- أحاديث رمضان
- /
- ٠11رمضان 1425هـ - ومضات ايمانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت فقط :
أيها الأخوة الكرام، في سورة الأنعام في قوله تعالى:
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾
يغيّرون ما أذاعوا به، يعتقدون اعتقادًا آخر، معنى ذلك: أن خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت، هذا الذي رفع لواء الكفر، والذي روج أفكار الكفر، وهذا الذي آمن بالدنيا، وهذا الذي كذب بالآخرة، وهذا الذي أله هواه وشهواته، حينما يأتيه ملك الموت يرجع إلى الحق، ولكن بعد فوات الأوان، والدليل: أن أكفر كفار الأرض فرعون, قال:
﴿فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾
﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾
وحينما أدركه الغرق قال:
﴿قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ﴾
أخطر موضوع: أن خيار الإيمان خيار وقت، لا خيار قبول أو رفض.
من شرد عن الله اخترع تصورات غير صحيحة :
أيها الأخوة، المشكلة: أن هذا الذي شرد عن الله عز وجل, يخترع توازنات ومعادلات تصورات وتقييمات كلها غير صحيحة، لكنه يقنع بها مكابرة، لأنها تتمشى مع شهواته ومصالحه، فالذي ينتفع من فكرة ما، لا يمكن أن يعتقد بغيرها، لأن هذه الفكرة التي انتفع بها مرتبطة بمصالحه وشهواته, لذلك: في الإيمان نعمة لا يعرفها إلا المؤمن؛ أنه كلما عاش، وامتد به العمر، وكلما تطورت الأمور، واستجدت مستجدات، وكلما ظهرت أحداث, كل هذا الذي يجري يؤكد إيمانه، بينما الذي اعتقد عقيدة فاسدة، وبنى تصورات خاطئة، وانطلق من منطلقات غير صحيحة, سوف يصاب بإحباط شديد. نظن مثلاً: أن الجماعية، وترجيح مصالح الجماعة على مصالح الفرد، وأن نرفع لواء : لا إله في العالم الشرقي، هذا الذي يسعد البشر، فإذا هذا الذي طرح، والذي مورس كان سبب شقاء البشر، الذي اعتقد بهذا الاعتقاد، وظن في وقت ما أنه أصاب الحقيقة, فلما ظهر زيف هذا, حدثت معه حالة إحباط، الآن المؤمن يشعر بنعمة لا تقدر بثمن: أن الأحداث, ومجريات الأمور, والنوازل, والوقائع كلها تؤكد تصورات المسلم عن كل شيء.
المسلم يملك تصورا صحيحا عن الكون والحياة والإنسان:
يوجد نعمة في الإسلام هي: نعمة أن المسلم يملك تصورًا صحيحًا عن الكون والحياة والإنسان، وعمّا قبل الحياة، وعمّا بعد الحياة، هذه الفلسفة أو التصور تعطيه راحة نفسية، ولا شيء يأتي، ولا شيء يستجد إلا يؤكد ذاك التصور، يوجد حالة اسمها توازن، المؤمن متوازن نفسياً، بينما إنسان اعتقد عقيدة زائغة، أو ركز على المال وحده، أو على التقدم، أو على التقنية ، أو على قيم الغرب، كما يقال: الحرية والديمقراطية، ثم كشف الغرب على حقيقته، فالذي يعتقد هذا الاعتقاد, أصيب بخيبة أمل وحالة إحباط.
دقق في هذه الكلمة:
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾
يؤكد هذا المعنى قوله تعالى:
﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ﴾
يعرفون أن هذا القرآن حق من عند الله، ويعرفون أن رسول الله هو رسول الله كما يعرفون أبناءهم.
بربكم: هل في الأرض معرفة أوثق وأسرع من أن يعرف الإنسان ابنه؟ هل هناك أب على وجه الأرض يسأل ابنه: من أنت؟ ما اسمك؟ ما ترتيبك بين أولادك؟ مستحيل، معرفة الأولاد معرفة بديهية، الله عز وجل يقول:
﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾
آية ثانية تؤكد هذه الحقيقة:
﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾
الفتن في الأرض لا تعد ولا تحصى :
الآن: هناك فتن في الأرض لا تعد ولا تحصى، تطرح أفكار وشبهات وطروحات كلها لا أصل لها في الحقيقة، لكن هذه الطروحات تتماشى مع مصالح من يطرحها، لذلك سمى الله هذه الطروحات المناقضة لما في القرآن الكريم ولما في السنة الصحيحة, سماها فتنًا:
﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾
قال تعالى:
﴿انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾
أيها الأخوة، يجب أن نعتقد جميعاً أن هذا الذي يطرح فكراً, أو قيماً, أو مبادئ تتناقض مع وحي السماء والحق الصريح، إنما يطرحها لشهوة يريد أن يمارسها تحت هذا الغطاء، ويريد أن يطرحها لهوى في نفسه يريد أن يحققه, لذلك: بطولة الإنسان أن يهتدي إلى الحق، لا أن يهتدي إلى الباطل، الباطل أيضاً مزخرف.
قال تعالى:
﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ﴾
أيها الأخوة، أسوق هذا الكلام، لأن أي إنسان يريد أن يتماشى مع شهواته, لا بد من أن يغطي نفسه بفكر وبعقيدة وتصور، يغطي نفسه بهذا الفكر، ويدافع عنه، لكن الله يكشف زيف هؤلاء.
أنواع الاختلاف بين الناس :
1-الاختلاف الطبيعي :
شيء آخر؛ الله عز وجل حينما قال:
﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾
أيها الأخوة، الاختلاف قد يكون، وفي الأعم الأغلب بسبب الهوى والحسد والعدوان، لذلك يمكن أن نطرح: أن هناك اختلافاً طبيعياً سببه نقص المعلومات، لو أننا في اليوم التاسع والعشرين من رمضان سمعنا صوت مدفع، نشك أهو مدفع العيد أم تفجير في الجبل؟ نقص المعلومات يجعلنا نختلف، هذا الاختلاف طبيعي ليس محموداً ولا مذموماً، ما الذي يحسمه؟ أن نفتح، ونستمع في نشرة الأخبار: أن غداً أول أيام العيد، حُسِمَ الأمر:
﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾
الأنبياء حسموا الخلاف, فالخلاف الذي بسبب نقص المعلومات, حسم ببعثة الأنبياء، هذا خلاف طبيعي، ليس محموداً ولا مذموماً.
2-الاختلاف القذر:
لكن الخلاف القذر هو: خلاف الأهواء والمصالح.
صدقوا أيها الأخوة, يكاد يكون خمسة وتسعون بالمئة من الاختلاف في الأرض في كل شيء, بسبب الهوى والمصالح، لذلك: هذا الخلاف القذر الذي مبعثه الأهواء والمصالح:
﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾
بسبب البغي والحسد.
3-الاختلاف المحمود :
لكن الاختلاف المحمود هو: أن تتصور أن أكبر شيء يرضي الله إنفاق المال، وقد يتصور إنسان آخر أن أكبر شيء يرضي الله تسليك الناس إلى الله, أو إنشاء المساجد، أو رعاية الأيتام، أو توفير الأعمال للشباب، أو تزويج الشباب، أو نشر الحق، أو الرد على أباطيل الكفار، المؤمنون يتنافسون في طرائق لإرضاء الله عز وجل، هذا الاختلاف محمود، اختلاف التنافس، قال تعالى:
﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾
فحينما نتنافس جميعاً على اختيار طريقة ترضي الله أكثر فهذا خلاف محمود، أما الخلاف القذر: أن يكون الهوى سبب اختلافنا.
من يملك رؤية صحيحة ونظرا حادا يكشف زيف الأفكار :
على كل؛ هاتان الآيتان:
﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾
﴿ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾
﴿انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾
والشيء بالشيء يذكر، رجل يمثل رعاة البقر كان يروج للدخان، ويقول: تعال إلى حيث النكهة، فمات بسرطان الرئة! قال كلمة وهو على فراش الموت: كنت أكذب عليكم، الدخان قتلني.
فأنا أتمنى على كل أخ كريم مؤمن: ألاّ يكون ضحية كذبة ذكية، والله الذي لا إله إلا هو, يطرح في العالم في المكتبات والصحف وأجهزة الإعلام التي تأتينا من الخارج, يُطرح من الكذب ما لا يصدق، والإنسان أحياناً لضعف إيمانه واطلاعه, يصدق هذه الأكاذيب، هي كلها أكاذيب، لكن وراءَها مصالح، كل كذبة ورائها مصلحة.
فالإنسان حينما يهبه الله عز وجل رؤية صحيحة، ونظراً حاداً نافذاً ثاقباً, يكشف زيف هذه الأفكار، فيعتصم بالحق.
من أجل أن تكون المرأة متعة في كل مكان, نروج لها نزع الحجاب، هناك شهوة وراء هذه الدعوة، هي تغطى أنها نصف المجتمع، وأن الإنسان إيمانه في قلبه، وأن هذه التقاليد القديمة ليست إسلامية، إنما هي عثمانية، وأن الحجاب تخلف، هذا الذي يروج، مع أن الحجاب أصل في الدين، في القرآن والسنة، لكن أعداء الحجاب يروجون أنه من العادات والتقاليد، ووراء هذا الترويج شهوة، أن يستمتع بالمرأة في أي مكان، في المكتب، في الطريق، في الجامعة، وأن تكون سلعة رخيصة، وتكون ضحية ذئب بشري, فلذلك: حينما يأتي الإنسان إلى بيت من بيوت الله ليتلقى الحق الصريح، هذا القرآن الكريم منهج الإنسان، ويدعوك لسبل السلام مع نفسك، وبأسرتك، وفي عملك، وفي دنياك وآخرتك:
﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾
الخطر على الدين من أدعيائه:
اخترت لكم في هذا الدرس هذه الآيات التي تكشف زيف وكذب من يروج للباطل، أقول هذا الكلام, لأن الترويج للباطل الآن بأعلى درجة، حتى في الفضائيات، والندوات الدينية، هناك من يقول في ندوة دينية: إن قطع اليد توحش, المشكلة: أن الخطر على الدين ليس من أعدائه، بل من أدعيائه.
نرجو الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا عقيدة سليمة، وإيماناً بهذا الكتاب، لأن يوم القيامة تكشف فيه الحقائق، وكل بطولة الإنسان: أن يأتي المستقبل وفق ما تعتقد، أما إذا جاء المستقبل بخلاف ما تعتقد, دفعت ثمناً باهظاً من سعادتك وسلامتك.