- أحاديث رمضان
- /
- ٠11رمضان 1425هـ - ومضات ايمانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
ليس في تشريع المسلمين معصية توعد الله عليها بالحرب إلا الربا, لماذا؟ :
أيها الأخوة الكرام، في قوله تعالى:
﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾
الحقيقة أيها الأخوة: أن الإنسان حينما يرتكب بعض المعاصي, فآثار المعاصي ظاهرة، وتظهر على شبكية العين، فالذي يشرب الخمر قد يفقد عقله، وقد يخطئ خطأ كبيراً، وقد يعتدي على أعراض من يلوذ به، والذي يزني, ينقل فتاة من الطهر والعفاف إلى السقوط في حمأة الرذيلة، لكنك إذا دخلت إلى مصرف, ترى بناء فخماً، وأجهزة حديثة، وتكييفًا واستقبالاً، وموظفين، لا ترى على شبكية العين مظهر الربا، لكن كيف الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾
ليس في تشريع المسلمين معصية توعد الله عليها بالحرب إلا الربا، ذلك: لأن المال قوام الحياة، وحينما نسمح للمال أن يلد المال, تتجمع المال في أيد قليلة، وتحرم منها الكثرة الكثيرة.
واقع الأرض الآن عشرة بالمئة من سكان الأرض يملكون تسعين بالمئة من ثرواتها، تفاوت في الدخل بين دول الشمال وبين دول الجنوب، وبين الغرب والشرق تفاوتاً غير معقول، هذا التفاوت وراء الحروب، والاحتيال الدولي، والقهر، والتجارة البيضاء، تجارة الإماء، كل ما يعانيه البشر الآن: بسبب هذا التفاوت في الدخل الكبير، لذلك: الربا توعد الله عليه مرتكبه بالحرب.
الفرق بين الحلال والحرام :
أيها الأخوة، لو سألتني عن قاعدة تنتظم كل الدخول المحرمة، وعن قاعدة تنتظم كل الدخول المباحة, هي قاعدة واحدة: الحرام كله يجمعه: أن منفعة بنيت على مضرة، والحلال كله يجمعه: أن منفعة متبادلة بين جهتين.هذا هو الحلال، فالذي يضارب بمال الناس, الذي أعطاه المال لا يحسن استثماره، قد يكون متقدماً في السن، أو إنساناً متقاعداً، أو طفلاً ورث عن أبويه، قد تكون أرملة، ويأتي شاب لا يملك المال، لكن يملك الخبرة، كلاهما يتعاونان، ويكسبان المال، فلذلك أيها الأخوة:
مبادئ الحلال والحرام أساسها: الحلال منفعة مشتركة، والحرام منفعة بنيت على مضرة، لذلك قضية الربا قضية تهدم الأمة بأكملها، حينما ترى أن القوة الشرائية للمال لا تكفي لحياة كريمة، الرشوة، والسرقة، والاحتيال، والخداع، أنواع كسب المال الحرام لا تعد ولا تحصى بسبب الحاجة إلى المال.
قف عند هاتين النقطتين :
هناك نقطتان أتمنى أن تكونا واضحتين لديكم.
عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الْمُزَنِيِّ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟ قَالَ: إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ, ثَلَاثَ مَرَّاتٍ))
حينما أضع عقبات كبيرة أمام الشباب للزواج, هل تلغى العلاقة بالأنثى؟ لا، بل تأخذ شكلاً حراماً بقدر العقبات التي توضع أمام الشباب, بقدر بيوت الدعارة التي تفتح في مدينة ما، لذلك
﴿إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾
القاعدة نفسها: إن لم يكن هناك دخل حلال وفق منهج الله، دخل كريم، دخل يكفي الإنسان ، يحقق كرامته، سيكون هناك دخول لا تعد ولا تحصى، كلها من طرق غير مشروعة، والإنسان حينما يأكل المال الحرام, يقطع عن الواحد الديان.
يا أيها الأخوة الكرام، قضية الربا قضية خطيرة جداً، المشكلة: أن هذا الذي يأكل الربا المضارب وهو الطريق المشروع, مساهم مع الجهد في الربح والخسارة، ليس صاحب المال عبئاً على المضارب، لكنها معاوناً له، بينما المرابي هو عبء عليه، ماله مضمون، والربح مضمون، لو توسعنا قليلاً: كل شيء يؤمن عليه الآن.
مهمة النظم الأرضية :
أبلغني أحدهم بالهاتف من بعض الدول: أنك يمكن أن تؤمن على زبائنك، باع بمئة مليون لمئة زبون، فأي إنسان لم يدفع لك, تأخذ المبلغ كامل من الجهة التي أمنت عندها.
الإنسان كلما كان ربحه ثابتاً، ولا يوجد عنده خطر، الأخطار كلها مغطاة، ليس بحاجة إلى الله أبداً، عندئذ ينطبق عليه قول الله عز وجل:
﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾
انظر إلى التاجر: يقول: يا رب تجبر، انظر إلى المزارع يقول: يا رب أغثنا، التاجر والمزارع والصانع, ما دام العمل شريفاً وشرعياً متعلق برحمة الله، النظم الأرضية تريد أن تقطعك عن الله كلياً، أي خطر، هذا المغني يخاف على حنجرته، يؤمن عليها بمليون دولار لو راحت.
من الوقائع :
لذلك سمعت قصة وقعت: أكبر شركة تأمين في إحدى الدول العربية, لها مدير يتقاضى في الشهر الواحد, ما يقترب من نصف مليون ليرة, معه أعلى شهادة, كان في مركبته مع زوجته ، واحترقت، أقفلت الأبواب بعد احتراقها, أخرجا من المركبة قطعتين من الفحم لكنه مؤمن، وصاحب الشركة بعد شهر تحديداً, دخل في شاحنة فقطع رأسه أيضاً أمن، النظم الأرضية تريد أن تنسى حفظ الله، ومعونته، وتوفيق الله عز وجل، كل شيء يؤمن عليه.
أسمع ألوانًا من التأمين العقل لا يصدقها، على كل شيء يؤمن، أحدث صرعة في التأمين على الزبائن، لك مبلغ ضخم في السوق، أي إنسان لم يدفع لك تتقاضاه، لكنك تدفع مبلغاً كبيراً.
هل المشكلة في الإسلام أم في المسلمين؟ :
أيها الأخوة، المشكلة ليست في الإسلام، لكنها في المسلمين، لنا أخوان كثر في بلد غربي كلهم أطباء, حوالي مئة طبيب، هؤلاء لا يمكن أن يقر لهم قرار إلا إذا أمّنوا ضد الدعاوى التي تقام ضدهم, لماذا؟.
عندنا في الشرق الأوسط إذا أخطأ الطبيب, نقول: سبحان الله! قضاء وقدر، وهذا فهم خاطئ للقضاء، والقدر يكون طبيب إسعاف, يجري حديث مع ممرضة, يأتي مريض بحالة خطيرة جداً, يهمله, فيموت، سبحان الله! مات بأجله, هذه اسمها زعبرة.
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ جَدِّهِ, قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ قَبْلَ ذَلِكَ, فَهُوَ ضَامِنٌ))
هناك ممكن أي مريض يقاضي الطبيب, يدفعه ثمانين مليون دولار أحياناً، فكل طبيب مضطر أن يؤمن ضد الدعاوى التي تقام ضده، سألتهم: كم المبلغ؟ حولته إلى السوري حوالي مليوني ليرة كل سنة, حتى ينام مرتاحاً، ولا يقلق، يجب أن يؤمن، فأمّنوا خلال سنوات طويلة, المبالغ التي دفعت من قبل هؤلاء الأطباء المئة، مبالغ فلكية كبيرة جداً، قالوا: أخذوا قراراً أن يجعلوه تأميناً إسلامياً، فجاؤوا بصندوق، ووضع كل واحد مليون ليرة هم مئة، أول سنة مئة مليون لم يحدث شيء, في السنة الثانية كذلك لم يصبهم شيء، والثالثة والرابعة اشتروا مركزاً إسلامياً ومدرسة، وأي إنسان تقام عليه دعوى من هؤلاء المئة, يأخذ من الصندوق المبلغ الكامل, هذا التأمين الإسلامي تأمين تعاوني، المال لك.
صدقوا أيها الأخوة: ما من حاجة في المجتمع إلا وهي ومغطاة في الشرع، لكن المسلمين مقصرون في تتبع أحكام دينهم.
ما سبب القوة الاقتصادية في هذا البلد؟ :
زرت بلداً في شرق آسيا, فوجئت: أن سكان هذا البلد لا يزيدون على ثلاثة وعشرين مليوناً، وكانوا في الغابات قبل ربع قرن، وهم يصدرون للعالم كله كمًّا من التصدير يفوق صادرات العالم العربي بأكمله، بما فيه النفط، وعندهم فائض ستين مليار دولار، تأمينهم إسلامي، وبنوكهم إسلامية، وبطاقاتهم الانتمائية إسلامية، لا يوجد فوائد أبداً، الاستثمار كله؛ إما في الصناعة، أو الزراعة، أو التجارة، وجاءهم من يتدخل في شؤونهم, شخص كبير جداً في العالم الغربي، فقيل له: ضع حذاءك في فمك، ولا تنطق إلا بما يعنيك، وطرد, عندهم قوة اقتصادية كبيرة جداً، لأنهم يطبقون شرع الله عز وجل.
المشاكل التي تظهر من خلال تعامل المجتمع مع الربا :
نحن بصراحة لا نثق بديننا، نرى أن هذا النظام الغربي لا بد منه، لكنه قائم على الربا والتأمين, وهما أبرز نقطتين في النظام الغربي.
أخواننا الكرام، الربا يسبب البطالة، ويرفع الأسعار، وحينما ترتفع الأسعار الشريحة المنتفعة من أي سلعة, تضيق في كل شيء، ولا إنسان معه ثمن هذه الأشياء.
ببعض أزمات أوروبا الطاحنة, يروي الدكاترة في الجامعة طرفة: أن أحد عمال المناجم سرّح من عمله, فلم يستطع أن يشتري فحماً يتدفأ به هو وأسرته، فلما سأله ابنه: لماذا ليس عندنا فحم؟ قال: لأن الفحم كثير جداً، وكاسد لا يباع.
فقد تجد كل شيء في البلد، لكن لا يوجد قوة شرائية، فالإنسان ينظر للواجهات, ليس معه ثمن البضاعة، هذه تحدث أزمة, لذلك:
لما جمع أحد رؤساء الجمهوريات الفرنسيين كبار العلماء في منتجع، وطلب منهم أن يعطوه تفسيرًا لأعمال العنف التي تجري في العالم, قال: بسبب مجتمع الاستهلاك.
إذا كان المال في أيد قليلة والكثرة الكاثرة محرومة منه :
عندنا منذ زمن: كل عشر سنوات يشنق رجل في المرجة، تزحف الشام كلها لتراه، أقل خبر عشرون أو خمسون، كل يوم القصف والقتل، يوجد في العالم أعمال عنف تفوق حد الخيال، فهذا رئيس جمهورية فرنسا, جمع علماء اجتماع, وعلماء نفس, واقتصاد في منتجع, وطلب منهم الإجابة عن سؤال واحد: لماذا العنف في هذا العصر؟ فالجواب: كان مجتمع الاستهلاك.
دائماً تعرض عليك بضائع جميلة جداً, ورائعة، وجذابة، وبأسلوب مغرٍ، على طول البناء سيارة تلمع، شيء فخم جداً، أنت ما معك ثمن دراجة، هذا التأمل الزائد بهذه البضاعة الجميلة، ولا تملك ثمنها, ينشأ عندك حالة نفسية، إما الإحساس بالحرمان الدائم، أو تمد يدك إلى الحرام، وعندئذ سقطت من عين الله، أو أن تعمل عملين؛ تلغي وقت الفراغ، وإذا ألغيت وقت الفراغ ألغيت أنت، يخرج قبل أن يستيقظ الأولاد، ويأتي بعد أن يناموا، لم يعد أبًا، انتهت أبوته، وانتهى كزوج، يعمل ثماني عشرة ساعة, حتى يأتي بهذه السلع التي تعرض في واجهات المحلات والإعلانات، فمجتمع الاستهلاك في عمل مضاعف يلغي وقت الفراغ، والإنسان الذي يلغي وقت فراغه ليس إنساناً، يعيش إحساسًا بالحرمان دائمًا, ومد يدًا إلى الحرام.
يبدو أن البند الثالث الآن هو المسيطر, أساليب كسب المال الحرام لا تعد ولا تحصى؛ احتيال، وكذب، وتزوير، وتدليس، وكل ما يخطر في بالك موجود، لذلك القضية المالية بالمجتمع قضية خطيرة جداً، حينما تسلك منهج الله في كسب المال، وإنفاق المال، فالمال يوزع على أكبر شريحة، أصل تصميم المال عند الله:
﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾
المال عند الله يجب أن يكون متداولاً بين كل شرائح المجتمع، فإذا كان متداولا فنحن بخير، وإذا كان مجموعًا بأيد قليلة، والكثرة الكثيرة محرومة منه فنحن لسنا بخير، ويوجد أمراض خطيرة تظهر في المجتمع، قد تكون أمراضًا نفسية، عندما لا يتمكن الأب من حاجات أولاده, ينسلخ الأولاد عن أبيهم، يلتصقون بأصدقائهم الأغنياء، ومع الغنى الفسق والفجور، الأب أحياناً يفقد سيطرته على أولاده, إذا لم يتمكن من تلبية حاجاتهم، والأبناء إذا ما رأوا في البيت حاجاتهم, ينفرون من البيت، فتنشأ مشكلات اجتماعية كبيرة.
خاتمة القول :
أيها الأخوة، أحياناً يخطر في بالي: أن هذا الذي يرفع الأسعار من دون أن يشعر بخطر ارتفاعها، ماذا يفعل؟ يصيب آلاف الأشخاص بأمراض نفسية، أحياناً أمراض انفصام الشخصية سببها تفاوت طبقي، فكل إنسان يسهم في تخفيض سبل مستوى المعيشة, هذا له أجر كبير عند الله، لذلك النظام الاقتصادي في الإسلام: نظام فيه عدل، ويؤمن بأن يوزع المال بين كل شرائع المجتمع، لذلك:
﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ﴾
أخواننا الكرام، لو نظرت للأحكام الشرعية, لوجدت تسعين بالمئة منها متعلقًا بالمال والنساء، وهما ثغرتان كبيرتان، أي فضيحة في الأرض هي مالية أو جنسية.