- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (044)سورة الدخان
الحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علّمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدنا علمًا وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام؛ مع الدرس الرابع والأخير من سورة الدخان، ومع الآية الواحدة والخمسين، أيها الإخوة الكرام؛ يقول الله - سبحانه وتعالى- في المقطع الأخير من سورة الدخان: مشهدان من مشاهد يوم القيامة مشهدٌ لأهل النار ومشهدٌ لأهل الجنة، وقبل أن نمضي في الحديث عن هذين المشهدين لابد من مقدمة.
أيها الإخوة؛ نحن الآن في الحياة الدنيا وبعد الحياة الدنيا تأتي الآخرة، ونحن في الحياة الدنيا مخيرون ومن إمكاناتنا أن نؤمن أو لا نؤمن، أن نستقيم أو ألا نستقيم، أن نحسن أو أن نسيء، هذا ضمن خيارات الإنسان، ربنا -جلَّ جلاله- يبين المقدمات والنتائج، من فعل هذا في الدنيا فهذه نتيجته، فهل هناك عاقل واحد يستعمل عقله ساعة من الزمن يحتار في عمل نتيجته نار محرقة إلى أبد الآبدين، وعمل نتيجته جنة عرضها السماوات والأرض؟!
الهدف من خلق الأشياء المزعجة والمسعدة في الدنيا:
أيها الإخوة الكرام؛ اليوم الآخر يجب ألا يغيب عن أذهان كل مسلم ولا لحظة، الآن في حركته اليومية سيعامل زوجته، ماذا أمر الله وماذا نهى؟ إن فعل ما أمر فمصيره إلى الجنة، إن فعل ما نهى وأصر على فعله فمصيره إلى النار، في كسب المال، في إنفاق المال، في كل حركاته وسكناته، ربنا -سبحانه وتعالى- يقول:
﴿ إِنَّ شَجَرَتَ ٱلزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44)﴾
أي الله - جلَّ جلاله- يقرب إلينا الأشياء التي لا نحبها من أجل أن نقيس عليها ما في الآخرة من عذاب، بالمناسبة لدينا أشياء في الحياة؛ في الحياة آلام: ألم الحرق، ألم الفقر، ألم الذل، وهناك أشياء مسعدة: الصحة، والجمال، والكمال، والنوال، لماذا كانت هذه الأشياء المزعجة في الدنيا؟ ولماذا كانت هذه الأشياء المسعدة في الدنيا؟ من أجل أن الله -سبحانه وتعالى- إذا حدثنا عن شيء في الآخرة يكون لهذا الحديث معنى، الدليل: إذا ذاق الإنسان ألم الحرق، فالطفل الصغير لا يعرف ما الحرق، يقترب من المدفأة فإذا لامست يده جدار المدفأة يصيح مذعوراً، الآن ماذا حدث؟ خبرة مؤلمة، فكل شيء متعلق بالنار والمدفأة يبتعد عنه بسبب هذه الخبرة، فإذا قلت له بعد حين: "هذا الشيء يحرق" يخاف، كلمة يحرق أثارت عنده خبرات مؤلمة، لذلك الآلام في الدنيا والأشياء المسعدة والسارة في الدنيا لها وظيفة أبعد من وظيفتها الآنية، وظيفتها البعيدة أن الله -سبحانه وتعالى- إذا حدثنا عن عذاب النار، وعن طعام أهل النار، وعن شراب أهل النار، وعن حريق أهل النار ففي الدنيا نار ونار الدنيا تحرق، والحريق مؤلم جداً، الحر لا يحتمل، موجة حر ارتفاع خمس درجات زيادة عن المعدل أو عشر درجات لم يحتمل الناس هذا، فكيف بألم الحريق؟! بالمقابل الله -عزَّ وجلَّ- خلق أشياء جميلة، لماذا الأشياء الجميلة؟ خلق أماكن جميلة، خلق أشخاصاً حسان الوجوه، أعطى الطعام نكهة طيبة، هذه الأشياء الجميلة لتكون مرتكزات فيما لو أن الله-سبحانه وتعالى- حدثنا عن أحوال يوم القيامة، عن أحوال أهل الجنة، لهذه الكلمات مرتكزات، تصور إنساناً لم ير البحر أبداً ولم ير صورته إطلاقًا، تجربة: ما أرينا إنساناً صورة البحر، ولا صوت موج البحر، ولا منظر البحر، ولا تعامل مع البحر، ولا ركب البحر، قل أمامه كلمة بحر مرة، مرتين، ثلاثاً... مليونًا، هذه الكلمة تعني باء وحاء وراء فقط، ثلاثة حروف لا تعني عنده شيئاً، وربما خاف من البلل من كأس ماء ولم يخف من البحر، لكن لو أن الإنسان رأى البحر أو ركبه، أو رأى أمواج البحر الهائجة، أو استمتع بمنظر البحر، أو خاف من البحر فهذه كلها خبرات؛ خبرات مسعدة ومؤلمة بعد حين كلمة بحر تثير عنده كل هذه الخبرات، لذلك في التربية أخطر أنواع التعليم التعليم اللفظي؛ كلمات جوفاء لا معنى لها، يقرأ الإنسان كتاباً ويحفظه غيباً وينساه بعد الامتحان لأنه تعليم لفظي، أما إذا فيه خبرات عملية، أية كلمة تغطي هذه الخبرة لو أُعيدت لأثارت كل هذه الخبرات، فلذلك الأشياء المؤلمة في الدنيا والأشياء المسعدة في الدنيا لها وظيفة بعيدة أنها تصبح مرتكزات لوصف أهل الجنة ووصف أهل النار، أليس في الأرض أماكن جميلة، جبال خضراء، بحار صافية؟ أليس في الأرض وجوه جميلة؟ أليس في الأرض طعام طيب؟ هذا كله مرتكزات فيما لو أن الله-سبحانه وتعالى- حدثنا عن أهل الجنة أوعن أهل النار.
ضرورة اغتنام فرصة الحياة الدنيا للتوبة والاستغفار:
المشكلة أننا اليوم في الحياة الدنيا في بحبوحة التكليف، وبحبوحة الاختيار، وبحبوحة التوبة، وبحبوحة المغفرة، وبحبوحة العفو، كل هذا الآن ممكن.
(( قالَ اللَّهُ تبارَكَ وتعالى يا ابنَ آدمَ إنَّكَ ما دعوتَني ورجوتَني غفَرتُ لَكَ على ما كانَ فيكَ ولا أبالي،
الآن:
﴿
﴿ نَبِّئْ عِبَادِىٓ أَنِّىٓ أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ (49)﴾
إذا تاب العبد توبة نصوحاً أنسى الله حافظيه والملائكة وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه،
إذاً الدرس خطير جداً لأننا في بحبوحة؛ بحبوحة أننا أحياء، بحبوحة أن الله -سبحانه وتعالى- أعطانا الخِيار، بحبوحة أن الإصلاح ممكن، والتوبة ممكنة، وإصلاح الماضي ممكن، فربنا -عزَّ وجلَّ- يصف لنا الآن أحوال أهل النار الذين وقفوا موقفاً سلبياً من الحق، أو الذين عارضوا الحق، أو الذين أرادوا نشر الباطل، أو الذين أوقعوا بين الناس، أو الذين كسبوا أموالاً بالحرام، كل هذه الذنوب الاعتقادية والسلوكية مصيرها إلى النار، وكل الأعمال الطيبة الاعتقادية والسلوكية مصيرها إلى الجنة.
التذكير بطعام أهل النار:
﴿ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ (6)﴾
ضريع: شوك،
﴿ كَالْمُهْلِ يَغْلِى فِي الْبُطُونِ (45)﴾
أي أن الإنسان أحياناً يصب كأس شاي حار جداً ويظن بأن الحرارة معتدلة فيشرب شربة كبيرة يبقى يومين أو أكثر ولسانه محروق، إذا كان الكأس أحر مما ينبغي، وأحياناً يتناول طبق حساء من الوعاء مباشرة فيشرب ملعقة واحدة فيحترق لسانه، فكيف إذا تناول زيتاً مغلياً:
﴿ كَالْمُهْلِ يَغْلِى فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْىِ ٱلْحَمِيمِ (46)﴾
الحقيقة عذاب الحريق لا يُحتمل، السائل الحار لا يُحتمل، وأحيانًا الغاز الحار لا يُحتمل، ولهب النار لا يحتمل.
قيمة الإنسان تُقاس بطاعته لله:
﴿ كَغَلْىِ ٱلْحَمِيمِ (46)خُذُوهُ فَٱعْتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ (47)﴾
أي الإنسان المجرم حتى في الدنيا إذا وجِدَ إنسان مرتكب جريمتين أو ثلاثًا وكان مختفيًا ثم أُلقي القبض عليه كيف يساق إلى دوائر الأمن؟ تفضل مثلاً! لا يقال له: تفضل، لكن لابد من خمسين أو ستين ضربة أثناء السوق، وهذا الضرب والإهانة تتناسب مع جريمته، ربنا قال:
(( ...يا أيُّها النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ قد أذهبَ عنكم عُبِّيَّةَ الجاهليَّةِ وتعاظمَها بآبائِها
معنى كريم أي أن حياتك مقدسة، زواجك مقدس، عملك مقدس، كرامتك محفوظة، رأسك مرفوع، لا يذلك الله -عزَّ وجلَّ-، ولا يجعل كافراً له عليك سلطان، لا يجعلك تقف وتتضعضع أمام إنسان قوي أو أمام إنسان غني، الله -عزَّ وجلَّ- كريم وعزيز، والعزيز من كان معه فهو عزيز، فلذلك لما يهون الإنسان عليه أمر الله يهون هو على الله
فنحن أمام مشهدين: مشهد لأهل النار ومشهد لأهل الجنة، أهل النار:
﴿ ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِۦ مِنْ عَذَابِ ٱلْحَمِيمِ (48)﴾
أحيانًا نشاهد أو نسمع عن ثوران بركان فتجد الحمم سائلة، هذه الحمم صخر بازلتي سائل، حرارته تزيد عن 1500 درجة فإذا تجمد شكّل صخوراً سوداء، بعض المحافظات عندنا أساسها براكين، فمحافظة السويداء أساسها براكين كلها حجار سُوداء.
أنواع العذاب يوم القيامة:
﴿ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ (49)﴾
من بعض معاني هذه الآية: أنه كان في الدنيا عزيزاً وقد استكبر على الله أن يطيعه، كان في الدنيا عزيزاً وقد استكبر أن يسجد لها-عزَّ وجلَّ-، كان في الدنيا عزيزاً وأبت نفسه أن يقف عند أمر الله، لم يعبأ بأمر الله، لم يعبأ بنهيه؛ عزة الإثم مع أن الله-سبحانه وتعالى- هو العزيز، ومع أن الله -سبحانه وتعالى- ما كان ليذل مؤمناً وكلكم يقرأ في دعاء القنوت:
(( أمرَنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أن نتصدَّقَ فوافقَ ذلِكَ عندي مالًا فقلتُ اليومَ أسبقُ أبا بَكرٍ إن سبقتُهُ يومًا قالَ فَجِئْتُ بنِصفِ مالي، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: ما أبقيتَ لأَهْلِكَ؟ قلتُ: مثلَهُ، وأتَى أبو بَكرٍ بِكُلِّ ما عندَهُ
والذين استحوذوا على الأموال وعاندوا الواحد الديان وحاربوا النبي ماتوا شر ميتة ولعنهم التاريخ وهم في مزبلة التاريخ، أتمنى على الله -عزَّ وجلَّ- أن نفهم هذه الفكرة فهذه المقدمات تؤدي إلى هذه النتائج، يجب أن نعلم أن هذه المقدمة هذه نتيجتها، فربنا -عزَّ وجلَّ- في صفحة واحدة عرض مشهدين: الآثمون هذا مصيرهم:
إذا كان الإنسان في منصب رفيع ثم اقتيد للسجن فأقل كلمة من الجندي تهينه، إذا قال له:
الكلام مالم يكن مطابقاً للحقيقة فكلامه فلا قيمة له:
الآن:
﴿ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ (49) إِنَّ هَٰذَا مَا كُنتُم بِهِۦ تَمْتَرُونَ (50)﴾
أي الإنسان إذا كذب بشيء وكان هذا الشيء حقيقة واقعة ثم واجه الحقيقة يتألم أشد الألم، أي عُرِض عليه أن هذا العمل مصيره إلى السجن، في الدنيا لو خالف أنظمة نافذة وكان العقاب شديداً جداً، نُصح، ذُكِّر، نُبِّه، لم يرعَوِ فلما وقع في قبضة العدالة جزاء ما اقترفت يداه يتألم أشد الألم؛ لأنه نُبه سابقاً لكنه لم يصدق، قال:
لذلك:
من المتقي وما مصيره؟
الآن الطرف الآخر:
﴿
هذا الذي اتقى أن يعصي الله ويقول لك: هذا حرام، أحياناً في الدنيا الكافر يضحك على المؤمن: ألا زلت خائفاً، إنك لا ترى شيئاً في الدنيا، كل شيء الله وحرام... ما هذه الحياة؟ يسخر منه، هذا المتقي الذي يقف عند حدود الله، يخشى أن يعصي الله، وقّاف عند كتاب الله، يخشى أن يكون كسبه حراماً، يخشى أن يكون إنفاقه حراماً، يخشى أن يستمتع بما يغضب الله.
﴿ لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ
لا يوجد في الجنة تقدم بالسن، ولا أمراض ولا نوبات كلية، ولا أمراض قلب ولا ضعف سمع، ولا ضعف بصر ولا خرف ولكن شباب دائم، كل شيء تشتهيه بين يديك، لا يوجد المنافسة، لا يوجد إزاحة أحدهم لآخر، كل متاعب الدنيا يبرأ الإنسان منها في الآخرة.
الحكمة من جعل الدنيا متعبة:
والحقيقة مما يضاعف نعيم أهل الجنة أن الحياة الدنيا متعبة، جاء إلى الدنيا فوجد فيها المتاعب والمخاوف والمقلقات والأمراض والمنافسة أحياناً، والناس لا يرحمون، والناس لا يرضون، ولا يوجد أحد ليس عنده قصص تملأ أشهراً يحدثك عن متاعبه في الحياة، هذه المتاعب لحكمة بالغة أن الله-عزَّ وجلَّ-لو أعطى الإنسان سؤله:
(( ... يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ؛ ما نَقَصَ ذلكَ ممَّا عِندِي إلَّا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحْرَ... ))
ذلك لأن عطائي كلام وأخذي كلام؛ أي أن الله -عزَّ وجلَّ- قادر أن يعطي كل إنسان كل مطالبه؛ شكل يعطيه أعلى شكل، وكذلك أعلى دخل، وأعلى زوجة وأعلى بيت وأعلى مركبة عندئذ نكره لقاء الله-عزَّ وجلَّ-، فالحياة الدنيا شاءت حكمة الله أن تكون مشحونة بالمتاعب حتى تتضاعف السعادة في الآخرة، كل شيء كان في الدنيا يؤلمك يزول في الجنة، فمثلاً يكون الإنسان ساكنًا في بيت صغير فيه متاعب؛ شمسه قليلة فينتقل لبيت الشمس في كل الغرف، كان البيت صغيراً فأصبح كبيراً، كان له درج فصار فيه مصعد مثلاً، كان فيه مدافئ أصبح فيه تدفئة مركزية، كان فيه حر فصار فيه تكييف، كل شيء في البيت القديم يضاعف سعادته في البيت الجديد، كان هنالك أشياء مزعجة كثيرة جداً هنا استراح منها، لذلك من حكمة الدنيا المتعبة أنها تضاعف سعادة آل الجنة، بل إن الناس جميعاً بما فيهم المؤمنون سيردون النار لقوله تعالى:
﴿
ورود النار ليس دخولها لكن المؤمن يطّلع على النار، يطلع على مكانه فيها فيما لو عصى الله في الدنيا، ينظر إلى أهل الدنيا الذين لم يبالوا بطاعة الله، أين مصيرهم؟ يطمئن قلبه لعدالة الله ويرى أين مصير الجبابرة، ثم يرى مكانه في النار لو لم يكن مؤمناً، هذا الورود على النار يوم القيامة يضاعف سعادة المؤمن أضعافاً مضاعفةً، كذلك متاعب الدنيا من شأنها أن تزيد من سعادة المؤمن يوم القيامة.
ماذا أعدّ الله لعباده الصالحين يوم القيامة:
1 ـ البساتين والأنهار
﴿ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى مَقَامٍ أَمِينٍۢ (51) فِى جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52)﴾
تجد الإنسان إذا كان لديه حديقة وأرض خضراء وأشجار باسقة وينبوع ماء وشلالات أحياناً يقول لك: مثل الجنة، الله -عزَّ وجلَّ- جعل اللون الأخضر والنبات الأخضر والماء العذب الفرات وأصوات العصافير هذه كلها مسعدة للنفس فقال:
(( قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى:
لكنه وصف لطيف
2 ـ الحرير المتنوع:
﴿ يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍۢ وَإِسْتَبْرَقٍۢ مُّتَقَٰبِلِينَ(53)﴾
أي يوجد حرير رقيق وحرير ثخين، السندس: ما رق من الحرير، والإستبرق: ما ثخن من الحرير،
4 ـ الحور العين:
ومن تمام نعمتهم في الآخرة:
﴿ كَذَٰلِكَ وَزَوَّجْنَٰهُم بِحُورٍ عِينٍۢ (54)﴾
5 ـ ما يشاؤون من فاكهة وهم آمنون:
﴿ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَٰكِهَةٍ ءَامِنِينَ (55)﴾
بالإضافة إلى الزوجة الحوراء العيناء لهم فيها ما يشاؤون من فاكهة وهم آمنون، أحيانًا يخاف الإنسان أن تُفقد هذه الفاكهة، أو يخاف أن تنتهي، أو يخاف ألا يشتريها -طبعاً فاكهة الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة- أو ينتهي وقتها، أو يُمنع استيرادها.
﴿ لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33)﴾
حقيقة ما بعد الموت عند المؤمن والكافر:
﴿
أي لا يوجد إلا موتة واحدة حينما يلقى الإنسان ربه وبعد هذا الموت نعيم في نعيم، آخر شيء يمكن أن يزعج المؤمن حينما تُنزع روحه وتصعد إلى الملأ الأعلى
نظام الآخرة نظام طلب فقط، ونظام الدنيا نظام كدح وسعي:
﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَٰقِيهِ (6)﴾
نظام الدنيا أساسه الكدح، فإذا أراد إنسان أن يأكل لقمة يحتاج إلى ساعات ليشتري الخضرة واللحم ويطبخ...، وإذا أراد أن يذهب إلى مكان جميل يحتاج أكثر من خمس ساعات أحياناً...، إذ لا يوجد شيء في الدنيا إلا وله ثمن، في الآخرة لهم ما يشاؤون (اطلب تُعط)
الجنة هي الفوز العظيم:
﴿ فَضْلًا مِّن رَّبِّكَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ (57)﴾
إخواننا الكرام:
الزمن في صالح المؤمن لا في صالح الكافر:
﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَٰهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58)﴾
هذا القرآنُ تَذكِرة.
﴿ فَٱرْتَقِبْ إِنَّهُم مُّرْتَقِبُونَ (59)﴾
انتظر، لابد من تحقيق الوعد والوعيد، الزمن ليس في صالح الكافر هو في صالح المؤمن؛ لأن مُضي الزمن سوف يؤكد للمؤمن صحة رؤيته وصلاح عمله وفوزه الحقيقي، أما غير المؤمن الزمن يفاجئه بأن أفكاره غير صحيحة ورؤيته كانت مشوشة، ضبابية، قيمه ساقطة، مبادئه هدّامة، فالزمن لصالح المؤمن وليس في صالح الكافر، والدليل:
﴿
مشهد أهل النار رادع للإنسان ومشهد أهل الجنة دافع له:
فهذا المقطع إخواننا الكرام؛ نحن أحياء والقلب ينبض وباب التوبة مفتوح، باب الإحسان والإصلاح مفتوح، باب المسامحة والأداء مفتوح، وكل عمل له نتيجة، فهذه المقدمة تؤدي إلى هذه النتيجة، الأثيم هذا مصيره والمتقي هذا مصيره، ما معنى متقٍ؟ أي اتقى أن يعصي الله، بكل بساطة هناك مشهدان: مشهد لأهل النار والسبب هو الإثم، ومشهد لأهل الجنة والسبب هو التقوى، هذا وقع في الإثم وهذا اتقى أن يقع في الإثم، هذه المقدمة أدت لهذه النتيجة وختام السور دائماً ملخص لها، ومن نعمة الله علينا، أحياناً المدرس من شدة رحمته بالطلاب يعطيهم نماذج أسئلة لئلا يتفاجؤوا، يقول لك مثلاً: بالفحص يوجد مسألة ومعادلة وسؤال نظري والمسألة خمسة طلبات، وكأن الله -عزَّ وجلَّ- يسرب لنا ما سيكون قبل أن يكون، فهذان المشهدان في القرآن مشهد لأهل الجنة ومشهد لأهل النار، ونحن في الدنيا قبل أن نصل إليها، ولكن من يقول لك: هذا حق ورب الكعبة؟ الذي وصل إلى دار الحق، لكن إن وصلت إلى دار الحق تصبح الرؤيا حقيقية وثابتة ولكنك لا تستفيد من هذه الرؤيا بعد أن رأيتها، إلا أنك في الدنيا لو رأيت هذا أو صدقت بهذا وتبنيت هذا ينعكس هذا إلى عمل صالح واستقامة، فالذي أتمنى من الله -عزَّ وجلَّ- أن ينقلب هذان المشهدان الأول والثاني إلى دافع وإلى رادع؛ مشهد أهل النار رادع، ومشهد أهل الجنة دافع، فإذا كوّن هذا المشهد رادعاً والثاني دافعاً فقد تحقق المراد من هذين المشهدين في أواخر سورة الدخان.
الملف مدقق
والحمد لله رب العالمين.