وضع داكن
01-07-2024
Logo
الدرس : 5 - سورة الحشر - تفسير الآيات 22- 24 هو الله
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيدنا محمد الصّادق الوعد الأمين.
اللّهمّ لا علم لنا إلا ما علّمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا، وزِدنا عِلماً وأرنا الحقَ حقاً وارزقنا أتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادكَ الصّالحين.
أيّها الإخوة الكرام؛ مع الدرس الخامس والأخير من سورة الحشر، ومع الآية الكريمة وهي قوله تعالى:    

بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ

﴿ هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ ۖ هُوَ ٱلرَّحْمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ (22) هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ ٱلْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَٰلِقُ ٱلْبَارِئُ ٱلْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ (24)﴾

[ سورة الحشر ]

 

من هُوَ الإله الخالق المبدع؟!


أيها الإخوة الكرام؛ قد تسأل إنساناً: من فلان؟ يقول لك: هو زيد، (هو) مبتدأ، و(زيدٌ) خبر، سألته: من هو؟ فقال: هو فلان، أما في هذه الآية حينما يبدأ الله -عزَّ وجلَّ- تلك الآية بقوله تعالى: (هُوَ ٱللَّهُ) معنى ذلك أنّ هناك سؤالاً: إذا فكَّر الإنسان في خلق السماوات والأرض رأى كوناً لا نهاية له، آخر الإحصاءات أن في الكون ما يقترب من مليون مجرة، وأنّ في المجرة الواحدة ما يقترب من مليون نجم، وأنّ هذه النجوم متفاوتةٌ تفاوتاً كبيراً في حجومها، وفي عددها، وفي صفاتها، فلو أن واحداً سأل نفسه: مَن خلَق الكون؟ هذا سؤال، من جعل هذا النظام البديع فيما بين الكواكب والمجرات؟ هذا التوازن الحركي، قانون الجاذبية، هذه الكتل الهائلة من أين جاءت؟ أين كانت قبل أن تُخلق؟ من أوجدها من العدم؟ أسئلة...، إذا نزلنا إلى الأرض، مَن أعطاها حجمها المناسب؟ مَن جعلها تدور حول نفسها بمحورٍ مائلٍ على مستوى دورانها حول الشمس؟ ينشأ عن هذا الميل الفصول الأربعة، وعن هذا الدوران الليلُ والنهار، من جعل الشمس ضياء والقمر نوراً؟ من جعل الأرض مفتتةً من أجل أن تُزرَع.

﴿ وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ (11) وَٱلْأَرْضِ ذَاتِ ٱلصَّدْعِ (12)﴾

[ سورة الطارق ]

الأرض تتشقق عن النبات، والسّماء تتشقق عن المطر، مَن؟ عقل الإنسان أثمن شيءٍ فيه، عقل الإنسان جهازٌ -قوة إدراكية- لا تفهم ما حوله إلا وفق ثلاثة مبادئ؛ العقل البشري لا يفهم الواقع إلا وفق سبب، ولا يفهمه إلا من أجل غاية، ولا يقبل التناقض، فالإنسان ذو التفكير الحر، ذو العقل السليم، ذو الفطرة السليمة يسأل، نحن فيما بيننا أيّ آلةٍ يجب أنّ تعتقد أن لهذه الآلة مصنعاً، وأن في هذا المصنع مصممين، ومهندسين، ومنفذين، ومواد أولية، وآلات متنوعة، ومراقبة، آلةٌ صغيرة!! والإنسان أعقد آلةٍ في الكون، مَن خَلَقه؟ مَن الذي أخرج من الرَّجُل خمسمئة مليون حوين؟ واحدٌ من هذه الخمسمئة مليون يلقِّح البويضة، كيف أن بويضةً ملقحةً بعد تسعة أشهرٍ أصبحت طفلاً؟ مئة وأربعون مليار خلية في الدّماغ، وأربعة عشر مليار خلية قشرية، والعصب البصريّ تسعمئة ألف عصب.

﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُۥ عَيْنَيْنِ (8)﴾

[ سورة البلد ]

مئة وثلاثون مليون عُصَيَّة ومخروط في شبكية العين، الشبكية عشر طبقات، العصب البصري تسعمئة ألف عصب، لكلّ عصب ثلاثة أغمدة (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُۥ عَيْنَيْنِ) ، هذه العين ترى الشيء بحجمه الحقيقي وبألوانه، وتدركه إدراكاً فورياً دون تحميض، من صمم العين؟ من أجرى فيها المُطابقة أنَّك دون ستين متراً الشّيء المتحرك كأن جهةً ثالثة تقيس المسافة بينك وبينه، وتضغط على الجسم البلوري ضغطاً ميكرونياً كي يزداد احديداب العدسة، كي يقع الخيال على الشّبكية، كي تدرك، يد من؟ تصميم من؟ تنفيذ من؟ حكمة من؟ روعة من؟ هذا سؤال.
والسمع أصواتٌ لا تعد ولا تحصى، كيف تأتي هذه الأصوات إلى أذنين؟ لأن هناك أذنين تعرف جهة الصوت، ولأن الدماغ حينما يأتيه صوتٌ من الخارج يحسب حساباً دقيقاً تفاضلَ وصول الصّوتين إلى الدّماغ، والتّفاضل هو واحد على ألف وستمئة وعشرون جزءًا من الثانية، من حساب هذا التّفاضل يعرف الإنسان جهة الصّوت، من صمم هذه الأذن؟ من صمم هذا اللّسان؟ كل حرف تُسهم فيه سبع عشرة عضلة؟ مَن صمَّم اللسان؟ من صمَّم الحبال الصّوتية؟ من صمَّم الرئتين؟ من صمَّم القلب والرئتين؟ الجواب: هو الله، مليون مليون.... سؤال يطرحه الإنسان على نفسه، الجواب: هو الله.
هذه الأزهار البديعة من أعطاها ألوانها، أشكالها، روائحها الفوَّاحة؟ هذا النبات الذي تأكله من صممه؟ من صمم نظام البذور؟ بعض البذور تعطي مليوني ضعف؛ الطماطم، من صمَّم البذور؟ من جعل هذا الرُّشيم؟ وهذا السُّويق؟ وهذا الجُذير؟ وهذه المحفظة الغذائية؟ وهذه الخصائص التي لا تعد ولا تُحصى كلها مبرمجة في النويَّة؟ شيء لا يُصدق! من؟ (هُوَ ٱللَّهُ) ، كلما قرأت: (هُوَ ٱللَّهُ) فهناك سؤال: من جعل الجميل جميلاً؟ من جعل القوي قوياً؟ من جعل هذا العلم العظيم؟ من العالِم؟ هو الله، من المُصمِّم؟ هو الله، من الموجد؟ هو الله، من المنظِّم؟ هو الله، من المُسيّر؟ هو الله، أنت تسأل والله يجيب.

﴿ إِنَّنِىٓ أَنَا ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعْبُدْنِى وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِىٓ (14)﴾

[ سورة طه ]

كأنَّ الله- سبحانه وتعالى- يجيب كل سائل أن هذا الكون وما فيه من عظمة الذي صمَّمه، وخلقه، وأبدعه، وبرأه، وصوَّره هو الله..

طرق معرفة الله والاستدلال عليه: 


أيُّها الإخوة الكرام؛ لا سبيل إلى معرفة الله بالحواس لأنّ الله -سبحانه وتعالى- يقول:

﴿ لَّا تُدْرِكُهُ ٱلْأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلْأَبْصَٰرَ ۖ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ (103)﴾

[ سورة الأنعام ]

ولكن العقل إذا أعملته في الكون عرف الله، العقل أداة معرفة الله، وهو الأداة الإدراكية الذي كرَّم الله به الإنسان، الإنسان مدرك، وكأنَّ العقل خُلِقَ كي يعرف الله، ومن أشقى الناس من استخدم عقله على خلاف ما خلق له؛ لذلك أيّها الإخوة، الله -سبحانه وتعالى- له أسماؤه الحسنى وصفاته الفضلى، أمَّا كلمة (الله) فهي علَمٌ على الذات، الاسم الجامع للأسماء الحسنى كلها وللصفات الفضلى كلها هو الله:

وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ    تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ

[ لبيد بن ربيعة ]

لذلك أيّها الإخوة، إن أسعد الناس هو الذي يُعمِل عقله فيما خَلَق الله -عزَّ وجلَّ-، والأمر لا يحتاج إلى تعقيد.

﴿ فَلْيَنظُرِ ٱلْإِنسَٰنُ إِلَىٰ طَعَامِهِۦٓ (24)﴾

[ سورة عبس ]

عاهد نفسك أن تنظر في طعامك، فيما تأكل، تأكل أنواعًا منوَّعة من الخضراوات، والفواكه، والمواد الدّسمة، ومشتقَّات الألبان، تشرب الماء الزُّلال الذي كان ملحاً أُجاجاً، كأس الماء يدلك على الله، ورغيف الخبز يدلك على الله، وكأس الحليب يدلك على الله، والشّيء الذي تُعَمِّقُ في التفكير به يوصلك إلى الله، وعدد الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، فكأن كلمة: (هُوَ ٱللَّهُ) جواب مليار مليار سؤال: من صمم؟ من خلق؟ من صوَّر؟ من أبدع؟ من أعطى الشّيء الجميل جماله؟ من أعطى الشيء اللّطيف لُطفه؟ من أعطى الشيء القوي قوته؟ ماذا أقول لكم؟!
 الحوين الذي ذكرتُه قبل قليل هو خلية؛ أصغر خلية، والخلية لها غشاء خارجي، ولها هَيولى، ولها نواة، على النواة -وأنا لا أقول رقماً لست متأكداً منه- على النواة خمسة آلاف مليون معلومة مبرجمة، على نواة الحوين المنوي الذي يلقِّح البويضة خمسة آلاف مليون معلومة مبرمجة تتحرك وفق برنامجٍ زمني، كلُّ صفات الإنسان مكتوبٌ على هذه النويَّة على شكل أوامر مبرمجة، فأنتَ أمام خلقٍ مُعجز، إن نظرت إلى الشمس والقمر شيءٌ لا يصدق، تبعد الشّمس عن الأرض مئة وستة وخمسين مليون كيلو متر، يقطعها الضوء في ثماني دقائق، بينما هناك نجومٌ في بعض الأبراج تتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، هذه الشّمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمائة ألف مرة، أحدث مجرة كُشفت رصدتها مركبةٌ فضائية بقيت تطير في الفضاء الخارجي ست سنوات، رصدت مجرةً تبعد عنا ثلاثة آلاف مليون سنة ضوئية، أرقام يصعب على العقل البشري أن يصدِّقها.
 أيّها الإخوة الكرام؛ حينما تقرأ قوله تعالى: (هُوَ ٱللَّهُ) أي سؤالٍ تطرحه: من خلق؟ من صمم؟ من أوجد؟ من صوَّر؟ من برأ؟ ما هذا العلم؟ ما هذه الدِّقة المُحكمة؟ إنسان له عينان ذهب إلى القطب الشّمالي حيث الحرارة سبعون تحت الصفر، كلُّ شيءٍ جامد صُلب، بردٌ لا يُحتمل، فالإنسان يغطي يديه، يغطي رجليه، يلبس ثياباً ثقيلة، يضع على رأسه صوفاً، أيستطيع أن يضع على عينيه شيئاً كي يقي عينيه من البرد والتجَمُّد، وفي العينين ماء وهذا الماء مُعَرَّض للتجمد، مَن وضع في ماء العين مادةً مضادةً للتجمد؟ (هُوَ ٱللَّهُ) ، تطابق العينين، تطابق الأذنين، نطق اللسان، الإحساس باللمس، هذا الجلد الغلاف الرائع، أيّها الإخوة؛ لو ذهبنا نعدد آيات الله في خلقه لوجدنا العجب العجاب، (هُوَ ٱللَّهُ) الشّيء الدّقيق في الآية أنَّ الله لا إله إلا هو، لا توجد جهة ثانية تفعل فعلاً (هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ) فالإله هو المعبود، تعبد من؟ تعبد الذي يخلق، تعبدُ الذي يرزق، تعبد الذي يتصرَّف، تعبد الذي يحيي، تعبد الذي يميت، تعبد الذي يعطي، تعبد الذي يمنع، تعبد الذي يُعزّ، تعبد الذي يُذلّ، تعبد الذي بيده كلّ شيء، الإله لا معبود بحقٍ إلا الله، الإنسان بفطرته يعبد الذي خلق.

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)﴾

[ سورة البقرة  ]

الإنسان بفطرته يعبد الذي يُحْيي، الإنسان بفطرته يعبد الذي يميت، الذي يرزق، الذي يُعزّ، الذي يُذِل، الذي يرفع، الذي يخفض (هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ) ، أمّا قولنا: (لا إله إلا الله) هذه كلمة الإسلام، هذا شعار التوحيد، الإسلام كله مضغوطٌ بهذه الكلمة، الإسلام كلّه في هذه الكلمة (لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ) ، لا مسيِّر إلا الله، لا معطي إلا الله، لا مانع إلا الله، لا خافض إلا الله، لا رافع إلا الله، لا قابض إلا الله، لا باسط إلا الله، لا مُعِزّ إلا الله، لا مُذلّ إلا الله، لا مُسعد إلا الله، لا مُشقي إلا الله، لا عاطي إلا الله (هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ)

التوحيد ينافي الشرك، والشرك ينافي التوحيد:


حينما نصل أيّها الإخوة إلى الإيمان بلا إله إلا الله نصل إلى كلّ شيء، تنقطع كل آمالنا بالخلق، وترتبط بالحقّ، الإنسان حينما ييأس من الخلق يتوجَّه إلى الحقّ، حينما ييأس من أهل الأرض يتوجه إلى السّماء، حينما يقطع الأمل مما سوى الله يتوجه إلى الله، ما دام هناك شرك الطريق إلى الله ليس سالكاً، من بعض الأقوال وهو حديث قدسيّ:

(( أنا أغْنَى الشُّركاءِ عنِ الشِّركِ، مَنْ عمِلَ عملًا أشركَ فيه معِيَ تركتُهُ وشِركَهُ ))

[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة  ]

العمل المشترك لا يقبله الله -عزَّ وجلَّ-، والقلب المشترك لا يُقبِل عليه، الله -عزَّ وجلَّ- لا يَقْبَل ولا يُقْبِل، لا يقبل عملاً مشتركاً، ولا يُقبل على قلبٍ مشترك؟

﴿ مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍۢ مِّن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِهِۦ ۚ وَمَا جَعَلَ أَزْوَٰجَكُمُ ٱلَّٰٓـِٔى تُظَٰهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَٰتِكُمْ ۚ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَٰهِكُمْ ۖ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِى ٱلسَّبِيلَ (4)﴾

[ سورة الأحزاب   ]

الحديث عن (لا إله إلا الله) حديثٌ يطول لأنه الإسلام كله، بل لأن التوحيد فحوى دعوة الأنبياء جميعاً من دون استثناء.

﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِىٓ إِلَيْهِ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعْبُدُونِ (25)﴾

[ سورة الأنبياء ]

أنت حينما ترى أن رزقك بيد الله لا تعصيه إذاً، سلامة جسدك بيد الله؛ لا تعصه إذاً، نجاحك في الزواج بيد الله؛ لا تعصه إذاً، نجاحك في العمل بيد الله؛ لا تعصه إذاً، سعادتك بيد الله، شقاؤك بيد الله، رِفعَتك بيد الله، عزَّتُكَ بيد الله، سلامتك بيد الله (هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ)، هو الذي خلق الكون، أبدع الوجود، هو الواحد، هو الموجود، هو الكامل (هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ) 

معاني عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهادَةِ:


1- الشهادة ما تراه عيوننا، والغيب ما لا نراه.

﴿ فَلَآ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (3)﴾

[ سورة الحاقة ]

الكون شيءٌ تبصره، وشيءٌ لا تبصره، كأس الماء ماذا ترى فيه؟ ماءً صافياً عذباً زُلالاً، لو أخذت نقطة ماءٍ ووضعتها تحت مجهر لرأيت من المخلوقات التي في الماء ما لا يُعد ولا يُحصى، فالماء الذي يبدو لك صافياً (بِمَا تُبْصِرُونَ) ، والذي تراه تحت المجهر (مَا لَا تُبْصِرُونَ)
هذه الأذن لها عتبةٌ للسمع، الأذن تستمع من ست عشرة اهتزازة في الثانية إلى عدد لا أذكره الآن بينهما عتبة السمع، هناك أصوات لا نسمعها، هذه ما لا نسمعها دون وبعد، فللسمع عتبة، للبصر في عتبة، للإحساس عتبة، فالكون بمجمله بعضه مُدرك وبعضه غير مُدرك، بهذه العين ترى الأرض، هل ترى ما في الأرض؟ ما في أعماق الأرض؟ ما في نواة الأرض؟ ما في مركز الأرض؟ (هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ) هو عالم ما تشاهده، وعالم ما لا تشاهده، (فَلَآ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ* وَمَا لَا تُبْصِرُونَ) ما تراه عينك وما لا تراه عينك، ما تسمعه أذنك، وما لا تسمعه أذنك، ما يدركه عقلك، وما لا يدركه عقلك (عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ) ، هذا المعنى الأول.  

2- (عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ) 

الشهادة: ما كان (الماضي)، والغيب: ما سيكون، (عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ) ما كان وما سيكون، لا يعلم الغيب إلا الله، "علم ما كان، وما يكون، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون"، إذاً المعنى الأول: ما نراه، وما لا نراه، ما كان، وما سيكون (عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ) 

3- وبعضهم قال: (عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ) عالم الدنيا وعالم الآخرة،

الآخرة عالَم قائم بذاته، الله -جلَّ جلاله- عليمٌ بما في الدنيا، عليمٌ بما سيكون في الآخرة، هذا الإله العظيم ذو العلم المُطْلَق، علمه يتعلَّق بكل ممكن وبكل موجود، هذا الذي يعلم كلّ شيء، هل يمكن أن تعصيه، وأن تتفلت من قبضته؟! الإنسان بفطرته الذي يراقبك لا يمكن أن تعصيه، هو معك في سرِّك وجهرك، في خلوتك وجلوتك، في إقامتك وسفرك، في بيتك وخارج البيت. 

الأصل في الخلق للرحمة والسعادة:


(هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ ۖ هُوَ ٱلرَّحْمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ) أحياناً الإنسان يرتكب مخالفة، يُساق ليُحقق معه، حينما يصل إلى المحقق، والمحقق إنسان لكنّ الموقف مخيف، أمّا إذا وصلت إلى أمك، ماذا تنتظر من أمك؟ الرحمة، الحب، الحنان، العطاء، الطمأنينة، الأمن، فالعلاقة بين الله وعباده علاقة رحمة، علاقة عطاء لا علاقة تخويف، أحياناً الأم تربي ابنها أمّا الأصل أن الأم للرحمة، الله -عزَّ وجلَّ- ينزل مصائب، أمّا هذا الكون بُنِيَ على الرحمة، تقول:

﴿ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ (1) ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ (2) ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ (3)﴾

[ سورة الفاتحة ]

كلمة (ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ) الأصل أنّ الإنسان خُلق ليرحمه الله، الأصل أنَّ الإنسان خلق ليسعده الله، الأصل أن الإنسان خُلق ليسلم من أي شقاء؛ الأصل هكذا، مثلاً المركبة الأصل فيها أنّها تسير، صُمِّمَت من أجل أن تسير، أصل تصميمها من أجل أن تسير، تشتريها من أجل أن تسير، أيُّ مركبةٍ فيها مكابح، المكابح تناقض عِلَّةُ وجودها، علة وجود المركبة أن تسير، والمكابح تناقض علّة وجودها من أجل سلامتها، فالأصل أنّ هذا الكون من أجل الرحمة.

﴿ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)﴾

[ سورة هود ]


الغاية من المصائب للعباد:


فإذا رأيت في الكون مصائب، متاعب، هموم، ونقص في المواد أحياناً؛ هذا كله تأديبٌ من الله  -عزَّ وجلَّ-.

﴿ فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَٰلٍۢ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّٰتٍۢ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَٰرًا (12)﴾

[ سورة نوح ]

فالإنسان قال: يا ربي أيّ عبادك أحبُّ إليك حتى أحبّه بحُبك؟ قال: "أحبُّ عبادي إليّ تقيُّ القلب، نقي اليدين، لا يمشي إلى أحدٍ بسوء، أحبني وأحبَّ من أحبني، وحببني إلى خلقي" ، قال: "يا ربي إنّك تعلم أني أحبك، وأحبُّ من يحبك، فكيف أحببكَ إلى خلقك؟" ، قال: "ذكرهم بآلائي، ونعمائي، وبلائي" ، ذكرهم بآلائي بآياتي العظيمة، ونعمائي بنعمي، بلائي بالمصائب، ذكرهم بآلائي كي يعظموني ذكرهم بنعمائي كي يحبوني، ذكرهم ببلائي كي يخافوني.

(( قال داود -عليه السلام- فيما يخاطب ربه: يا رب، أيُّ عبادك أحب إليك، أحبُّه بحبك؟ قال: يا داود، أحبُّ عبادي إليَّ نقيُّ القلب، ونقيُّ الكفين، لا يأتي إلى أحد سوءًا، ولا يمشي بالنميمة، تزول الجبال ولا يزول، أحبني وأحبَّ مَن يحبني، وحبَّبني إلى عبادي، قال: يا ربِّ، إنك لتعلم أني أحبك، وأحبُّ من يحبك، فكيف أُحبِّبك إلى عبادك؟ قال: ذكِّرهم بآلائي، وبلائي، ونعمائي، يا داود، إنَّه ليس من عبد يعين مظلومًا، أو يمشي معه في مظلمته، إلا أُثبت قدميه يوم تزول الأقدام ))

[ أخرجه البيهقي في الشعب وابن عساكر عن ابن عباس وفي سنده انقطاع ]

الأصل أنّ هذه المركبة صُمِّمَت لتسير، وفيها مكابح من أجل سلامتها، الأصل أنَّ هذا الخلق الذي خلقه الله-عزَّ وجلَّ-من أجل أن يَسعد، وهناك أشياء تُشقي حينما يخرج المخلوق عن منهج الخالق، كلمة مختصرة: أنتَ مخلوقٌ كي تسعد في الدّنيا والآخرة، وكل أنواع الشقاء بسبب شركٍ أو معصيةٍ.  

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْمُعَذَّبِينَ(213)﴾

[ سورة الشعراء ]

أو معصيةٍ.

﴿ وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٍۢ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍۢ (30)﴾

[ سورة الشورى ]

أمّا الآية التي ينبغي ألّا تنساها إطلاقاً فهي قوله تعالى:

﴿ مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءَامَنتُمْ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)﴾

[ سورة النساء ]

هذا كلام الله يا إخوان، فاطمئن (إِن شَكَرْتُمْ وَءَامَنتُمْ) (مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ) لماذا العذاب؟ 

﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِۦ عَلَيْكُمْ سُلْطَٰنًا ۚ فَأَىُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82)﴾

[ سورة الأنعام ]

والله أيّها الإخوة؛ لو لم يكن في كتاب الله إلا هاتان الآيتان: (مَا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءَامَنتُمْ) (فَأَىُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)
(هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ ۖ هُوَ ٱلرَّحْمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ) في الفاتحة في الصّلاة كلّ ركعة يجب أن تقرأ فيها الفاتحة.

(( لَا صَلَاةَ لِمَن لَمْ يَقْرَأْ بفَاتِحَةِ الكِتَابِ. ))

[ مُتَّفق عَلَيْهِ عن عبادة بن الصامت  ]

(ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ * ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ) فالأصل في علاقة الأم بابنها علاقة عطاء، علاقة إسعاد، لا يهدأ لها بال إلا إذا كان صحيحاً، لا يهدأ لها بال إلا إذا أكل، إلا إذا نام نوماً عميقاً، إلا إذا كان جسمه سليماً، إلّا إن كانت نفسه مشرقةً، سعادة الأم من خلال سعادة ابنها، أصل العلاقة بين الأم وابنها علاقة رحمة، علاقة عطاء، علاقة إسعاد، ويجب أن تعلم علم اليقين -ولله المثل الأعلى-أن أصل العلاقة بين الله وخلقه أن يسعدهم، أن يسعدهم إلى أبد الآبدين، وما الحياة الدنيا إلا إعدادٌ لحياةٍ أبديّة، الحياة الدنيا حياة محدودة، سنوات تنقضي، أمّا ثمن الطاعة في هذه السنوات المحدودة فسعادةٌ في جنةٌ عرضها السماوات والأرض إلى أبد الآبدين.

 معنى الملكيّة الحقيقية:


(هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ ۖ هُوَ ٱلرَّحْمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ ۖ هُوَ ٱلرَّحْمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ* هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْمَلِكُ) 
(ٱلْمَلِكُ) هناك من يملك ولا ينتفع، مثلاً: تملك بيتاً ولا تنتفع به، مؤجر على النظام القديم، هناك من ينتفع ولا يملك، هناك من يملك وينتفع ولكن ليس له المصير، قد يُنَّظم هذا البيت، قد يُستملك، قد يُشق شارع فيهدم، لكن الله -سبحانه وتعالى- إذا قال: (هُوَ ٱلْمَلِكُ) يملك كلّ شيء إيجاداً، وتصرُّفاً، ومصيراً، إذا اشترى الإنسان بيتًا جاهزًا يختلف عن إذا ما كان عمّرهُ، هو الذي اشترى الأرض، هو الذي بنى الأساسات، هو الذي أقام البناء، وهو الذي كسا، يملك إيجاداً وتصرفاً ومصيراً، (هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْمَلِكُ) الملكيّة الحقيقية لله -عزَّ وجلَّ-، الله -عزَّ وجلَّ-مالكٌ لِما مَلَّكَنَا؛ أعطاك سمعًا هو يملكه، وفي أي لحظةٍ يأخذه منك ولا تستطيع أن تفعل شيئاً، أعطاك عينًا هو الذي يملكها، وفي أية لحظةٍ تفقدها-لا سمح الله، رجل يحمل أعلى شهادة فقَدَ بصره ويحتل أدقّ منصب، وبالطبع خلال شهر بدأ يوقِّع المعاملات بالشرح، هذه المعاملة يقول صاحبها: كذا وكذا، إذاً أوافق، بعد ذلك سُرِّحَ من عمله، قال لصديقه: والله يا فلان، أتمنى أن أجلس على الرصيف أتكفف الناس، وليس على جسدي إلا هذا المِعْطَف، وأن يُرد لي بصري، من منا يملك عينيه؟ الله هو مالكٌ لما ملَّكنا، من منا يملك عقله؟ أحياناً يفقد الإنسان عقله، أقرب الناس إليه عن الطريق واسطة كبيرة جداً يرسلونه إلى مستشفى المجانين، أقرب الناس إليه؛ ابنه، زوجته، أنت مكانتك في البيت؛ لأن لك عقلًا، فلو ذهب هذا العقل فليس عندك مكانة إطلاقاً، هو الذي يملك ما ملّكك به، أعطاك عقلاً، أعطاك سمعًا، أعطاك بصرًا، أعطاك حركة، لو أنّ الذي ملكَ الحركة سلبها منك، أول أسبوع يوجد خدمة ممتازة لأنه شيء جديد، ثاني أسبوع أقلّ، بعد شهر يتمنى أقرب الناس إليك أن تموت، تجدهم يقولون: "الله يخفف عنه يا أخي، لا نقدر أن نتحمَّله"؛ لأنه سلب منك الحركة فقط، الإنسان يقوم بنفسه ليقضي حاجة، يمشي بنفسه، هذه نعمةٌ لا يعلمها إلا الله، مالكٌ لما مَلَّكَنا، هذه الفكرة دقيقة. 

﴿ قُلِ ٱللَّهُمَّ مَٰلِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِى ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّن تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ ۖ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ (26)﴾

[ سورة آل عمران ]

﴿ تَبَٰرَكَ ٱلَّذِى بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ (1)﴾

[ سورة الملك ]

مالك السمع والبصر، مالك العقل، مالك الحركة، مالك العِلم، الإنسان أحياناً يفقد ذاكرته، إذا كان طبيبًا انتهى طبه، مهندس ذهبت شهادته لأن كل المعلومات في الذاكرة، إذا فقد ذاكرته فقدَ كل شيء، دققوا في هذه الكلمة: الله قادر بأربع ثوانٍ أن يجعل أكبر بناء أنقاضاً فوق أصحابها، زلزال القاهرة هكذا، بناء من اثني عشر طابقاً وفي ثوانٍ معدودة أصبح كومة من الأنقاض، هذه الطوابق وما فيها من تحف، وأثاث، وممتلكات، وذهب، وسكَّان، ومطابخ، وغرف استقبال، وغرف نوم، وستائر جميلة، ومرافق، ثوانٍ! مالك الملك، الأرض مستقرة، مَن ملك استقرارها؟ الله -عزَّ وجلّ-.

﴿ أَمَّن جَعَلَ ٱلْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَٰلَهَآ أَنْهَٰرًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَٰسِىَ وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا ۗ أَءِلَٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)﴾

[ سورة النمل ]

هو الله، حركة بسيطة لا يبقى شيء، بزلزال مدينة تصبح أثراً بعد عين، إعصار يتحرك نحو بلد لا يبقي ولا يذر، لا بيت، ولا شجرة، ولا معمل، ولا حقل أبدًا، إذا كانت السرعة ثمانمئة فما فوق لا يبقي ولا يذر، من المالك؟ هو الله.
إنسان في أعلى قوته نقطة دم كرأس الدُّبوس تتجمد في أحد أوعية دماغه يفقد الحركة، يقول لك: خثرة دماغية، جلطة دماغية، ويسقط، انتهى صار عبئاً على أسرته، فإذا تحرك الإنسان! وإذا الإنسان كليتاه تعملان بانتظام فمن يملك الكليتين؟ الله -عزَّ وجلَّ-، اسأل الأطباء، الفشل الكلوي حتى الآن لا أحد يعرف سببه، الكليتان تكفَّان عن العمل فجأةً، فإلى أن يموت هذا المريض يحتاج إلى غسيل كلية كل أسبوع مرتين، وكل مرة ثماني ساعات غير الأجر المادي، ثماني ساعات وهو جالس كي يُصفَّى دمه، يُغسل دمه بكليةٍ صناعية، ويبقى بالمئة عشرون من آثار البول في الدم، من الذي يملك الكلية؟ من الذي يملك دسَّامات القلب؟ من الذي يملك مرونة الشرايين؟ من الذي يملك ضبط النمو بالخلايا؟ حتى الآن لا أحد يعلم ما أسباب المرض الخبيث لكل الأعمار، بالجلد، بالأحشاء، بالأعصاب، بالدم، حركة عشوائية في نمو الخلايا انتهى الإنسان.

 معنى القدوس، ومدلولات اسم السلام:


(هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ) منزَّهٌ عن كل نقص، (ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ) أي منزهٌ عن كل نقص؛ مقدَّس، القدوس الذي لا يليق به نقصٌ إطلاقاً.
(ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ) لهذه الكلمة معانٍ عدة: السّلام هو الذي يمنح السّلام، يمنح سلاماً لك مع نفسك، تجد المؤمن معنوياته عالية، أمّا الإنسان حينما يعصي الله يحتقر ذاته، لا يحترم ذاته، لو استطعت أن تنتزع إعجاب الناس، وهناك أعمال قذرة يفعلها الإنسان يفقد احترامه لذاته؛ فلذلك يعيش مع نفسه في صراع، يقول لك: توبيخ الضمير، وخز الضمير، الشعور بالنقص، عقدة النقص، أمّا حينما تستقيم على منهج الله -عزَّ وجلَّ- يمنحك الله سلاماً مع نفسك، وسلاماً مع الخلق، لك سمعةٌ طيبة، ولك مكانةٌ متألِّقة، ولك حبٌ في قلوب الخلق، وإذا أحب الله عبداً جعل قلوب الخلق تميلُ إليه، فالسلام أي سلم من كل عَيْب، والسّلام هو الذي سَلِم عباده من الظلم، والسّلام هو الذي منحك السلام مع نفسك، ومع الخلق ومعه، ويهديهم سُبُلَ السّلام، والإنسان يحب أن تسلم حياته من كل نغص، لن تسلم من كل نغص إلا إذا اصطلحت مع الله، إن اصطلحت معه سلَّمك من كل نغص، من كل شقاء، من كل خوف، من كل قلق، إذاً: (هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلْمُؤْمِنُ)

الله -جلَّ جلاله-واهب الإيمان:


أي الله -جلَّ جلاله- يَهب الإيمان، قال في كتابه كلاماً إذا طبقته، إذا طبقت كلامه رأيت من أفعاله ما يحملك على مزيدٍ من الإيمان، فقال الله -عزَّ وجلَّ-:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَٰلِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (97)﴾

[ سورة النحل ]

حينما تحيا حياةً طيبة يزداد إيمانك بهذه الآية، من الذي منحك الإيمان بهذه الآية؟ المؤمن الذي وهبك الإيمان.

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّـَٔاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّٰتٍۢ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ يَوْمَ لَا يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِىَّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَٰنِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَٱغْفِرْ لَنَآ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ (8)﴾

[ سورة التحريم ]

إذا اعتقدت بشيء وطبَّقته ولم تقطف ثماره اهتزَّت ثقتك بهذا الشيء؛ لم تؤمن به، أمّا إذا طبقت، وجاءت الأحداث تؤكّد النتائج التي وصفت من قبل تزداد يقيناً بهذا، هو مؤمنٌ بذاته، يمنح الإيمان لعباده، لا يخزيهم حينما يُنْجِزُ وعده معهم، حينما يقع وعده ووعيده.
 

معنى المهيمن:


 (المُهَيْمِنُ) المسيطر، كلمته هي العليا، حكمه هو النافذ، يحكم لا مُعَقِّبَ لحكمه، الله -جلَّ جلاله- ليس في الكون كله من يستطيع أن يُعَقِّبَ على حكمه، أمّا أكبر قاضٍ يحكم، وهناك قاضي النقض ينقض حكمه، وقاضي الاستئناف، والله يحكم لا معقب لحكمه.

﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِى ٱلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُۥ حَثِيثًا وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَٰتٍ بِأَمْرِهِۦٓ ۗ أَلَا لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَٰلَمِينَ (54)﴾

[ سورة الأعراف  ]

﴿ ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَىْءٍۢ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ وَكِيلٌ (62)﴾

[ سورة الزمر ]

(هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ ۖ هُوَ ٱلرَّحْمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ*هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ) أنت تحب أن تقيم علاقة متينة مع المهيمن في أي مجال، من القوي في هذه الدائرة؟ تبحث عن علاقة إيجابية مع جهة قوية من أجل أن تركن إليها، أن تعتمد عليها، أن تحميك، أن تغطِّيك، هذا منطق الناس، فإذا علمت علم اليقين أن الله وحده هو المهيمن، هو المسيطر، والنّاس يتهافتون على الأقوياء ليأخذوا منهم أمناً وطمأنينةً، وتغطيةً، ودعماً، أما حينما تعلم أن الله هو المهيمن كلمته هي العليا.

﴿ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ(16)﴾

[ سورة البروج ]

ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، (لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلْأَمْرُ) 

﴿ قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ ۖ لَهُۥ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ أَبْصِرْ بِهِۦ وَأَسْمِعْ ۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِىٍّۢ وَلَا يُشْرِكُ فِى حُكْمِهِۦٓ أَحَدًا (26)﴾

[ سورة الكهف ]


معنى العزيز:


(هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ) الشّيءُ يَندُرُ وجوده يُسمَّى عزيزاً، تشتَّدُ الحاجة إليه فيسمى عزيزاً، يَصْعُبُ الوصول إليه فيسمى عزيزاً، الله -عزَّ وجلَّ-واحدٌ لا شريك له هو عزيز إذاً، تشتد الحاجة إليه، يحتاجه كل شيءٍ في كل شيء، يستحيل أن تحيط به، لكن يمكن أن تصل إليه بمنهج، فالله هو العزيز، لا يُنال جانبه.

معنى الْجَبَّارُ


(هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ) يجبر الخواطر الكثيرة ويُجْبِرُ الظالم، والجبَّار الشيء العالي نقول: نخلةٌ جبارة أي سامقة عالية.
أحياناً يكون الإنسان مهيض الجناح، مظلومًا، له أب قاسٍ، أعطى ولداً، ولم يعط الآخر، فالذي لم يعطه هذا مكسور يجبره الله، يعطيه ويكرمه، من هنا معنى الجبار، الجبار يجبر الكسر، يجبر الضَعْف، يجبر التذلل، فالله -سبحانه وتعالى- جبار بمعنى أنّ عبداً من عبيده أصابه ضعفٌ فيجبره، يخلق من الضعف قوةً، ومن الفقر غنى، ومن الحيرة وجداناً، لكن الجبابرة من أهل الدنيا، فهو الجبّار الذي يقصمهم، هو الذي ينهيهم بالموت؛ جبار، فلها معنيان: مهيض الجناح جبْره أن يقوِّيه، والقوي الطاغي جبْره أن يقصمه، فجبارٌ لكلا الطرفين، جبارٌ للضعيف وللقوي.

معنى المتكِّبر:


(هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ ٱلْمُتَكَبِّرُ) التَكَبُّرُ في حق الله كمالٌ، وفي حق الإنسان نقصٌ، في الأصل الإنسان ضعيف، فإذا تكبَّر تَكبَّر بغير حق، أما ربنا -عزَّ وجلَّ- كبير، عطاؤه كبير، كماله عظيم، منحته لا حدود لها، فإذا ذَكَّرنا بعطائه الكبير فهذا كمالٌ فيه، إذاً: المتكبر لا نهاية لعظمته، لا نهاية لكرمه، لا نهاية لجوده، لا نهاية لعطائه، في حق الله كمال، وفي حق العبيد نقص؛ لأنه تكبرٌ بغير حق.
(هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ ٱلْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي إذا اعتقدت أنّ في الكون جباراً غير الله فقد أشركت، كبيراً غير الله فقد أشركت، مهيمناً غير الله فقد أشركت، عزيزاً غير الله فقد أشركت، ملكاً غير الله فقد أشركت، قُدُّوساً غير الله فقد أشركت (سُبْحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) الله -عزَّ وجلَّ- وحده (ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ ٱلْمُتَكَبِّرُ) سُبْحَانَ اللَّهِ! تنزهت أسماؤه (عَمَّا يُشْرِكُونَ)
سبحان الله! التّسبيح: التّنزيه والتّمجيد، فهو بعيدٌ عن أن يتمثَّل بنقصٍ، ذاته منزهةٌ عن كلّ نقصٍ وعن كل ضعفٍ، وكمالاته لا حدود لها، إذا قلت: سبحان الله! فأنت تنزهه وتمجّده.

معاني الخالق والبارئ والمصور:


آيةٌ ثالثة: (هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَٰلِقُ) ، أحياناً المهندس يصمم على الورق البناء، ثم يُنَفذُ هذا البناء، تراه أمامك ثلاثين طابقًا، العلماء قالوا: الخالق هو الذي صمَّم، والبارئ هو الذي نَفَّذ (ٱلْخَٰلِقُ ٱلْبَارِئُ) ، (ٱلْمُصَوِّرُ) : هو الذي أعطى كل شيءٍ صورته، (هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَٰلِقُ ٱلْبَارِئُ ٱلْمُصَوِّرُ) خلق أي صمَّم، برأ أي نَفَّذ، مصِّور أعطى لكل شيء صورة، المصور داخل بالخالق والبارئ، وكل شيءٍ أوجده له صورة، الحصان له صورة، الجمل له صورة، الفواكه لها صوَر، والإنسان له صورة.

لله الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى:


(هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَٰلِقُ ٱلْبَارِئُ ٱلْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ) لو أنّ الله -عزَّ وجلَّ- قال: الأسماء الحسنى له، لما أفادت القصر، له وحده الأسماء الحسنى، أسماؤه كلها حُسنى؛ لذلك أي تفسير لأسماء الله الحسنى لا يليق بكماله تفسيرٌ باطل لأن أسماءه حسنى، فكلمة (منتقم) ينبغي ألا نفهمها بالمعنى الذي بين الناس، المنتقم هو الذي يُوقِف المعتدي عند حده؛ هذا المنتقم، (المتكبِّر) هو الذي يُظهر ما عنده من خير كي يطمع عباده به، فينبغي أن تُفسَّر أسماء الله تعالى تفسيراً يتناسب مع هذه الآية (لَهُ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ) ، (يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ) كلّ ما خلق الله -سبحانه وتعالى- يسبِّح له.

﴿ تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِۦ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)﴾

[ سورة الإسراء ]

(يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ) أليس عاراً على الإنسان أن يغفل عن الله، وكلّ الكون يسبح له ويقدس له؟!! لذلك " ابن آدم، إنّك إن ذكرتني شكرتني، وإذا ما نسيتني كفرتني " .

(( أن نبي الله موسى -عليه السلام- قال: يا رب، قد أنعمت علي كثيرًا، فدلني أن أشكرك كثيرًا، قال: اذكرني كثيرًا، فإذا ذكرتني كثيرًا، فقد شكرتني كثيرًا، وإذا نسيتني فقد كفرتني. ))

[ رواه البيهقي في شعب الإيمان عن زيد بن أسلم ]

 لمجرد أن تذكر الله فهذا أحد أنواع الشُكْر.
(يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ) كلُّ ما أراده الله وقع، وكلُّ ما وقع أراده الله، وإرادةُ الله متعلقةٌ بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقةٌ بالخير المطلق ، والحمدلله ربِّ العالمين.

الملف مدقق

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور