- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠39برنامج إلى الإيمان من جديد - قناة فور شباب
مقدمة :
المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وأتمّ الصلاة وخير التسليم على نبينا وعلى حبيب قلوبنا ، على ساقينا عند الكوثر بحول الله سيدنا محمد بن عبد الله ، وعلى آله ومن والاه ، السلام عليكم وأهلاً ومرحباً بكم مشاهدينا الكرام ، سنتحدث في هذه الحلقة نحن وإياكم عن دور الشباب في عائلاتهم ، وعن المكانة التي يحظون بها ، وكيف يمكن لهؤلاء الشباب أن يحظون بعائلات سعيدة ، وبعائلات ناجحة ، من كان يحظى بعائلة متفاهمة فهو في خير عظيم ، ومن كان يحظى ببعض أفراد العائلة ؛ الأم الأب العم الأخوة أحد أفراد العائلة لا يعيش بتفاهم معه ، كيف له أن يتعامل دون أن يتنازل عن حقوقه ؟ ودون أن يصل إلى الجانب الآخر من الشاطئ إلى مرحلة العقوق والإساءة والقطيعة ؟ أسئلة كبيرة يدور النقاش بها في هذه الحلقة انطلاقاً من قول النبي عليه الصلاة والسلام :
((خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ وأنا خيرُكُم لأهْلِي))
حتى يكون فينا الخير أرحب بفضيلة العالم الرباني الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، حياكم الله شيخنا .
الدكتور راتب :
بارك الله بكم ونفع بكم .
المذيع:
شيخنا الفاضل في حديثنا اليوم عن العلاقة التي يفترض أن تجمع الشاب بعائلته وأهله ، هل لنا أن نبدأ بمقدمة عن أهمية الأهل والعلاقة الجميلة معهم في حياة الشباب ؟
أهمية الأهل في حياة كل إنسان :
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألوِيَتِه ، وارضَ عنّا وعنهم يا ربّ العالمين .
كمقدمة بسيطة واضحة الواو حرف عطف ، ومن لوازم العطف التقارب والتماثل بين المتعاطفين ، فأنت لا تقول في مجلس عام : اشتريت بيتاً وملعقة ، لا يوجد تناسب ، تقول : اشتريت بيتاً ومزرعة ، بيتاً وسيارة ، الواو حرف عطف لكن يقتضي التماثل بين المتعاطفين بحدّ معين من التماثل ، فإذا قال الله عز وجل :
﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾
رفع مستوى الإحسان إلى الوالدين إلى مستوى عبادة الله ، لأن الله هو الخالق ، والوالدين سبب وجود الإنسان :
﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾
لذلك قضية بر الوالدين شيء مهم جداً ، لكن هناك قضايا كبيرة أو صغيرة تقع في العلاقة بين الأب والأم وبين الأولاد ، ورد في بعض الآثار النبوية أن الأم إذا ماتت يقول الله عز وجل : "عبدي ماتت التي كنا نكرمك لأجلها فاعمل صالحاً نكرمك لأجلك ". أي جزء من إكرام العبد من أجل أمه ، لأن أعظم قلب في حياتنا قلب الأم ، تروي بعض القصص - لا يهمني مدى وقوعها يهمني مغزاها - أن نبياً كريماً مرّ بامرأة تخبز على التنور ، وقد وضعت ابنها على إحدى طرفي التنور ، وكلما وضعت الرغيف في التنور ضمت هذا الصغير ، وشمته، وقبلته ، تعجب هذا النبي من هذه الرحمة ، قال : يا رب ما هذه الرحمة ! فكأن وقع في كيانه : هي رحمة الله عز وجل وسأنزعها ، فلما نزع الرحمة من قلب الأم بكى هذا الطفل فألقته في التنور . وهذا معنى قوله تعالى :
﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾
محبة الأب لأولاده هي محبة الله ، محبة الأم لأولادها محبة الله ، فإذا نزعت هذه المحبة صار الابن شيئاً متعباً ، وصار عبئاً على الأب والأم ، لذلك هناك بعض الحيوانات تربي أولادها أعلى تربية ، وفي وقت معين تأكلهم ، تناقض عجيب جداً ، فلذلك الأم لها شأن كبير في القرآن والسنة ، وفي هذا المنهج الإسلامي العظيم بر الوالدين في الدرجة الأولى لكن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه سيدنا سعد بن أبي وقاص ، أم سيدنا سعد قالت له : لا آكل الطعام حتى تكفر بمحمد ، سيدنا سعد بن أبي وقاص من كبار الصحابة ، الصحابي الوحيد الذي فداه النبي صلى الله عليه وسلم بأمه وأبيه :
(( ارْمِ سَعْدٌ فِدَاكَ أَبِي وَأُمّي ))
والصحابي الوحيد الذي كان إذا دخل عليه يقول له :
(( هذا خالي ، فَلْيُرِنِي امرُؤٌ خالَه ))
هذا الصحابي الجليل حينما قالت له أمه : لا آكل الطعام حتى تكفر بمحمد ، قال لها : يا أماه لو أن لكِ مئة نفس فخرجت واحدة واحدة ما كفرت بمحمد ، فكلي إن شئت أو لا تأكلي .
بر الوالدين متعلق بدائرة محدودة ، الأم طلبت طعاماً ، طلبت ثياباً ، طلبت دواء ، طلبت حاجة يجب أن تلبيها ، أما :
﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ ﴾
لكن لا تطعهما بنعومة ، أي الأم والأب لهم طلبات كثيرة لكن هناك دائرة تجمع هذه الطلبات ، أما أن يطلب من الابن أن يطلق امرأته ، أنا قال لي أحد الأخوة الكرام : يأمرني أبي أن أطلق زوجتي ، قلت له : كيف هي زوجتك ؟ قال : ممتازة ، صاحبة دين ومحجبة وخدومة جداً وليس لي عليها أي مأخذ ، ولكن أبي لا يحبها ، قلت له : لك ألا تطلقها ، قال : أليس سيدنا عمر أمر ابنه بتطليق زوجته فطلقها ؟ قلت له : أبوك عمر ؟ قال : لا ، قلت له : انتهى الأمر .
دائماً طاعة الأم والأب في حدود ، يقول لك الأب طلق زوجتك ؟
المذيع:
شيخنا الفاضل الآن قليل في زماننا الأم والأب يطلبان من الابن الكفر ، أعتقد أنه نادر الحدوث ، كثير من المشاكل تحدث بين الشباب وعائلاتهم ، إما بقضايا دنيوية مثلاً الابن يريد هذا التخصص والأب يريد أن يكون ابنه طبيباً أو مهندساً ، الأم تريد أن تختار له شريكة الحياة ، أو بعض القضايا الدينية البنت ترتدي النقاب ، الشاب يذهب إلى المسجد ، كيف يتعامل الابن أثناء الخلاف مع الوالدين في هذه القضايا ؟
كيفية تصرف الابن أثناء خلافه مع والديه :
الدكتور راتب :
هناك حالة دقيقة بالفقه ؛ لو أن أباً امتنع عن تزويج ابنته هذا اسمه بالفقه : العضل، قال تعالى :
﴿ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ﴾
العضل امتناع الأب عن تزويج ابنته ، ما الحكم الفقهي بهذاالموضوع ؟ هذه البنت تذهب إلى القاضي تعرض عليه المشكلة ، القاضي يستدعي الأب رسمياً ويقول له : لماذا لا تريد أن تزوج ابنتك ؟ فإن قنع القاضي بتعليل الأب بامتناعه عن تزويج ابنته ينضم القاضي إلى الأب ، وإذا لم يقتنع القاضي يزوجها والقاضي وليها .
المذيع:
هل تجرؤ فتاة اليوم على فعل ذلك ؟
الدكتور راتب :
لا تجرؤ إلا أنها تكلم العم ، الخال ، أصدقاء الأب ، هناك طرق كثيرة ، إذا كانت لا تجرؤ أن تقول لأبيها : لا ، هي تستطيع أن تقنع عمها أو خالها أو كبار أقربائها أو أصدقاء الأب .
المذيع:
ليس لا تجرؤ بل لا تأمن رد فعل الأب بعد ذلك ، لن يقبل أن تعود إلى البيت .
تجنب الشرك الخفي و الابتعاد عنه :
الدكتور راتب :
هو هل يقبل أن تكون ابنته عانسة ؟ ورد في بعض الآثار : البنت يوم القيامة تقف أمام رب العزة ، تقول : يا رب ، لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي . هو سبب فسادي ، أن ترتدي الثياب العصرية ، أن تبرز كل مفاتنها والبنت لا تريد ذلك :
﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ﴾
كلمة الشرك لا تعني الكفر ، أن يطاع الأب في معصية ، هذا شرك ، لذلك أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي ، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ، ولكن شهوة خفية ، وأعمالاً لغير الله .
الشرك الجلي غير موجود ، نحن لا يوجد عندنا إله نعبده من دون الله مثل بوذا في شرق آسيا ، في العالم الإسلامي لا يوجد عندنا شرك جلي ، عندنا شرك خفي ، أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي ، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ، ولكن شهوة خفية، وأعمالاً لغير الله . هذا نوع من الشرك ، الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء ، على الصخرة الصماء ، في الليلة الظلماء ، وأدناه أن تحب على جور ، وأن تبغض على عدل ، مثلاً إنسان تعلم علم اليقين أن ماله حرام ، لكنه يكرمك إكراماً كثيراً فتحبه ، هذه محبة على جور ، أو إنسان نصحك بأدب جم كيف تجرأ ونصحك تبغضه ، هذا نوع من الشرك ، الشرك أخفى من دبيب النملة السمراء ، على الصخرة الصماء ، في الليلة الظلماء ، وأدناه أن تحب على جور ، وأن تبغض على عدل ، فحينما يجبر الأب ابنته على قبول خاطب ، هذه قضية مصيرية.
تولي الله التوفيق بين الزوجين إذا بني الزواج على طاعة الله :
الخاطب ليس له علاقة بالأب ، علاقته مع الأب علاقة بعيدة ، سوف يكون زوجها ، فإن لم يكن مؤمناً مطبقاً لمنهج الله سيكون هناك متاعب كثيرة معه ، لذلك قيل : زوج ابنتك للمؤمن إن أحبها أكرمها ولا سمح الله ولا قدر إن لم يحبها لم يظلمها ، وقد ورد في بعض السير : القاضي شريح لقيه صديقة الفضيل فقال له : يا شريح كيف حالك في بيتك ؟ قال : منذ عشرين عاماً لم أجد من يعكر صفائي ، قال : وكيف ذلك يا شريح ؟ قال : خطبت امرأة من أسرة صالحة ، فلما كان يوم الزفاف وجدت صلاحاً وكمالاً ، فصليت ركعتين شكراً لله على نعمة الزوجة الصالحة ، فلما سلّمت من صلاتي وجدت زوجتي تصلي بصلاتي ، وتسلم بسلامي ، وتشكر شكري ، فلما خلا البيت من الأهل والأحباب دنوت منها ، فقالت لي : على رسلك يا أبا أمية ، فقامت فخطبت ، قالت : أما بعد ، يا أبا أمية إني امرأة غريبة لا أعرف ما تحب ولا ما تكره ، فقل ما تحب حتى آتيه ، وما تكره حتى أجتنبه ، ويا أبا أمية قد كان لك من نساء قومك من هي كفء لك ، وكان لي من رجال قومي من هو كفء لي ، ولكن كنت لك زوجة على كتاب الله وسنة رسوله ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ، فاتقِ الله فيّ وامتثل قوله تعالى :
﴿ فإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾
ثم قعدت ، قال : فألجأتني إلى أن أخطب ، صار يوم خطابات ، وقف وقال : أما بعد ، فقد قلت كلاماً إن تصدقي فيه وتثبتي عليه يكن لك ذخراً وأجراً ، وإن تدعيه يكن حجة عليك ، أحب كذا وكذا وأكره كذا وكذا ، ما وجدت من حسنة ، فانشريها وما وجدت من سيئة فاستريها . قالت : كيف نزور أهلي وأهلك ؟ قال : نزورهم غباً مع انقطاع بين الحين والحين حتى لا يملونا . وفي الحديث الشريف :
(( زر غِبَّاً تزدد حبَّاً ))
قالت : فمن من الجيران تحبَّ أن أسمح لهنَّ بدخولِ بيتك ومن تكره ؟ قال : بنو فلان قومٌ صالحون ، وبنو فلان قومٌ غير ذلك ، قال : ومضى عليَّ عامٌ جئت إلى البيت فإذا أم زوجتي عندنا فلمَّا دخلت رحَّبتُ بها أجمل ترحيب ، وكانت قد علمت من ابنتها أنها في أهنأ حال، قالت لي أمها : يا أبا أمية كيف وجدت زوجتك ؟ قلت : والله هي خير زوجة ، قالت : يا أبا أميَّة ما أوتي الرجال شراً من المرأة المدلَّلة فوق الحدود ، فأدِّب ما شئت أن تؤدِّب ، وهذِّب ما شئت أن تهذِّب ، ثم التفتت إلى ابنتها تأمرها بحسن السمع والطاعة . قال : ومضى عليّ عشرون عاماً لم أجد ما يعكر صفائي إلا ليلة واحدة كنت فيها أنا الظالم . أي إذا بني الزواج على طاعة الله يتولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين ، أما إذا بني على معصية الله فيتولى الشيطان التفريق بينهما .
المذيع:
وأين يجد الإنسان من تخطب في مثل هذا المقام ؟
الدكتور راتب :
الطيبون للطيبات .
المذيع:
سنتوقف مع فاصل قصير ، وسنتابع عن العلاقة الجميلة بين الشباب وبين عائلاتهم..
دكتور شوقتنا للعلاقة الدافئة الجميلة وهذا فعلاً موجود في تاريخنا الإسلامي ، أنا شاب وأريد أن أدرس تخصصاً أنا أختاره ، ووالدي مهندس ويلزمني أن أكون مثله مهندساً كيف يفترض أن أفعل ؟
الأب العاقل لا يتدخل في الشؤون الدقيقة لأولاده بل يبقى في الكليات :
الدكتور راتب :
أنا أقول كما يقول سيدنا علي : " علِّموا أولادكم وهذبوهم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم ". هذه قضية دقيقة جداً على الأب أن يراعيها ، الأب قد لا يقنع بالكومبيوتر ، الأب عاش بزمن لا يوجد به كومبيوتر ، الآن الكومبيوتر رفع الدقة من واحد لمليون ، نزل الجهد من مليون لواحد ، تطور من دراجة إلى روزرايز ، هبط سعره من روزرايز لدراجة ، إنجاز الكومبيوتر الذي لا يتقنه الآن أمي ، أنا حينما أعيش في وقت ما كان فيه كومبيوتر وابني طالبني بكومبيوتر أنا يجب أن أراعي أن ابني موجود بزمن غير زمني ، علِّموا أولادكم وهذبوهم أي علموهم وفق العصر الذي يعيشون فيه ، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمنكم ، هذا من عقل الأب والأم ، كلما اتسع عقل الأب ما تدخل في أموره الخاصة ، تدخل بالقضايا العامة ، تكون حرفته مقبولة شرعاً شريفة لا يوجد بها إيذاء للناس .
المذيع:
أنا كأب هل لي الحق الشرعي أن ألزم ابني باختيار تخصص معين ؟
الدكتور راتب :
لا ، مثلاً عندنا قصة لأديب كبير توفيق الحكيم ، أبوه قاض وألزمه بكل جهده أن يدرس الحقوق ، لكنه لم يفلح بالقضاء و لا بالمحاماة لأن اتجاهه يتناقض مع إلزام أبيه له ، فأنا أرى أن الأب الحكيم يعطي ابنه الخيارات كلها مقبولة ، الابن يختار من خيارات الأب ، لا أن يلزمه بفرع معين ، الأب يجب أن يلزم ابنه بالدراسة أي ألا يكون غير جامعي .
المذيع:
ولو حصل أن هذا الأب لم يتقبل هذه الفكرة وأراد أن يلزم ابنه أنا كيف أتصرف ؟
الدكتور راتب :
يجب أن يحتال ، بمعنى أن يتكلم مع عمه ، مع خاله ، مع أصدقاء والده ، يقنع أباه ، وهناك طريقة ثانية يبالغ بإكرام والده ، حتى يستميل قلبه ثم يطلب هذا الفرع ، هناك أساليب كثيرة ، وأنا أقول لك دائماً : الإنسان عندما يهدف إلى شيء يرضي الله ، الله يعينه على ذلك ، الله يلين قلب الأب ، دئماً وأبداً ، قلبه بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء ، فأنت عندما تطلب من الله ، أنا أقول لأخواننا الكرام المشاهدين ، إذا كان ثلث الليل الأخير ينزل ربكم إلى السماء الدنيا فيقول : هل من سائلٍ فأجيبه ؟ هل من داعٍ فألبيه ؟ هل من طالب حاجةٍ فأقضيها له ؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له ؟ أنا أضع نفسي مكان هذا الشاب الذي أراد فرعاً رآه أقرب إلى طبيعته ، أقرب إلى ميوله ، أقرب إلى كفاءته ، الأب يلزمه أن يكون طبيباً هناك مئة طبيب ، ألف طبيب ، وهذه قضية مصيرية للابن ، كلما رأيت الأب أعقل وأوسع وعنده مرونة أكثر لا يتدخل في الشؤون الدقيقة لأولاده ، يبقى في الكليات ، الحرفة مقبولة وشريفة و لا يوجد فيها دخل حرام ، ولا إيذاء للناس ، ولا إثارة للفتنة ، فمادامت الحرفة ضمن الوضع السليم يجب أن يعطي ابنه الحرية .
المذيع:
شيخنا الفاضل بعض الآباء والأمهات يقومون بأفعال قد يعتقد الأبناء أنها خاطئة ما هي الطريقة الأمثل كي أنصح والدي أو والدتي ؟
تليين القلوب بالإحسان :
الدكتور راتب :
أولاً : الأسلوب اللطيف يسلك أي رأي ، أنا أقول دائماً : إنسان تزوج امرأة ووالده أراد أن يطلقها ، هو أخ عندي في الجامع ، قلت له : كيف هي ؟ قال : جيدة جداً لكن أبي لا يريدها ، علمته أن يحسن لوالده كثيراً ، خلال ستة أشهر ، هدايا أسبوعية ، خدمة عالية جداً ، ثم طلب منه أن يوافق على زوجته فوافق الأب ، الإنسان بالإحسان يلين قلبه :
(( يا داود ذكِّر عبادي بإحساني إليهم فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها ، وبغض من أساء إليها ))
الأب بشر فالإحسان المتميز من الابن يجعله يرضخ لرغبة الابن ، ويجعله أيضاً مع شرح الابن والدي أنا هذه الإنسانة مقتنع بها ، بأخلاقها ، بأهلها ، وهي مناسبة لي ، وأنت أبي وأنا لا يمكن أن أقطع أمراً من دونك ، ذكاء سياسي ، ذكاء معه حكمة ، أنت ممكن أن تنتزع من فم عدوك شيئاً في صالحك وهو لا يشعر ، أنا أرى أن الحكمة أكبر عطاء إلهي للإنسان ، والدليل قال تعالى :
﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيراً ﴾
بالحكمة تجعل العدو صديقاً ، ومن دون حكمة تجعل الصديق عدواً ، بالحكمة تسعد بزوجة من الدرجة العاشرة ، ومن دون حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى .
المذيع:
شيخنا بما فتح الله عليك من الحكمة كيف يمكن لعائلاتنا أن تكون عائلات سعيدة ؟ الآن كثير من العائلات هي شبه متفرقة ، الشباب في الخارج ، البنات في جامعاتهم ، الأم في مطبخها ، الأب خارج البيت ، هل لنا بوصفة للسعادة من الدكتور محمد راتب النابلسي ؟
كيف يمكن لعائلاتنا أن تكون عائلات سعيدة ؟
الدكتور راتب :
والله أنا أعرف أسرة أحترمها كثيراً ، لا بد من أن يكون أفراد الأسرة مجتمعين على وجبة طعام واحدة في البيت ظهراً أو مساءً ، إذا كان هناك اجتماع على الطعام ، الأب سأل ابنه عن دراسته في الجامعة ، سأل ابنه الصغير ، سألته ابنته سؤالاً ، هذا اللقاء الأسري مهم جداً ، هذا الحوار ، هناك أناس في غفلة كبيرة يقول لك : أنا خرجت قبل أن يستيقظوا وعدت بعدما ناموا ، فقدت أبوتك لهم ، فلا بد من وقت حتى أن أرسطو - والقصة قديمة – قال :
الإنسان إن لم يكن له وقت فراغ يمضيه كما يحب ليس من بني البشر . اشتغل ثماني ساعات لكن يجب أن يكون عندك وقت لتحضر درساً بجامع ، لتتابع موضوعاً فقهياً ، موضوعاً أدبياً ، لا بد من وقت تصرفه في شأنك الخاص ، في اتجاهك الخاص ، في متعتك الخاصة ، عندئذ تكون إنساناً ، الذي لا يملك وقت فراغ ليس إنساناً . أي عمل إذا أخذ كل وقتك هو أكبر خسارة، إذا أرسلنا إنساناً ليأخذ دكتوراه من باريس ، لكن لا يوجد معه ما ينفقه على نفسه ، فاشتغل أربع وعشرين ساعة ، لا يأخذ الدكتوراه ، الدخل الذي كبر مع طول الوقت ألغى مهمته في فرنسا ، إذا اشتغل ساعة لا يكفي ، كل شيء يعيقك عن هدف كبير خسارة كبيرة .
المذيع:
شيخنا أن تجتمع العائلة ولو مرة واحدة يومياً على وجبة طعام .
الدكتور راتب :
النصيحة الثانية إياك أن تعنف ابنك :
(( علموا ولا تعنفوا ))
إذا عنفته تعنيفاً شديداً يكذب عليك ، البطولة ألا يكذب على أبيه ، من هو صديقك؟ أول شيء ؛ اللقاء ، ثم إلغاء الكذب بين الأب والأولاد والأم والأولاد .
المذيع:
من خلال الملاطفة والابتعاد عن التعنيف .
الدكتور راتب :
من صديقك ؟ ادعه إلى البيت ، أحب أن أعرفه ، شاهد حديثه ، أو التقى الأب مع والد الصديق ، بالمناسبة الأم والأب وشيخ الجامع والذي يتكلم بقضايا دينية ، تأثير الكل أربعون بالمئة ، وتأثير صديق السوء ستون بالمئة ، فالبطولة الأولى أن تعرف من هو صديق ابنك ، والبطولة أن تعرفي أيتها الأم من هي صديقة ابنتك .
أنا عندي كلمة دقيقة : هناك عيد بخروج الأب ، وفي بيت آخر العيد بدخول الأب، فكل بطولة الأب أن يجعل العيد بالدخول لا بالخروج ، والأب إذا منع ابنه من شيء يجب أن يكون هناك أسباب ، الله خالق الأكوان طالبك بالشيء و لكن معه التعليل ، فالتعليل غير ملزم للقوي ، القوي يعطي أمراً فقط ، قال تعالى :
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾
لما أعطى التعليل كان المستمع محترماً جداً ، أنت عندما ترفض شيئاً في بيتك يجب أن يرافق هذا الرفض التعليل ، التعليل تكريم ، احترام ، والابن عندما يطلب شيئاً من والده يجب أن يقدم له التعليل ، نحن بعصر كومبيوتر لا بد من هذه الدورة ، فإذا الابن علل والأب علل ، صار هناك تفاهم و انعدم القمع ، هناك قمع إيجابي وقمع سلبي .
خاتمة و توديع :
المذيع:
أشكر الدكتور العلّامة على هذه الكلمات الطيبة ، وإن شاء الله كل العائلات هادئة وسعيدة ، و الشكر لكم مشاهدينا الكرام في حديثنا عن العلاقة التي تجمع الشباب بعائلاتهم ، والشيخ قال : يجب أن يكون هناك اجتماع يومي لأفراد العائلة ، والعائلات المتقطعة للأب أو الأم ، خيرهم من يبدأ بالسلام ، هذا السنة الحسنة ، وأن يكون هناك إقناع بعيد عن التعنيف ، لا نقبل أن نسيء ، أو نرفع الصوت ، يجب أن نكون هادئين :
((خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ وأنا خيرُكُم لأهْلِي))
وخيرنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، إلى هنا نصل إلى الختام ، نشهد أن لا إله إلا أنت ، نستغفرك ونتوب إليك ، تحية طيبة لكم ، والسلام عليكم .