- أحاديث رمضان
- /
- ٠11رمضان 1425هـ - ومضات ايمانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
من لوازم إيمان المؤمن :
أيها الأخوة الكرام، من لوازم إيمان المؤمن أن يكون مخلصاً، وهذا الموضوع هو أخطر موضوعات الدين، لأن الله عز وجل يقول:
﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ﴾
فالجوارح تنصاع لأمر الله، والإخلاص في القلب، وما لم يكن هناك إخلاص فلا قيمة لعمل الجوارح، إذاً: الإخلاص هو الدين كله، الدين كله إخلاص، فإن لم يكن إخلاصاً كان رياء، ولا قيمة لكل هذا النشاط الذي يمارسه، قال تعالى:
﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ﴾
الجوارح تنصاع لأمر الله، والقلب يخلص الوجهة إلى الله:
﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾
﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ﴾
﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾
ما مقياس العمل الحسن الذي يقبله الله؟ :
أيها الأخوة، حينما يقول الله عز وجل:
﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾
ما مقياس العمل الحسن الذي يقبله الله عز وجل؟.
قالوا: ما كان خالصاً وصواباً؛ خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة.
فالعمل الخالص الذي لا يوافق السنة لا يقبله الله عز وجل، والعمل الذي يوافق السنة، وليس فيه إخلاص لله عز وجل لا يقبله الله، لذلك كان الإخلاص ومطابقة السنة شرطان لا ينفع أحدهما من دون الآخر، الذي يؤكد ذلك:
﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾
العمل الصالح ما كان صواباً، وما وافق السنة.
متى يكون العمل غير نافع؟ :
يعني أحياناً ترون أن هناك حفلاً غنائياً ريعه للعمل الخيري، وأن هناك مسابقة فيها معاصٍ لا تعد ولا تحصَى يرصد ريعها للأيتام، هذا مرفوض في الدين، الأهداف النبيلة لا يتوصل إليها إلا بوسائل نبيلة، لذلك أخطر ما في الموضوع: قد يكون للإنسان أعمال كالجبال، فإذا لم يكن مخلصاً لم تنفعه، قال تعالى:
﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾
خيبة أمل لا توصف: أن يكتشف الإنسان في نهاية المطاف: أن كل عمله لا قيمة له:
﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾
أخطر شيء في حياة المؤمن أن يتفحص قلبه :
إذا ملك إنسان بيتًا غالياً جداً، وباعه بأغلى سعر، ويحلم بأحلام لا تنتهِي، ثم اكتشف أن العملة التي كانت ثمن البيت مزورة، قيمتها صفر، وكل إنسان يبتغي في الدين غير الله سوف يصاب بهذه الخيبة، وحينما يكتشف الإنسان عدم إخلاصه في الدنيا, فهذا فضل من الله كبير، إذا اكتشف وهو حي وقلبه ينبض عدم إخلاصه, هذا فضل من الله كبير، لأنه يصحح، أما حينما يكتشف وهو على فراش الموت أن الأعمال التي عملها، والتي هي عند الناس أعمال جليلة وعظيمة، لكنه أراد الدنيا من أجلها, لذلك:
الصحابة الكرام ماذا قال الله عن بعضهم؟ قال:
﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾
وضمن العمل الإسلامي، ضمن المساجد، ضمن الدعوة إلى الله، هناك دنيا أحياناً ، هناك دنيا مؤثرة، وأنت في العمل الإسلامي، أخطر شيء بحياة المؤمن أن يتفحص قلبه:
﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾
ما موضع الشاهد في هذه الأحاديث؟ :
النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول لسيدنا سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-:
((إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ, إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً ...))
وسئل عليه الصلاة والسلام عن الرّجُلِ يُقاتِلُ شَجَاعَةً, وَيُقَاتِلُ حَمِيّةً، ويُقَاتِلُ رِيَاءً، أَيّ ذَلِكَ في سبيلِ الله؟ فقال:
((مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ الله هيَ العُلْيَا فَهُوَ في سَبِيلِ الله))
والحديث الذي يقسم الظهر أنه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
((حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ, يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ، وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ، فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ، وَرَجُلٌ يَقْتَتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ: أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عُلِّمْتَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ فُلَانًا قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ، وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ، وَأَتَصَدَّقُ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ، وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: فِي مَاذَا قُتِلْتَ؟ فَيَقُولُ: أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ، فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ، ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى رُكْبَتِي، فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ, أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ, تُسَعَّرُ بِهِمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))
لماذا؟ الذين فعلوا ذلك ليقال: فلان قارئ، وفلان شجاع، وفلان متصدق، وقد قيل .
فلذلك يقول سيدنا عمر: تعاهد قلبك.
إذا أخلصت في متابعة قلبك دلك الله على الخلل :
الإنسان بحاجة إلى متابعة قلبه، وأنا أؤكد لكم: أن الإنسان إذا أخلص في متابعة قلبه, دله الله على الخلل، لأن الإنسان كما قال الله عز وجل:
﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾
بإمكانك أن تخدع معظم الناس لبعض الوقت، وبإمكانك أن تخدع بعض الناس لكل الوقت، أما أن تخدع كل الناس لكل الوقت فهذا مستحيل، أما أن تخدع الله أو أن تخدع نفسك لثانية، هذا أشد أنواع المستحيل، ولا ثانية، كل إنسان برمجه الله أو فطره الله فطرةً يكتشف خطأه ذاتياً، لكن بعضهم يكابر:
﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ﴾
المظاهر لا قيمة لها عند الله, هذا الدليل :
ويقول الله عز وجل في الحديث الصحيح فيما يرويه النبي عن ربه:
((أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، فَمَنْ عَمِلَ لِي عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي، فَأَنَا مِنْهُ بَرِيٌ، وَهُوَ لِلَّذِي أَشْرَك ))
(( إِن الله لا ينظر إِلى أجسادكم ، ولا إِلى صُوَرِكم ، ولكن ينظر إِلى قلوبكم وأَعمالكم ))
المظاهر لا قيمة لها عند الله عز وجل.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ, لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ؟))
قالوا عن الصدق والقصد والإخلاص كلمات ثلاثة لمضمون واحد: إفراد الحق سبحانه وتعالى بالقصد في الطاعة، أو تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين.
قف هنا :
يروى أن إنسانًا لزم صلاة الفجر في الصف الأول أربعين عاماً، تخلف في يوم واحد, فقال: ماذا يقول الناس عني هذا اليوم؟ سقطت عبادة أربعين عاماً.
أيها الأخوة، صدقوا: أنه ما من موضوع أخطر من هذا الموضوع، الإنسان وقته ثمين, أن يفاجئ بأن عمله لم يكن مقبولاً، لذلك: العبرة بقبول العمل لا بحجم العمل، عمل قليل مع الإخلاص, خير من أعمال كالجبال مع الرياء.
ما قيل عن الإخلاص :
قال بعضهم: الإخلاص: استواء الأعمال في الظاهر والباطن.
-المرائي ظاهره خير من باطنه، والصادق قد يكون باطنه خيراً ظاهره-.
الإخلاص نسيان رؤية الخلق، بدوام النظر إلى الخالق، ومن تزين للناس بما ليس فيه, سقط من عين الله.
وقال بعض العلماء: ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك.
-إن تركت عملاً من أجل الناس فهذا هو الرياء، وإن فعلت عملاً من أجل الناس فهذا هو الشرك- والإخلاص أن يعافيك الله منهما.
والإخلاص: سر بين العبد وربه لا يعلمه ملك فيكتبه، ولا شيطان فيفسده، ولا هواً فيميله، سر بينك وبين الله.
وقيل لأحد العارفين: أي شيء أشد على النفس؟ قال: الإخلاص، لأنه لي لها فيه نصيب.
عدم الإخلاص: أن تطلب على عملك شاهداً غير الله، أو مجازياً غير الله.
أنت حينما تريد أن يشهد الناس عملك، أن يروا فضلك، أو يروا دعوتك، أنت حينما تريد أن تري الناس ما عندك, فهذا خدش في الإخلاص.
بعضهم قال: ما أخلص عبد أربعين يوماً, إلا ظهرت ينابيع الحكمة في قلبه, وأجرها الله على لسانه.
وقال أبو سليمان الداراني: إذا أخلص العبد, انقطعت عنه كثرة الوساوس والرياء .