- محاضرات خارجية
- /
- ٠23ندوات مختلفة - الأردن
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعالمأ ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الإنسان إنسان إذا بحث عن الحقيقة و طلب العلم :
أيها الأخوة الكرام؛ بادئ ذي بدء أشكر لكم هذه الدعوة الكريمة، التي إن دلت على شيء فعلى حسن الظن بي، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنكم.
أولاً: أنا منكم، بمعنى أنني دَرَّستُ في جامعة دمشق أصول تدريس اللغة العربية في كلية التربية لثلاثين عاماً، من عام تسعة وستين إلى عام تسعة وتسعين، فأنا من أساتذة الجامعة، وأنا أفخر بكل طالب جامعي، لأن قيمة الأمة بجامعاتها.
أيها الأخوة الكرام؛ أيتها الأخوات الفُضْلَيات؛ الحقيقة أن الجماد، نحن ندرس في المنطق الكائنات جماد نبات حيوان إنسان شيء مألوف، الجماد شيء يشغل حيزاً، وله أبعاد ثلاثة، يشغل حيزاً، له وزن، وله أبعاد ثلاثة، هذا الجماد، لكن النبات شيء أيضاً له وزن، وله حجم، وله أبعاد ثلاثة، وله حيز في الفراغ لكنه ينمو، أُضيف النمو، الحيوان شيء مادي يشغل حيزاً في الفراغ، وله أبعاد ثلاثة، وله وزن وينمو لكنه يتحرك، أضفنا الحركة، الإنسان شيء يشغل حيزاً في الفراغ، وله وزن، وله أبعاد ثلاثة، وينمو كالنبات، ويتحرك كالكائنات المتحركة لكنه يفكر، فإذا لم يفكر وإذا لم يطلب العلم فقد إنسانيته، فأنت إنسان إذا طلبت العلم، أنت إنسان إذا بحثت عن الحقيقة.
والشيء الذي يلفت النظر أنه ما من صفة مادية في الإنسان إلا وفي الحيوانات من يفوقه بها، بالوزن الفيل ستة طن، الطيران يطير الطائر ستاً وثمانين ساعة بلا توقف، وإذا دخلنا في هذا الموضوع ليس هناك من صفة مادية في الإنسان إلا وفي المخلوقات الأخرى ما يفوقه بها، الطائر يرى ثمانية أضعاف الإنسان، يرى فريسته وهو في الجو، والطريق طويل في هذا الموضوع، فالإنسان إن لم يبحث عن الحقيقة، أو إن لم يؤمن بخالق السموات والأرض، إن لم يقنع بمنهج الله، إن لم يفكر بسرّ وجوده وغاية وجوده، الحقيقة الدقيقة أن الإنسان إذا ذهب إلى باريس، وسأل هذا السؤال: إلى أين أذهب؟ نقول له: عجباً، لماذا جئت إلى هناك؟ إن جئت طالب علم فاذهب إلى الجامعات، إن جئت تاجراً فاذهب إلى الأسواق، إن جئت سائحاً فاذهب إلى المنتزهات، فالإنسان كائن متحرك.
الإنسان كائن متحرك تحركه حاجات ثلاث :
الآن هذه الطاولة كائن جامد، دعها ألف عام تبقى على ما هي عليه، الإنسان كائن متحرك، ما الذي يحركه؟ حاجات الإنسان، حاجته إلى الطعام والشراب حفاظاً على وجوده كإنسان، وحاجته إلى الطرف الآخر، أي إلى الزواج حفاظاً على بقاء النوع، وحاجته إلى تأكيد الذات حفاظاً على بقاء الفكر، تأكل وتشرب لبقاء الفرد، تقترن بزوجة والزوجة تقترن بالزوج لبقاء النوع، وتبحث عن التفوق لبقاء الفكر، فهذه الحاجات الثلاث متوافرة في منهج الله عز وجل، تحافظ على مثلك، وعلى نوعك، وعلى تفوقك.
لكن بالمناسبة الإنسان أعقد آلة في الكون، تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، وهذا الكائن الذي تحلى بخلق كامل، قال الله تعالى:
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
هذا الإنسان له صانع، ولهذا الصانع العظيم خالق السموات والأرض تعليمات التشغيل والصيانة، فانطلاقاً من حبك لذاتك، انطلاقاً من حرصك على سلامتك، من حرصك على سعادتك، ينبغي أن تتبع منهج ربك، لذلك الإنسان حينما يخضع لمنهج الخالق يحقق الهدف من وجوده.
تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف و تكريم :
بالمناسبة هذا الكون مسخر لنا تسخير تكريم، وتسخير تعظيم، أي أنت حينما ترى القمر أو ترى الهلال كما قال النبي الكريم:
((هلال خير ورشد))
أي شيء خلقه الله له وظيفتان، وظيفة إرشادية ووظيفة نفعية، تنتفع به، ويدلك على الله، أي شيء خلقه الله له وظيفتان، وظيفة إرشادية إلى الله، ووظيفة نفعية تنتفع به، فالعالم الغربي تفوق في الوظيفة النفعية أعلى تفوق، أي كما يقال: سخَّر الطبيعة لمآربه، والعالم الإسلامي انتبه إلى الوظيفة الثانية الإرشادية، لكن البطولة أن تجمع بين الوظيفتين، أن تنتفع بخلق الله، وأن يكون هذا الخلق طريقاً لك إلى الله، لأن النبي عليه الصلاة والسلام حينما رأى الهلال قال:
((هلال خير- أي نفعي- ورشد – يرشدني إلى الله))
فالإنسان حينما يسخر له الكون، والدليل قال الله تعالى:
﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾
آية قرآنية، الكون مسخر لنا تسخيرين، تسخير تعريف، رد فعل التعريف أن تؤمن، ورد فعل التكريم أن تشكر، فإذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك، لذلك قال الله تعالى:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾
إذا آمنت وشكرت حققت سرّ وجودك، وكلمة ما يفعل الله بعذابكم، أي انتهت المعالجة الإلهية، أنت في سلام، أنت في بحبوحة، أنت في سعادة.
نعمة الأمن لا تعدلها نعمة على الإطلاق :
لذلك في نفس المؤمن من الأمن ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم، والدليل قوله تعالى:
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
نعمة الأمن لا تعدلها نعمة، قال تعالى:
﴿ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾
فأنت حينما تؤمن تتمتع بالأمن، حينما تؤمن تتمتع بالسعادة.
الفرق بين اللذة و السعادة :
بالمناسبة أيها الأخوات الفضليات؛ أيها الأخوة الكرام، اللذة شيء والسعادة شيء آخر، اللذة حسية تحتاج إلى صحة، وإلى مال، وإلى وقت، ولحكمة بالغة بالغة معظم الناس يفتقدون أحد هذه الأشياء الثلاثة في كل مرحلة من حياتهم، ففي البداية الصحة طيبة والوقت موجود لكن لا يوجد مال، في منتصف الحياة المال موجود وكذلك الصحة لكن لا يوجد وقت، بالنهاية الوقت موجود والمال كذلك لكن لا يوجد صحة، فاللذة تفتقر دائماً إلى أحد مقوماتها في مراحل الحياة، لكن السعادة شيء ينبع من الداخل.
أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنــــــــــــا فإننا نمنــــــح بالرضا من أحبـنــــــــــا
ولذ بحمانا واحتم بجنابنـــــــــــــــــــــــا لنحميك مما فيه أشرار خلقنــــــــــــــــا
وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغـــــــــــــل وأخلص لنا تلقى المسرة والهنــــــــــا
وسلم إلينا الأمر في كل ما يـكـــن فما الحب والإبـــعاد إلا بأمرنــــــــــــــــا
فيا خجلــــــــــــــــي منه إذا قال لـــي أيا عــــبدنا ما قــــرأت كتابنـــــــــــــــــــــــا
أما تستحي منا ويكفيك مـا جــرى أما تكتفي من عتبنا يوم جمعنـــــــــا
أما آن أن تقلع عن الذنب راجعاً وتنظر ما به جـــــاء وعدنـــــــــــــــــــــــا
فأحبابنا اختاروا المحبة مذهبـــــاً وما خالفوا في مذهب الحب شرعنا
فلو شاهدت عيناك من حسننـــــا الذي رأوه لما وليــــــــــت عنا لغيرنـــا
ولو سمعت أذناك حســــــــــــن ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـــة لمت غريباً واشتياقاً لقربنـــــــــــــــــــــــا
فما حبنا سهل وكل من ادعـــــى سهولته قلنا له قــــــــد جهلتنــــــــــــــــا
فأيسر ما في الحب للصب قتلـه وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنــا
**
*
الإنسان عقل يدرك وقلب يحب وجسم يتحرك :
أيها الأخوة الكرام؛ الإنسان عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، غذاء العقل العلم، وغذاء القلب الحب، وغذاء الجسم الطعام والشراب، إن لبيت أو غذيت عقلك وقلبك وجسمك تفوقت، إن لبيت واحدة منها تطرفت، والفرق كبير جداً بين التفوق والتطرف، لك عقل له غذاء وغذاؤه في الجامعات، ولك قلب وغذاؤه الحب ينبغي أن تحب الله، أن تحب الحقيقة أن تحب القيم، ولك جسم يحتاج إلى طعام، فلذلك الإنسان عقل يدرك وقلب يحب وجسم يتحرك.
في بالأرض الآن سبعة مليارات - رقم حديث من ستة أشهر- ما منهم واحد إلا وهو حريص على سلامة وجوده، وحريص على كمال وجوده، وحريص على استمرار وجوده، سلامة وجوده بالاستقامة، الاستقامة تطبيق منهج خالق السموات والأرض، الاستقامة تعليمات الصانع.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته