة لابد من أن تأتي، هذه الطامة تلغي كل شيء، إنسان يسكن في بيت، يحتاج إلى إصلاح نوافذه، وإلى إصلاح بلاطه، وإلى إصلاح الكهرباء، فجاءت زلزلةٌ جعلته أنقاضاً، انتهى كل شيء، انتهت قوائم التصليحات، وانتهت هموم الترميمات، انتهى كل شيء، أصبح البيت أنقاضاً، فخبر الزلزال يلغي كل شيء، تقريب للمعنى.
 

حينما يدرك الإنسان أنه ضيَّع الأبد فقد خسر خسارةً لا تقدَّر بثمن:


هذه الطامة تنسي الإنسان كل هموم الدنيا، وتوقعه أمام مشكلةٍ لا نهاية لها، تجعله في مكانٍ: إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول: يا رب لإرسالك بي إلى النار أيسر عليّ مما ألقى، وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب.
حينما يدرك الإنسان أنه ضيَّع الأبد خسر خسارةً لا تُقدَّر بثمن، خَسِر جنةً عرضها السماوات والأرض، خَسِر الحياة الأبدية، خَسِر الجنة التي خُلِقَ مِن أجلها، خَسِر النعيم المقيم وهو في أسفل سافلين، في جهنم وبئس المصير، هذه هي المصيبة، يا بني ما خيرٌ بعده النار بخير، وما شرٌ بعده الجنة بشر، وكل نعيمٍ دون الجنة محقور، وكل بلاءٍ دون النار عافية.
﴿فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ﴾ الشيء العجيب أيها الإخوة أن هؤلاء المسلمين الذين يرتادون أحياناً بيوت الله، يصلون الصلوات، ويصلون صلاة الجمعة في المساجد، حينما تتعامل معهم بالدرهم والدينار، وكأنَّهم لن يأتوا إلى الدار الآخرة، قد يأكلون المال الحرام، وقد يعتدون على بعضهم بعضاً، لو أن الإنسان آمن أنه لابد من أن يقف بين يدي الله عز وجل ليحاسب عن كل شيء:

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92)عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)﴾

[  سورة الحجر  ]

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)﴾

[ سورة الزلزلة ]

 

يوم التغابن يشعر الإنسان أنه قد غُبِن أي تعلق بدنيا زائلة وضيَّع الآخرة الباقية:


ما دام الإنسان يُحاسَب عن كل أعماله فكيف يقترف المنكرات؟ وكيف يستطيل على إنسان؟ وكيف يبتزُّ مال إنسان؟ وكيف يعتدي على عِرض إنسان؟ وكيف يتفلَّت من منهج الواحد الديان؟ كيف؟ ﴿فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى﴾ حدثني أخ من مصر قال: حينما ضرب الزلزال القاهرة، زوجته مِن شدَّة الهلع أمسكت حذاءً وظنته ابنها، وضمَّته إلى صدرها وولَّت هاربةً:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)﴾

[ سورة الحج ]

أيها الإخوة الكرام؛ هذا اليوم، يوم الدين، الحاقة، الواقعة، الطّامة، يوم الفصل، هذا يوم لابد من أنْ يأتِيَ، وفي هذا اليوم تُسوَّى الحسابات، في هذا اليوم يأخذ الضعيف حقَّه من القوي، ويأخذ الفقير حقه من الغني، في هذا اليوم يأخذ كل ذي حقّ حقَّه، هنيئاً لمن حاسب نفسه حساباً شديداً ليكون حسابه يوم القيامة يسيراً، والويل لمَن حاسب نفسه في الدنيا حساباً يسيراً فكان حسابه يوم القيامة عسيراً، هذا اليوم يوم عظيم، يومٌ شديد، يوم التغابن، أي تعلق بدنيا زائلة وضيَّع الآخرة الباقية:

﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)﴾

[  سورة الكهف ]


البطولة كل البطولة أن تدخل اليوم الآخر في حساباتك اليومية:


أيها الإخوة؛ الذكاء كل الذكاء، والعقل كل العقل، والفِطْنة كل الفطنة، والتوفيق كل التوفيق، والتفوّق كل التفوّق، والبطولة كل البطولة أن تُدخل هذا اليوم في حساباتك اليومية، في بيعك وشرائك، في أفراحك وأتراحك، في إقامتك وترحالك، في أخذك وعطائك، في زواجك، في كل ما تتحرَّك به.

﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)﴾

[  سورة البقرة ]

اتق الله، سيدنا عمر بن عبد العزيز عيَّن أحد كبار المستشارين اسمه عمر بن مزاحم، قال له: كن معي، وراقبني، فإذا رأيتني ضللت فأمسكني من تلابيبي، وهزني هزاً شديداً، وقل لي: اتقِ الله يا عمر فإنك ستموت.
سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان في جولةٍ تفقديةٍ مع أحد أصحابه، عبد الرحمن بن عوف، فرأيا قافلةً قد خيَّمت في ظاهر المدينة فقال: تعال نحرس هذه القافلة، بعد أن جلسا لحراستها إذا طفلٌ رضيعٌ يبكي، فقام عمر إلى أمه قال: أرضعيه، أرضعته ثم بكى، فقام إليها فقال: أرضعيه، أرضعته ثم بكى، فقام إليها في الثالثة وغضب، قال: أرضعيه، هي غضبت أيضاً وقالت له: ما شأنك بنا؟ ما دخلك بنا؟ إنني أفطمه، قال لها: ولمَ تفطميه؟ قالت: لأن عمر لا يعطينا العطاء إلا بعد الفطام، أي التعويض العائلي، لا يستحقه الغلام إلا بعد الفطام، فأنا أفطمه كي آخذ العطاء، يروي كُتَّاب السيرة أنه ضرب جبهته وقال: ويحك يا عمر، لقد أهلكت نفسك كم قتلت من أطفال المسلمين؟
توزيع التعويض العائلي عند الفطام عذابٌ لهؤلاء الصغار، ويحك يا بن الخطاب كم قتلت من أطفال المسلمين؟ وصلى صلاة الفجر ولم يفهم أصحابه إطلاقاً قراءته في الصلاة، قال: رب هل قبلت توبتي فأهنِّئ نفسي أم رددتها فأعزيها؟
 

المؤمن يخاف مِن اليوم الآخر فلا يهمل عباداته ولا يعتدي على أحد:


المؤمن يخاف مِن هذا اليوم، يخاف أن يُسْأَل عن ماله مِن أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ يخاف أن يُسأل عن شبابه فيمَ أبلاه؟ يخاف أن يُسأل عن عمره فيم أفناه؟ يخاف أن يُسأل عن علمه ماذا عمل به؟ يخاف أن يعتدي على نملة:

(( عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرَةٍ مَسْقُوطَةٍ فَقَالَ: لَوْلَا أَنْ تَكُونَ مِنْ صَدَقَةٍ لَأَكَلْتُهَا. ))

[ متفق عليه ]

تمرة..

(( عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْض. ))

[ متفق عليه ]

ما بال المسلمين يتوسعون في علاقاتهم، ويأخذون ما ليس لهم، ويهملون عباداتهم، إذا كان سيدنا عبد الله بن رواحة، وهو صحابي جليل، عيَّنه النبي قائداً ثالثاً في مُؤْتة، وعيّن القائد الأول سيدنا زيداً، والثاني جعفر بن أبي طالب، والثالث عبد الله بن رواحة، سيدنا زيد أمسك بالراية فقاتل بها حتى قتل، ثم أخذها سيدنا جعفر فقاتل بها حتى قُتل، جاء دور ابن رواحة، تردد ثلاثين ثانيةً، ثلاثون ثانية تقابل ترديد بيتين مِن الشعر، كان شاعراً، قال:

يا نفسُ إلا تـقـتلي تموتِي          هذا حِمام الموت قد صليتِ

إن تفعلي فعلهما رضيت          وإن تـوليــــتِ فـقـد شقـيتِ

[ عبد الله بن رواحة ]

* * *

فلما وصل الخبر إلى النبي قال:
أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيداً، ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قتل شهيداً، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيداً، لقد رفعوا لي في الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب فرأيت في سرير عبد الله بن رواحة ازوراراً عن سرير صاحبيه فقلت: بم هذا؟ فقيل لي: مضيا وتردد عبد الله بن رواحة بعض التردد ومضى.
القصة بلفظها وتمامها في السيرة النبوية لابن هشام
درجته هبطت لأنه تردد في بذل نفسه ثلاثين ثانية، فهذا الذي يتردد في صلاته، يتردد في أداء الحقوق، يلفُّ ويدور، يحتال، يختال، يأخذ ما ليس له، يقيم دعوى كيديّة، هذا الذي يفعل هذا أين مكانه؟!!
 

الإنسان إذا شارف على الخطر يُعْرَض عليه شريط حياته عملاً عَملاً:


أيها الإخوة الكرام؛ ﴿فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى﴾ في هذا اليوم قال:

﴿ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35)﴾

[ سورة النازعات  ]

وشيء ثابت الآن علمياً أنّ الإنسان إذا شارف الخطر يُعْرَض عليه شريط حياته عملاً عملاً، فيراه في ثوانٍ معدودات، أبداً، كل واحد منا له عمل، قد يكون عمله إحساناً، قد يكون إساءة، قد يكون أخذاً بغير حق، شخصٍ يركب مركبته على إشارة المرور ألمَّت به أزمةٌ قلبية، فانكب على مقود السيارة، وكانت زوجته إلى جانبه، ومِن غرائب الصدف أن صديقه كان  خلفه، فصرخت زوجته نزل صديقه أخذه إلى أحد المستشفيات، وهو في العناية المشددة قال: ائتوني بمسجلةٍ وشريط، فقال وهو يتوهَّم أنه يوشك أن يفارق الدنيا، قال: المحل الفلاني ليس لي، هو لفلان، أنا اغتصبته اغتصاباً، والشركة الفلانية ليست لي، والأرض الفلانية ليست لي، يبدو أنه كان الأخ الأكبر، وقد أكل أموال أبيه كلّها، وحرم أخوته فكانوا فقراء، لعله عاد إلى الله وهو في هذه الأزمة الصعبة، بعد أيامٍ لعل هذا الدم المتجمد أخذ مميعات فعاد سائلاً، وعاد طبيعياً كما كان قبل هذه الأزمة فقال: أين الشريط؟ أخذه وكسَّره وعاد إلى ما كان عليه، وبعد ثمانية أشهر جاءته الأزمة القاضية، وكانت الأزمة الأولى إنذاراً مُبَكِّراً، وكل واحد منا له إنذارات مبكِّرة.
 

العقلاء والأذكياء من المؤمنين يفكِّرون في هذه الساعة التي لابدّ منها:


يا أيها الإخوة الكرام؛ هذه الطَّامة، العقلاء والأذكياء من المؤمنين يفكِّرون في هذه الساعة التي لابد منها:

﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)﴾

[ سورة عبس ]

(( عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً -من دون تطهير-قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ! فَقَالَ: الْأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَاكِ. ))

[ متفق عليه ]

إذا سيق إنسان إلى الشنق، وهو في السيارة أطلَّ من نافذتها فرأى امرأةً ترتدي ثياباً فاضحة، هل يبالي بهذا المنظر؟ مستحيل، ذاهبٌ إلى الشنق، الأمر أفظع من أن يعنيه منظر هذه المرأة.
وقد ورد أن أماً رأت ابنها يوم القيامة، وقعت عينها على عينه قالت: يا بني ألم يكن لك صدري سقاءً؟ وبطني وعاءً؟ وحضني وطاءً؟ هل مِن حسنةٍ يعود عليَّ خيرها اليوم؟ قال: يا أماه ليتني أستطيع ذلك إنما أشكو مما أنت منه تشكين، بكى عليه الصلاة والسلام.
هذا اليوم العظيم، يوم الطامة، الآن قد تأتي مصيبة يكون عندك مليون هم، إذا ليس مليوناً مئة كتبتهم كلهم تأتي مشكلة بالصحة تنسى كل هذه الهموم فكيف بيوم القيامة؟ جهنم إلى أبد الآبدين وقد خسرت جنة رب العالمين، كيف؟ هذه هي المصيبة:

(( عن عديّ بن حاتم رضي اللّه عنه: اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقّ تَمْرَةٍ. ))

[ متفق عليه ]

مرّ النبي عليه الصلاة والسلام بقبرٍ، فقال لأصحابه:

(( عن أبي هريرة: ركعتان خفيفتان مما تحقرون وتنقلون يزيدهما هذا في عمله أحب إليه من بقية دنياكم. ))

[ صحيح الجامع ]

فما هي الدنيا؟ هناك شركات أرباحها السنوية تبلغ أربعمئة مليار دولار، هناك شركات أرباحها تفوق ميزانياتها ميزانيات مجموعة دول، لو أن هذه الشركات لك، وكل هذه الأرباح لك، يوم القيامة لا تقدِّم ولا تؤخِّر، قال تعالى:

﴿ يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11)﴾

[ سورة المعارج ]


يستطيع الإنسان أن يخدع كل الناس إلا رب العالمين:


أيها الإخوة الكرام؛ ﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى﴾ الإنسان في الدنيا يدجِّل، ويكذب، وينافق، ويدَّعي ما ليس له، ويُلقي على نفسه صفات الكمال، والنزاهة، وكل إنسان يتكلَّم بالفضائل، والحكم، ويبيع وطنيّات للآخرين، ويزاود على الناس، ويقول: أنا لا أحد باستقامتي..

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)﴾

[ سورة القيامة ]

لك أن تخدع كل الناس لبعض الوقت، ولك أن تخدع بعضهم لكل الوقت، أما أن تخدع كل الناس لكل الوقت فهذا مستحيل، أما أن تخدع الله عز وجل..

﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)﴾

[ سورة النساء ]

أما أن تخدع نفسك فلن تستطيع، ﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى﴾ .
 

الجحيم يراها الكفار فهي مصيرهم ويراها المؤمنون لتتضاعف سعادتهم في الجنة:


ممكن بحسب القوانين النافذة لو تبرَّعت بأرضٍ لبناء مسجد أن تُنظَّم هذه الأراضي وأن يرتفع سعرها، فأنت قد تقول: أنا تبرَّعت بأرض مساحتها خمسة دونمات لمسجد، وقد يثني الناس عليك، ويرفعونك إلى أعلى عليين، وأحياناً يتبرَّكون بك، وأنت في نيَّتك أن التبرع بهذه الأرض للمسجد قد يرفع أسعار الأراضي التي حوله، فأنت أوَّل الرابحين، هذا يخفى على الناس ولكن لا يخفى على الله عز وجل، الذي سيحاسبك يعلم السر وأخفى، الذي سيحاسبك يعلم النوايا والبواعث الخفية، يعلم كل شيءٍ عنك..

﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18)﴾

[ سورة الحاقة ]

يا رب تعَلَّمت القرآن في سبيلك، قال: كذبت تعلمت القرآن ليقال عنك عالم وقد قيل، خذوه إلى النار، يا رب جاهدت في سبيلك؟ قال: كذبت، جاهدت ليقال كذا وكذا، وقد قيل كذا وكذا فخذوه إلى النار، أهل النار يرون إنساناً له مكانةٌ كبيرة جداً في الدنيا، ألست فلاناً؟ يقول: نعم، ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟! يقول: بلى، كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه، ابن آدم عظْ نفسك فإن وعظتها فعظ غيرك وإلا فاستحْيِ مني.

﴿ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36)﴾

[ سورة النازعات  ]

الإنسان قد يكون ممَّن يسرق من البيوت، أما حينما يُلقى القبض عليه، ويوضع في السجن، ويرى مَن سبقه من السارقين، وقد يُحْكَم هذا بثلاثين عاماً، وهذا بعشرين، عندئذٍ يعرف كم كان أحمقاً حينما اعتدى على أموال الآخرين، هذا في الدنيا.
﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى﴾ قال علماء التفسير: هذه الجحيم يراها الكفار والمؤمنون، يراها الكفار فهي مصيرهم، ويراها المؤمنون لتتضاعف سعادتهم في الجنة، لو أن شريكين أراد أحدهما أن يعمل بتجارةٍ محرمةٍ قانوناً، فالثاني رفض، فلما رفض فُكَّت الشركة، وسار الأول بمخططه، بعد حين ألقي القبض عليه، وأودع في السجن، فذهب شريكه الثاني ليزوره في السجن، بماذا يشعر هذا الشريك الثاني؟ براحةٍ شديدة، قراره الحكيم أبعده عن السجن.
 

دخول النار شيء وورودها شيءٌ آخر:


المؤمن حينما يرى النار، دخول النار شيء، وورودها شيءٌ آخر:

﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ﴾

[ سورة مريم ]

المؤمن يرِد النار ولا يتأثر ولا بوهجها، لكن يرى مكانه فيها لو لم يكن مؤمناً فتتضاعف سعادته في الجنة.
 

الناس فريقان:


﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36)﴾

[ سورة النازعات ]

فالناس فريقان:

﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37)﴾

[ سورة النازعات  ]

تجاوز الحد، أخذ ما ليس له، غَشَّ في بيعه، نظر إلى مَن لا تحل له، اعتدى على أعراض الآخرين، طغى، اعتدى على أعراضهم أو اعتدى على أموالهم أو على حياتهم، خرج عن منهج الله عز وجل، تجاوز الحد الذي سمح الله به، باع بربح فاحش، حلف يميناً كاذبة، اعتدى على إنسان.
 

مصير من طغى وبغى نار جهنم:


 لماذا طغى؟ قال لأنه:

﴿ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38)﴾

[ سورة النازعات  ]

فطغى، وخرج عن منهج الله عز وجل، ما مصيره؟ قال:

﴿ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39)﴾

[ سورة النازعات  ]

الآن ما مصير إنسان أسرف على نفسه في بعض المحرَّمات فاستحق دخول السجون أو المستشفيات؟ نقول: هذا المكان المناسب لهذا الإنسان، ﴿فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ إنسان مريض يتلوّى مِن الألم، أين المكان المناسب له؟ المستشفى، خذ إنساناً إلى نزهةٍ رائعة، مصاب بالتهاب زائدة، وهو يصيح من الألم، هل يتأثر بجمال المناظر؟ هل يأكل طعاماً فيرتاح له؟ مستحيل، الإنسان الذي يعاني من التهاب زائدة حادٍّ مكانه الطبيعي المستشفى، وأنسب غرفة في المستشفى غرفة العمليات، وأفضل شيء يُعالج به جسمه، ليس ملعقةً يأكل بها، بل مشرطاً يفتح بطنه به، الذي معه أمراض يحتاج إلى عمليات جراحية، ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى*وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا*فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ مأواه النار.

على الإنسان أن يحسب حساب الساعة التي سيقف فيها بين يدي ربه:


بالمقابل:

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40)﴾

[ سورة النازعات  ]

هذه الساعة التي يقف فيها العبد بين يدي ربه، يقول الله لهذا العبد: لمَ فعلت كذا؟ لمَ اعتديت على عِرض هذه الإنسانة فجعلتها امرأةً بغيّاً وكانت امرأةً شريفة؟ لمَ اعتديت على مال هؤلاء الأيتام فنشؤوا فقراء وكاد الفقر أن يكون كفراً؟ لمَ ظلمت زيداً؟ لمَ أكلت مال عُبيدٍ؟ لمَ أهملت أولادك فشبوا على معصية الله؟ ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ، ﴿خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ﴾ خاف مِن هذا الوقوف بين يدي الله وأن يسأله الله عن أعماله كلها، قال: تقف الفتاة يوم القيامة تقول: يا رب لا أدخل النار حتى أُدخل أبي قبلي لأنه كان سبب انهياري.
تروي القصص أن إنساناً نشأ شارداً له أم جاهلة، جاء ببيضةٍ قد سرقها فأثنت عليه، فسار في طريق السرقة، إلى أن حُكِمَ عليه، طبعاً السرقات تطوَّرت إلى قتل، حُكِم عليه بالشنق، فلما جاءه مَن يطلب منه أن يتمنى شيئاً قبل أن يُشنق قال له: أريد أن أرى أمي، فجاؤوا له بأمه فقال: مدي لسانكِ كي أُقبّله، فمدت لسانها فقضمه بأسنانه فقطعه، وقال: لو لم يكن هذا اللسان مُشجعاً لي في الجرائم ما فقدت حياتي.
الإنسان بعد أن يتزوج تصبح عليه مسؤولية كبيرة جداً، مسؤولية تربية أولاده، الإنسان حينما يتحرَّك ينبغي أن يتحرك وفق أمر الله، وفق سُنَّة رسول الله، وفق منهج الله، أما هذا الذي يتحرك وفق هوى نفسه كالدَّابة المتفلِّتة.
 

الإيمان هو أن تخاف مقام ربك:


﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ﴾ بإمكانه أن يأخذ هذا المال، لماذا سيدنا يوسف قال:

﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)﴾

[ سورة يوسف ]

كم من إنسان قد تعرض له فتاةٌ وبإمكانه أن يفعل معها الفاحشة فيقول: معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي؟! كم إنسان ترفَّع عن مالٍ حرام وهو في أمس الحاجة إليه؟! حدثني أخ من إخواننا، عنده معمل ويعمل لديه مهندس، وجد في أحد شوارع دمشق ثمانمئة ألف ليرة، ما زال يبحث عن صاحبها حتى وجده ونقده إيَّاها، لماذا ردَّها إلى صاحبها؟ لأنه خاف مقام ربه، هذا الإيمان، الإيمان قيد الفتك ولا يفتك مؤمن، لماذا تغض بصرك عن محارم الله؟ لأنك تخاف مقام ربك، لماذا ترحم زوجتك؟ لأنك تخاف مقام ربك، لماذا تربي أولادك؟ لأنك تخاف مقام ربك، لماذا تعدل في الوَلَد؟ لأنك تخاف مقام ربك، إن أحدكم ليعبد الله ستين عاماً ثم يضارُّ في الوصية فتجب له النار، نحن في هذه البلدة الطيبة، بلد إسلامي، مئات الأسر عقليتهم ألا يعطوا البنات شيئاً أبداً، للذكور فقط، كم من إنسان يسيء في هبته ماله لأولاده، يعطي ابن الزوجة الجديدة ويدع أولاد الزوجة القديمة تملُّقاً لأمهم.
 

ثمن الجنة:


أيها الإخوة؛ ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى﴾ النفس تميل، ﴿فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ ثمن الجنة، حدثني أخ قال لي: أنا والله لي دخل فلكي، لدي مطعم فخم جداً يبيع الخمر، تاب إلى الله عز وجل، قال لي: نزلت الغلة للعشر، وأقل من العشر، لماذا ترك بيع الخمر؟ لأنه خاف مقام ربه، كم مِن إنسان ترك مالاً وفيراً، ولذةً عريضةً، وجاهاً كبيراً لأنه خاف مقام ربه؟! ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ﴾ أي خاف هذه الوقفة التي سوف يقفها بين يدي ربه، لمَ فعلت كذا؟! يُروى في الحرب العالمية الثانية أن ضابطاً خان أُمَّته، في هذا البلد يوجد تقليد، فلما جيء به للمحاكمة وقيل له: لمَ فعلت كذا وكذا؟ هو أخذ مسدساً وأطلق على رأسه ومات، هذا جوابه، موقف عصيب، خيانة عظمى.

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)﴾

[ سورة النازعات  ]

إلى أبد الآبدين، لذلك قال: الإنسان حينما يرى مقامه في الجنة، يقول: لم أرَ شراً قط، كل ما في الدنيا مِن متاعب ينساها.

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42)﴾

[ سورة النازعات  ]

متى مرساها؟ السفينة أيان مرساها؟ أي متى تقف؟ أي متى الساعة؟!
 

علم الساعة عند الله وحده:


﴿ فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43)﴾

[ سورة النازعات  ]

أنت لا تعرف ذلك، أحد الأئمة الكبار رأى ملك الموت فسأله: كم بقي لي من عمري؟ فأشار له بخمسة أصابع، فهذا تشوَّش، يا ترى خمس سنوات، أم خمسة شهور، أم خمسة أيام، أم خمس ساعات، أم خمس دقائق؟ فسأل أحد العلماء الذين اشتُهروا بتفسير المنامات، قال له: يقول لك ملك الموت إن هذا السؤال من خمسة أشياء لا يعلمها إلا الله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا﴾ أنت لا تعرف متى:

﴿ إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44)﴾

[ سورة النازعات  ]

لا يُجَلِّيها لوقتها إلا هو، لا يعلم متى الساعة إلا هو؟ لكن يوجد سؤال فيه ترف، قال: سأل أحدُ الأعراب النبيَّ عليه الصلاة والسلام قال:

(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَتَى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ.))

[ متفق عليه ]

 بدل أن تسأل متى الساعة، اسأل نفسك ماذا أعددت لها؟

﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45)﴾

[ سورة النازعات  ]

هؤلاء:

﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)﴾

[ سورة البقرة ]

﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)﴾

[ سورة البقرة ]

 

الدنيا ساعة وأمر الله لابد من أن يأتي كلمح البصر:


﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)﴾

[ سورة النازعات  ]

كل واحد منكم وأنا معكم، كيف مضى عمره؟ والله كلمح البصر، يقول لك: البارحة كنا في الابتدائي نلبس ما يُعرف بالصدرية، الآن عنده ثمانية أولاد، كيف مضى هذا العمر الطويل؟ مضى كلمح البصر، الدنيا ساعة: ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾ لذلك فإذا جاءت الطَّامة لابد من أن تأتي، والزمن المتبقي لمجيئها ينقضي كلمح البصر، هذا معنى قوله تعالى:

﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)﴾

[ سورة النحل ]

أتى وانتهى، أتى، ثم يقول الله عز وجل: ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ معناها لم يأتِ، ما معنى هذه الآية؟ ربنا عز وجل لحكمةٍ يريدها يعبِّر عن المستقبل بصيغة الماضي، لأن هذا اليوم لابد من أن يأتي، وكأنه أتى، إذا ركب شخصٌ مركبة -لا سمح الله ولا قدَّر-والطريق شديد الانحدار، وينتهي بمنعطفٍ حاد، ثم اكتشف أن السيارة لا يوجد بها مكبح، ماذا يقول: هلكنا، متنا، لم يمت بعد، بقي دقيقتان، لا، المصير محتوم بالمئة مليون، فكل إنسان حينما يوقن أنّه يوجد هلاك يتكلم بالفعل الماضي، فلذلك: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ لابد من أن يأتي، وقد يأتي كلمح البصر.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور