- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (025)سورة الفرقان
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
الإنسان الموَفَّقُ في الحياة هو الذي يصل بفكره إلى ما سيكون قبل أن يكون :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ مع الدرس الثامن من سورة الفرقان .
وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى :
﴿
الندم حالةٌ نفسية من لوازمها أن يَعَضَّ النادم على يديه لشدة الخسارة :
هل في بني البشر إنسانٌ أشد ظلماً من ذاك الذي يسمع آيات الله تُتلى عليه ثم يعرض عنها ؟
﴿ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ
هذا أشد أنواع الظلم ، فهذا الذي ظلم نفسه سيأتي يوم القيامة ويعض على يديه ، العرب كانت تقول : فلانٌ عضّ على أصبُعِه ندماً ، العض على الأُصبع كناية ، الندم حالةٌ نفسية ، من لوازمها أن يَعَضَّ النادم على أصبُعه ، لكن هنا يقول الله عزَّ وجل :
الخوف والندم شعوران ينتابان النفس ويسحقانها :
شعوران ينتابان النفس ، يسحقانها ، الشعور الأول هو الخوف ، والشعور الثاني هو الندم ، لذلك ورد أن العار يلزم المرءَ يوم القيامة حتى يقول : يا ربي لإرسالك بي إلى النار أهون عليّ مما ألقى ، وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب ، عذاب النار حق :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا
ومع ذلك يُضاف إلى عذاب الحريق وإلى عذاب النار الذي يشوي الوجوه ، يضاف إلى هذا العذاب العذاب النفسي ، وطبيعة العذاب النفسي هو الندم ، لذلك المؤمن حينما يعرف الحقيقة في الوقت المناسـب ، وهو في قوته ، وهو في أوج نشاطه ، وهو في شبابه ، إذا عرف الحق واتجه نحوه ، إذا تطابقت حركته اليومية مع أهدافه ، فهذا أحد أنواع السعادة
(( الكَيِّسُ مَن دانَ نفْسَه ، وعمِلَ لِما بعدَ الموتِ ، والعاجزُ مَن أتْبَعَ نفسَهُ هَواها ، وتمنَّى على اللهِ عزَّ وجلَّ . ))
من أراد الجنة ولم يعمل لها فقد أذنب في حقّ نفسه :
هذا الذي يتمنى أن يدخل الجنة ولا يعمل لها ، يسأل الله عزَّ وجل أن ينجيه من النار وهو يعمل للنار ، هذا ذنبٌ من الذنوب ، كما قال الإمام عليٌ كرم الله وجهه :
الله سبحانه وتعالى أعطانا العقل ، أعطانا هذا الفكر أثمن ما في الكون ، هناك مَن يُعَطِّلُه ، هناك من يسيء اسـتخدامه ، هناك من يزوِّره :
العلم ليس هدفاً بذاته بل هو وسيلة :
في هذه المناسبة الشيء الذي أحبّ أن ألفت النظر إليه هو أن أناساً فهموا الدين صياماً ، وصلاةً ، وحجاً ، وزكاةً ليس غير ، وهناك أناسٌ فهموا الدين دراسةً ، واطلاعاً ، وقراءةً ، وتلخيصاً ، وتأليفاً وما شاكل ذلك ، هذا الجانب جانبٌ فكري في الإسلام ، وهناك من فهم الإسلام صلاةً ، وصياماً ، وحجاً ، وزكاةً ، هذا جانبٌ شعائري ، والحقيقة كل الحقيقة أن الإسلام يأبى أن يكون فكراً فقط ، ويأبى أن يكون شعائر فقط ، من فهم الإسلام أنه جانبٌ فكري في الحياة ، وجعل العلم هو كل شيء ، بل جعل العلم هدفاً ونسي أن العِلم وسيلة ، وأن العلم شرطٌ لازمٌ غير كافٍ ، ومن فهم الإسلام شعائر تؤدَّى بإخلاصٍ أو بغير إخلاص ، بمعنى أو من دون معنىً ، بإقبالٍ أو من دون إقبال ، كلاهما وقع في وهـمٍ كبير .
الحقيقة أيها الأخوة أن العلم ليس هدفاً بذاته ، أي أن تأتي إلى المسجد وأن تستمع إلى تفسير كتاب الله ، أن تأتي إلى المسجد وأن تستمع إلى خطبةٍ تُلقى ، أن تقتني كتاباً ، وأن تقرأه ، وأن تسعد بقراءته ، وأن تحسَّ أن فيه أفكاراً لطيفة ، وفكراً منظَّماً منهجياً ، وأن فيه أدلةً قوية وتكتفي بهذا ، وأنت على ما أنت عليه من مخالفاتٍ ، من تقصير ، من انحرافات ، هذا العلم يصبح سُلَّمَاً يهوي بصاحبه إلى الحضيض ، الحقيقة أن العلم سُلَّمٌ يرقى بك إلى أعلى عليين ، وقد يكون هو أيضاً سُلَّمَاً يهوي بصاحبه إلى أسفل سافلين ، لابدَّ من تعريف الحقيقة ، العلم وسيلة ، والعمل يؤكِّد صحة العلم ، فالعلم ما عُمِلَ به ، فإن لم يُعمَل به كان الجهل أفضل منه .
أنا أحذر نفسي وإيَّاكم أن نفهم الدين فهماً فكرياً فقط ، أن يكون الدين ثقافةً ، أن يكون كتاباً في مكتبة ، أن يكون فكرةً نحفظُها ، أن يكون كتاباً نتلوه ، وأحذِّر نفسي وإياكم أن نفهم الدين صلاةً وصياماً وحجاً وزكاةً من دون اتصالٍ بالله ، ومن دون إقبالٍ عليه .
العلم وحده لا يكفي لابدَّ من العلم بالله عزَّ وجل وهناك مصادر عديدة :
الحقيقة كل الحقيقة أن الإنسان بمجرد أن يتعرَّف إلى الله عزَّ وجل يستقيم على أمره ، لأن عملك له علاقةٌ بمعرفتك ، العمل صدى للمعرفة ، العمل مُنعكَس للمعرفة ، فمهما ارتقت معرفتك بالله ظهر هذا على عملك ، فهذا الذي لا يعرف الله يعصيه ، أما إذا عرفت الله عزَّ وجل فلن تعصيه ، فليس الإسلام فكراً وثقافةً وكتباً ، وليس الإسلام صياماً وصلاةً وحجاً وزكاةً ليس غير ، الإسلام أن تعرف الله ، والإسلام أن تطيعه ، فإذا عرفته وعبدته اتصلت به ، وإذا اتصلت به قطفت ثماره ، من أجل ألا يكون الكلام استهلاكاً للوقت ، من أجل أن يكون الكلام استثماراً للوقت ، يجب أن تعرفوا هذه الحقيقة ، العلم وحده لا يكفي ، لا بدَّ من العلم بالله عزَّ وجل ، وأن تعرف الله هناك مصادر عديدة ، أول هذه المصادر الكون كما ورد : حسبكم الكون معجزة . فلابدَّ من جلسةٍ من يومٍ إلى آخر تتأمَّل فيها في خلقك ، كما قال الله عزَّ وجل :
﴿ فَلْيَنظُرْ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ(5) ﴾
أمر إلهي ، هل تظن أن أوامر الله عزَّ وجل تنتهي عند الصيام والصلاة والحج والزكاة ؟ ماذا تفعل وأنت المؤمن بهذه الآية :
﴿ فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ(24)﴾
هل نظرت في طعامك ؟ هل نظرت في هذا الماء الذي تشربه ؟ هل نظرت في هذا الخُبز الذي تأكله ؟ هل نظرت في هذه الفواكه ؟ في هذه الخضروات ؟ هل نظرت في هذا الطعام الذي أعدَّه الله ؟
معرفة الله تحتاج إلى إحكام عقلٍ وإلى إصغاء سمعٍ :
فلان آمن ، متى آمن ؟ فلان يحمل دُكتوراه ، هناك سبع سنوات استهلكها في الدراسة ، الإيمان مرتبة علمية ، فلان مؤمن والحمد لله ، متى آمن ؟ متى فكَّرت ؟ متى تأمَّلت ؟ متى بحثت ؟ متى دققت ؟ متى تحققت ؟ ما المصدر الذي اعتمدته لمعرفة الله عزَّ وجل ؟ فالإيمان يحتاج إلى وقت ، فهذا الذي يَدَعُ عمله ويأتي إلى المسجد هذا يُزَكِّي عن وقته ، وللوقت زكاةٌ كما للمال زكاة ، ومن طلب العلم تكفَّل الله له برزقه ، والمؤمنون في مساجدهم والله في حوائجهم ، أولاً من أجل أن تستقيم على أمر الله لابدَّ من أن تعرفه ، ومعرفة الله تحتاج إلى إحكام عقلٍ وإصغاء سمعٍ ، تستمع إلى الحق في بيوت الله وتتأمل في بيتك ، فلابدَّ من جلسةٍ تتأمل بها مع نفسك ، والله سبحانه وتعالى هكذا يقول :
﴿
إما أن تقبع في بيتك وحدك تتأمل في هذا الحق الذي اسـتمعت إليه ، وإما أن تجلس إلى أخيك تتأمل أنت وإياه في هذا الحق الذي استمعتَ إليه ، أنت حينما تستمع إلى الحق لا ينبغي أن تمر عليه هكذا ، هذه مسؤولية ، لئلا يقف الإنسان هذا الموقف النادم ، لئلا يعض الظالم على يديه :
إذا دُعيت إلى الله فتفكّرْ في هذه الدعوة :
نحن الآن في بحبوحة ، ما دام القلب ينبض فباب التوبة مفتوح ، ما دام الإنسان حيَّاً يُرزق فالطريق إلى الله سالكة ، فلذلك :
لئلا يقف الإنسان هذا الموقف العصيب فيقول :
﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) ﴾
طلب العلم والتأمل والاستماع عمل يزكيه الله وملائكته :
﴿
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)﴾
الكون مصدر ، خلقُ الإنسان مصدر ، الطعامُ والشراب مصدر ، الجبال ، والسهول ، والوهاد ، والصحارى ، والمياه ، والأنهار ، والبحار ، والبُحيرات ، والأطيار ، والأسماك ، والكواكب ، والمجرَّات ، هذه كلها آياتٌ دالةٌ على عظمة الله ، تفكَّرْ بها ، أتمنى عليكم أن تخصصوا جزءاً من وقتكم ولو ربع ساعة في التفكر في خلق السماوات والأرض ، الاستماع وحده لا يكفي ، الاستماع يكمِّل التفكر ، إذا تأمَّلت في البيت واستمعت إلى الحق في المـسجد تكون قد سرت في طريق تحصيل العلم ، سرت في هذا الطريق ، وهذا الطريق طريقٌ مُشَرِّف ، طريقُ مُقَدَّس ، ما من عملٍ أعظم عند الله من أن تطلب العلم ، ما من عملٍ يزكِّيه الله سبحانه وتعالى والملائكة والناسُ أجمعون كأن تطلب العلم ، أن تكون متأمِّلاً في بيتك ، وأن تكون مستمعاً في بيتٍ من بيوت الله ، إذا عرفت عن الله شيئاً ، عن أسمائه الحسنى ، عن صفاته الفُضلى ، عن وعده ووعيده ، عن أمره ونهيه ، عن تشريعه ، عن أحكامه ، عن الجنة والنار ، إذا عرفت هذا كلَّه وجدت نفسك شيئاً فشيئاً تميل إلى تطبيق ما عرفت ، فإذا التزمت بما عرفت تكون قد حققت العلم بشكلٍ صحيح ، العلم ما عُمِلَ به ، فلو تعلم الإنسان ولم يعمل لكان ظالماً لنفسه ، والظالم لنفسه يعض على يديه ، إذا عمل عملاً عشوائياً من دون علمٍ كان ظالماً لنفسه ، والظالم لنفسه يعض على يديه ندماً :
الطريق إلى الله عزَّ وجل يحتاج إلى رسول :
هناك طريقٌ إلى الله ، لكل بلدةٍ طريق ، هناك طريقٌ مادي ، مدينة حلب لها طريق ، حمص لها طريق ، درعا لها طريق ، بلاد بعيدة لها طريق في الجـو ، بلاد قريبة لها طريق في البحر ، كل بلدةٍ لها طريق ، وأن تكون طبيباً فللطب طريق ؛ أن تأخذ الشهادة الثانوية بمجموع متفوِّق ، وأن تنتسب إلى كلية الطب ، وأن تبقى فيها سنواتٍ خمسة ، تصبح مجازاً في الطب ، وبعدها تذهب إلى بلدٍ متقدمٍ في الطب فتحصل منه على درجة الدكتوراه ، هذا طريق الطب ، أين الطريق إلى الله ؟ لكل شيءٍ طريق ، أليس لله طريق ؟ طريق الله عزَّ وجل يحتاج إلى رسول ، والدليل :
من قلّد عالماً لقي الله يوم القيامة سالماً :
لذلك ربنا عزَّ وجل يقول :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)﴾
كونوا معهم :
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)﴾
﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا
هذا الذي استقام على أمر الله رافِقْه ، صاحبه ، اتبع سبيله ، قلِّده ، من قلّد عالماً لقي الله يوم القيامة سالماً ، لا تقلد أهل الفجور ، لا تقلد أهل الضلال ، لا تقلد الكفار ، لا تُقِم معهم علاقةً حميمة ، أقم هذه العلاقة الحميمة مع أهل الإيمان ، فلعل الله سبحانه وتعالى ينفعك بصحبتهم :
﴿
إما أن يستجيب وإما ألا يستجيب ، إن لم يستجب فهو يتبع الهوى بنص القرآن الكريم ، بعض العلماء قال :
لو أن التعليم يصلح من دون معلِّم لانخفضت النفقات إلى العُشر ، طُبِعَت الكتب ووزِّعَت ، وأجريت الامتحانات ليس غير ، ولكن لا بدَّ في الجامعة من المدرس ، ولا بدَّ في المدرسة من المُعَلِّم ، ولا بدَّ في الطريق إلى الله عزَّ وجل ، من إنسان له خبرات ، متبحر في العلم ، له تجربة مع الله غنيَّة ، مخلص مثلاً ، هذا تأخذ منه الشيء الكثير بجهدٍ يسير ، أما الإنسان حينما يحب أن يكتشف كل شيء بنفسه فقد يدفع نفسه ثمناً لاكتشافه ، أنت وجدت بساحة معركة كُتَلاً كروية لعلها قنابل ، فإذا أردت أن تكشفها بنفسك ربَّما كنت الضحية ، أما إذا جئت بخبير ألغام فهذا تستعين بخبرته وتنجو من أخطار هذه الألغام ، كذلك حينما يتعلَّم الإنسان فإنه يشارك الآخرين في عقولهم وخبرتهم ومعرفتهم بحضور مجالسهم ليس غير بلا مقابل ، فلما قال ربنا عزَّ وجل :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ(119)﴾
من أجل أن تأخذ أكبر فائدةٍ بأقل جهدٍ .
على الإنسـان أن يحذر من صاحب السوء لأن أفكاره تثَبِّط العزيمة :
حاجة الإنسان إلى أهل الحق لمعرفة الحقيقة :
ربنا عزَّ وجل قال في بعض الآيات على لسان الكافرين يقول :
﴿
هذا ترتيبه :
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148)﴾
هذا ظن كاذب ، وهذا أشد أنواع الكَذِب ، فأنت محتاج إلى أهل الحق لتعرف الحقيقة ، هناك من يقول لك أشياء غير صحيحة ، هناك صديقٌ ، هناك شريكٌ ، هناك أستاذٌ في التعليم العام مثلاً ، هناك أبٌ ، هناك صديقٌ قريبٌ قد يبثُّ في روعك أشياء غير صحيحة خلاف القرآن الكريم ، فإذا صدقتها فقد أهلكت نفسك وأنت لا تدري ، إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ ، ابن عمر دِينك دينك إنه لحمك ودمك ، خذ عن الذين استقاموا ، ولا تأخذ عن الذين مالوا ، أي :
العاقل من يتبع سبيل الله ويهتدي بهديه ويلزم أهل الحق :
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
﴿ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53)﴾
بعد ذلك يقول الله عزَّ وجل :
﴿ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ(55)﴾
الإنسان العاقل يتبع سبيل الله ، يهتدي بهدي الله ، يلزم أهل الحق ، يتبع سبيل من أناب إلى الله ، يأخذ علمه عن الذين استقاموا لا عن الذين مالوا ، لا تفرح بالذي يعطيك الرخَص ، افرح بالذي يُشَدد عليك ، لكل معصيةٍ فتوى إذا شئت ، ما أكثر من يُفتي إرضاءً للناس ، أما النبي عليه الصلاة والسلام فيقول لك : اسـتفتِ قلبك وإن أفتاك المفتون وأفتوك . عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الأَسَدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَـلَّمَ قَالَ لِوَابِصَةَ :
(( جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ ، قَالَ : قُلْتُ نَعَمْ . قَالَ : فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ فَضَرَبَ بِهَا صَدْرَهُ وَقَالَ اسْتَفْتِ نَفْسَكَ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ يَا وَابِصَةُ ثَلاثًا الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْك . ))
الشخص الذي تتمنى أن تكونه يجب أن يكون ورعاً ومحباً لله ورسوله :
(( المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل . ))
من هذا الشخص الذي تحبُّه وتركن إليه ؟ من هذا الشخص الذي تعظِّمَهُ ؟ من هذا الشخص الذي تتمنى أن تكونه ؟ أن تكون مكانه ؟ من هذا الشخص الذي تراه مِلْء السمع والبصر ؟ هذا الشخص قل لي من هو أقل لك من أنت ، المؤمن يرى من سبقه بالإيمان ملء السمع والبصر ، المؤمن يعظِّم الوَرِع ، يعظّم المحب لله ورسوله ، يعظِّم المستقيم على أمر الله ، المؤمن يحب أهل الحق ، هم ملء سمعه وبصره ؛ أما إذا كنت تعظِّم أهل الدنيا ، وأصحاب الأموال ، وأصحاب القوة ، فهذه علامةٌ خطيرة ، قارون حينما خرج على قومه بزينته :
﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79)﴾
من أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ مِن حتفه وهو لا يدري :
اسأل نفسك هذا السؤال : أنت لِمنْ تقول : هنيئاً له ؟ لصاحب البيت الفخم أم لصاحب الدخل الكبير أم لهذا الذي يعرف الله عزَّ وجل وعرف آخرته واستقام على أمره ؟ من الذي يشدُّك إليه ؟ من الذي يكون ملء سمعك وبصرك أهل الحق أم أهل الدنيا ؟ أهل الدنيا :
﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
الدنيا زائلة ، خذ من الدنيا ما شئت وخذ بقدرها هماً ، ومن أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ مِن حتفه وهو لا يدري :
شتان يوم القيامة بين من يأخذ كتابه بيمينه ومن يأخذه بشماله :
شتان بين أن تقول يوم القيامة :
﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ
تفضلوا انظروا ، طالب جاء إلى البيت وبيده الجلاء كلٌّ علاماته بدرجة جيد ، يكاد يطير من الفرح ، الفوز رائع جداً ، النجاح مسعد :
﴿ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيه(19)إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيه(20)فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ(21)فِي جَنَّةٍ عَالِيَة(22)قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ(23)كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ(24)وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيه(25)وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيه(26)يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ(27)مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيه(28)هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيه(29)خُذُوهُ فَغُلُّوهُ(30)ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ(31)ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ(32)إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ(33)﴾
ما عرف الله عزَّ وجل ، عرف أن له رباً .
معرفة الله لا تعني الإيمان به لكن المؤمن من استقام على أمر الله :
الشيطان قال :
﴿ قَالَ
اسأل الآن ألف مليون مسلم : مَن خلق السماوات والأرض ؟ يقولون لك : الله ، ليس هذا هو الإيمان :
﴿ إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ(33) ﴾
يجب أن تؤمن بالله سبحانه العظيم ، لأنك إذا آمنت بالله العظيم استقمت على أمره ، وعرفت ما عنده من عطاء ، وما عنده من عذاب فيما لو حدت عن أمره .
كلام رب العالمين لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو يصلح لكل زمان ومكان :
﴿
لا يحزن قارئ القرآن : عن أنس بن مالك :
(( من جمع القرآنَ متَّعَه اللهُ بعقلِه حتى يموتَ . ))
وقَالَ : عن أبي أُمامةَ :
(( اقرؤوا القرآنَ ولا تغُرَّنَّكم هذه المصاحفُ المُعلَّقةُ ، فإنَّ اللهَ لا يُعذِّبُ قلبًا وعَى القرآنَ ))
يقول لك : هذا الكتاب لا يصلُحُ لهذا الزمان ، جعله وراءه ظِهْرِيًّا ، هجره ، جعله خارج اهتمامه ، قرأه في المناسبات ، استمع إليه في أيام التعزية ، لم يعبأ به ، لم يَحْمِلْهُ محمل الجِد ، لم يقرأ هذا القرآن على أنه كلام الله ، وأن وعده واقع ووعيده واقع ، قرأه هكذا .
ما دمنا أحياء وباب التوبة مفتوح فكل شيء في الدنيا يصحح :
(( عن أنس بن مالك قال اللهُ تعالى : يا ابنَ آدمَ ! إِنَّكَ ما دَعَوْتَنِي ورَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لكَ على ما كان فيكَ ولا أُبالِي يا بنَ آدمَ ! لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لكَ ولا أُبالِي يا بنَ آدمَ ! لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرضِ خطَايا ثُمَّ لَقِيْتَني لاتُشْرِكْ بِيْ شَيْئًَا لأتيْتُكَ بِقِرَابِها مَغْفِرَةً . ))
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)﴾
ما دام الإنسان فيه قلب ينبض فكل شيء يُحَلّ ، الصُلْحَة بلمحة ، إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض أن أيتها الخلائق هنِّئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله .
الشيطان يخذل الإنسان في أحرج الأوقات :
ليس للشيطان سلطان على أحد :
﴿
أي ضحكت عليكم ، مَنَّيْتُكُم :
أدلة من القرآن الكريم عن منزلة المؤمن في الجنة يوم القيامة :
أما المؤمنون :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ
المؤمنون :
﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ(74)﴾
وقال :
﴿ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا
والله الذي لا إله إلا هو يأتي على قَلْب المؤمن ساعةَ يلقى الله عزَّ وجل سعادةٌ من نوع أن الذي وُعِدَ به قد تحقق ، وأن الذي خافه قد نجَّاهُ الله منه ، وأن الدين الذي آمن به في الدنيا هو حقيقةٌ ، هو كل شيءٍ في الآخرة .
المستقيم على أمر الله من ملوك الدار الآخرة :
لذلك هذا المستقيم على أمر الله ، هذا الذي يعرف الله في الدنيا من ملوك الدار الآخرة ، ملك ولكن من ملوك الدار الآخرة ، النبي عليه الصلاة والسلام دخل عليه أحد أصحابه فهشَّ له وبَش وقال :
البطل الموفَّق يبحث عن مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر ، يبحث عن رتبةٍ عند الله ، يبحث عن مكانةٍ عليَّةٍ عند الله ، لأن الله هو كل شيء ؛
العاقل من يعرف الله في الوقت المناسب :
الدين كل شيء ، وخلاف الدين لا شيء ، سنواتٌ معدودات تمضي ، حينما يرى الإنسان أبواب النار تفتح له يقول : لم أر خيراً قط ، ينسى كل شيء ،
القرآن يقيَّدَ المؤمن عن كثيرٍ من هوى نفسه :
﴿
تنتهي حرِّيتك عند معرفة الله ، الإيمان قيدُ الفَتك ، أنت حر قبل أن تعرف الله ، فإذا عرفت الله ، عرفت أن لكل مخلوقٍ رَبَّاً ، أن هذا الإله العظيم سيحاسبك عن كل مخلوقٍ ظلمته ، عن كل مخلوقٍ اعتديت عليه ، عن كل مخلوقٍ أكلت حقه ، لذلك تنتهي حريتك - هم يقولون- عندما تبدأ حريات الآخرين ، القول الآخر : تنتهي حريتك حينما تعرف الله ، لأن القرآن قيَّدَ المؤمن عن كثيرٍ من هوى نفسه ، وحال بينه وبين أن يهلك فيما يهوى ، والإيمان قيد الفَتك .
المؤمن هو من يقرأ القرآن ويعمل به ويتدبر أحكامه ويحتكم إليه ويجعله دستوراً له :
ربنا تعالى جعل للدعوة خصوماً حتى يميز الصادق لأن الصادق هو من يصمد للنهاية :
ربنا عزَّ وجل جعل للدعوة خصوماً ، أعداءً أَلِدَّاء ، جعلها محفوفةً بالمخاطر ، جعلها طريقاً كلُّها أشواك ، طريقاً فيها أكمات ، فيها حُفَر ، فيها مطبَّات ، من يصمد فيها ؟ الصادقون ، لذلك قال الله عزَّ وجل :
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّه(39)﴾
هؤلاء الصادقون :
﴿
﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)﴾
متى جعله إماماً ؟ بعد أن أتمَّ هذا الامتحان الصعب :
﴿
﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى
فهذه المخاطر ، وهذه الصعوبات ، وهؤلاء الخصوم ، وهؤلاء الأعداء الألدَّاء وما يحيكون ، هذا كلُّه من تقدير عزيزٍ حكيم ، حكمة الله شاءت ذلك ليظهر الصادقون ويسقط الكاذبون ، ليظهر المستقيمون ويسقط المنحرفون :
ابتلاء الإنسان ليظهر على حقيقته ويرقى إلى الله عز وجل :
الإنسان لا يرقى إلى الله عزَّ وجل إذا جاءت الأمور كما يحب ، شيء سهل جداً ، ولكن لا بدَّ من أن يبتلى ليظهر على حقيقته :
﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) ﴾
لا بدَّ من الابتلاء ، لا بدَّ من أن يكون الجزاء على قدر الابتلاء ، الإمام الشافعي سُئِل : أندعو الله بالتمكين أم بالابتلاء ؟ فقال رضي الله عنه :
النبي عليه الصلاة والسلام ابتلي ، ابتلي بالطائف ، أي لاقى من الصعوبات ما لاقى ، أُوذي وما أوذي أحدٌ مثل ما أُوذي النبي عليه الصلاة والسلام ، ومع ذلك صبر ، حينما قال في الطائف : اللهم إني أشكو إليك ضعف قوَّتي ، وقلَّة حيلتي ، وهواني على الناس ، يا ربَّ المستضعفين إلى من تكلني ؟ إلى عدوٍ ملَّكته أمري ؟ إن لم يكن بك غضبٌ عليَّ فلا أبالي ، ولك العُتبى حتى ترضى ، لكن عافيتك أوسع لي ، هذا ابتلاء :
﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)﴾
مستحيل ، وهذا كلامٌ من القلب .
الله عزَّ وجل سَخَّرَ الخصوم والأعداء ليرقى المؤمن بصبره وصدقه :
أيها الأخوة الأكارم ؛ لن تنال ما عند الله ، وما عند الله شيءٌ ثمين جداً ، لن تنال ما عند الله إلا بالابتلاء ، فإذا صبرت فقد نجحت ، وإذا قلت : لا أستطيع ، لا قَبِلَ لي بهذا ، فقد رسبت ،
﴿ فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ
من أجل أن ترقى أنت ، ترك هذا لك من أجل أن ترقى ، فالإنسان لا يتأفف بالمصائب ، لا يتأفف بالخصوم ، لا يتأفف بالأعداء ، هؤلاء بتقدير الله عزَّ وجل سَخَّرَهُم الله ليرقى المؤمن بصبره وصدقه ، أو ليظهر صدق الصادق وكذب الكاذب .
الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين :
(( عن أبي بكر الصديق قلتُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ونحن في الغارِ لو أنَّ أحدَهم ينظرُ إلى قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنا تحتَ قَدَمَيْهِ فقال : يا أبا بكرٍ ما ظَنُّكَ باثنينِ اللهُ ثالثُهُما . ))
الإنسان لا يبدو في الرخاء ، تبدو في الشـدة ، الإنسان لا يبدو في الغنى ، يبدو في الفقر أحياناً يبدو في الضعف ، قد تبتلى بالضعف فتكون مسـتضعفاً ، وقد تبتلى بالفقر ، وقد تبتلى بالخوف ، وقد تبتلى بنقصٍ في الأموال والأولاد ، من أجل أن تقول كلمة ، إن قلت : يا رب لك الحمد ، أنا راضٍ ، فقد نجحت .
هذا الذي كان يطوف حول الكعبة ويقول :
البطولة أن ترضى في الشدة ، أن ترضى مع إدبار الدنيا ، الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين ، فنحن بالـرخاء لا نواجه أيّ امتحان ، هل سمعتم أن أحداً يمتحن مركبةً بالنزول ، المركبة بلا محرك تسير ، ولكن المركبات تُمتحن بالصعود ، والإنسان أحياناً تكون حياته طريقاً سهلةً ، فجأةً تصبح الطريق صاعدةً ، جاء الامتحان ، أعدّ له الإيمان ، فالبطل بالصعود ، البطل بالشدائد ، البطل في المكاره ، البطل مع الخصوم ، البطل مع الضغوط ، البطل عند إدبار الدنيا ، أما في الرخاء فكلنا شاكرون لله عزَّ وجل ، كلنا سعداء ، لكن ماذا تقول إذا جاءت الشدة ؟ لكن الإنسان ليس له أن يطلب الابتلاء ، سلوا الله العافية ، لكن عافيتك أوسع لي ، أبلغ قول ، لكن عافيتك أوسع لي يا رب .
النبي عليه الصلاة والسلام أُمِرَ أن يتوكل على الله لأنه على الحق المبين :
﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) ﴾
هذا للقياس ، إذا كان أحدنا على الحق فعليه أن يتوكَّل على الله ، لأن الذي على الباطل لا يستطيع أن يتوكَّل على الله ، لأنه في خجل ، إذا كان الإنسان على الباطل ، إذا كان معتدياً ، إذا كان منحرفاً ، إذا كان مخالفاً ، إذا كان عاصياً ، لا يستطيع أن يتوكل على الله ، أما النبي عليه الصلاة والسلام فقد أمِرَ أن يتوكل على الله لأنه على الحق المبين :
﴿ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(56)﴾
والحمد لله رب العالمين