- ندوات إذاعية / ٠22برنامج ربيع القلوب - إذاعة القرآن الكريم الدوحة
- /
- ٠2 ربيع القلوب 2 - أحاديث عام 2020
مقدمة :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، حياكم الله مستمعينا الكرام ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أرحب بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامج " ربيع القلوب "عبر أثير إذاعة القرآن الكريم من الدوحة حياكم الله مستمعينا الكرام ، لكم التحية بداية من فريق العمل ، من الإعداد محمود الدمنهوري ، من الهندسة الإذاعية معتصم السلامة ، ومني في التقديم مصابر الشهال .
في حلقة اليوم مستمعينا الكرام من برنامج "ربيع القلوب" نعيش مع آية من سورة الفرقان في قوله تعالى :
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً ﴾
بعد بيان الدلائل والبراهين الحسية والفعلية على إثبات وحدانية الله تعالى ، وبطلان ما هم عليه من عبادة ما لا يضرهم ، ولا ينفعهم ، ذكر ما يتعلق بمهمة الرسول صلى الله عليه وسلم الرئيسة وهي البشارة ، والإنذار ، وأن يذكرهم أنه لا يبتغي بذلك منهم أجراً ، ولا مالاً ، ولا جاهاً ، ولما كان الاستمرار في دعوة القوم يحتاج إلى قوة دافعة ، وعزم قوي ، جاء الأمر بأن يتوكل على الحي لا يموت ، الغني عن كل شيء ، الذي لا يضام من يتوكل عليه ، ولا يذل من والاه ، وأن تسبيحه وتمجيده آناء الليل وأطراف النهار، وتنزيهه عما ألصق به الجاهلون في ضلالهم من صفات النقص والعجز ، فإنه خبير بما ينسبون إليه ، سميع بما يقولون عنه ، عليم بدخائل نفوسهم العاتية، وعقولهم الزائغة .نرحب مستمعينا الكرام بكم من جديد ، وأرحب بضيف البرنامج الدائم الداعية الإسلامية فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، حياكم الله فضيلة الدكتور ، وأهلاً وسهلاً بكم من جديد في حلقة جديدة من ربيع القلوب .
الدكتور محمد راتب :
بارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .
المذيع :
فضيلة الدكتور ؛ في سورة الفرقان في هذه الآية التي قرأناها تأتي قبلها آيات :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً * قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً ﴾
وجه مناسبة هذه الآية :﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ﴾
لما قبلها من قوله تعالى :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً ﴾
فضيلة الدكتور .مصير كل إنسان بيد الله وحده :
الدكتور محمد راتب :
أي سياق الخطاب للنبي الكريم ، وأمره بالدعوة إلى الله ، فناسب أن يأتي الأمر بالتوكل عقب ذلك لأنه زاد للداعية في دعوته ، وزاد لكل مؤمن في حركته في الحياة الدنيا .
لكن أريد أن أذكر نقطة دقيقة جداً هي أن النبي الكريم عليه أتم الصلاة والتسليم من عادته أنه إذا توفي صحابي جليل يزور بيته قبل دفنه ، فهناك صحابي اسمه : أبو السائب توفي ، فالنبي على عادته أتى إلى بيته ليتفقد أهله ، سمع امرأة تقول : هنيئاً لك أبا السائب لقد أكرمك الله ، النبي وحده أقواله سنة ، أفعاله سنة ، إقراره سنة ، فإذا سكت على هذا القول كان كلامها صحيحاً ، وصفاته سنة ، ما سنته ؟ أقواله ، وأفعاله ، وإقراره ، وصفاته ، فقال لها : ومن أدراكِ أن الله أكرمه ؟ قولِي أرجو الله أن يكرمه ، فقط ، بدل كلمة أكرمك الله ، أرجو الله أن يكرمه ، وقال : وأنا نبي مرسل ، لا أدري ما يفعل بي ولا بكم .
فأن يذكر الإنسان المؤمن مهما علا شأنه مصير إنسان آخر على سبيل القطع واليقين هذا يتناقض مع إنسانيته ، ومع عبوديته لله عز وجل .
قال لها : ومن أداركِ أن الله أكرمه ، قولِي : أرجو الله أن يكرمه ، وأنا نبي مرسل ، لا أدري ما يفعل بي ولا بكم .
العاقل من يعدّ لساعة الموت عدتها :
لذلك مرة ثانية ؛ أضرب مثلاً دقيقاً : لو أن شركة طيران بطاقتها غالية جداً - طبعاً كلها حدود افتراضية - وإذا لم تكن في الوقت مناسب في مكان معين ضاعت عليك التذكرة التي ثمنها مليون ، وهي تأتي إلى بيتك لتأخذك من البيت ، وتقف دقيقة واحدة ، متى تأتي ؟ خلال اثنتي عشرة ساعة ، ما دام البطاقة ثمنها مليوناً ، ولا ترد ، وتنتظر دقيقة واحدة لا بد من أن تكون واقفاً وراء الباب اثنتي عشرة ساعة .هذا الموت ! والموت يأتي فجأة ، والقبر صندوق العمل ، ما رأيت أذكى ، ولا أعقل ، ولا أكثر نجاحاً ، وتوفيقاً ، واعتصاماً بالله ممن يدخل الموت في حسابه ، والله الذي لا إله إلا هو ما وجدت على سطح الأرض إنساناً أذكى ، ولا أعقل ممن يعد لهذه الساعة التي لا بد منها .
كنت مرة في المغرب ، دخلت في زقاق ضيق جداً ، مكتوب عبارة أمام محل تجاري : صلِّ قبل أن يصلى عليك ، الإنسان يدخل إلى بيته ويخرج ثمانين سنة قائماً ، مرة واحدة سوف يخرج أفقياً ، فالبطولة أن تعد لهذه الساعة التي لا بد منها ، فلذلك :
﴿ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ﴾
الله يعلم الحقيقة ، قد تكون ذكياً ، قد تدلس ، قد تغش ، قد تزور بطاقة ، مرة يوجد شركة تأخذ المعلبات التي انتهى مفعولها بطريقة ذكية جداً تمحو التاريخ القديم وتضع تاريخاً حديثاً ، صارت هذه في بلد عربي ، يوجد أساليب كثيرة فيها ذكاء عال ، وفيها إمكانيات عالية ، لكن الله يعلم ، والله عز وجل ما دام يعلم فالمشكلة مع الله عز وجل .المذيع :
الرسالة هنا شيخنا :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً ﴾
والتوكل ، ما العلاقة الدلالية بين هاتين الآيتين ، التوكل التبشير والإنذار ؟العلاقة الدلالية بين التبشير والإنذار :
الدكتور محمد راتب :
النبي الكريم جاء بمنهج ، ما معنى منهج ؟ افعل ولا تفعل ، فهذا ما فعل خوفاً من الله، لكن النبي الكريم يبين له أن هذا الذي خافه في الغيب ، هذا الذي خافه ولا يراه ، هذا أعلى درجة من الخوف ، قد ترى شيئاً أمامك ، قد يرى شخص مسدساً أمامه ، الخوف مباشر ، لكن يوجد وعد أو وعيد ، فالمؤمن يتعامل بدينه مع الوعد والوعيد ، لا مع الحديد ، يتعامل في الوعد والوعيد ، فالله وعد .
﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً ﴾
زوال الكون أهون على الله من ألا ينصر عباده المؤمنين ، نصره محقق ، ووعيده محقق ، ووعده محقق ، فلذلك التعامل مع الله يحتاج إلى يقين .﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ﴾
حقيقة التوكل :
لذلك عندي نقطة دقيقة جداً هي أن التوكل حقيقته الدقيقة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، كيف ؟ الغرب أخذ بها بدرجة مذهلة ، واعتمد عليها ، وألهها ، وقع في وادي الشرك ، والشرق لم يأخذ بها أصلاً فوقع في وادي المعصية .
أنت ذاهب إلى بلد بالعيد ، إلى نزهة طويلة ، تراجع السيارة ، المحرك ، العجلات ، زيت المحرك ، والمكابح ، بعد أن تأخذ بالأسباب كلها الآن تتوكل ، التوكل أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، الغرب أخذ بالأسباب واعتمد عليها ، وألهها ، والشرق ما أخذ بها أصلاً ، الغرب وقع بالشرك الخفي ، والشرق وقع بالمعصية ، لذلك :
(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك والشهوة الخفية . قلت : يا رسول الله أتشرك أمتك من بعدك ؟ قال : نعم ، أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله))
المشكلة الشرك الخفي ، الجلي انتهى ، لا يوجد عندنا آلهة تعبد في عالم المسلمين ، فقط يوجد شرك خفي .(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك والشهوة الخفية . قلت : يا رسول الله أتشرك أمتك من بعدك ؟ قال : نعم ، أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله))
لذلك النقطة الدقيقة جداً في هذا اللقاء الطيب أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، الشرق لم يأخذ بالأسباب وقع في المعصية ، والغرب أخذ بها وألهها وقع في الشرك .المذيع :
لقوله تعالى فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي :
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً ﴾
في هذه الآية الكريمة إشارة إلى أن المرء الكامل لا يثق إلا بالله تعالى ، لنتوقف عند هذا الجانب .المرء الكامل لا يثق إلا بالله تعالى :
الدكتور محمد راتب :
أنت إن وثقت بقوي وانتهت قوته فجأة ، خاب ظنك به ، يوجد كثير من حالات قوي جداً انتهى الوضع بساعة ، وعوده أصبحت لا شيء ، طمعك بالقوي تبدد وذهب ، فالبطولة ألا تعتمد على القوي .
لكن أنا أريد أن أذكر أخوتي المستمعين أن القوة أساسية بالحياة ، والدليل :
(( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف))
لماذا ؟ لأن القوي خياراته بالعمل الصالح قوية جداً ، فإذا كنت قوياً فتحت بمالك مستشفى ، هيأت طلاب علم درسوا ، عملت أعمالاً بطولية كبيرة جداً ، لهذا أنا أقول : إذا كان طريق القوة سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً ، لأن خيارات القوي في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى .أنا مرة جئت من بلد ، الطيار كان تلميذي وضعني في غرفة القيادة ، دخلت إلى سورية من المغرب ، رأيت بعيني طرطوس وصيدا ، رأيت بعيني خمسمئة كيلو متر ، معنى ذلك كلما ارتفع مقامك ارتفعت رؤيتك ، الأنبياء إنسانيون ، وكلما اتسعت الدائرة التي تهتم بها ارتقيت عند الله، الإنسان يهتم فقط ببيته ، أحياناً بأقربائه ، أحياناً بأهل بلده ، أحياناً بوطنه ، أحياناً بأمته ، أحياناً بالإنسانية ، الأنبياء إنسانيون ، وكلما اتسعت الدائرة التي تهتم بها ارتقيت عند الله .
وقف في جنازة فقيل له يا رسول الله : هذا ليس مسلماً ؟! قال : أليس إنساناً ؟ نقطة مهمة جداً .
المذيع :
في قوله تعالى :
﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ﴾
فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي لماذا هنا الأمر للنبي عليه الصلاة والسلام بالتسبيح ، وما علاقته بالتوكل ؟التسبيح وعلاقته بالتوكل :
الدكتور محمد راتب :
أي أمر للنبي الكريم ينسحب أصلاً على كل مؤمن .
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ﴾
أي أمر في القرآن الكريم ينسحب إلى المؤمنين ، لكن يوجد تعريف دقيق : النبي الكريم الأمر له أمر استمرار ، أنت إذا قلت للصادق : كن صادقاً ، أي تابع صدقك .﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ﴾
أحياناً يأتي الأمر بعد عدم الوجود ، افعل كذا ، إذا جاء الأمر لشيء تفعله أنت استمر عليه .﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ﴾
هنا معنى الاستمرار ، أنت إذا سبحت الله عرفت قوته ، عرفت محبته ، عرفت وحدانيته، عرفت فعله ، عرفت عدله ، عرفت رحمته ، عندئذٍ يأتي التوكل قوي جداً ، أنت لم تتوكل على إنسان ضعيف في أمر كبير ، أبداً ، فهناك تربط بين أن تعرفه ثم تتوكل عليه .المذيع :
التسبيح ، والتحميد ، أيضاً في الآية قارن بين التسبيح والتحميد ؟
التسبيح والتحميد :
الدكتور محمد راتب :
﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ﴾
الحقيقة جاءت من أن تغوص ، التسبيح هو أن تغوص في معرفته ، سبح بحمده منحنا نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى والرشاد ، هذه عطاءات الله الكبيرة للإنسان ، منحك نعمة الإيجاد ، الدليل :﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾
أنا حينما أقرأ كتاباً طبع قبل ولادتي أتصور أثناء طبع الكتاب من أنا ؟ لا شيء .﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾
فالله عز وجل تفضل على الإنسان بنعمة الإيجاد ، أوجده من عدم ، ونعمة الإمداد ، أمده بأم وأب ، أمده بدماغ ، أمده بعينين ، أمده بلسان ، بشفتين ، بأنف ، بقلب ، برئتين ، أي غلطة بالجسم تقلب الحياة إلى جحيم لا يطاق ، غلطة بالجسم .المذيع :
﴿ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً ﴾
اعتراض ورد في آخر الآية الكريم ، دكتور ما الفائدة ؟ أو ما المعنى من هذا الاعتراض الذي ورد بعد الأمر بالتوكل ؟من أيقن أن الله يعلم وسيحاسب وسيعاقب لا يمكن أن يعصيه :
الدكتور محمد راتب :
الإنسان أحياناً يكون ذكياً جداً ، يفعل شيئاً لا يعلم به أحد ، يخفي هذا الشيء مثلاً إنسان جالس بغرفة دافئة ، طرق الباب ، جاءت صديقة زوجته ، تمام ؟ قال لزوجته : تعالوا إلى هذه الغرفة الدافئة ، هل لأنها دافئة فقط أم لأنه يريد أن يرى صديقة زوجته من هي ؟ ما شكلها مثلاً ؟ من يعرف ذلك ؟
هناك أعمال لا يمكن لأحد أن يعرفها إلا الله ، لذلك :
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ ﴾
طبيب يعالج امرأة من حقه أن ينظر إلى مكان المرض ، لو نظر إلى مكان آخر لا تشكو منه هذه اسمها : خائنة الأعين ، من يكشف هذه الغلطة ؟إنسان بالبيت برمضان ، صائم ، والحر شديد ، والعطش لا يحتمل ، لو دخل وشرب كأس ماء من الثلاجة ، من يكتشف ذلك ؟ قيل : الصيام عبادة الإخلاص لله عز وجل ، أنت حينما تعلم أن الله يعلم ، وهذه آية قرآنية .
﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ﴾
إنسان راكب سيارته والإشارة حمراء ، لماذا يقف ؟ لأن واضع قانون السير وضع عقوبة لمن يتجاوز الإشارة الحمراء ، لماذا يلتزم ؟ ليقينه أن واضع القانون علمه يطولك ، وقدرته تطولك ، من خلال هذا الشرطي الذي يعلم ، أو من خلال آلة التصوير يعلم ، إذاً المخالفة تضبط ، والذي يضبطها واضع القانون ، فأنت إذا أيقنت أن الله يعلم ، وسيحاسب ، وسيعاقب ، لا يمكن أن تعصيه ، إذا أيقنت أن الله يعلم ، وسيحاسب ، وسيعاقب ، لا يمكن أن تعصيه ، تقرأ القرآن :﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾
الآن الله عز وجل سيتكلم كلمتين :﴿ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾
الاسمان ؛ قدرته وعلمه ، إذا أيقنت أن الله يعلم ، وسيحاسب ، وسيعاقب ، لا يمكن أن تعصيه ، لذلك :﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾
أي علمه يطولك ، وقدرته تطولك ، انتهى الأمر ، إذاً لا يعصي الله إلا أحمق ، أو معطل التفكر .المذيع :
في بداية الآية كان الأمر بالتوكل ، واختتمت هذه الآية بالاعتراض :
﴿ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً ﴾
ما مدى ملائمة هذا الختام مع الأمر بالتوكل والتسبيح في هذه الآية فضيلة الدكتور ؟الأمر يرجع دائماً إلى الله عز وجل :
الدكتور محمد راتب :
أريد أن أقول كلمة دقيقة :
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
هذه كلمة دقيقة جداً ، كلمة الأمر فيها أل التعريف ، هذه اسمها أل الجنس أخي الكريم، أل العهد ، وأل الجنس ، وهذه أل الجنس ، بمعنى أن أي أمر بالقارات الخمس من آدم إلى يوم القيامة يرجع إلى الله ، قال لك :﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
إن عبدته ؛ أي طبقت منهجه ، وتوكلت عليه في الأزمات ، هذه الآية جامعة مانعة قاطعة نافعة رائعة ، في القارات الخمس من آدم ليوم القيامة الأمر يرجع إلى الله عز وجل .﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك ، أي كل المخيفات بالأرض بيد الله عز وجل ، الوحوش الكاسرة بيد واحد ، فإذا أرخى الحبل وصلوا إلى الإنسان ، إن شده أبعدهم عنه .إلزام الله ذاته العلية بهداية الخلق :
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ﴾
تحدّ :﴿ ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
الآية دقيقة جداً :﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ ﴾
لا تترددوا .﴿ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
وحيث تأتي كلمة لفظ الجلالة بعد على ، ماذا تعني ؟ معنى ذلك أن الله ألزم ذاته العلية بهذا العمل .﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ﴾
﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾
أي آية قرآنية فيها لفظ جلالة أتت بعدها كلمة على أي الله عز وجل ألزم ذاته العلية بهذا العمل .﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ﴾
على الله رزقها .المذيع :
فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي في ختام هذه الحلقة لو نتحدث عن المضامين التربوية التي أشارت إليها هذه الآية ، وكيف أمرت بالتوكل على الحي الذي لا يموت وطبعاً الخطاب موجه للنبي عليه الصلاة والسلام ، لكن كما أشارت في بداية الحلقة كل مسلم له نصيب من هذه الأمر ؟
المضامين التربوية التي أشارت إليها الآيات السابقة :
الدكتور محمد راتب :
هذا الكلام أذكره مئات المرات في دعوتي : البطولة الكبيرة أن تأخذ بالأسباب في كل شيء وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، الغرب أخذ بها واعتمد عليها وقع في الشرك ، ونحن لم نأخذ بها في الأعم الأغلب وقعنا في المعصية ، وضعت يدي على المشكلة الأولى في العالم الإسلامي ، الغرب أخذ بالأسباب واعتمد عليها وألهها وقع في الشرك ، والمسلمون لم يأخذوا بها أصلاً وقعوا في المعصية ، أما البطولة ، الحل الوسطي ، الحقيقي ، الإسلامي ، العقدي ، الصحيح فهو أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، هذا الحل المثالي لهذا الموضوع .
المذيع :
﴿ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً ﴾
الله عز وجل خبير بكل شيء :
الدكتور محمد راتب :الخبير ؛ أنت لك الظاهر ، أحياناً الإنسان يعمل عملاً جيداً ، لكن وراءه شيء غير جيد ، هذه من يكشفها ؟ الله عز وجل وحده ، لو فرضنا أنه لو تعطل كيف يتم إصلاحه ، يأتي الخبير هنا ، لا يأتي المصمم ، يوجد مصمم ، وخبير بالمحرك ، فالله عز وجل خبير بالعطب المتنوع ، وخبير بالإصلاحات ، وخبير بحلول المشكلات ، غيّر ما تفعل .
خاتمة وتوديع :
المذيع :
أحسن الله إليكم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي على هذا اللقاء .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته