- ٠4كتاب مقومات التكليف
- /
- ٠2المقوم الأول - الكون
في القرآنِ الكريمِ ما يزيدُ على ألفٍ وثلاثمئة آيةٍ كونيّةٍ، ألم يسألْ أحدُنا نفسَه: لماذا جاءت هذه الآياتُ في القرآنِ الكريمِ ؟ لو لم نكن مكلَّفين أن نتفكرَ فلماذا هذه الآياتُ ؟ هل يعقلُ أنْ يقولَ اللهُ كلاماً لا معنى له ؟ ليس هذا من المعقولِ إطلاقاً، فما دام هناك آياتٌ كونيّةٌ فهذا يعني أنّ هناك عبادةً اسمها التفكرُ، وهي من أرقى العباداتِ، لأنها تضعك أمام عظمةِ الله عز وجل، وهذه العبادة شِبْهُ معطّلة في العالَمِ الإسلاميِّ، قال تعالى:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
وقال عزوجل:
﴿ قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾
وقال:
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾
فهناك آياتٌ كثيرةٌ نمرُّ عليها، في الفَلَكَ، والمجرّاتِ، والطعامِ دون أنْ نتفكّرَ فيها:
﴿ فَلْيَنْظُرْ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾
هذا أمرٌ إلهيٌّ، و كلُّ أمرٍ في القرآنِ يقتضي الوجوبَ، قال تعالى:
﴿ فَلْيَنظُرْ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ﴾
في الكونِ ظاهرةٌ عجيبةٌ، وهي أنّ الماءَ كأيِّ عنصرٍ آخر، إذا برّدتَه ينكمشُ، وإذا سخّنته يتمدّدُ، إلاّ أنّ الماءَ ينفردُ عن بقيّةِ العناصرِ بميزةٍ، وهي أنه عند الدرجةِ
( +4 ) تنعكسُ خصائصُه فيتمدّدُ، فإذا برّدتَه يزدادُ حجمُه، فتقلُّ كثافتُه، فيطفو على السطحِ، ولولا هذه الظاهرةُ لما كنتَ تقرأُ الآن هذا الكتابَ، ولمَا كان في الأرضِ كلِّها إنسانٌ، هل تصدِّقون هذا ؟
لولا هذه الظاهرةُ لما كانت حياةٌ على وجهِ الأرضِ، لأنّ الماءَ لو لم يتمدّد عند التبريدِ لقلَّ حجمُه، وازدادتْ كثافتُه فيغوصُ، وبعد حين تتجمّدُ كلُّ المحيطاتِ، وينعدمُ التبخُّرُ، وينعدمُ المطرُ، ويموتُ النباتُ، ويموتُ الحيوانُ، ويموتُ الإنسانُ، وانتهى الأمرُ، فمَن أودعَ هذه الميزةَ في الماءِ