وضع داكن
28-03-2024
Logo
أدعية مأثورة - الدرس : 09 - دعاء الانطلاق إلى العمل، اللهم إني أعوذ بك من أن أزل أو أُزل أو أضل …..
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

أخطر قضايا الدين قضية الشرك والتوحيد :

أيها الأخوة الكرام: حقيقة الدعاء لابد أن تكون واضحة لدى أخوتنا الكرام.
أخ كريم مثلاً يعاني من مشكلة كبيرة إذا كان ضعيف الإيمان قد يتوجه إلى شخص يمكن أن يكون غنياً، أو شيخاً، أو قوياً، يضع الأمل كله عليه، هنا الخطأ، حينما تضع أملك في الله عز وجل، وتعقد الأمل على الله، وترجوه وحده تحل مشكلتك.

تروى قصة طريفة أن رجلاً ضاقت به الأحوال في الشام حتى لا يجد ما يأكل، له قريب يعمل في اسطنبول مدير مكتب بالمصطلح الحديث للسلطات، فشدّ الرحال إليه وهو يعقد الآمال على منصب أو عمل، فنزل عنده ضيفاً ورحب به، هذا الرجل وضع على طاولة السلطان مشروع قرار بتعيينه في وظيفة، وقّعت كل الأوراق عدا هذه الورقة، وانتظر في اليوم التالي والثالث والرابع.... أبداً! هذه الورقة لا توقع، يبدو أن هذا القريب على علم، شعر أن هذا القريب علق الأمل كله عليه فأوعز إلى بعض من حوله أن ينهروه، ضيف ثلاثة أيام فقط، أنت بت هنا شهراً! فهذا شعر بإهانة ما بعدها إهانة، وخرج من بيت قريبه هائماً على وجهه لا يرى بعينيه، هذا القريب قدم هذا الطلب بعدما خرج قريبه من عنده ومشروع القرار فوقّع فوراً! ما سر ذلك؟ مادام هذا الإنسان متعلقاً بقريبه فالطريق مسدود، أما حينما طرده قريبه فبقي متعلقاً بالله عز وجل، وأرسل وراءه من يعلم أين سيبيت في هذه الليلة، في اليوم التالي حلت المشكلة.
أخطر قضايا الدين قضية الشرك والتوحيد، أنت حينما تعقد الأمل على زيد أو عبيد الطريق مسدود، يأتيني أخ كريم يعاني من مشكلة كبيرة أقول له: والله أنا عبد فقير مثلك، والحل ليس عندي بل عند الله، أما أنا أدلك على من بيده الحل، أهم شيء في الدعاء لا أن تضع أملك في زيد أو عبيد لو كان قوياً وغنياً وقريباً وصدوقاً اعقد الأمل بالله.
لو كنت متخذاً من العباد خليلاً لكان أبو بكر خليلي ولكن أخ وصاحب في الله.

من اعتمد على غير الله ضلّ :

من اعتمد على ماله وزوجته وأولاده ضلّ، إنسان يعقد كل الأمل على أولاده يسافرون، ويتجنسون، ويضنون عليه برسالة أو باتصال هاتفي لأنه اعتمد عليهم، وكأن سياسة الله في تأديب عباده المشركين الشرك الخفي أنه ما من عبد يعتمد على عبد إلا يلهم الله هذا العبد الذي اعتمد عليه أن يخيب ظنه.
يكون لك صديق في منصب رفيع وأنت تعقد الأمل عليه وتنسى الله، تدخل عليه لا يرحب بك، يقول لك: اجلس، قد لا ينظر إليك، فهذا الأسلوب بدّل لك كل الآمال، هذا من خبرة، ما من إنسان يعتمد على إنسان إلا وسيخيب ظنه به لا لخطأ في هذا الذي اعتمدت عليه، لكن بتأديب الله لك، اعقد الأمل على الله عز وجل، والله عشرات الأخوة الكرام يأتون والخطأ أنهم يتوهمون أن الحل عندي! لا الحل ليس عندي! والدليل:

﴿ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ﴾

[سورة الجن]

من هو؟ سيد الخلق! الإنسان الأول في الكون:

﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إلا ما شاء الله وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ﴾

[ سورة الأعراف الآية: 188 ]

فلأن لا أملك لكم من باب أولى، فالقضية في التوحيد.

الدعاء لله وحده :

لذلك يكاد يكون رمضان في أضخم ثماره أن تدع الخلق وتتجه إلى الحق، لذلك جاءت الآية:

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾

[سورة البقرة]

إن صاموا صياماً صحيحاً وقبل صيامهم وقطفوا ثماره يسألون عن الله.

﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾

هذه الملاحظة أعاني منها كثيراً: يأتي الأخ ويظن الحل عند فلان، لا! فلان وسيلة أو أحد الوسائل المشروعة في الحل، لكن الله هو الذي يلهم ويقوي ويعطي ما يسمى بالإلقاء بالروع، القاعدة أن الذي اعتمد على الغني يلقي الله في روعه أن لا تعطيه، والذي اعتمد على الله وجاء إلى هذا الذي يقترض منه على أنه باب من أبواب السعي لا على أنه المصدر فالله سبحانه وتعالى يلهمه أن يعطيه، على كلٍّ:

(( من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه ))

[ البيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود]

من جلس إلى غني معتمد وعاقد الأمل عليه ذهب ثلثا دينه، هذه حقيقة بين يدي الدعاء، الدعاء لله وحده، أما أن تسأل الناس فمن باب الأخذ بالأسباب، قال عليه الصلاة والسلام:

(( ابتغوا الحوائج بعزة الأنفس فإن الأمور تجري بالمقادير))

[ابن عساكر عن عبد الله بن بسر]

وقال عليه الصلاة والسلام:

(( لا ينبغي للمؤمن أن يُذِلّ نفسَهُ ))

[أخرجه الترمذي عن حذيفة بن اليمان ]

وقال عليه الصلاة والسلام:

(( شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه استغناؤه عن الناس))

[ورد في الأثر]

من يثق أن الله هو الرزاق لا يمكن أن يجعل من الغش أو الكذب سبباً لكسب المال :

لا زلنا في موضوع الدعاء ومناسباته، طبعاً استيقظنا وتوجهنا إلى المسجد، وأوينا إلى الفراش، وحضرنا مجلس علم، هذه الموضوعات السابقة، الآن انطلقنا إلى العمل والمعمل والمكتب والدكان والمستشفى والمدرسة والسكنى.
يعلمنا النبي عليه الصلاة والسلام أن ندعو إذا انطلقنا إلى أعمالنا:

(( النَّبِيّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ أَوْ نَضِلَّ أَوْ نَظْلِمَ أَوْ نُظْلَمَ أَوْ نَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا ))

[سنن الترمذي عن أم سلمة]

في حركة الحياة وانطلاقك إلى عملك هناك احتمال كبير أن تزل قدمك في شراء صفقة لا ترضي الله، أو في إقامة علاقة مالية ربوية، أو في المتاجرة ببضاعة محرمة، أو في كذب، أو تدليس، أو حلف يمين كاذبة في أثناء البيع والشراء.
صدقوا أيها الأخوة أن هناك عشرات ألوف المنزلقات في الحياة العملية، لماذا دين المرأة سهل؟ إذا صلت خمسها وصامت شهرها وأطاعت زوجها وحفظت نفسها دخلت جنة ربها، أما أنت أيها الرجل فمن خلال العمل هناك عشرات ألوف المنزلقات كالكذب، والتدليس، والغش، وبيع الضرر، وأساليب لا ترضي الله في عرض البضاعة.
"إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ"، إما أن أخطئ ذاتياً أو يأتي إنسان ويجعلني خطيئة له، يحملني على أن أزل، يضيق عليّ ويضعني في ظرف حرج، يخيرني خياراً صعباً تضعف نفسي أزل، إما أن أزل ابتداء أو أن أزلَّ بتضييق من الآخرين.
"اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ أَوْ نَضِلَّ" قد تكون في السوق يأتيك جار وزميل وصاحب يتحدثون في موضوع أن الإنسان إن لم يغش لا يربح، وكأنها قاعدة وطريق إلى الربح، فهنا إما أن أضل وأتوهم خطاً، أو أُضل الإنسان حينما يتحرك يتحرك من منطلقات نظرية، فحينما تعتقد أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين لا يمكن أن تجعل من الغش أو الكذب أو الاحتيال سبباً لكسب المال، أما حينما تعتقد أن الله سبحانه وتعالى تركهم يأكل قويهم ضعيفهم، عندئذ تضطر إلى أن تسلك أساليب غير مشروعة في كسب المال.

 

على الإنسان أن يستعين بعلم الله وبحكمته وبفعله عند خروجه من المنزل :


الخطأ أساسه خطأ في الاعتقاد، خطأ في التصور وفي الرؤية. "اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ أَوْ نَضِلَّ أَوْ نَظْلِمَ أَوْ نُظْلَمَ". الظلم فيه قهر، أن أظلم إنساناً، أستغل حاجته لهذه السلعة فأضاعف السعر وهو فقير، لكنه مضطر، أنت ظلمته بهذا البيع ظلماً فاحشاً، أو أُظلم أن تكون لي حاجة وأنا مضطر فيأتي من يذبحني من الوريد إلى الوريد، حينما أطلب هذه الحاجة، أو أجهل أو يجهل علي، هنا الجهل له معنى آخر كما قال الشاعر:




ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
***

الحمق يعني بالجهل، التصرف الأحمق الأرعن، فهذا الدعاء إذا خرجت من البيت، أديت الصلاة في المسجد ورجعت إلى البيت، الآن خرجت إلى العمل، المدرسة، التدريس، المكتب الهندسي، عملك في الوزارة، المعمل، المكتب، التجاري، الدكان، إذا انطلقت إلى عملك كي تكسب رزقك في حركة الحياة.

"اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ أَوْ نَضِلَّ أَوْ نَظْلِمَ أَوْ نُظْلَمَ أَوْ نَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا"، أنت استعنت بعلم الله، وبحكمته، وبفعله، وبالقوي، وبالذي يعلم السر وأخفى، والذي لا تأخذه سنة ولا نوم.
هذا دعاء يدعو به الإنسان، كم من إنسان خرج من بيته متوجهاً إلى عمله فدمر أثناء خروجه إما بحادث أو باحتيال شديد.
قال لي إنسان: في الطريق كنت أمشي يوم الجمعة، إنسان أقبل علي متلهفاً وادعى أن زوجته في المشفى، ولا يملك عملة سورية، طلب منه أن يقرضه مبلغاً وأن يأخذ مقابله عملة لها سعر عال جداً، هو تردد، وإذ بإنسان يقول: ما القصة؟ يقول: أنا أعطيك المبلغ فتوجه إلى البيت، وجاء بالمبلغ على مرأى منه، وأغراه أن هذه العملة غالية جداً، وأنا أعمل في صرف العملات، توجه إلى البيت وأعطاه كل ما يملك من المال! أعطوه وريقات عملة أجنبية اطلعت عليها، دفع ستاً وثلاثين ألفاً ثمن أوراق لا تتجاوز ثماني ليرات سورية! جهل وجُهل عليه، ضل وأُضل، يمكن أن يكون الإنسان ذكياً جداً يحتال عليك بأساليب بأعلى درجة من الذكاء، فإذا خرجت من البيت استعين بالله و استنصر به وبقدرته، هذا دعاء مهم جداً.

 

على الإنسان أن يتوكل على من بيده ملكوت السماوات والأرض :

أيها الأخوة: حينما تخرج من البيت تدعو:

(( اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ أَوْ نَضِلَّ أَوْ نَظْلِمَ أَوْ نُظْلَمَ أَوْ نَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا ))

و هناك حديث آخر:

(( النَّبِيّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ قَالَ يُقَالُ حِينَئِذٍ هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ ))

[سنن أبي داود عن أنس بن مالك]

توكلت على من؟ على خالق السماوات والأرض، وعلى الذي لا تخفى عليه خافية، توكلت على من بيده ملكوت السماوات والأرض، وعلى العليم والخبير.

(( بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ قَالَ يُقَالُ حِينَئِذٍ هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ))

وهناك دعاء ثالث هو دعاء العمل:

(( اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً ))

[أخرجه ابن حبان عن أنس بن مالك ]

أحياناً إنسان يعيب تركيب محرك، ويدّعي أنه ذو خبرة، فينسى قطعة ينبغي أن توضع في أول المرحلة، يهدر عمل أربع أو عشر ساعات! أحياناً على الحاسب تخطئ خطأ طفيفاً فتمحى كل البيانات.

((للهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن سهلاً إذا شئت))

الرسول عليه الصلاة والسلام كان يدعو أحياناً:"اللهم إني أعوذ بك مما أهتم له ومما لا أهتم له".
الإنسان يدمر بشيء طفيف جداً، قد تنتهي حياته بخطأ طفيف في مركبته، قد يحرق بيته بماس طفيف، قد تأتي مصائب كبيرة لأسباب تافهة جداً.

((للهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن سهلا إذا شئت))

هذا هو التوفيق والتيسير والحفظ.

 

من علامة رضائك بقضاء الله وقدره أنك لا تحب تأجيل ما عجل الله ولا تعجيل ما أخر الله:

 

دعاء آخر إذا خرج من البيت، الآن في معركة الحياة:

(( بسم الله على نفسي ومالي وديني ))

[ الديلمي عن ابن عمر]

على نفسي صحة وعلى مالي قوام الحياة وعلى ديني.
وكان يدعو ويقول: "أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا".
يوجد إنسان كل حياته ساخط ويتشكى، وقد قيل: الذي يتأفف من عمله لا يصلح لعمل آخر، يخطب ويتزوج يتشكى من زوجته، الذي يتشكى من زوجته سيتشكى من أية زوجة أخرى، والذي يتأفف من عمله سيتأفف من أي عمل آخر:

((اللهم رضني بقضائك وبارك لي فيما قدر لي حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت))

[ابن السنى فى عمل يوم وليلة عن ابن عمر]

الإنسان إذا كان ساخطاً على قضاء الله وقدره يحب تعجيل ما أخر الله، وتأجيل ما عجل الله، من علامة رضائك بقضاء الله وقدره أنك لا تحب تأجيل ما عجل الله، ولا تعجيل ما أخر الله:

((...حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت))

[ابن السني في عمل يوم وليلة عن ابن عمر]

رجل شكا إلى النبي الانقباض و الوحشة و الكآبة فقال عليه الصلاة والسلام:

((قل: سبحان الملك القدوس رب الملائكة والروح جللت السماوات والأرض بالعزة والجبروت ))

[ المعجم الكبير عن البراء بن عازب]

المؤمن أنسه بالله عز وجل :


الاستئناس بالناس من علامات الإفلاس، المؤمن أنسه بالله عز وجل، عجيب أمر المؤمن، مع الناس في أرقى حالة، ودود، لطيف، باش الوجه، مرح، لكن إذا ابتعد عنه الناس أنسه بالله عز وجل، ويستغني بالله عن كل الناس، لكنه إذا عاشر الناس ليس فظاً ولا غليظاً، يألف ويؤلف إذا عاشر الناس، أما إذا ابتعدوا عنه له في أنسه بالله غنية، إذا ابتعد الناس عنه يأنس بالله عز وجل، فكل مؤمن لا بد له من ساعة مع الله، هذه الساعة إذا كانت غنية بالدعاء وبالإقبال والابتهال استغنى بهذه العلاقة الغنية عن علاقات الناس لكنه أديب مع الناس، كان عليه الصلاة والسلام مع الناس ومع الصغير والضعيف والأرملة يأنس الناس به، من عامله أحبه، من رآه بديهة هابه، لكن الناس لو أنهم ابتعدوا عنه هو في قمة السعادة: أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني!

القضاء والقدر شيء وجزاء التقصير شيءٌ آخر :

الآن: إنسان وقع في مشكلة:

(( النَّبِيّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَمَّا أَدْبَرَ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))

[سنن أبي داود عن عوف بن مالك]

أوضح مثل لهذا الكلام: طالب لم يدرس فرسب فقال: حسبي الله ونعم الوكيل، لا! الرسوب جزاء التقصير، أما درس واجتهد لكن يوم الامتحان جاءه مرض شديد حال بينه وبين الامتحان، فإذا قال: حسبي الله ونعم الوكيل فقد أفلح، لا تقل هذه الكلمة إذا كان هناك جزاء للتقصير، لا تقل حسبي الله ونعم الوكيل عند التقصير، لذلك هذا الحديث تحل به مشكلات المسلمين، وهي أن كل تقصيرهم الذي جنى عليهم تخلفاً وقهراً وضعفاً يعزى إلى القدر، هكذا ترتيب الله، حسبي الله ونعم الوكيل، هذه كلمة حق أريد بها باطل!
نقول: حسبنا الله ونعم الوكيل حينما نعد لأعدائنا كل قوة ثم لا نفلح، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
إنسان اشترى صفقة بتسرع من دون دراسة ومعرفة الأسعار، لم تباع معه، لا حول ولا قوة إلا بالله، حسبنا الله ونعم الوكيل، لا! حينما تجتهد وتأتي بدراسة مستفيضة لما في السوق من بضاعة، وأسعار، وموارد، وتنافس، ثم تعقد صفقة ولا تباع معك عندها تقول: حسبي الله ونعم الوكيل.
ففرق كبير بين أن يأتي شيئاً من فعل الله جزاء التقصير، وبين أن يأتي شيئاً من فعل الله هناك حكمة بالغة فيه لا تعلم ما هي.
قال: "إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ". تستسلم لا يوجد حل انتهينا.
إنسان يفتح محلاً تجارياً بعد حين برسم التسليم، اصبر لا يفهم قوانين الحياة، التأسيس يحتاج إلى أمد طويل، فإذا غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل.

 

من ترك شيئاً لله عوضه الله عنه أضعافاً مضاعفة :

آخر دعاء اليوم:

((عَنْ عَلِيٍّ رَضِي اللَّهم عَنْهم أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي قَالَ أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ قَالَ قُلِ اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ ))

[سنن الترمذي عن علي]

مستحيل وألف ألف مستحيل أن تدع شيئاً خوفاً من الله دون أن يعوضه الله عليك "اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ".
كنت أقول مرة: إن هذه التفاحة التي هي على هذه الشجرة لفلان، لكن طريقة وصوله إليها باختياره، قد يأكلها شراء، أو ضيافة، أو هدية، أو سرقة، أو تسولاً! خمس طرق اختر واحدة منها ولكن هي لك في النهاية. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور