بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
ملامح منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله :
أيها السادة العلماء الأفاضل ؛ إن وجدتم في كلمتي تلك ما كنتم تتوقعون فالفضل لله وحده ، وإلا فحسبكم الله ونعم الوكيل .
بادئ ذي بدء : في بعض البرامج يبدؤون بالموجز ، وتأتي بعد الموجز التفاصيل ، موجز الدعوة إلى الله ؛ المنهج الأمثل في الدعوة إلى الله هو المنهج المستنبط من الكتاب و السنة .
(( عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : إِنِّي تَاركٌ فيكم ما إن تَمسَّكْتُمْ به لن تَضِلُّوا بعدي ، أَحدُهما أَعظمُ من الآخر ، وهو كتابُ الله حبلٌ مَمْدودٌ من السَّمَاءِ إِلى الأرض ، وعترتي أَهل بيتي ، لنْ يَفْترقا حتى يردَا عليَّ الحوضَ فانظروا كيف تخلفوني فيهما ؟ ))
و ما إن تمسكتم بهما فلن تضلوا بعدي أبداً .
من القرآن الذي :
﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ 42 ﴾
ومن حديث رسول الله العدنان الذي :
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى 3 إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى 4 ﴾
و من ملامح منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله التعريف بالآمر قبل الأمر ، الإسلام المكي تعريف بالآمر ، والإسلام المدني تعريف بالأمر ، التعريف بالآمر قبل الأمر ، والأصول قبل الفروع ، والقدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، و الترغيب قبل الترغيب ، والتيسير لا التعسير ، والتفهيم لا التلقين ، والتربية لا التعرية ، والتدرج لا الطفرة ، والمتفق عليه لا المختلف عليه ، ومخاطبة العقل والعاطفة معاً ، واعتماد الدليل و التعليل ، والتركيز على المبادئ لا الأشخاص ، والمضامين لا العناوين ، والتأكيد على الكلية المعرفية في الدين ، والكلية السلوكية ، والكلية الجمالية ، وانطلاقاً من الحقيقة الثابتة ، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم بمفرده ، بينما أمته معصومة بمجموعها ، ينبغي على من يدعو إلى الله - وأنتم دعاة إلى الله أجلاء وكرماء - ينبغي على الدعاة إلى الله أن يتبعوا لا أن يبتدعوا ، وأن يتعاونوا لا أن يتنافسوا ، وأن يعترف كل بفضل منهم أخيه ، لا أن ينكر عليه ، فالدعاة إلى الله يكمل بعضهم بعضاً ، ويغطي كل منهم شريحة من شرائح المجتمع ، ولا تثريب عليهم إن اتفقوا بالأصول ، أن تتعدد وجهات نظرهم في الفروع والأساليب ، أن يتعاونوا فيما اتفقوا ، ويعذر بعضهم بعضاً فيما اختلفوا ، وأن ينصح بعضهم بعضاً فيما اختلفوا ، هذه ملخص هذا اللقاء الطيب .
الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم :
ولكن نبدأ بالموضوع المفصل ؛ أسأل أنا أي إنسان كائناً من كان : لماذا تصلي ؟ يعجب لسؤالي ! لأن الصلاة فرض عين على كل مسلم ، فإذا أقنعتكم ، أو أقنعت الآخرين من خلال الكتاب والسنة أن الدعوة إلى الله فرض عين في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف ، الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم ، ولكن في حدود ما يعلم ، ومع من يعرف ، حضر خطبة جمعة ، تأثر بآية شرحها الخطيب ، نقلها إلى زوجته ، إلى أمه ، إلى أخوته ، إلى أصدقائه في محله التجاري ، هذه الدعوة فرض عين على كل مسلم ، ولكن في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف ، هذه فرض عين .
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ 108 ﴾
فالذي لا يدعو إلى الله على بصيرة ليس متبعاً لرسول الله .
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ 31 ﴾
هذه الدعوة فرض عين كل مسلم ومسلمة ، في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف .
أخواننا الكرام ؛ إن هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذون دينكم ، ابن عمر دينك دينك إنه لحمك و دمك ، خذ عن الذين استقاموا - السياق هنا في عقيدتهم - ولا تأخذ عن الذي مالوا .
الاستقامة وتطبيق منهج الله عز وجل :
الآن دخلنا في الموضوع :
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ 33 ﴾
أي ليس على وجه الأرض إنسان أفضل
﴿ مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ﴾
بخطابه ، بلقاءاته ، بندوته ، بأمسيته
﴿ دَعَا إِلَى اللَّهِ ﴾
لا تكفي
﴿ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾
حركته في الحياة ، كسب ماله ، إنفاق ماله ، اختيار زوجته ، تربية بناته ، تربية أولاده ، اختيار حرفته ، التعامل مع الآخرين ، هذا المنهج التفصيلي ، العبادة التعاملية ، من أوسع المناهج يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، كسب مالك ، إنفاق مالك ، خطبة زوجتك ، تربية بناتك ، تربية أولادك اختيار حرفتك ، كسب مالك ، إنفاق مالك ، تمضية أوقات فراغك ، منهج تفصيلي ، بآلاف البنود يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، هذه العبادة التعاملية ، العبادة الشعائرية خمسة أركان ، الصلاة ، والصيام ، والحج ، والزكاة .
اسمعوا الآن الحقيقة المرة أفضل ألف من الوهم المريح :
(( يؤتى برجال يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة، يجعلها الله هباء منثوراً، قيل: يا رسول الله جلهم لنا؟ قال: إنهم يصلون كما تصلون، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ))
انتهت قيمة الصلاة .
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ ))
[ أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي ]
انتهى الصيام .
(( من حج بمال حرام ووضع رجله في الركاب، ونادى لبيك اللهم لبيك، نودي أن لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك ))
[ الأصبهاني في الترغيب عن أسلم مولى عمر بن الخطاب ]
أما الشهادة :
(( من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل: وما حقها؟ قال: أن تحجبه عن محارم الله ))
[ الترغيب والترهيب عن زيد بن أرقم بسند فيه مقال كبير ]
العبادات الخمسة الأساسية إن لم ترافقها استقامة تامة ، وتطبيقاً دقيقاً لمنهج الله لا تقدم ولا تؤخر .
(( عن ابن عباس رضي الله عنهما أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : خيرُ الصحابةِ أربعةٌ ، وخيرُ السرايا أربعُمائةٍ ، وخيرُ الجيوشِ أربعةُ آلافٍ ، ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))
[ أخرجه أبو داود والترمذي ]
والحديث صحيح ، فإذا كنا مليارين ، ونملك نصف ثروات الأرض ، وعلى ممرات مائية أساسية في العالم ، قناة السويس ، باب المندب ، هرمز ، ونملك لغة واحدة ، وديناً واحداً، و ليس أمرنا هو النافذ في العالم ، هذه هي الحقيقة المرة ، والحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، حينما لا نطبق هذا الدين ، نفقد صلاحية دعم الله لنا .
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
طبعاً كلام دقيق
﴿ دَعَا إِلَى اللَّهِ ﴾
مطلقاً ، والمطلق على إطلاقه ، في خطابه على المنبر ، في بذله بالمسجد ، في لقائه بإخوانه في البيت ، في نزهته ، أينما جلس يدعو إلى الله
﴿ عَلَى بَصِيرَةٍ ﴾
بالدليل والتعليل .
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 103 ﴾
الحب نوعان ؛ حبّ في الله وحبّ مع الله :
الآن : إلهنا ، خالقنا ، ربنا ، مصيرنا إليه ، ما قبل أن تعبده إكراهاً قال :
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 256 ﴾
خلقنا ، حياتنا بيده ، موتنا بيده ، رزقنا بيده ، المرض بيده ، الصحة بيده ، السعادة بيده ، الشقاء بيده ، ومع كل ذلك ما قبل أن نعبده إكراهاً ، قال تعالى :
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
أراد أن تكون العلاقة به علاقة حب .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ 54 ﴾
والحب في الله عين التوحيد ، والحب مع الله عين الشرك ، أن تحب الله ، ورسوله ، والصحابة كلهم ، أن تحب العمل الصالح ، أن تحب المؤمنين ، أن تحب المساجد ، وهكذا ، الحب في الله عين التوحيد ، و الحب مع الله عين الشرك .
(( عن شداد بن أوس رضي الله عنه أنه بكى فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله فذكرته فأبكاني . سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ' أخوف ما أخاف على أمتي الشرك والشهوة الخفية ' . قلت : يا رسول الله أتشرك أمتك من بعدك ؟ قال : نعم ، أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولا وثناً ولكن يراؤون بأعمالهم . والشهوة الخفية أن يصبح أحدهم صائماً فتعرض له شهوة من شهواته فيترك صومه ))
[ أخرجه الإمام أحمد في مسنده ]
(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي ))
الشرك الجلي انتهى ، أما الشرك الخفي فأخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي ، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ، ولا حجراً - هذه انتهت - و لكن شهوة خفية ، وأعمال لغير الله ، هذا واقع الأمة ، أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي ، الشرك الجلي انتهى ، أما الشرك الخفي فأخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي ، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ، ولا حجراً ، هذه انتهت ، ولكن شهوة خفية ، وأعمال لغير الله .
أخوتنا الكرام :
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ 33 ﴾
كلمة دقيقة : عندنا إسلام فردي ، وإسلام جماعي ، الإسلام الفردي آياته :
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً 147 ﴾
يوجد الآن مليارا مسلم بالضبط ، مليارا مسلم في الأرض ، لو شاب واحد طبق الإسلام في إحدى دوائر ثلاثة ، أو في الدوائر الثلاثة ، هو دائرة ، وبيته دائرة ، وعمله دائرة ، فإذا أقام أمر الله فيما يملك كفاه ما لا يملك ، إذا أقام أمر الله فيما يملك ، صلى الصلوات ، غض بصره ، صام شهره ، حج بيت الله الحرام ، تعامل مع الناس بالصدق والأمانة ، أقام أمر الله فيما يملك كفاه الله ما لا يملك ، هذا اسمه : الإسلام الفردي ، شخص مسلم ، شاب مسلم من ملياري مسلم إذا طبق الشرع الإسلامي في دوائر يملكها ، القرار له فيها ، هو دائرة ، وبيته دائرة ، وحرفته دائرة ، أدى الذي عليه ، بقي أن يطلب من الله الذي له ، هذا الإسلام الفردي .
أما الإسلام الجماعي فتغطيه هذه الآية :
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ 33 ﴾
يعني يا محمد ، ما دامت سنتك مطبقة في حياتهم هم في مأمن من عذاب الله .
لذلك الآية الكريمة :
﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 104 ﴾
الخير المطلق هو الإيمان بالله ،
﴿ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
فرق كبير بين النجاح و الفلاح ، مع أن النجاح لم يرد إطلاقاً في الكتاب والسنة ، النجاح أحادي فردي ، بيل غيتس يملك ثلاثة وتسعين ملياراً ، مؤسسة أبل سبعمئة مليار ، النجاح هو الفردي ؛ مال أو سلطة ، حاكم اليابان حكم سبعين سنة ، فالنجاح أحادي ، ولم يرد في القرآن إطلاقاً ، أما الفلاح فشمولي ، أي أن تعرف الله ، أن تعبده ، أن تطبق منهجه ، أن تحبه ، أن تختار زوجة صالحة ، أولاداً تربيهم تربية عاليةً ، هذا الفلاح فلاح شمولي ، أن تنجح مع الله معرفة ، وعبادة ، وطاعة ، وتقرباً ، ودعوة ، وأن تنجح في بيتك ، في اختيار زوجتك ، بل إن من واجباتك تجاه أولادك قبل أن تتزوج أن تحسن اختيار أمهم ، وأن يكون البيت إسلامياً، الشاشة مضبوطة ، اللقاءات مضبوطة ، السهرات مضبوطة ، الحفلات مضبوطة ، وفق منهج الله ، ثم أن تختار عملاً شريفاً ، صالحاً ، مقبولاً في الدين ، وأن تتعامل مع الآخرين وفق منهج الله ، عندك ثلاث دوائر تملكها ، أنت دائرة ، بيتك دائرة ، عملك دائرة ، فإذا أقمت أمر الله فيما تملك كفاك ما لا تملك ، هذا إسلام فردي .
أما الإسلام الجماعي
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
يا محمد ، ما دامت سنتك مطبقة في مجتمعات المسلمين بعدك
﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ﴾
ماذا تعني ما كان الله ؟ قد تسأل إنساناً : هل أنت جائع ؟ يقول لك : لا ، لا تنفي الحديث ، أما إذا قال لك وأنت إنسان كريم ، دين ، حكيم : هل أنت سارق ؟ تقول له : لا فقط ؟ تقول له : ما كان لي أن أسرق ، هذا نفي الشأن ، عدّ النحاة أحد عشر مفعولاً به يطبق على هذا الحكم ، لا أقبل ، ولا أرضى ، ولا أدعم ، ولا ، ولا ، ولا
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
هذه تغطي الإسلام الجماعي ، ما دامت أمة النبي تطبق منهج النبي فهي في مأمن من عذاب الله .
الآن أما الدعوة إلى الله كفرض عين ، في حدود ما تعلم ومع من تعرف ، أما الدعوة كفرض اجتماعي ، شمولي :
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
ولكن هذه الدعوة الاحترافية تحتاج إلى تفرغ ، وإلى تعمق ، وإلى تبحر ، وإلى تدبر ، تفرغ ، تعمق ، تبحر ، تدبر، هذه الدعوة التي هي فرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن المجموع .
الشيء الدقيق ؛ نحن في مأمن إن شاء الله من الشرك الجلي ، لا نعبد أصناماً ولكن المشكلة في الشرك الخفي :
(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي ))
أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ، ولا حجراً – هذه انتهت - ولكن شهوة خفية ، وأعمال لغير الله " .
الآن ملامح الداعية الناجح ، أو ملامح المدرس الناجح بالتعليم ، هل يشتاق طلابك إليك ؟ هل ينتظرون دخولك قاعة التدريس أو دخولك الجامع في شغف ؟ هذه علامة نجاحك في الدعوة ، حين يسود الصمت لحظة إعطائك الدرس فأنت مدرس محترف ، وداعية ناجح ، و حين لا يتأخر أحد عن درسك فأنت مدرس متميز ، وداعية متميز ، وحين يبوح لك طلابك بهمومهم ، ومشكلاتهم ، فلتعلم أنك مدرس كالأب القريب من قلوب طلابه ، الواثقون بحكمته ومحبته ، أي المدرس له مكانة كالأب ، وله علم كالعالم ، وله رحمة كالأم ، كالعالم ، والأب ، والأم ، وحينما يجتهد الطلاب في مادتك الدراسية ، ويحصلون على أعلى الدرجات على الرغم من صعوبتها ، فهنا ينبغي أن تعلم أنك مدرس متفوق ، أو داعية ناجح على أقرانك المدرسين ، والدعاة ، وحينما تتوافر فيك كل هذه الصفات فهنا يوشك أن تكون تحت عباءة النبي عليه الصلاة و السلام الذي قال عن نفسه :
(( عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد ، وقوم يذكرون الله تبارك وتعالى ، وقوم يتذاكرون الفقه ، فقال صلى الله عليه وسلم : كلا المجلسين على خير ، أما الذين يذكرون الله تعالى ، ويسألون ربهم فإن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم ، وهؤلاء يعلمون الناس ويتعلمون ، وإنما بعثت معلماً ، وهذا أفضل ))
[ أخرجه الحارث ، وأبو داود الطيالسي ]
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ))
[ أخرجه البزار في مسنده والإمام أحمد ]
ما من أمر أُمرنا به إلا وقد فطرنا على محبته :
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ 30 ﴾
اعتقد يقيناً أن كل أمرٍ أمر الله به في الكتاب ، وأن كل أمرٍ أمر به النبي ما صح من السنة ، ينطبق تمام الانطباق على فطرتك
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
ما من أمرٍ أُمرت به إلا وقد فطرت ، أو جبلت ، أو برمجت على محبته ، وأي أمرٍ نهاك الله عنه فُطرت على كراهيته ، والدليل :
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ 7 ﴾
وحينما لا تتمنى أن تكون في عمل آخر له دخل أكبر ، فقد آثرت ثواب الآخرة على مكاسب الدنيا ، حينئذٍ تكون ممن آثر آخرته على دنياه ، وعندئذٍ تربحهما معاً .
التعليم أيها الأخوة الكرام ؛ أيها العلماء الأجلاء ؛ صنعة الأنبياء :
(( وإنما بعثت معلماً، إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ))
لذلك ينبغي أن يغذى العقل بالعلم ، وينبغي أن يغذى القلب بالحب الذي يسمو به ، الإنسان عقل يدرك ، وقلب يحب ، وجسم يتحرك ، غذاء العقل العلم ، وغذاء القلب الحب ، وغذاء الجسم الطعام والشراب ، ولكن إذا أشتري بمال حلال .
(( عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : تليت الآية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم : يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً ، فقام سعد بن أبي وقاص فقال : يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ، والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يوماً ، و أيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به ، يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))
ما معنى أطب طعامك ، يوجد لحم زيادة لا يكون من مال حلال ،
(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة . ))
الآن :
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
دعا إلى الله بلسانه ، وبعمله ، وعمل صالحاً ، أي جاءت الحركة اليومية مطابقة لدعوته ، من دون أن يرى الناس مسافة بين أقواله وأفعاله ، عندئذٍ يفقد الداعية المصداقية
﴿ وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
أي أنا لا أدّعي أنني الأوحد في الدعوة ، وعندئذٍ يصاب هذا بمرضٍ نفسي اسمه التوحد ، وهو من أخطر هذه الأمراض .
ضرورة تطابق العقل مع النقل :
إذاً نلخص ما قلنا قبل قليل : القدوة قبل الدعوة ، الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم، يرى أباه صادقاً لم يكذب على أمه ، يرى معلمه شريفاً ، لم يتبع عملاً لا يرضي الله .
القدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، املأ قلب من تدعوه بإحسانك ليفتح لك عقله لبيانك ، والأصول قبل الفروع ، الماء الذي تشربه توضأ منه ، هذا اختصار الإمام الغزالي لعالم أزهري أبقى من يستمع إليه ستة أشهر في أنواع المياه ، ولم يتوضأ بعد ، قال له : الماء الذي تشربه منه توضأ منه ، نحن بحاجة ماسة إلى الاختصار ، والتطبيق ، والدعم العقلي ، لا تقم حاجزاً بين العقل والنقل ، النقل من عند الله ، والعقل جهاز معجز خلقه الله ، ما دام الأصل هو واحد فالله هو الذي خلق العقل ، وهو منزل الرسل ، فلابد من تطابق النقل مع العقل ، و إن لم يتطابقا يكون النقل غير صحيح ، حديث موضوع ، أو العقل غير صريح ، ما معنى عقل صريح ؟ عندما جاؤوا إلى العراق قالوا : جئنا من أجل الحرية ، هم ليسوا كذلك ، قال أحدهم : جئنا من أجل النفط ، عندنا عقل صريح ، ونقل صحيح : يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة .
الزمن أخطر شيء يملكه الإنسان :
سيدنا سعد ، انظروا إلى قيمة الزمن ، أسلم في الحادية والثلاثين ، وتوفي في السابعة والثلاثين ، كم سنة ؟ ست سنوات ، قال النبي عند وفاته : " اهتز عرش الرحمن لموته " إذاً البعد الزماني وحده لا يكفي ، فالإنسان بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، هو زمن ، التعريف الجامع المانع الرائع للإمام الحسن البصري ، سيد التابعين : الإنسان بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، ولأن الإنسان زمن ، ولأن أخطر ما يملكه هو الزمن، أقسم الله بمطلق الزمن ، فقال :
﴿ وَالْعَصْرِ 1 إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ 2 إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ 3﴾
جواب القسم مخيف ، أيها الإنسان أنت خاسر
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
يا ربي لم الخسارة ؟ لأن مضي الزمن وحده يستهلكه ، فقط ، قبل أن نقول : مؤمن أو غير مؤمن ، مضي الزمن وحده يستهلكه ، فلذلك ؛ الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، هذه النقطة الدقيقة .
الشيء الدقيق ؛ هل ترون ، أو تعتقدون أن آية واحدة جمعت فحوى دعوة الأنبياء جميعاً ، قال تعالى :
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ 25 ﴾
فحوى دعوة الأنبياء جميعاً الذين ذكرهم الله عز وجل ، والذين لم يذكروا
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
.
إذاً :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا ﴾
رحمة الله في إلا ، ما بعد إلا رحمة الله
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
عرفوا الله معرفة حملتهم على طاعته
﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
أي حركتهم في الحياة وفق منهج الله
﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾
هذه الدعوة إلى الله كفرض عين
﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
على معرفة الله ، وطاعته .
لذلك الله قال :
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى 1 وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى 2 وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى 3 إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى 4 فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى 5 وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى 6 فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى 7 وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى 8 وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى 9 ﴾
الآن يوجد ثماني مليارات إنسان
﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ ﴾
أي حركتكم في الحياة لَشَتَّى هل يعقل أن تلخص هذه الحركات لثمانية إنسان بكلمات ؟
لأنه صدق بالحسنى اتقى أن يعصي الله ، وبنى حياته على العطاء
﴿ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
لأنه آمن بالآخرة ، آمن بالحسنى ، اتقى أن يعصي الله ، وبنى حياته على العطاء .
لذلك : الأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، الأقوياء عاش الناس لهم ، الأنبياء عاشوا للناس ، الأقوياء ملكوا الرقاب ، والأنبياء ملكوا القلوب ، الأقوياء يمدحون في حضرتهم ، والأنبياء في غيبتهم ، الناس جميعاً تبع لقوي أو نبي .
﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ﴾
أي ثماني مليارات إنسان
﴿ لَشَتَّى ﴾
منوع ، لكن الله أنزلها في حقلين اثنين
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
لأنه صدق بالحسنى ؛ الآخرة ، بالجنة ، اتقى أن يعصي الله وبنى حياته على العطاء ، أعطى من ماله ، من علمه ، من وقته ، من خبرته ، بنى حياته على العطاء ، فالأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، والأقوياء أخذوا ولم يعطوا
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
لأنه كذب بالجنة بنى حياته على الأخذ
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
﴿ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾
فلما كذب بالحسنى استغنى عن طاعة الله ، و بخل في عطائه ، و الناس جميعاً تبع لقوي أو نبي .
أرجو الله أن يحفظ إيمانكم جميعاً ، وأن يلهمنا جميعاً الصبر على طاعة الله ، والدعوة إليه ، ومرة ثانية أقول : ليس عند الله أفضل ممن دعا إلى الله
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
ما قال : أنا الأوحد ، صار معه مرض التوحد ، أنا واحد من الدعاة إلى الله ، هذا منهج الله عز وجل في الدعوة إلى الله .
أسأل الله أن يحفظ إيمانكم جميعاً ، وأن يجعلكم دعاةً متفوقين ، ومتعاونين ، التعاون حضارة يا أخوان ، الطرف الآخر يتعاونون بنسبة عالية جداً وبينهم خمسة بالمئة قواسم مشتركة ، والمسلمون لا يتعاونون ، بل يتنافسون مع الأسف الشديد ، بل يتقاتلون ، وبينهم خمسة و تسعون بالمئة قواسم مشتركة ، وهذه وصمة عار .