بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
الإنسان خاسر إلا إن عرف الله واتبع أوامره :
بادئ ذي بدء : ما من تعريف جامع مانع قاطع للإنسان كتعريف الإمام الحسن البصري : الإنسان بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، إذاً هو زمن ، و الزمن بالتعريف الفيزيائي هو البعد الرابع للأشياء ، شيء له وزن ، حجم ، طول ، عرض ، ارتفاع ، أما إذا تحرك فهناك بعد ثالث وهو الزمن .
لذلك ما من تعريف جامع مانع للإنسان كتعريف التابعي الجليل الحسن البصري : الإنسان بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، ولأن الإنسان زمن أقسم الله لنا بمطلق الزمن فقال :
﴿ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ﴾
الواو واو القسم ، جواب القسم مخيف ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾
بمعنى أن مضي الزمن وحده ينهي الإنسان ، أثمن شيء ، إذاً أنت زمن ، ولأنك زمن أقسم الله لك بمطلق الزمن أنك خاسر ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا ﴾
رحمة الله بإلا ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
الإمام الغزالي قال : هي أركان النجاة ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
تعرفوا إلى الله ، خالقاً ، مربياً ، مسيراً ، أسماؤه حسنى ، صفاته علا ، خلقنا ليرحمنا . ﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) ﴾
فلذلك لا بد من أن نعرف الله .
(( ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ))
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّ ﴾
ا رحمة الله بإلا ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
عرفوا الله خالقاً ، مربياً ، مسيراً ، أسماؤه حسنى ، صفاته علا ، علامة المعرفة الطاعة ، المقياس الدقيق لمعرفة الله أن تطيعه .(( ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء ))
الخالق ، الرب ، المسير ، صاحب الأسماء الحسنى ، والصفات العلا ، تعليماته للإنسان ينبغي أن تُتبع ، لأنه هو الخالق ، قال تعالى :
﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14) ﴾
العمل الصالح علة وجود الإنسان في الدنيا :
الآن انطلاقاً من حرصك على ذاتك ، من حرصك على سلامتك ، على سعادتك ، ينبغي أن تتبع تعليمات الصانع
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا ﴾
رحمة الله بإلا
﴿ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
الإيمان الذي يحملك على طاعة الله ، و إلا هذا الإيمان لا يقدم ولا يؤخر ، الإيمان الذي يحملك على طاعة الله
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
علة وجودنا في الدنيا العمل الصالح ، والدليل :
﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ﴾
سمي العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، ومتى يصلح ؟ إذا كان خالصاً و صواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
ضرورة التفكر في خلق السماوات والأرض :
ثم لا بد من التفكر في خلق السماوات والأرض .
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ( 190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) ﴾
أخواننا الكرام ؛ الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة ، أي يدخل في جوف الشمس مليون وثلاثمئة ألف أرض ، بينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، الله جلّ جلاله قال :
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ( 1 ) ﴾
الأرض في دورتها حول الشمس تمر باثني عشر برجاً ، من هذه الأبراج برج العقرب ، كنت في أمريكا دخلت إلى متحف فضائي ، وصلوا خطوطاً بين النجوم صارت كالعقرب تماماً ، يوجد نجم صغير متألق أحمر في برج العقرب اسمه قلب العقرب ، دققوا الآن ؛ يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، هذا الإله العظيم يعصى ؟ ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في الــــــــــمقال شنيع
لـــــو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لــــــــــــمن يحب يطيع
***
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
سمي العمل صالحاً لأنه يصلح للعرض على الله ، و متى يصلح ؟ إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾
هذه الدعوة إلى الله كفرض عين ، في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف ، أما فرض الكفاية فتحتاج إلى تفرغ ، وتعمق ، وتبحر ، وتدبر ، أما فرض عين سمعت من خطيب تفسير آية تأثرت بها ، انقلها إلى زوجتك ، إلى أولادك ، إلى جيرانك ، فرض العين في حدود ما تعلم ومع من تعرف ، فرض الكفاية صار احترافاً ، تحتاج إلى تبحر ، تعمق ، تثبت ، تفرغ .
﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾
هذه الدعوة كفرض عين ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾
صبروا على معرفة الله ، وعلى طاعته ، وعلى الدعوة إليه ، هذه سورة جامعة ، مانعة ، كان أصحاب النبي الكريم لا يخرجون من مجلسهم إلا إذا تلوا هذه السورة .أرجو الله أن يحفظ لكم إيمانكم جميعاً ، وأهلكم ، وأولادكم ، وصحتكم ، ومالكم ، أما آخر دعوة ، أهم دعوة واستقرار هذه البلاد ، هذه نعمة لا تعرف إلا إذا فقدت ، وفي بلاد فقدوها ، اشكروا الله عز وجل .