- محاضرات خارجية
- /
- ٠25ندوات مختلفة - المغرب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الغرق في جزئيات الحياة أكبر خطر يقع به الإنسان :
أيها الأخوة الكرام؛ أشكر القائمين على هذا النشاط الدعوي، لأنها تعني شيئاً واحداً هو حسن الظن بي، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنكم.
العنوان الذي طُلب مني أن أعالجه القرآن وواقع الإنسان و الأمة.
قيل: من عرف نفسه عرف ربه، فمن أنت أيها الإنسان؟ لابد من أن تعرف حقيقتك، حقيقة وجودك في الدنيا، حقيقة النجاح والفلاح في الدنيا، حقيقة الموت، حقيقة وجودك في البرزخ، حقيقة الدار الآخرة، وما معنى قوله تعالى:
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾
أعلى مقام في الجنة، لكن أخطر خلل يقع فيه الإنسان أن يغرق في الجزئيات، كل واحد معه هاتف، معه جدول أعماله، أو ورقة، أو دفتر، اتصال بفلان، دفع الفاتورة الفلانية، وقد يغفل عن سرّ وجوده في الدنيا، وعن غاية وجوده، وعما أُعد له في الآخرة من نعيم مقيم.
يبدو أنه أكبر خطر، وأكبر مشكلة يعاني منها الناس الغرق في جزئيات الحياة، لماذا؟ يأتي الموت، قد يأتي فجأة، يلغي قوة القوي، وضعف الضعيف، يلغي غنى الغني، وفقر الفقير، يلغي وسامة الوسيم، ودمامة الدميم، يلغي ذكاء الذكي، ومحدودية غير الذكي، الموت ينهي كل شيء، فنحن نتحدث دائماً عن واقعنا، وعن ماضينا، يقول لك أحدهم: أنا مهندس، درست في المكان الفلاني، ما بعد الواقع، المستقبل، لماذا نغفله كثيراً؟ هناك سبب، يوجد سبب في العقل الباطن، في المستقبل حدث الموت، ومغادرة الدنيا من بيت، زوجة، بنات صبايا، شباب، مكانة، دخل، سيارة، لقاءات، مؤتمرات، سفر، سياحة، إلى قبر.
(( عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبقَ لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت ))
والله الذي لا إله إلا هو ما وجدت على وجه الأرض إنساناً أعقل ممن يعد لهذه الساعة التي لا بد منها، لذلك الخطر الكبير أننا نغرق في جزئيات الحياة، وأن نغفل عن علة وجودنا، وعن غاية وجودنا، لكن لو اقتطع الإنسان من وقته وقتاً لمعرفة الكليات، سر وجودك، غاية وجودك، حقيقة الدار الدنيا، حقيقة الآخرة، لفاز و نجا.
طبعاً للتقريب: إذا الإنسان جاءه عدة مبالغ، جاء قريبه قال له: معي مبلغ عظيم، قد يكون مئة درهم، فإذا قال مسؤول كبير: أعددنا لهذا الحرب مبلغاً عظيماً أي مئتا مليار، فإذا قال ملك الملوك، ومالك الملوك:
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه علم فقد جهل، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً.
الفرق بين اللذة و السعادة :
هناك مقترحان لا بد من توضيحهما قبل متابعة الموضوع، موضوع اللذة، وموضوع السعادة.
اللذة؛ حسية، طعام نفيس، بيت جميل، سيارة فارهة، إطلالة من البيت على البحر، اللذة حسية، لكنها تحتاج دائماً إلى ثلاثة شروط، والحكمة البالغة البالغة دائماً ينقصنا شرط، تحتاج إلى مال، وصحة، ووقت، في البداية يوجد وقت وصحة ومال، في المنتصف يوجد صحة ومال لكن لا يوجد وقت، بخريف العمر يوجد مال ووقت ولا يوجد صحة، دائماً تنقصك واحدة، لحكمة بالغة بالغة الله عز وجل ما سمح للدنيا أن تمدك بسعادة متنامية، مستحيل، ولا مستمرة، بل متدنية، هكذا حكمة الله عز وجل، أراد لنا الآخرة، فاللذة تحتاج إلى وقت، وإلى مال، وإلى صحة، أما السعادة فهذا الإنسان الضعيف الجاهل، يلتقي بأصل الجمال، والكمال، والنوال، يتصل بالله يستمد منه القوة، يتصل بالجميل، يستمد منه السعادة.
فـلو شاهدت عيناك من حسننــــا الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنـــا
ولو سمعت أذناك حسن خطاب نا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــــــــا
ولو ذقت مـن طعم المحبـــة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـة لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــــــا
فما حبنا سهل وكل من ادعـــى سهولته قلنا له قــــــــــــد جهلتنـــــــــــــا
فأيسر مافي الحب للصب قتـلـه وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنـــا
***
عظمة الإسلام أنه دين فردي وجماعي في آن واحد :
المجتمع مجموعة أفراد، دققوا الآن؛ على مستوى فرد:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
أي مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن يعذب الإنسان بلا سبب.
﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾
هذا على مستوى الفرد، أما على مستوى الأمة:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
يا محمد ما دامت سنتك قائمة في حياتهم، منهجك مطبق في حياتهم، هم في مأمن من عذاب الله، لذلك عظمة هذا الإسلام أنه فردي وجماعي في آن واحد، بمعنى الآن في العالم يوجد مليارا مسلم، العدد الآن ثمانية مليارات، ربعه مسلمون، لو واحد من المليارين طبق منهج الله في دوائر ثلاثة، أول دائرة نفسه، والثانية بيته، والثالثة عمله، انتهت محاكمته بكل شيء، الدليل قوله تعالى:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
أما كمؤمن:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
من رحمة الله بنا عندنا إسلام فردي، وإسلام جماعي، كفردي تقطف كل ثمار الإسلام وحدك، لكن لا تستطيع أن تنقله إلى الآخرين إلا بالدعوة إلى الله، أما كأمة فمن طبق هذا المنهج فهو في حلّ من عذاب الله.
الإنسان هو المخلوق الأول رتبة عند الله لأنه قبِل حمل الأمانة :
لذلك نعود إلى آية تأخذنا إلى عالم الأزل، نحن في عالم الصور، عالم الأزل:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾
الإنسان في عالم الأزل حينما عرض الله الأمانة على كل الخلائق:
﴿ أَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾
حملها الإنسان، و عندما حملها كان المخلوق الأول رتبة عند الله، أول مخلوق، لذلك ركب الملك من عقل بلا شهوة، وركب الحيوان من شهوة بلا عقل، وركب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان، لذلك حمل الأمانة:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾
مقومات حمل الأمانة :
1 ـ الكون :
ما مقومات حمل الأمانة؟
أخواننا الكرام؛ أحد أكبر مقومات هذه الأمانة الكون، هذا الثابت الأول، يقرؤه كل إنسان، في أي مكان وزمان.
﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ﴾
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
هذه الآية آية التفكر، التفكر أقصر طريق إلى الله، وأوسع باب ندخل منه على الله، لأنه يضعنا وجهاً لوجه أمام عظمة الله.
ومضة ثانية: الأرض تدور حول الشمس دورة كل عام، في مسار بيضوي – إهليلجي- له قطران أطول وأصغر، الأرض هنا يحكمها قانون الجاذبية، هذا القانون عوامله الكبرى الكتلة والمسافة، الأرض هنا، تنتقل إلى هنا، المسافة قلت بينها وبين الشمس، لا بد من أن تنجذب الأرض إلى الشمس، وإذا انجذبت تبخرت في ثانية واحدة، ما الذي يحصل؟ ترفع الأرض سرعتها لينشأ من رفع السرعة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة، فتبقى على مسارها.
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
أن تنحرف، يد من؟ علم من؟ قدرة من؟ رحمة من؟
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
تتابع الأرض انتقلت إلى القطر الأصغر، الجاذبية ضعفت، تتابع سيرها خارج الجاذبية الحرارة حوالي ثلاثمئة و ستين تحت الصفر، تنتهي الحياة، إذا انجذبت، وإذا تفلتت، ما الذي يحصل هنا؟ تخفض الأرض سرعتها، لينشأ من خفض السرعة قوة نابذة ضعيفة تكافئ قوة الجذب الضعيفة، فتبقى على مسارها، هذه آية من آيات الله، هذه من مسلمات الدين، هذه موجودة في القرآن.
شيء آخر، الله قال:
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾
الأرض في دورتها حول الشمس تمر بـاثني عشر برجاً، أحد هذه الأبراج برج العقرب، في بلد عربي كان هناك مرصد فلكي كبير رأيت هذا النجم، برج العقرب برج كبير، لكن يوجد نجم أحمر صغير، اسمه قلب العقرب، هذا النجم الصغير الأحمر المتألق يتسع للشمس و الأرض معاًمع المسافة بينهما، المسافة بينهما مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر، هذا الإله العظيم يعصى؟ ألا يخطب وده، ألا ترجى جنته، ألا تخشى ناره؟
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في الــــــــــمقال شنيع
لـــــو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لــــــــــــمن يحب يطيع
***
أثناء الطيران، الطيارون يجدون خطاً بين كل بحرين، لا يوجد خط، لكن تمايز لونين، مثلاً في جبل طارق تمايز، ظاهرة عجيبة، درسوا الموضوع النتيجة لكل بحر مكوناته، ولا ينتقل شيء من بحر إلى بحر، قال تعالى:
﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾
لكل بحر مكوناته، وكثافته، وملوحته، كل بحر له خصائص، و:
﴿ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ ﴾
أخواننا الكرام؛ من مقومات التكليف أن الله سبحانه وتعالى أعطانا الكون، يقرؤه كل إنسان، أي إنسان، بأي مكان، بأي زمان، بأي جنسية، بأي لغة، بأي عرق، الكون يُقرأ بالتفكر والآية الأصل بذلك:
﴿ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
أنا أمامي كأس ماء، هذا الكأس فيه خاصة، لولا هذه الخاصة ما كان هذا اللقاء، ولا كان المغرب، ولا كانت دولة في الأرض
هذا الماء عنصر كأي عنصر بالتسخين يتمدد، بالتبريد ينكمش، كأي عنصر عادي، أو سائل، أو جامد، إلا أن الماء له خاصة نادرة، لو كان عندك ماء خفضت درجة حرارته إلى الخامسة عشرة، ثم إلى الدرجة العاشرة، ثم إلى الخامسة، ثم إلى الرابعة، في الدرجة الرابعة تنعكس الآية، لذلك ائتِ بقارورة املأها بالماء إلى الآخر، أغلقها، وضعها بالثلاجة تنفجر، هذا الماء يتمدد بالدرجة زائد أربع، لولا هذه الخاصة تجمدت مياه البحر، كثافتها زادت، فغاصت، بعد حين ينعدم التبخر، تنعدم الأمطار، يموت النبات، يموت الحيوان، يموت الإنسان.
صنع من؟ علم من؟ قدرة من؟ حكمة من؟
﴿ وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ ﴾
على الحج.
﴿ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ ﴾
معناها بعيد.
﴿ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾
معنى ذلك أن الأرض كرة، فالخط إذا امتد عليها أصبح منحنياً.
﴿ وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾
2 ـ العقل :
الله أعطانا عقلاً، حتى الآن العقل عاجز عن إدراك نفسه، مئة و أربعون مليار خلية سمراء استنادية لم تعرف وظيفتها المحدودة، الآن يوجد على القشرة أماكن للذاكرة بحجم حبة العدس، تتسع لسبعين مليار صورة، أعقد شيء
بالكون هو العقل، له ثلاثة مبادئ؛ مبدأ السببية، والغائية، وعدم التناقض
أنت لن ترى شيئاً بلا سبب أبداً، سافرت إلى مكان، أغلقت الكهرباء كلياً، أغلقت الأبواب، عدت بعد أسبوعين رأيت أن البيت كله مضاء، لماذا تضطرب؟ لأنك تؤمن لا يمكن أن تفتح الكهرباء إلا بيد، أي هناك شخص دخل إلى البيت، هذا مبدأ السببية.
المبدأ الثاني الغائية؛ البقرة تحتاج إلى كيليين حليب أو ثلاثة، تقدم لك أربعة وستين كيلو، ما الآية؟
﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ ﴾
خصيصاً، تأخذ كيليين أو ثلاثة لوليدها، تعطيك أربعة وستين كيلو.
﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ ﴾
في القرآن ثماني عشرة آية فيها لكم، أي صنعت خصيصاً لكم، لذلك الله عز وجل أعطانا كوناً هو الثابت الأول، هذا الكون يعبر عن ذاته العظيمة، وعن وجوده، وعن كماله، وعن قوته.
(( ابن آدم اطلبنِي تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء))
أعطانا عقلاً، هذا الجهاز الإدراكي المتميز له مبادئ ثلاث؛ السببية، الغائية، عدم التناقض.
لو شخص متهم بجريمة بالمدينة، وكان هناك دليل قطعي أنه كان بمدينة أخرى، العقل لا يقبل أن يكون هنا وهناك في وقت واحد، مبدأ السببية، والغائية، وعدم التناقض.
3 ـ الشهوة :
أعطانا شهوة، الشهوة قوة دافعة، أنا أقول: لولا الشهوات لما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات، قوة اندفاع الرجل إلى المرأة، والمرأة إلى الرجل، القوة هذه تنطلق بمنهج الله، وهناك كلمة دقيقة: ما من شهوة أودعها الله في الإنسان قطعاً إلا جعل لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها، بالإسلام لا يوجد حرمان أبداً.
مرة ثانية: ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها.
للتقريب: صفيحة البنزين في السيارة، إن وضعت في المستودع المحكم، وسالت في الأنابيب المحكمة، وانفجرت في المحرك، في المكان المناسب، والوقت المناسب، ولّدت حركة نقلتك إلى مصيف في الصيف، إلى نزهة، انفجارات لكنها منتظمة، أما هذه الصفيحة نفسها لو صببتها على السيارة، وجاءت شرارة أحرقت المركبة ومن فيها.
فالشهوات قوة دفع، أو قوة تدمير، بربكم لو كنت في مكان خلاء لقيت لوحة كتب عليها: ممنوع التجاوز حقل ألغام، هل تمشي؟ هل ترى أن هذه اللوحة حد لحريتك أم ضمان لسلامتك؟ هذا الدين كله ضمان لسلامتك، تسهر في بيتك مع أهلك، مع أولادك، مع بناتك، مع من حولك تسلم في الدنيا والآخرة.
أنا أقول: لولا الشهوات ما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات، قوة محركة، الآن أين تجد القوة المتحرك؟ في الشباب، الشباب يندفعون، ماذا يحتاجون؟ إلى علماء ربانيين، ما هو الشرع؟ الطريق المعبد، ما هي النماذج الأخرى؟ الطريق الوعر، صخر، أكمات، لذلك أقول: الشباب يمثلون قوة للنزهة، والعلماء الربانيون قوة للتوليد، والمنهج هو الطريق المعبد، لذلك يمكن أن نقول: راكب دراجة ـ دققوا ـ واجه طريقين؛ طريقاً صاعداً وطريقاً هابطاً، الصاعد عر، فيه صخور، فيه حفر، فيه أكمات، فيه جهد، فيه عرق، لكن ينتهي بقصر منيف لمن وصل إليه، الطريق الهابط معبد، فيه أزهار ورياحين، لكن ينتهي بحفرة مالها من قرار، فيها وحوش كاسرة ما أكلت من شهر، مكتوب لوحة: الطريق الهابط ينتهي بحفرة مالها من قرار، فيها وحوش كاسرة وجائعة، والطريق الصاعد ينتهي بحديقة غناء، يا ترى بعدما عرف النتيجة من خلال اللوحة هل يغير قراره؟ سيغير، لذلك:
(( أَلا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ، وإِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ ))
سبحان الله!
(( أَلا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ ))
فيه جهد، وتكليف، وغض بصر، وضبط لسان، وأسرة، وعمل، وواجب، وأداء، أما النار ففيها تفلت، أيهما أفضل التفلت أم الانضباط؟
مثلاً: مريضان مرض خطير، الأول معه التهاب معدة حاد، والعلاج لأشهر كاملة على الحليب، بعدها يشفى شفاء تاماً، والثاني معه ورم خبيث منتشر، الأول سأل الطبيب: ماذا آكُل؟ قال له: حليب فقط، حمية قاسية جداً، لستة أشهر، أما الثاني فقد قال له: كُلْ ما شئت، كل ما شئت، هذا معنى قوله تعالى:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ﴾
4 ـ الفطرة :
إذاً عندنا عقل، وشهوات، وفطرة، هذه الفطرة مقياس عاطفي.
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
بمعنى أي أمر أمرت به فطرت على محبته.
﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾
هذه الفطرة.
عندنا عقل، وعندنا فطرة.
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
والآية تقول:
﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾
مثل دقيق جداً: جئت إلى البيت الساعة الواحدة، أمك مريضة طلبت منك دواء، قلت لها: الصيدليات مغلقة كلها، فسكتت، لكنك تعلم أن هناك صيدليات مناوبة، ومعك سيارة، لا تنام الليل مرتاحاً، لو كنت ذهبت إلى كل الصيدليات المناوبة و كان الدواء غير موجود، في الحالتين الأم لم تأخذ الدواء، لكن في الحالة الثانية تنام مرتاحاً.
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾
عقيدة الجبر أخطر عقيدة يمكن أن تتسرب إلى الناس :
أخواننا الكرام؛ لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب، ولو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة، إن الله أمر عباده تكريماً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً.
دققوا؛ لمجرد أن نتوهم أن الله أجبرنا على المعصية، كتب علينا ذلك، التغى الدين كله، التغى الثواب والعقاب، التغت الجنة والنار، التغى كل شيء، ما الدليل؟
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا ﴾
أخطر عقيدة يمكن أن تتسرب إلى الناس عقيدة الجبر، الآن ماذا يناقضها؟ يناقضها:
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
واضحة تماماً؟
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾
الثالثة:
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا ﴾
إياكم، ثم إياكم، ثم إياكم أن يتسرب إلى أذهانكم أن الله عز وجل أجبرنا على شيء ما، معقول مدير مدرسة أول العام الدراسي يقرأ أسماء الناجحين آخر العام وأسماء الراسبين؟ لن يدرس أحد.
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
علة خيرية هذه الأمة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر :
أخواننا الكرام؛ هذه الأمة لها خيرية.
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾
ما هي الخيرية؟
﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾
فإذا لم نأمر بالمعروف، ولم ننهَ عن المنكر فقدنا خيريتنا، وأصبحنا أمة كأية أمة خلقها الله، لذلك كل وعودنا بالنصر تقريباً غير محققة الآن، يوجد إسلام، ومساجد، وندوات، لكننا نريد إسلاماً مطبقاً، الإسلام منهج تفصيلي يبدأ من أخص خصوصيات الإنسان من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، فلابد من تطبيق المنهج.
من أخلّ بعبادة الله فالله جلّ جلاله في حلّ من وعوده الثلاث :
آخر شيء في الحلقة ازدواج المعايير.
قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب مسلم مسألة فيها نظر
***
أخواننا الكرام:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي ﴾
فإذا أخلّ المسلمون بعبادة الله فالله جل جلاله في حل من وعوده الثلاث، والحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح، والإسلام فردي وجماعي، لو طبقته أيها الشاب وحدك قطفت كل ثماره، أيتها الشابة لو طبقت هذا الإسلام قطفت كل ثماره، أنا أتمنى أن ينتبه الناس جميعاً، أما أنا فأحاسب عن ثلاث دوائر، نفسي دائرة، وبيتي دائرة، وعملي دائرة.
حفظ الله لكم إيمانكم جميعاً، وأهلكم، وأولادكم، وصحتكم، ومالكم، والسادسة أهم واحدة واستقرار هذه البلاد، هذه نعمة لا يعرفها إلا من فقدها.