- أحاديث رمضان / ٠14رمضان 1428هـ - القوانين والمقاصد
- /
- 2- رمضان 1428 هـ - مقاصد الشريعة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أيها الإخوة الكرام، مع درس جديد من دروس مقاصد الشريعة الإسلامية، بدأنا بالنطق بالشهادة، ثم بالصلاة، ثم بالصيام، وها نحن ننتقل إلى الزكاة.
مقدمات حول الزكاة:
1 – قوانين الكون ثابتة مطّردة:
أيها الإخوة، الله جل جلاله واجب الوجود، وما سواه ممكن الوجود، ممكن الوجود أي: ممكن أن يوجد، وممكن ألا يوجد، ممكن أن يوجد على ما هو عليه، وممكن أن يوجد على غير ما هو عليه، فالله سبحانه وتعالى ثبّت مليارات القوانين، قوانين دقيقة إلى درجة مذهلة وثابتة، ففي هذه الكواكب العملاقة يمكن أن تقول: الشمس تشرق في عام ألفين وسبعين، في ثلاثة عشر من شهر شباط في الساعة الخامسة ودقيقتين، دورة هذه الأفلاك بدقة متناهية، خصائص المواد، خصائص المعادن، خصائص البذور، قوانين السقوط، قوانين الكثافة، مليون قانون كله ثابت، هذا الثبات يوحي بالاستقرار، على أنك تتعامل مع الأشياء تعاملا مريحا، معك قوانين ثابتة في أي مكان، في أي زمان، قوانين مطردة وشاملة، فشاءت حكمة الله أن تثبت هذه القوانين كي تستقر الحياة.
البناء مؤلَف من مئة طابق، أساسه إسمنت وحديد، لو أن الحديد يغيّر من صفاته ينهار البناء، فالحديد يبقى حديدا إلى يوم القيامة، والذهب ذهب، والمعادن معادن، والبذور بذور، والخصائص خصائص، والقوانين قوانين.
فالشيء الأول في هذا الموضوع أن الله ثبت مليار قضية، مليار قانون.
2 – حركةُ الرزقِ والصحةِ:
لكن الله حرك الرزق والصحة، فهناك فقر، وهناك غنى أحياناً، عندك في البيت طاولة في غرفة الضيوف
فإذا جاءك ضيف، وقدمت له ضيافة، توضع هذه الضيافة على هذه الطاولة، لكن الطاولة لو وقفت عليها فإنها تحتمل وزنك، لو كانت أوسع لو وقف عليها أربعة أشخاص، وهي مصممة لاستخدام مئتي غرام، أربعمئة غرام، معها احتياط كبير جداً، لذلك هذه الطاولة لا تفنى بسبب أن معها احتياطا عاليا جداً، كان من الممكن أن يكون لكل جهاز بجسمنا احتياط مئة ضعف فلا نمرض، وكان من الممكن أن يتمتع الإنسان بالصحة وبالشباب حتى سن التسعين، وحتى الموت، كما كان الإنسان في السابعة عشر من العمر، في القلب مئتا ضعف، وفي الكليتين مئتا ضعف، بكل جهاز في الجسم فيه احتياط كبير جداً، إذاً: ليس هناك مرض، لكن الإنسان جعله بالتعبير المعاصر سريع العطب، وأحيانا خثرة في الدماغ تنهي حياته، تنهي حركته، تنهي رؤيته، تنهي ذاكرته، فالإنسان مصمم ليكون سريع العطب، إذاً: المرض بتقدير الله عز وجل، وأحد وسائل التأديب، وكذلك الرزق.
أحياناً تأتي الأمطار الغزيرة فتحل مشكلات الناس، أحياناً يكون هناك شح في المياه، فيأتي الجفاف فيسبِّب نزوحا، إذاً: الرزق والصحة ليسا ثابتين.
3 – بين التقدير الربّاني والتقنين البشري:
لذلك ننطلق في الزكاة من أن الله سبحانه وتعالى جعل الغنى، وجعل الفقر، فهو الرزاق، يرزق بعير حساب، أو يقنن
لكن تقنين الله عز وجل لا يمكن أن يفسر بتقنين عجز، بل هو تقنين تأديب، أما نحن فنقنن الماء، لأن الكمية أقل من الاستهلاك، فنقنن الكهرباء، لأن الكمية أقل من الاستهلاك، فالتقنين الإلهي تقنين تأديب، أما التقنين البشري فهو تقنين عجز.
إذاً: لحكمة بالغة هناك إنسان دخله محدود، وإنسان دخله غير محدود، لكن بعضهم قال: المجموع ثابت، صاحب الدخل المحدود يقابل دخلَه المحدود طمأنينةٌ، أو أنه معفى من هموم لا تحتمل، والذي دخله غير محدود يقابله هموم لا تحتمل، لعل الله عز وجل وزع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء، فالوسامة حظ، والزكاة حظ، والمال حظ، والصحة حظ، هذه الحظوظ موزعة في الدنيا توزع ابتلاء، قال تعالى:
﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ (21) ﴾
هناك إنسان كل صفقة بمئة مليون ليرة، وإنسان آخر دخله لا يكفي خمسة أيام، يعاني الجوع ومن الديون.
بين فقر الكسل وفقر العجز وفقر الإنفاق:
بالمناسبة لا بد من توضيح الحقيقة التالية: هناك فقر الكسل، وهذا الفقر مذموم، الكسول المهمِل غير المتقن الإرجائي، الذي يسوف، الذي لا يحب عمله، هذا فقير حتماً، هذا فقر مذموم، أنا أسميه فقر الكسل.
وهناك فقر القدر، إنسان معه عاهة تمنعه من كسب المال، صاحبه معذور، فقر القدر صاحبه معذور، وفقر الكسل صاحبه مذموم.
أؤكد لكم أن البلاد المتخلفة النامية تعاني فقر الكسل، الوقت ليس له قيمة، الإتقان ليس له قيمة، فلا إتقان، ولا إدارة وقت، ولا تطوير عمل، ولا تحسين، ولا معاملة طيبة، بل المعاملة سيئة، وتقصير، وإهمال، وتسويف، فصاحب هذا المشروع لا يربح، بل يعاني الفقر، وهذا فقر مذموم.
وعندنا فقر معذور صاحبه، وفقر صاحبه محمود، اسمه فقر الإنفاق، يا أبا بكر ماذا أبقيت لنفسك ؟ قال:الله ورسوله، أنفق كل ماله، فنحن إذا قلنا: فقر، فهناك فقر صاحبه مذموم، لكن إذا قلنا: فقر آخر، فقر القدر صاحبه معذور.
4 – الحكمة الربانية في توزيع حظوظ الدنيا:
إذاً: اقتضت حكمة الله عز وجل أن يوزع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء.
للتقريب: مستورد كبير حجمه المالي مئات الملايين، وبائع صحون في سوق شعبي يعمل عشر ساعات حتى يأتي بطعام يومه، قال تعالى:
﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ (21) ﴾
التفضيلُ بينَ إنسان مساحة بيته ألف متر، وإنسان آخر ساكن في غرفة واحدة، بين رئيس أركان ومجند غر، بين أستاذ جامعي ومعلم في قرية، بين طبيب جراح وممرض، هناك تفاوت في الحظوظ واسع جداً، قال تعالى:
﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ (21) ﴾
بيت ثمنه مئة وثمانون مليون ليرة، وخيمة شعر ودابة، هذا متاعه كله، هذه الخيمة وفراش ودابة، قال تعالى:
﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) ﴾
مراتب الدنيا لا معنى لها، لأنها مؤقتة، وقد تعني العكس، لذلك المترفون المذكورون في القرآن الكريم كلهم كفار، الله عز وجل ذكر الترف في ثماني آيات، والمترف كافر، المؤمن الغني له وضع خاص، متواضع، إنفاقه معتدل، فلا بذخ، ولا إسراف، ولا إتراف، ولا تبذير، المؤمن سخي كريم، هذا موضوع ثان، المؤمن تحبه غنياً من تواضعه، ومن كرمه، ومن إنفاقه المعتدل، وتحبه فقيراً من تعففه، ومن صبره، ومن عزة نفسه، تحبه متعلماً من تألق فكره، وتحبه غير متعلم من بساطته وطيبه، فكلمة مؤمن لا تحتمل كلمة ثانية بعدها، والحقيقة أنه لا يجوز أن تضيف على كلمة ( مؤمن ) ولا كلمة، هذا موضوع ثانٍ، قال تعالى:
﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ (21) ﴾
مراتب الدنيا لا تعني شيئاً، قال تعالى:
﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً ﴾
لكن يا أيها الإخوة، بطولتنا جميعاً أن يكون لنا في الآخرة مقعد صدق عند مليك مقتدر، حظوظ الآخرة أبدية، وتعني كل شيء، وفي الدنيا لا تعني شيئاً:
(( كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ، لَا يُؤْبَهُ لَهُ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ... ))
أما في الآخرة فالمراتب العلية في الجنة تعني أن هذا الإنسان مؤمن، والآن يقبض الثمن، ثمن طاعته في الدنيا لله عز وجل، هذه مقدمة.
ليس في الإمكان أبدع مما كان:
إذاً: من تقدير الله عز وجل أن هناك غنيا وفقيراً، وفي الأثر: " إن من عبادي من لا يصلح له إلا الفقر، فإذا أغنيته أفسدت عليه دينه، وإن من عبادي من لا يصلح له إلا الغنى، فإذا أفقرته أفسدت عليه دينه "، فلذلك ليس في الإمكان أبدع مما كان، وحينما يكشف الله لك حكمة قضائه وقدره ينبغي أن تذوب محبة لله.
هنا نقطة دقيقة في الموضوع، وهي أن الله سبحانه وتعالى علم ما كان، وعلم ما يكون، ويعلم ما سيكون، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون، إنسان له دخل محدود يلتزم المسجد، يؤدي صلواته، يحج، يعتمر، يدفع زكاته، يحب الله عز وجل ورسوله، يحب أهل العلم، يحب العمل الصالح، يا ترى هذا الإنسان لو أعطيناه ألف مليون كيف يكون ؟ لا أحد يعلم إلا الله، علم ما كان، وعلم ما يكون، ويعلم ما سيكون، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون، لذلك ليس في الإمكان أبدع مما كان.
جاء أحدُهم في عصر متأخر فيه فسق فجور، وانحراف ومعاصٍ وآثام، فيكون هو متفوقا جداً باستقامته، هذا الإنسان
الذي هو متفوق في آخر الزمان مع العصاة والمنحرفين إنْ علم لو كان بين الصحابة لكان منافقاً
فالإنسان يستسلم لله عز وجل حتى في الزمان، فأنت مخير، لكنك مسير في مجموعة قضايا، هل استشارك أحد في كونك ذكرا أو أنثى ؟ هل أنت مخير في جنسك ؟
أحيانا يأتي الجنين بنتا، وأحيانا يأتي ابنا، هذا الصبي هل أحد سأله: ماذا تحب أن تكون حسب رغبتك ذكرًا أم أنثى ؟ فأنت مسير في جنسك، مسير في والدك ووالدتك، من اختار أباه أو أمه ؟
مرة شكا لي أحدهم من والدته كثيرا، قلت له: طلقها، قال: كيف أطلقها ؟ قلت له: هذه قدرك، الأم والأب قدر، فتعامل معهما كقدر.
مَن استشار الإنسانَ بقدراته العامة ؟ هناك إنسان متألق الذكاء، وإنسان أقلّ، وإنسان محدود جداً، من استشارك في شكلك ؟ فلا شكلك بيدك، ولا طولك بيدك، ولا لونك بيدك، ولا ذكاءك بيدك، ولا طلاقتك بيدك، فأنت مسير في أشياء، فيجب أن تعلم علم اليقين أن هذا الذي سيرت به محض كمال، ومحض خير لك، وليس في الإمكان أبدع مما كان.
آيةٌ أصلٌ في الزكاة:
الآن وصلنا إلى درس مقاصد الشريعة في الزكاة، الآية الأصل في هذا الموضوع:
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً (103)﴾
1 ـ الحكمةُ مِن ورودِ كلمة ( أموال ) جمعًا:
كلمة ( أموال ) جاءت جمعا، فالزكاة واجبة في جميع الأموال، عندك إنتاج زراعي فيه زكاة.
قال لي أحدهم: هل على العسل زكاة ؟ قلت: نعم، قال: إذا ما دفعت ؟ قلت: قراد النحل جاهز، هذه حشرة تصيب الخلايا فتدمرها، وما تلف مال في بر أو بحر إلا بحبس الزكاة، العسل عليه زكاة، والإنتاج الزراعي عليه زكاة، وقطيع غنم في عليه زكاة، قطيع بقر في عليه زكاة، قطيع إبل في عليه زكاة، معه مال في عليه زكاة ورقي في عليه زكاة، ذهب عليه زكاة، عنده بضاعة عروض تجارة عليها زكاة .
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ (103) ﴾
ثروات باطنية كالبترول، هذا البترول ملك المسلمين، يجب أن يدفع عشرين بالمئة من قيمته لفقراء المسلمين، هذا الحكم الشرعي، أنت مسلم عندك حقل نفط، وهناك بلاد تموت من الجوع، وبلاد تموت من التخمة، وهناك دخول فلكية من البترول لا يتصورها العقل، وهناك دول فقيرة جداً، البلاد النفطية عليها زكاة على مستوى دول للدول الفقيرة، هذه ليست مساعدة، بل حق.
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ (103) ﴾
2 ـ الحكمةُ مِن ورودِ ضمير ( هُم ) جمعًا:
من جميع أموالهم جاءت كلمة ( أموال ) جمعا، وضمير ( هم ) ضمير جمع، فما مِن مسلم معفى من الزكاة.
أحيانا يقول لك: تطوى الضريبة عن فلان، وفي الإسلام ليس هناك طي للزكاة، والإسلام ما فيه ضريبة، بل فيه زكاة، والضريبة جاءت من الضرب، أما الزكاة فجاءت من التزكية، لذلك كلمة ( أموالهم ) هي جمع، وضمير الغائب جمع، إذاً: لا يعفى منها أحد، وتجب في جميع الأموال.
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً (103) ﴾
أيْ: تؤكد صدقهم.
أحيانا يكون عمل الإنسان كلاما في كلام، أما الدفع في المال فغير ذلك، لأنها أموال تحبها، تحبها حباً جما، تحبها أن تكون لك، وأن تنفقها على نفسك، فيأتي الشرع أنفقها أطعم الفقراء والمساكين.
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً (103) ﴾
3 ـ الحكمةُ مِن ورودِ كلمة ( صدقة ) في الآية:
الصدقة هنا معناها الزكاة، لماذا جاءت كلمة صدقة مكان الزكاة ؟ من أجل أنها تؤكد صدقك في محبتك لله عز وجل لأنه:
﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (92) ﴾
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً (103) ﴾
مقاصد الشريعة الربانية الزكاة:
1 – الزكاة تطهير لنفس الغني من الشُح:
ما حكمتها ؟ قال: تطهرهم، الغني معرض لمرض خطير، كيف أن الجسم معرض لمرض السرطان، وأخطر مرض قاتل مميت للغني هو مرضُ الشح، قال تعالى:
﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) ﴾
2 – الزكاة تطهير لنفس الفقير من الحقد:
الفقير معرّض لمرض الحقد، لأنه يرى قصور الأغنياء ومركباتهم ونساءهم كاسيات عاريات، وحفلاتهم وبذخهم فيقول: عرس كلّف خمسة وثمانين مليونًا، جيء بالورود من هولندا، والثياب من فرنسا، والعطور من بلد كذا، الفقير شاهد هذا الغنى والترف والبذخ فحقد، فالزكاة تطهر الفقير من الحقد والغني من الشح.
3 – الزكاة تطهير للمال من تعلُّق حقِّ الفقير به:
والزكاة تطهر المال من تعلق حق الفقير به.
إذا كان في المال حق الفقير، ولم يدفع الغني ترى مصادرات، وحريقا بمعمل بمئتي مليون في ساعات، فإذا لم تدفع الزكاة يحترق المعمل، لأنه ما تلف مال في بر أو بحر إلا بحبس الزكاة، فحصِّنوا أموالكم بالزكاة.
الفقير يطهر من الحقد، فصار حارسا للغني، والغني يطهَّر من الشح، والمال يطهَّر من تعلق حق الغير به.
4 – الزكاة تطهير للمجتمع من التفاوت الطبقي:
والمجتمع يطهر من تفاوت طبقي لا يحتمل.
والله أحياناً تجد إنسانا ينقب في الحاوية، تراه بعينك في بلاد فيها تفاوت طبقي كبير جداً.
حدثني أخ في بلد من بلاد المسلمين لا أسميه يقدم الإنسان لضيوفه قعودا، يعني جملا فتيًّا، لحمه طري جداً، مع الأرز، وهو طعام نفيس، والمدعوون خمسة أشخاص يأكلون طعام مئتي رجلٍ، والباقي إلى الحاوية، لا يأكل أحد من بعدنا، فهذا بذخ وترف تخرج فيه من جلدك، وأنت ترى فقرا مدقعا، وإنسانا يأكل من الحاوية، فلذلك المجتمع الذي تؤدى فيه الزكاة لا تجد فيه تفاوتا طبقيا كبيرا، هذا المعنى الأول تطهرهم.
5 – الزكاة تزكية لنفس الغني:
الآن
﴿وَتُزَكِّيهِم ﴾
تصور أنك وزعت زكاة مالك على من حولك ثلاثين شخصا فرضاً، فأنت في قلب ثلاثين شخصا، فكلما التقيت معهم رحبوا بك، ودعَوا لك، ولما تنعش الفقير بطعام وبشراب وبكساء يحل مشكلة بشراء بيت، أو بتأمين عمل، فالغني يعيش بين أحباء، بين أشخاص محبين، يثنون عليه، فتنمو نفس الغني.
أحيانا يزوج الأب أولاده، كل ولد في بيت، يكون ميسورا، فيزور أولاده، فترى احتراما منقطع النظير، لأن الله هيئ له عن طريق والده بيتا وزوجة وعملا فيعيش ميسور الحال، ووالده سعى له بهذا الشيء.
حينما تحسن للآخرين تملك قلوبهم، فتنمو نفسُك.
6 – الزكاة تزكية لنفس الفقير:
ونفس الفقير تنمو، هو محروم، لكن لما جاءته أموال الزكاة، وانتعش بها شعر بمكانته في مجتمعه، لأن أناسا اهتموا به، اهتموا بفقره، اهتموا بحاجته.
قد يكون الإنسان مريضا، وعليه مبلغ لعملية لا يملكه، فيأتي غني يقول له: تفضل، فيدعو له: أعزك الله، متعك الله بالصحة، فالفقير نمت نفسه، والغني نمت نفسه.
7 – الزكاة تزكية لنفس الغني:
والمال ينمو، وفي الحديث:
(( أنفق بلال، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالا ))
عبدي:
(( أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ))
والله هناك قصص ي هذا المجال لا تعد ولا تحصى، وفي هذا الجامع أحد إخوتنا الكرام له قريب أستاذ جامعة توفي بمرض عضال، فقال هذا الأخ لأولاده: الديون علي إن شاء الله، مع أنه توقع أنها عشرة آلاف إلى عشرين أو ثلاثين ألفَ ليرة يدفعها، فلما سألهم بعد يومين قالوا: الديون ثلاثمئة وثمانون ألفا، فدفعها، حدثني في الصحن، ودمعت عينه، قال: عندي بضاعة كاسدة منذ عشر سنوات، جاء من اشتراها، ونصيبي من الربح ثلاثمئة وثمانون ألفا،
(( أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ))
، وكل إنسان محسن يعرف مئة قصة أو مئتي قصة في هذا الموضوع، لذلك المال الذي أوديت زكاته يزكو، والمال يحصَّن، والمال يبارك فيه، لذلك لا يجوز لك أن تصف إنسانا بالشح إذا أدى زكاة ماله أبداً.
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ (103) ﴾
8 – الزكاة تُذهِب شرَّ المال:
ومن أدى زكاة ماله أذهب الله عنه شرَّ ماله، المال له شر، أحياناً المال سبب الدمار، والمال قد ينتهي بقتل، قد ينتهي بتدمير أسرة، قد ينتهي بطلاق، ومن أدى زكاة ماله أذهب عنه شرَّ ماله.