- أحاديث رمضان
- /
- ٠11رمضان 1425هـ - ومضات ايمانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
ما معنى هذه الآية؟ :
أيها الأخوة الكرام, يقول الله عز وجل:
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾
ما معنى الآية؟:
أولاً: ما كان الله ليضيع, هذا أبلغ نفي في اللغة العربية، هذا نفي الشأن -أي بالتعبير الدارج-: مستحيل وألف ألف مستحيل أن تفعل شيئاً يقتضيه إيمانك, ولا تنال عليه مكافأة كبيرة.
أحياناً إيمانك يمنعك أن تأكل مالاً حراماً فيبقى دخلك محدوداً، بينما الذي لا يهتم للحلال و الحرام يأتيه دخل فلكي، أنت ماذا فعلت بإيمانك؟ ضيعت دخلاً كبيراً لأنك مؤمن، هناك أشخاص لا يتقيدون بشيء، يستمتعون، يأكلون ما يشتهون، يلتقون مع من يحبون، لا يوجد عندهم رادع, ولا قيمة, ولا مبدأ, ولا شيء، هؤلاء يبدو أنهم مستمتعون بالحياة، هم يعيشون كما يحبون، المؤمن مقيد، هذه حلال، هذه فيها شبهة، هذه لا تجوز، هذا الدخل مشبوه، العمل مع فلان فيه تعامل ربوي.
مستحيل أخواننا الكرام مؤمن لا يدفع ثمن إيمانه خسارة في الدنيا:
من أحب آخرته أضر بدنياه، ومن أضر بدنياه أحب آخرته.
أي يوجد ثمن، فالشخص لا يتوهم أبداً أنه ممكن أن أستمتع بالدنيا كما يستمتع عامة الناس, وأصل إلى الجنة في أعلى مرتبة، لا، الجنة لها ثمن، ولا بد من أن تدفع الثمن، فهذا الذي تدفعه أيها الأخ الكريم, اعتقد اعتقاداً جازماً أنه مستحيل وألف ألف مستحيل أن تخسر، مستحيل أن تطيعه وتخسر, وأن تعصيه وتربح. العبرة الإيمان.
تصور خاطىء حول مفهوم الدين :
وقالوا:
﴿وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا﴾
معظم الناس الدين يخافون منه، متعب، ثم يوضع الإنسان استفهام، إذا كان طليقاً بلا قيد, و لا شرط, ولا اتجاه, ولا لون, ولا طعم, هكذا مع الناس، يتجنب أن يحضر درس علم, يقول لك: أحسن، يتجنب أن يتعلم شيئاً هو يعيش لمصلحته، هذا الذي اقتضت مصلحته: أن يبتعد عن الدين, مستحيل وألف ألف مستحيل أن يعامل كمن التزم منهج الله ودفع ثمن التزامه.
أيها الأخوة الكرام, العدل الإلهي يجب أن نفهمه فهماً عميقاً:
﴿وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا﴾
ماذا يقول بعضهم الآن؟ أي إذا أنت خفت من الله, وارتعدت فرائصك خوفاً منه, ولم تضع مالك في البنك, يدخلون عليك ويقتلونك، ما قولك؟ هكذا يعامل الله عباده المؤمنين؟ يحرم شيئاً أشد التحريم, ويتوعد من يفعل هذا الشيء بحرب من الله عز وجل, فإذا خفت من الله دخلوا عليك وقتلوك؟ هكذا فهم العوام للدين مصلحتك فوق كل شيء، لكن المؤمن يرى أن طاعته لله فوق كل شيء:
﴿وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا﴾
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾
أيعقل هذا؟ :
أحياناً شاب يختار عملاً شريفاً، عملاً شرعياً، لكن دخله قليل، إنسان آخر يختار عملاً فيه دخل كبير جداً, يستمتع بالحياة, يشتري البيوت, والمركبات الفارهة, وينظر إلى هذا الذي أطاع الله نظرة دونية, أيرضى الله عز وجل أن يكون الذي أطاعه في درجة دنيا, وأن الذي عصاه في درجة عليا؟ يقول الله عز وجل:
﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾
﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾
الآمر ضامن :
أخواننا الكرام, نحن بحاجة إلى إيمان، الأمر كله بيد الله:
﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾
﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾
بكلمة جامعة مانعة: الآمر ضامن، الله عز وجل حينما يأمرك بالطاعة, يضمن لك السلامة والسعادة, لكن لا ترى أحياناً السلامة على شبكية العين، ترى الأخطار محدقة بالمؤمن كما هي الحال الآن، العالم كله يحارب المسلمين، المسلم في أي مكان بالعالم متهم، متهم بالإرهاب ، بالقتل، يجب أن يُقاوم، يجب أن يباد، ومع ذلك هناك من يدخل في دين الله بأعداد كبيرة، الدين الأول في العالم في نموه هو الإسلام، مع أنه محارب في شتى بقاع الأرض.
فإنسان اعتقد اعتقاداً صواباً والتزم, وقال: هذه حرام, معاذ الله! لا تصدق أن إنساناً لم يعبأ بالأمر ولا بالنهي, ولا بالوعد ولا بالوعيد, ومع ذلك هو في بحبوحة, وهو أذكى, وأكثر نجاحاً في الحياة: من الذي خاف من الله واستقام على أمره.
قال عليه الصلاة والسلام:
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: الْإِيمَانُ قَيَّدَ الْفَتْكَ لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ))
المؤمن مقيد، الإيمان قيده عن كثير من هوى نفسه.
بشرى لك أيها المسلم :
أنا أقول:
﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾
استبشر: قد تكون في الطبقة الدنيا من المجتمع، وقد تكون في التعتيم الإعلامي، ولا أحد يأبه لك، لكنك عند الله كبير، لكنك عند الله ملتزم.
الخسائر التي تنتج عن إيمان العبد هل يضيعها الله؟ :
هذه الآية دقيقة جداً:
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾
الخسائر التي نتجت عن إيمانكم سوف تكافؤون عليها أضعافاً مضاعفة.
صدق أيها الأخ الكريم: لا يوجد إنسان يؤمن إلا و يوجد خسائر.
أحد أخواننا الكرام عنده مطعم, ولربع قرن كان يبيع فيه المشروبات التي لا ترضي الله عز وجل، تاب, أقسم بالله الغلة نزلت للعشر وأقل، طبعاً هو يدفع ثمن إيمانه, لكن الله عز وجل يعوضه أضعافاً مضاعفة؛ في إيمانه، وفي سعادته، وفي سكينته، وفي حكمته، وفي الأمن الذي يحس به، وفي التوفيق الذي سيلقاه في المستقبل، ثم في جنته، تظن أن تفعل شيئاً بلا ثمن مستحيل، أي:
ما أحسن عبد من مسلم أو من كافر إلا وقع أجره على الله في الدنيا أم في الآخرة:
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾
أي إنسان ما باع دينه بعرض من الدنيا قليل، إنسان أحياناً يملك مبلغاً فلكياً, ويموت متسمماً ، ويأتي طبيب شرعي، لو قال: الموت طبيعي, يأخذ خمسة وعشرين مليوناً، يكتب: الموت عمل إجرامي, ويبقى على راتب لا يكفيه أيام, هذا هو الإيمان، لكن الله سبحانه وتعالى مستحيل وألف ألف مستحيل ألا يكرمه في الدنيا قبل الآخرة، لكن لا بد من الإيمان، الإيمان أن ترى أن الله يستحيل على كماله أن يضيع إيمانك، أنت آمنت ولأنك آمنت فوت فرصاً كبيرة جداً، لأنك آمنت اخترت زوجة من الدرجة الثانية لكنها مؤمنة، التي من الدرجة الأولى متفلتة، خفت من الله فاخترت الثانية، مستحيل إلا أن تسعد بالثانية أضعاف ما تتوهم أن تسعد بالأولى، هذه الآية أعتقد كافية, كي تدفعنا جميعاً إلى مزيد من التضحية, وإلى مزيد من الالتزام, وإلى مزيد من التفاؤل.
الآن ما يجري في العالم لا يصدق, ومع ذلك المستقبل لهذا الدين، هذا الدين هو الذي سينتصر.
من مشاهد التاريخ :
قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ﴾
﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾
لو عدنا إلى التاريخ قليلاً: قريش بيدها الجزيرة العربية بأكملها؛ أموال, وجاهات, وسيطرة, وخيول, وسيوف, والصحابة الكرام مستضعفون فقراء, في النهاية ماذا حصل؟ هؤلاء الذين عارضوا النبي وحاربوه عشرين عاماً أين هم الآن؟ في مزبلة التاريخ، أنت حينما تذهب إلى المدينة المنورة, تقف أمام قبر النبي وتبكي, ثم تقف أمام قبر الصديق وتبكي, ثم تقف أمام عمر وتبكي, لماذا؟ هؤلاء كانوا ضعافاً وكانوا فقراء, لكنهم نصروا الحق، البطولة أن تكون متفائلاً, قال تعالى:
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾
لكن نحن بحاجة إلى إيمان قوي, ولعل هذه الصلاة -إن شاء الله-, وهذا القرآن الذي يتلى علينا, لعله يشحذ هممنا, ويدفعنا إلى عمل مخلص, عمل هادف, عمل منضبط بالشرع.