وضع داكن
29-03-2024
Logo
الزواج - الدرس : 05 - الزواج العرفي .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا و زدنا علماً و أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الحكمة من تغيير الموضوعات طرْدُ المَللِ:

أيها الإخوة المؤمنون، أنهينا في الدرس الماضي موضوعات الربا، وكان من الممكن أن نتابع في هذا الموضوع دروسًا كثيرة، ولكن أرى أنا دائماً أن الموضوع إذا عالجناه وقتًا محدودًا، وانتقلنا إلى غيره، فإذا وجدنا حاجةً عدنا إليه بعد حين، هذا أقرب إلى إقبال الإخوة الكرام بشغف على دروس الفقه، فالموضوع إذا استمر طويلاً أشعر أنا أن الإخوة الكرام يشعرون بالإشباع، موضوع الربا موضوع كبير جداً، أخذنا منه الموضوعات الأساسية، ولاسيما موضوع القرض الحسن، وموضوع المضاربة.

مقدمة للزواج العرفي:

وننتقل الآن إلى موضوع أثاره في نفسي تحقيق قرأته في جريدة يومية حول الزواج العرفي، وكثيراً ما أدعى إلى عقد زواج عرفي فأرفض أشد الرفض، وكثيراً ما أسأل عن هذا الموضوع

والذي أدهشني أن إخوةً كراماً كثيرين يريدون إذا زوجوا بناتهم أن يعقدوا زواجاً عرفياً، والزواج العرفي هو الزواج الذي يقع خارج المحكمة الشرعية، والحقيقة أنّ الذي أدهشني أن هناك مآسي لا حصر لها ذكرها القاضي الشرعي، مآسي لا حصر لها تنتج عن الزواج العرفي الذي يقع خارج المحكمة الشرعية.
قبل أن نخوض في هذا الموضوع لابد من التمهيد، قبل مئة عام إذا أردت أن تشتري بيتاً يكفي أن يقع بينك وبين صاحب البيت إيجاب وقبول شفهيان، وأن تسلمه الثمن، وأن يعطيك المفتاح، وقبل مئة عام لم يكن من إجراء لشراء البيت إلا هذا الإجراء، إيجاب وقبول، والأولى الشهود، ودفع الثمن، وأخذ مفتاح البيت، وانتهى عقد شراء البيت، أنت الآن أيها الأخ الكريم هل يعقل أن ترضى أن تشتري بيتاً، وأن تدفع ثمنه خمسة ملايين ليرة، وهو بيت صغير، وأن تأخذ من صاحبه المفتاح، والسلام عليكم، إن قبلت أن تشتري هذا البيت بهذه الطريقة فزوج ابنتك بالطريقة الأولى، أن يأتي شيخ، وأن يقرأ لك الفاتحة، وأن يجري إيجاباً وقبولاً، وعلى مهر، وبعض الشهود، وانتهى الأمر.

لكل عصر طريقة في تثبيت الحقوق:

الذي أريد أن أقوله لكم هو أن الله سبحانه وتعالى حينما قال:

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾

( سورة الأنفال )

قال: ( مِنْ قُوَّةٍ ) ليشير إلى أن لكل عصر قوته، فقد تكون القوة في عهد النبي بتضمير الخيول، وشحذ السيف، وقد يأتي عصر تصبح فيه القوة قوة معلومات، وقوة أقمار صناعية، وقوة أشعة ليزر، وقوة القنابل العنقودية، وقوة القنابل الذكية، وقوة الأسلحة الشاملة، وقوة الإعداد النفسي، وقوة الإعلام، هذه كلها من القوة، ( مِنْ قُوَّةٍ ) أراد القوة التي تصلح لكل عصر.
سقت هذا الكلام لأؤكد لكم أن لكل عصر طريقة في تثبيت الحقوق، لكل عصر بحسب التعقيدات، وحسب تطور المجتمعات، لكل عصر طريقة في تثبيت الحقوق، كما أنه اليوم لا يمكن أن ترضى أن تشتري بيتاً، وأن تدفع ثمنه، وأن تأخذ المفتاح، بل لابد من تسجيل هذه الملكية في السجلات الرسمية، وإلا فبيعك وشراؤك لا قيمة له.
الذي أثار هذا الموضوع أنه في قصر العدل قبل أيام نشبت مشاجرة كادت تودي بحياة اثنين، بين رجلين يختصمان على امرأة واحدة، كلٌّ يقول: هذه زوجتي، وهي متزوجة من الأول بعقد عرفي، ومن الثاني بعقد عرفي، العقد العرفي ليس له أصل عند الدولة، وهناك قصص كثيرة سأروي بعضها إن قدرني الله عز وجل للمآسي التي تجري الآن في مجتمعنا من جراء العقد العرفي.

 

ما هو العقد الشرعي ؟

 

ما هو العقد الشرعي في الأساس ؟ لا يتم عقد، ولا ينعقد عقد، ولا يصح عقد إلا بشروط:
من هذه الشروط المحلية الكلية، المحلية الكلية أن تكون هذه المرأة التي تعقد عليها عقد النكاح ليست أحد المحارم على التأبيد، أم، أخت، ابنة، زوجة، هناك مشكلات تقع الآن، أخت من الرضاع لابد من التفريق بين الزوجين، يجب أن تكون المرأة التي يتم عليها عقد الزواج محلاً أصلياً للزواج، فإذا كانت أحد المحارم عن علم أو عن غير علم، طبعاً أكثر إشكال يقع في الأخت من الرضاع، فإن كانت إحدى المحارم على التأبيد، ولاسيما الأخت من الرضاع هذا العقد باطل، ويجب أن ينفسخ فوراً.
وينبغي أن تكون هذه المرأة التي تعقد عليها العقد الشرعي محلاً فرعياً لزواجك، فما المحل الفرعي ؟ أن لا تكون هناك حرمة مؤقتة تمنعك من الزواج بها، كأن تكون أختاً لزوجتك، مادامت الأولى على عصمتك فالثانية محرمة تحريماً مؤقتاً، أن لا تكون مطلقةً تطليقاً رجعياً بعدة، فما دامت المرأة معتدة لا فيجوز عقد الزواج عليها، هذا شرط إجرائي، إن صح التعبير، أن تكون محلاً أصلياً للزواج ومحلاً فرعياً له، المحل الأصلي أن لا تكون محرمةً على التأبيد، والمحل الفرعي أن لا تكون محرمةً على التوقيت، لكن أجمع العلماء على أن الزواج لا يكون شرعياً إلا إذا كان على التأبيد لا على التوقيت، فيجب أن تنعقد نية الزوج على تأبيد هذا العقد، فإذا أراد التوقيت فقد أخل بأحد أركان العقد.
إذا سافر الإنسان يقول: أنا أفضل من أن أبقى بلا زوجة، وأنا سوف أستقر خمس سنوات في هذا البلد الأجنبي حتى أتزوج امرأة، وعندما يكرمني الله عز وجل بالدكتوراه أطلقها، وأتزوج امرأة من بلدي، هذا العقد على التوقيت عقد باطل.
هناك قضية خلافية نبحث فيها في وقت آخر، إذا استدعى إنسان مأذون المحكمة، وصار أمام المأذون إيجاب وقبول، ومهر وشاهدي عدل، وولي، وتمت أركان الزواج، الفتاة، ووليها، وشاهدا عدل، ومهر وإيجاب، وقبول، فهذا العقد في ظاهره شرعي، أما إذا نوى الزوج التوقيت فهذا لا يعلمه العاقد، ولا يعلمه القاضي، نقول: في ظاهر هذا العقد عقد شرعي، أما في موضوع التوقيت والتأبيد فهذا موكول إلى نية الزوج، فإن نوى التوقيت فقد وقع في إثمٍ كبير، وربما كان عقد زواجه باطلاً، وربما أمضى هذه الفترة كلها في رأي بعض العلماء مستنبطين هذا من بعض الأحاديث زانياً، لأنه على التوقيت.
من شروط العقد وأركانه التأبيد، فإن نويت التوقيت فقد أخللت بأحد أركان عقد الزواج، لأن هذه الفتاة لو أنها أختك، أو لو أنها ابنتك فلا ترضى لا أنت ولا هي أن يتزوجها رجل لأمد محدود، طبعاً هذا شيء معروف عندكم جميعاً، أن المرأة في سن الزواج مقبولة جداً، في سن آخر تنتقل إلى طور آخر، تصبح أم لأولاد، في طور آخر تصبح جدة، كل طور من أطوار حياتها لها ميزة، ومكانة، ولها إشعاع، ولها وظيفة، فإذا استمتعت بها شابةً، ورميتها كهلةً من يأخذها في هذا السن ؟ قد قضيت على مستقبلها، إذاً التأبيد لا التوقيت أحد أركان العقد.

ملخص شروط عقد النكاح الشرعي:

1 – أن تكون المرأة محلا أصليا للزواج:

أضع بين أيديكم أركان العقد الشرعي: أن تكون الزوجة محلاً أصلياً للزواج، أي أن لا تكون محرمةً على التأبيد من المحارم.

2 – أن تكون المرأة محلا فرعيا للزواج:

وأن تكون محلاً فرعياً للزواج، أي أن لا تكون محرمةً على التوقيت، كأن تكون أخت الزوجة، أو أن تكون مطلقة بعدة، الشرط الثاني أن تكون نية التأبيد واضحةً في ذهن الزوج وإلا أخل بشرط أساسي وركن أساسي من أركان الزواج.

3 – الشهادة:

الشيء الثاني: الشهادة، لأن الزواج أساسه طريق مشروع، ينبغي أن يعلن، لا يوجد زواج سري كما ذكرت لكم في دروس سابقة، ديننا دين الحق، ودين الله عز وجل، ولا يوجد شيء مخفي، ولا شيء يستحيا به، ولا يوجد شيء لا يمكن أن يقال للناس جميعاً على رؤوس الخلائق، لذلك لو دخلت إلى الجامع الأموي، وأيقنت أن فيه أكثر من مئة ألف مصلٍّ يؤدون صلاة الجمعة، ثم شعرت أن أبواب هذا المسجد مغلقة، فصلاة هؤلاء الناس جميعاً باطلة، لأن صلاة الجمعة صلاة عامة، فإذا غلقت الأبواب أصبحت الصلاة خاصة، هناك شيء تخاف أن تقوله للناس، وهناك شيء تستحي أن تقوله للناس، إذاً هذا ليس دين الله عز وجل، دين الله لا يستحيا منه، ولا يخشى أن يقال على رؤوس الأشهاد، كذلك مئة ألف يصلون في جامع يؤمهم إمام، يخطب فيهم خطيب، إذا غلقت الأبواب فالصلاة باطلة.

4 – الإعلان:

الآن إذا لم يشهد هذا الزواج شهود عدول، ولم يعلن هذا الزواج، ولم يشع في المدينة أن فلانًا زوج فلانة، فقد أخل الزوجان بأحد أركان عقد الزواج، لذلك قالوا: لو أن إنسانً أراد أن يتزوج امرأة ثانية، وعقد عقداً عرفياً كما قلت قبل قليل، ورجا الشهود أن يكتموا عليه هذا الزواج، هذا الزواج باطل، إذا تواطأ الزوج مع الشهود على كتمان الزواج 

فالزواج باطل، لأنك أخللت بأحد أركانه الأساسية، وهو إعلان الزواج

وهذا الذي يفعله الناس مع أنه صار شيئًا مؤذيًا مزعجًا من إطلاق أبواق السيارات، لكنه شرعي، هم لا يستحيون بهذا الزواج، فلانة زوجة فلان، لأن الله سبحانه وتعالى شرع الزواج، فالشيء الذي شرعه الله لا تستحي به، يجب أن تستحي من المعصية.
أحيانا إذا تزوج إنسان زوجة ثانية، ولسبب جوهري أو غير جوهري، لكن أنا أقول: هذا أفضل مليون مرة من علاقة مشبوهة خارج الزواج، تلك معصية، أما هذه طاعة، فلا ينبغي أن نحل العرف محل الشرع، هناك أسباب، وظروف، وبلا أسباب، وبلا ظروف، مادام هناك عدالة، وكفاءة، وقوة، فهناك زواج آخر، وهذا أهون من الزنا، وأهون من إطلاق البصر في الحرام، وأهون من الانحراف، فالحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله.
دين الله عز وجل لا يستحيا منه، ولا يخشى أن يقال على رؤوس الأشهاد، كذلك مئة ألف يصلون في جامع يؤمهم إمام، يخطب فيهم خطيب، إذا غلقت الأبواب فالصلاة باطلة.
إنّ الزواج السري مشكلة، ولو فرضنا أن الزوج لا يحب أن يخبر أحداً أنه تزوج، وهذه التي هي زوجته إذا حملت منه ماذا يقول للناس ؟ لماذا نخفي الزواج ؟ لذلك في كتب الفقه بحث طويل عن الزواج السري، وفي أرجح الأقوال أنه زواج أخل فيه الزوج بأحد أركان الزواج، إذاً تواطؤ الزوج مع الشهود على كتمان هذا الزواج عن أهله، أو عن زوجته السابقة لا يجوز، وكثير من الزوجات تتفاجأ بعد عشر سنوات أن لها ضرة، الزوج ذكي جداً، يختلف إلى الزوجة الثانية في أثناء النهار وقت الغداء، يقول: أنا عندي موسم، وأتغدى في المحل، ويكون الأمر خلاف ذلك، عنده زوجة ثانية، تكتشف هذه الزوجة بعد أمد طويل أن لها ضرة، فإخفاء هذا الزواج إخلال بأحد شروط عقد الزواج.

5 – الرضا:

شيء آخر الرضا، رضاء الزوج أو الزوجة، أو عدم الإكراه هو أحد شروط الزواج الأساسية، وأحد أركانه، لذلك ترون المأذون موظف عقد القران لا يعد العقد ماضياً إلا إذا توجه إلى الفتاة، وسألها: هل أنت راضية بفلان ؟ وهل أنتِ راضية بالمهر الفلاني ؟ فإذا قالت: نعم، أو صمتت، وصمتها كما قال عليه الصلاة والسلام إذنها، لأن رضاء الزوجة أساسي، وأحياناً تتحقق مصلحة الأب بزوج لا تحبه ابنته، هو أراده غنياً ليحل مشكلاته، وهو كبير في السن، وليس هناك تناسب بين الزوج والابنة، وإذا رفضت فلا ينعقد الزواج.
هناك بعض الصناديق في المصارف له مفتاحان، مفتاح مع صاحب الوديعة، ومفتاح مع مدير المصرف، لا يفتح هذا الصندوق إلا إذا اجتمع المفتاحان دفعة واحدة، هذا المثل ينطبق على الزواج، لا ينعقد العقد إلا إذا وافقت الفتاة على هذا الزوج، ووافق وليها على هذا الزوج، فموافقتها تنحصر في أنها قبلت به زوجاً من حيث الشكل، وهناك عوامل تعتلج في نفس الفتاة، لكن موافقة الولي، وهو أخبر بالرجال، يعرف الرجال، ويعرف ألاعيبهم، ويعرف البريء من الكاذب، والصادق من الكاذب، والمنحرف من المستقيم، هذا يعرفه الأب أضعاف ما تعرف الفتاة، فموافقة الولي تتجه إلى حقيقة هذا الرجل، وموافقة الفتاة تتجه إلى أنه يرضيها أن يكون هذا الشخص الذي أمامها زوجاً لها، فالرضا شرط أساسي من شروط عقد النكاح.

6 – تعيين الزوجين:

هل تصدقون أن من شروط عقد النكاح تعيين الزوجين، سوف أزوجك ابنتي، والدته رأت فتاةً جميلةً جداً، تم عقد الزواج، وتم تزويج فلان من كريمة فلان، وعنده ابنة كاسدة فأعطاه إياها، لابد من تعيين اسم الفتاة، وإلا كان الزواج باطلا، وهناك أشخاص كثيرون فعلوا هذا، فالذي ظهرت أمامه ادعت لها اسماً غير اسمها الحقيقي، فلما جاء القاضي، أو مأذون الزواج صرح بالاسم الذي اقترن معه مع الفتاة، فلما جاء يوم الدخول رأى فتاة أخرى، والمهر متأخر كبير جداً، فلابد من تعيين اسم الزوج واسم الزوجة في عقد النكاح، وعندما ترى الدفتر طويلا، والاسم والشاهد والمهر والدقة هذا كله أساسه شرعي.

7 – العقد في غير الإحرام بالحج أو العمرة:

إنّ أي عقد زواج تم في أثناء الحج أو العمرة فهو باطل، لأنه قال تعالى: 

﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾

( سورة البقرة )

إذاً المحلية الكلية، والمحلية الفرعية، والتأبيد، والشهادة، والرضا وتعيين الزوجين، وعدم الإحرام بحج أو عمرة.

8 – تعيين المهر:

و الصداق هو المهر، وأي زواج من دون صداق فهو فاسد، والفاسد غير الباطل، الباطل لا ينعقد أصلاً، أما الفاسد فيصحح.

9 – عدم المرض:

سمعتم مني قصتين أو ثلاثًا، القصة التي ذكرتُها مرة أن فتاة من أسرة جيدة من أسر هذه البلدة خطبها شاب ملء السمع والبصر، وتم عقد الزواج، ولا أدري كيف جاء الزوج بشهادة طبية صورية، وبقي الزوج مع الزوجة سنةٍ بأكملها يمضيان كما قال محرر هذه القصة أجمل أيام حياتهما، وكان حديثهما حول لون غرفة النوم، زهر أم سماوي، حول نوع الأثاث، وحول ترتيب البيت، اضطر إلى أن يتحصل على شهادة سيارة، ذهب ليتبرع بالدم، فإذا هو مصاب بالإيدز، إذاً أنا أرى بعد فشو هذا المرض في بلدتنا، وبعد فشو هذا المرض من قِبل من سافروا إلى بلاد الغرب، أنا أرى أن لا يقبل والد فتاة مهما بدا لك الشاب حيياً لطيفاً بريئاً براءة الأطفال في عينيه، مهما بدا لك كذلك فأنا أنصح أولياء الأمور أن يطالبوا الأزواج بشهادة صحية حقيقية، مع الأسف الشديد معظم الشهادات الآن صورية شكلية، أحياناً ليس موضوع الإيدز، تضاد دم، يكون هناك زمرتان دمويتان متضادتان، فينتج من الزواج مخاطر على حياة الفتاة، وأدوية غالية جداً، وغير متوافرة أحياناً، وإلا كما يقول بعض الأطباء: الدم ينحل، فلذلك الشهادة الطبية الحقيقية لابد منها قبل عقد الزواج.
أما الآن فهناك خطر آخر، هناك قصة اليوم قرأتها في الجريدة تضاف إلى القصتين السابقتين، امرأة عمرها سبعون عاماً متقدمة في السن، أصيبت بمرض عضال، وأهلها ميسور الحال، فسافرت إلى بلاد الغرب لتجري عملية زرع، أخذت معها أحب أبنائها إليها، أصغرهم، وفي هذه البلاد كان مع أمه في أغلب الأحيان، زمرة دم هذه الأم نادرة، ففي أثناء العملية حدث نزيف شديد، وليس في المستشفى دم من هذه الزمرة، فعرض هذا الأمر على ابنها، فلما فحص دمه كان دمه مناسباً لأمه، فأعطاها من دمه، والعملية تمت بنجاح، وانتهت العملية، وعادت الأم مع ابنها إلى البلدة، بعد سنة بدأت الآلام في الأم، والأوجاع، والأسقام بعد الأورام، الأطباء شكّوا في أمرها، دون أن يعلموها، طبعاً امرأة عمرها سبعون سنة، ومظهرها بالتعبير المألوف محافظة من أسرة دينة، فما ذكر الطبيب نوع الفحص، بل قال لها: لابد من فحص الدم، فلما فحص دمها إذ هي مصابة بالإيدز، فوراً حجر عليها، وأجري معها تحقيق، قالت لهم: أنا لا أعرف سوى زوجي، ما هذا الكلام ؟ أنا امرأة مسلمة عفيفة، وزوجي توفي من عشر سنوات، ولا أعرف رجلاً آخر في حياتي إلا زوجي، ما هذا الكلام ؟ فلما تابعوا التحقيق معها متابعةً دقيقة، وضيقوا عليها قالت: أنا كنت في أوربا، وكان معي ابني، وأعطاني الدم، أحضروا ابنها، فإذا هو مصاب بالإيدز، ضيقوا عليه فاعترف بعلاقةٍ مع فتاةٍ حينما كان مع أمه في السفر، حينما كان معها غاب عنها قليلاً، وأجرى علاقةً مشبوهة مع فتاة.
حدثني أخ طبيب قال لي: فحصت مئة فتاة تمتهن البغاء في فرنسا، وهذه القصة من خمس سنوات، فإذا ثلاثة وثلاثون بالمئة مصابات بالإيدز، أنا ألقيت خطبة إذاعية قبل سنتين تحدثت عن الإيدز، وقلت: ثلاثة أرباع المليون يحملون هذا المرض في أمريكا، وقعت تحت يدي نشرة قبل أيام صاروا عشرين مليونًا، الآن ـ والفضل لله عز وجل ـ لا يمكن أن يدخل أحد إلى القطر بعد إقامةٍ مديدة في أوربا أو في أمريكا أو في إفريقيا إلا ويلزم بفحص دمه.
من أركان عقد الزواج عدم المرض، مستقبل ابنتك، مستقبل ابنك، أنا أتمنى على الآباء أن لا يقبلوا بشهادةٍ صورية، مع الأسف الشديد معظم الشهادات صورية، وأيّ طبيب لدى فحص المدعو فلان ابن فلانة تبين أنه سليم من كل الأمراض، هذه خيانة للأمانة، طبعاً زمرة الدم مهمة جداً، لأن هناك أزواجًا يعانون الأمَرّين من تضاد زمرتي الدم مع زوجاتهم، كل ولادة تحتاج إلى إبرة ثمنها اثنا عشر ألف ليرة، أو خمسة آلاف ليرة، لا أعرف ثمنها تقريباً، وإلا ينحلّ دم الأم، لوجود تضاد بين زمرتي الدم، إذاً: من لوازم عقد الزواج خلو الزوجين من المرض هذا عن طريق شهادة صحية.

قصص من واقع الناس عبرة للناس:

القصة الأولى لرجل ذهب إلى أمريكا وعاد ليكون زوجاً، له زوجة في الشام وفية، وبعد سنة أنجب منها ولدًا، واكتشف أنه مصاب بالمرض، عندما كان هناك وزوجته مصابة وطفله مصاب، حصد هذا المرض أسرةً بأكملها عدا فتاة كانت قد ولدت قبل مرض أبيها.
والقصة الثانية ذكرتها قبل قليل.
والثالثة ذكرتها آنفاً، إذاً: خلو الإنسان من المرض شرط أساسي في عقد الزواج.

10 – وجود وليّ المرأة:

الولي في أرجح الأقوال، وفي أقوى المذاهب لابد من ولي يتولى أمر تزويج الفتاة، ولاسيما إذا كانت بكراً، لأن الفتاة يغرر بها، فهي في طبيعتها براءة، طبيعتها ضمن البيت، ساكنة تصدق ما يقال لها، أكثر المشكلات العويصة في الزواج أساسها فتاة غرر بها، طبعاً الرجل أقدر على الاحتيال من الفتاة، هي تصدق، ولاسيما إذا كانت متلهفةً لزوج قد يكذب عليها، ولاسيما في ماضيه، لذلك البيت المسلم له شروط، الفتاة حينما تنشأ في كنف أب مسلم فيه انضباط، وشروط قاسية جداً، حينما تتفلت الفتاة من رعاية أبيها، أو تنشأ في بيت غير منضبط فهناك مشكلات لا حصر لها.

عودة إلى الحديث عن الزواج العرفي:

الآن عودة إلى الزواج العرفي، زواج الشيخ، يقول لك: إمام في أي جامع: يا سيدي عندنا زواج، بهذه البساطة، وهو يصدق، ويأتي العروس، ويكون الإيجاب والقبول والشاهدان، وانتهى الأمر، قد تكون هذه الزوجة لازالت في عصمة زوج آخر، فالزوج الثاني آثم إثماً كبيراً جداً، لا يعقل أن تكون امرأة لرجلين، هذا مستحيل.
مرة ثانية كما أنه لا يمكن أن تقبل أنت بشراء بيت على أساس أن تدفع ثمنه وتتسلم البيت، كذلك لا تقبل أن تزوج ابنتك زواجاً عرفياً.

الآثار المترتبة عن العقد الشرعي:

العقد الشرعي ماذا يترتب عليه ؟
أولاً: المهر.
ثانياً: النفقة.
ثالثاً: المتابعة.
رابعاً: التوارث.
خامساً: نسب الأولاد.
سادساً: حرمة المصاهرة.
هذا الزواج يعني أن فيه مهرًا، أين حق هذه الفتاة ؟
مرة كنت عند صديق لي في قصر العدل، هو قاضي التحقيق الأول، بيننا صداقة، زرته في مكتبه، فوجئت أنه يحقق في جريمة قتل وقعت في دمشق، والقصة من عشر سنوات، فجلست أتابع باهتمام مجريات التحقيق، فجأةً فتح الباب، وأطل منه شاب، لفت نظري أن قاضي التحقيق الأول نظر إلى هذا الشاب بابتسامةٍ، وقال له: تعال، ترك من يده التحقيق في جريمة القتل، وسأله عن اسمه، وقال له: متى تزوجتها يا بني ؟ قال له: منذ سنتين، وأشار إلى الكاتب أن يكتب كتابة سريعة، أنه حضر فلان الفلاني، وأنه صرح بأنه تزوجها قبل عامين، وعلى مهر كذا، وقال له: تعال وقع، ومع السلامة.
حدث في نفسي سؤال: هل من المعقول لقاضي تحقيق يحقق في جريمة قتل، وكان في أدق تفاصيل الجريمة، وأنا أتابعها باهتمام، فيفتح الباب شاب، ويدخل فيقطع العمل من يديه، ويلغي التحقيق، ويجمده إلى حين، ويسأل الشاب: متى تزوجتها ؟ وهو شعر أني تساءلت في نفسي، ماذا فعل هذا ؟ فقال لي: أستاذ، هذا زواج عرفي، إن التقى بأحد المحامين يقول له: أنكر الزواج، فضاعت حقوق الفتاة، لمجرد أن ينكر الزوج زواجاً عرفياً فهذه ليست زوجته، ولا يوجد طريقة طبعاً إثبات أخرى، ولا شهود، لا يوجد إلاّ اليمين، الكاذب قالوا له: تحلف ؟ فقال: جاء الفرج، انتهت القضية، فهذه زوجة، وحامل، وعند الناس زوجة، فتصبح زانية.
أخطر شيء أن ينكر الزوج زواجه من هذه الفتاة، أما عندما يأتي موظف المحكمة، ويأخذ توقيع الزوج، وولي الفتاة، ويسجل المهر، انتهى الأمر، ما الفرق بين عقد شركة في محكمة البداية، وبين عقد شركة مكتوب، لكن من دون محكمة ؟ أول شيء يقول لك: هذا ليس توقيعي، ذهبت الدعوى القضائية ثماني سنوات، خبراء توقيع، توقيعه، لا ليس توقيعه، لذلك فإن الإنسان العاقل هو الذي لا يضطر إلى دخول المحاكم، الإنسان حينما يفرط يدفع الثمن باهظاً، إذاً هذا قاضي التحقيق قطع التحقيق في جريمة قتل، ودعا هذا الشاب، وقال لي: هذا زواج عرفي، لو أنه التقى بإنسان غير منضبط شرعاً أو ديناً يقول له: أنكر الزواج، وانتهى الأمر، فإذا لم يكن هناك شهود، لا يوجد غير اليمين، فإذا حلف اليمين فهو في حل من هذا الزواج، تقول لي: المهر المتأخر ثلاثون ألفًا، أو مئة ألف، لكن انتهى.
سبحان الله ! أساس الشرع حتى يفرغك الله عز وجل لعبادته، انظروا دعوى في قصر العدل تبقى سبع سنوات، تتحطم أسرتان، وفي آخر المطاف لا غالب ولا مغلوب، وهذا من التقصير، أنا لم أجد مشكلة في قصر العدل إلا سببها مخالفة الشرع، ودخلنا في متاهة الدعاوي والقضاة، وأنواع القضاة، وهؤلاء القضاة بعضهم نزيه، وبعضهم غير نزيه، وبعضهم يتهمه بعض بالنزاهة، وهو نزيه، والمحامون المؤمنون قلة، والكثر بعيدون عن إحقاق الحق، فحينما تضطر إلى أن تدخل إلى قصر العدل، وتوكل محامين، وتعلق مع القضاة، أين بقيت الصلاة ؟ تعكرت صلاتك، على قدر المستطاع وضح أمورك، اكتب سندًا للقرض، وعقداً للشراكة، وسجله في محكمة البداية، فمهما بذلت من جهد ومن وقت لو تكلفت عند المحامين مبالغ كبيرة أهون بكثير من إنكار الشركة.
شاهد اثنان بناء يصلح لمشروع، فدخلوا فيه شراكة، هذه القصة وقعت تحت سمعي وبصري، هذا المشروع كلف ثلاثين ألفًا، وهم اثنان، فقال أحدهما للآخر: هذه خمسة عشر ألفًا، هذا المشروع راج، ولكن باتفاق شفهي، كل سنة يعطيه خمسة آلاف، وما ظنها الأول أنها من الأرباح، بعد ثلاث سنوات قال له، المبلغ أخذته، والله يجزيك الخير، وقال له: المبلغ أخذته منك دَينًا، قال لي الطرف المظلوم: المشروع الآن قيمته حوالي عشرة ملايين، وأساسه ثلاثون ألفاً.
سؤال: إذا تساهل الإنسان في العقود، وسمح للشيطان أن يغويه، ويطمعه بالمال الحرام، ألا تعتقدون معي أن الطرف الأول المتساهل آثم، أنت إذا قيدت أخاك بعقد أصولي مسجل في محكمة البداية فقد منعته عن المال الحرام، وحصنته من المعصية، ولما تساهلت معه فقد أغويته بالمعصية، فأنت آثم مثله.
إذا ترك رجل مبلغًا من المال على طرف طاولة في محل تجاري، وهناك زبائن، ودخل شاب ضعيف الإيمان، ووجد خمسمئة، وشعر أن في المحل مشكلة، التفت صاحب المحل، فأخذها، وسار في طريقه، هذا يعد سارق طبعاً، هل تظن أن صاحب المحل الذي وضع المبلغ على الطاولة بلا مبالاة ليس آثمًا.
أنا مر معي بعض النصوص أن إثم صاحب المحل أشد، لو وضع المبلغ في الدرج لما أغرى الشيطان هذا الشباب بماله، فكل إنسان يسيّب أمواله، يهمل ضبط أموره، يهمل حساباته، يهمل مستودعاته أيضاً هو آثم، لأنه سمح للطرف الآخر أن يأكل مالاً حراماً.
فالزواج العرفي هو الزواج الذي يتم خارج المحكمة الشرعية، طبعاً هناك إيجاب وقبول، إلى آخره، وهو زواج شرعي، ولكن مشكلته أنه غير مسجل، فأول مشكلة بين الزوجين وأول شقاق ما عجبته، فغاب، يقول القاضي الشرعي في موضوع نشر في الجريدة: يوجد امرأة زوجت من شخص خارج القطر السوري، ودفع مبلغاً جيداً، وأقام معها أربعة أيام، ثم غاب، بعد أشهر هي حامل منه، والعقد عرفي، أين هو، وأمام الناس هي حامل، وأمام الناس هي زوجة، وبمصالح النفوس عزباء، هذا الابن لمن ؟ هذه المشكلة هل لها حل عندكم ؟ لا يوجد لها حل، الزواج عرفي، هذا الموضوع أنا طرحته اليوم لأن مئات الحالات، وأنا أعجب أشد العجب، لا يوجد زواج إلا ويقولون: إنهم يريدون كتاب شيخ حتى يدخل عليها، والكتاب الرسمي كله في يومين وينتهي، لا داعي أن تعقد عقدًا خارج المحكمة، عقد محكمة فلان زوج فلانة، وانتهى الأمر، ولا يستطيع أن يفكر بشيء آخر، هذا يظهر أنه قضى وطره منها، وغاب، ووجد أجمل منها، والمهر سمح فيه، لكن بقي الولد.

آداب عقد النكاح:

عندنا موضوع آخر ملحق بهذا الموضوع، وهو آداب عقد النكاح.

الادب الأول: الخطبة قبل العقد:

من آداب عقد النكاح أن يخطب الزوج قبل العقد، ينبغي أن يقول: الحمد لله نحمده، ونستيعنه، ونسترشده، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، ويقرأ قوله تعالى:

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾

( سورة آل عمران )

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾

[ سورة النساء ]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾

( سورة الأحزاب )

هكذا السنة، أن تخطب أيها الزوج، فإذا خطب أحدكم فليتعلم هذه الخطبة، وهي شيء جميل جداً، الزوج يخطب، ويقول بعدها: فإن الله أمر بالنكاح، ونهى عن السفاح، كلما كان أولياء الأمور عقلاء، وسهلوا الأمور على الشباب، وزوجوا بناتهم من أزواج طيبين مؤمنين، وما فتشوا كثيراً عن المادة افلحوا، قال تعالى:

 

﴿ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾

( سورة القصص )

تساهلوا ببيت فيه غرفة واحدة، أجرة، دخله محدود، وإلا يحل السفاح مكان النكاح.
أحد إخوانا الأطباء الكرام ممن هو مختص بالأمراض الجنسية دعا بعض الإخوة الكرام إلى مولد، وصرح وقال: أنا منذ عشر سنوات وإلى الآن الأمراض الجنسية التي تعرض علي تضاعفت عشرة أضعاف، لأن باب الزواج صار صعباً ضيقاً، وباب السفاح صار واسعاً، فكلما ارتفع ثمن البيوت، وتشبث أولياء الفتيات، ووضعوا شروطًا تعجيزية تكثر بيوت الدعارة.
بالمناسبة نحن عندنا بيت نكاح، وبيت سفاح، إذا نقصت بيوت النكاح تكثر بيوت السفاح، هذه الآن قضية مصيرية، قضية الأولياء جميعاً، الآن نريد أن نلغي الشروط التعجيزية، نريد أن نتساهل، وإلا كما ترون تصبح البلدة من أفسد بلاد العالم، وإذا فسدت البلاد فالبلاء على الأبواب، وإذا عمَّ السفاح وانتشر وقلَّ النكاح حلَّت الكارثة، ترى في أيّ مجتمع كل شهرين أو ثلاثة حتى يتزوج فرد واحد، وكله واقف، وكله يصفّ على الدور، فإذا ما تساهل أولياء الأمور فما هو المانع إذا كنت تستطيع أن تساعد زوج ابنتك ؟ ما هو المانع أن تقدم له بيتًا ؟ لا تقُل: أخي أنا عصامي، هذه قديماً، الآن لا يوجد عصامي، العصامي الآن يعني أن الطريق مسدود، الآن لابد من مساعدة الأزواج، وهذا موضوع الساعة، الآن لا يوجد بيت ما فيه فتيات، ولا يوجد بيت ما فيه شباب في سن الزواج، والزواج أغض للبصر، كما قال النبي، وأحصن للفرج، ومن تزوج ملك نصف دينه فليتقِ الله في النصف الآخر.
فإن الله أمر بالنكاح ونهى عن السفاح، فقال مخبراً وآمراً: 

﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾

( سورة النور )

هذه خطبة النكاح.

الأدب الثاني: الدعاء للزوجين:

الأدب الثاني الدعاء للزوجين، والنبي عليه الصلاة والسلام دعا للزوجين فقال:

(( بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير ))

[أبو داود عن أبي هريرة]

فكل إنسان حضر حفل نكاح، ودعي لإلقاء كلمة يجب أن يدعو للزوجين.

الأدب الثالث: استحباب العقد مساء الجمعة:

مستحب أن يكون عقد النكاح يوم الجمعة ومساءً من السنة، وهناك حديث مرفوع عن أبي هريرة:

(( أمسوا بالملاك، فإنه أعظم للبركة ))

من سنن النكاح:

1 – إعلان الزواج:

شيء آخر، من السنة إعلان الزواج، أعلنوا النكاح، طبع الكروت مثلاً الحفلة التي تقام إعلان هذا، رجل دعا ثلاثمئة شخص، وطبع بطاقات، وقال: دعوتكم لحضور حفل قراءة عيد المولد النبوي الشريف بمناسبة عقد قران ولديهما فلان على كريمة فلان، هذا شيء جميل، وهذا إعلام، والإعلام من السنة.

2 – الوليمة:

الوليمة، وحلّ محلها الآن كأس من البوظة، وهي كانت وليمة، ودعوة رسمية، عَن أَنَسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:

(( سَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الأنْصَارِ: كَمْ أَصْدَقْتَهَا ؟ قَالَ: وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ ))

وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ:

(( لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ نَزَلَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى الأنْصَارِ، فَنَزَلَ عَبْد ُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَلَى سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ: أُقَاسِمُكَ مَالِي، وَأَنْزِلُ لَكَ عَنْ إِحْدَى امْرَأَتَيَّ، قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، فَخَرَجَ إِلَى السُّوقِ، فَبَاعَ، وَاشْتَرَى، فَأَصَابَ شَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ، فَتَزَوَّجَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ ))

[ متفق عليه ]

فالوليمة من آداب النكاح، أن تجمع إخوانك على نية الزواج، فإذا تزوج أخ، ودعا إخوانه بالتتابع على سهرة وحفل، هذا إضافة إلى العقد الرسمي، هذا من السنة.

من شروط عقد النكاح:

1 – الصداق:

من شروط النكاح أيضاً الصداق، وتسميته عند العقد، أما عقد من دون صداق فهذا عقد فاسد، لابد من أن يصحح.
الآن لو فرضنا إنسانًا دعي إلى عقد نكاح، قال: من دعي إلى عقد نكاح فلم يجب فقد عصى أبا القاسم، يوجد حديث خاص في عقود النكاح:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ ))

[ أبو داود]

وإن كان صائماً يحضر الحفل:
عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ فَلْيُجِبْ ))

[ مسلم، أبو داود]

هي مناسبة في العمر مرة واحدة، فإذا دعا أخ إخوانه لعقد زواجه فالمفروض أن يلبي جميعاً هذه الدعوة.

الأعذار الموجبة لعدم تلبية الدعوة:

أمّا الأعذار الموجبة لعدم تلبية الدعوة:
إذا دعي الشخص إلى موضع فيه منكر، من زمرٍ أو طبلٍ، أو خمرٍ، أو عرس في فندق مختلط، فاعتذر، ولا ترد عليهم، ولا تلبِّ هذه الدعوة، لأنك إذا لبيتها فقد عصيت أبا القاسم، الأعراس في الفنادق التي فيها اختلاط يجب أن تعتذر عنها.
وإذا قدرت على إزالة هذا المنكر فيجب أن تحضر، لو فرضنا أنه عرس أحد أقربائك، وأنت كبير العائلة، وأنت مهاب، وكلمتك مسموعة، فاحضر هذا العرس، وأزل هذا المنكر، فإن لم تقدر على إزالة هذا المنكر فلا تحضر.
بالمناسبة النبي عليه الصلاة والسلام نهى أن يجلس على مائدة تدار فيها الخمر، ولا تقل: أخي أنا ما شربت، خير إنشاء الله.
تكره إجابة من في ماله حرام، فإذا كان للإنسان تجارة مشبوهة بمواد محرمة، ودعاك إلى عرس فلا تلبِّ، فإذا لبيت فقد عصيت أبا القاسم، وتكره إجابة من في ماله حرام، وكلما كثر ماله الحرام تصبح الكراهة أشد.
بالمناسبة إذا كان للإنسان دخل مشروع، ودخل غير مشروع، فيه حلال وحرام، فإذا لبى الإنسان لم يكن آثمًا، وكلما كبر الحرام في دخله أصبح مكروهاً أكثر، وإذا أصبح حرامًا خالصًا كانت التلبية حرامًا.
لو فرضنا إنسانًا إذا دعوته إلى العرس له صفات ذميمة، ينهش في أعرض الناس، يغتاب الناس، عقيدته فاسدة، يشكك الناس بدينهم، فمثل هؤلاء الأشخاص لا يدعون، أنت لك إخوانك، مجتمعك المؤمن، لو دعوت إنساناً منكراً على أهل الدين، أو إنسانًا بذيء اللسان، مزحه فاحش، لو دعوت إنساناً كثير الغيبة والنميمة، لو دعوت إنساناً يغلب على ظنك أنه سوف يفعل المعاصي في حضور هؤلاء فينبغي أن لا تدعوه، وهذا توجيه من السادة المالكية.
إذا كان في المجلس أواني الذهب والفضة، أو غناء أو آلات رقص، أو ما شاكل ذلك، هذا كله مما يستوجب عدم تلبية الدعوة.
نحن موضوعنا كما قلت قبل قليل موضوع أساسي، يجب على الإنسان أن يمرّ في أطوار، أول طور تعريفه بالله عز وجل، عرفته بالله، الآن نحن بحاجة إلى دقائق الشرع، إلى دقائق الأحكام الفقهية، لأن الإنسان يتحرك، فموضوع الزواج موضوع أساسي في حياة الإنسان.
مرة ثانية وثالثة سبب طرح هذا الموضوع أنني ما رأيت أخاً أجمع على الزواج إلا طلب عقد عن طريق شيخ، هناك اتجاه آخر الآن، يخاف أن يطلقها حتى لا تسمّى عليها زوجة، فعقدنا بكتاب شيخ، فإذا طلقها تبقى صحيفتها نظيفة في النفوس ليست متزوجة، وصار الأهل يفكرون بالطلاق قبل الزواج، الزواج أمر مصيري يحتاج إلى تؤدة، إلى دراسة، إلى معلومات، فكلما تسرع الإنسان في تزويج ابنته من شاب يكون ندمه أشد، وأحيانا يأتي الزوج على حين غرة، ويضعك في موقف حرج، أن معي يومين أو ثلاثة وسأسافر، وأنت تخجل، وتسأل سؤالاً شكلياً، فيقولون لك: إنه آدمي، يعني من بني آدم، هذا معنى آدمي، يكون شارب خمر، حتى إن ثمة الآن شيئًا خطيرًا جداً، يأتي إنسان من الخليج يطلب الزواج، لا يعرف ماذا يفعل هناك، يأخذ زوجته إلى هناك، ويحترفها في الزنا، هذه حوادث كثيرة جداً تقع، نحن لا نعرف أصل الرجل، فرحنا به، لأنه من الخليج، ومعه معه مال.
بالمناسبة، ما رأيت مشكلة في الزواج كبيرة جداً إلا أسبابها التسرع، فعدّ إلى المليون قبل أن تقول: موافق على هذا الزواج، هذه ابنتك، الزواج رق، فلينظر أحدكم أين يضع كريمته، جاء من الخليج ليس عندنا أيّ معلومات، اسأل عنه، قد يكون الزواج غير بريء، قد يكون خطة مرسومة لابنتك، وموضوع الزواج يحتاج إلى صبر، وبحث ودرس، اسأل قضاة الشرع، اذهب إلى المحكمة الشرعية، وانظر كم دعوى الطلاق ؟ بالألوف، دعوة تفريق لعلل كثيرةٍ جداً.
ورد في بعض الأحاديث: تزوجوا ولا تطلقوا، فالنبي نهى عن الطلاق، كيف نهى عن الطلاق ؟ أي تزوجوا امرأة لا تحتاجون معها إلى الطلاق، معنى هذا ادرس الموضوع دراسة جيدة، ودراسة مديدة ومتأنية، وعميقة.
دائماً هناك كلمة أقولها لكم أيها الشباب: إذا عف الإنسان قبل الزواج يهيئ الله له زواجاً ناجحاً، لأن الله عادل، وقال:

﴿ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾

فإذا جهد الإنسان أن يعف قبل الزواج أول مكافأة له في الدنيا على عفته قبل الزواج زوجة صالحة، إن نظرت إليها سرتك الإنسان وإن غبت عنها حفظتك، وإن أمرتها أطاعتك الإنسان هذه الزوجة المؤمنة الستيرة، العفيفة التي إن نظرت إليها سرتك الإنسان وإن غبت عنها حفظتك الإنسان وإن أمرتها أطاعتك، وإذا أقسمت عليها أبرّتك.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِالْبَاءَةِ وَيَنْهَى عَنِ التَّبَتُّلِ نَهْيًا شَدِيدًا وَيَقُولُ:

(( تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، إِنِّي مُكَاثِرٌ الأنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))

[ أبو داود]

في الزواج ليس هناك حل وسط، إما أنه جنة، وإما أنه نار جحيم، وهناك زوجة بلاء من الله، وهو من أشد أنواع البلاء، لعن الله الذواقين والذواقات.
الشباب الآن يشاهدون امرأة تخرج في الطريق بأبهى زينة، فإذا غضضت الطرف عنها أورثك الله حلاوة تجدها إلى يوم تلقاه، وكلما غضضت بصرك عن محارم الله كأنك تقول: يا رب، لي عندك حق أن تزوجني امرأةً صالحة أرتاح معها، أستقر معها، تكون لي سكناً.
إخواننا المتزوجين، كلما أقمتم شرع الله في بيوتكم سعدتم في زواجكم، والذين لم يتزوجوا بعد كلما تعففتم في قبل الزواج الله سبحانه وتعالى يكافئكم بزواج ناجح.
هناك زواج له مظهر فخم جداً، وهناك زواج ليس فيه مظاهر فخمة، ولكن فيه سعادة حقيقية، فترى بيتًا ثمنه ثلاثون مليونًا، ولكنه جحيم، وقد ترى بيتًا بمئة متر أو خمسين مترًا، ولكن هذا العش جنة، فلما يتجلى ربنا على هذا البيت الإسلامي بالسكينة صار هذا البيت جنة.

تحميل النص

إخفاء الصور