- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠3العقيدة من مفهوم القرآن والسنة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
ما معنى رباني؟ :
أيها الأخوة المؤمنون, مع الدرس الرابع من دروس العقيدة, وموضوع الدرس اليوم الربوبية، لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾
ومعنى ربانيين: أنكم مؤمنون برب العالمين، طائعون له، محبون له، متقربون إليه، فماذا يعني الإيمان برب العالمين؟ ماذا يعني الإيمان بالربوبية؟ لماذا اجتهد بعض العلماء, فقال: إن كلمة رب من أسماء الله الحسنى, بل هو اسم الله الأعظم؟.
أيها الأخوة, معنى أن تكون ربانياً، معنى أن تكون مؤمناً برب العالمين: أن تقر بأن الله عز وجل هو الفعال المطلق، هو الذي خلق ودبر، هو الذي يغير، هو الذي يسير، هو الذي يزيد، هو الذي ينقص، هو الذي يحيي، هو الذي يميت، هو الحكم، هو المشرع، هو الضار، هو النافع, لا فعال في الكون إلا الله، هذا معنى أن تكون ربانياً، وهذا معنى أن تؤمن برب العالمين, والله عز وجل يقول:
﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ﴾
﴿لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾
ما معنى رب العالمين؟ :
معنى رب العالمين الحكاية، أو معنى رب العالمين على الإعراب: أنه خالق، وأن الأمر بيده، له الخلق والأمر.
أيها الأخوة, معنى الرب أي المربي، من التربية، بل إن أقرب أسماء الله تعالى إلى الإنسان: اسم رب العالمين، هو الذي يربيك، هو الذي منحك نعمة الوجود، هو الذي يمدك بما تحتاج من هواء، وماء، وطعام، وشراب، وأهل، وأولاد، وعقل، وفكر، وتوازن، وأعضاء، منحك نعمة الوجود، ومنحك نعمة الإمداد، ثم دلك عليه، منحك نعمة الهدى والرشاد.
إذاً: الرب بمعنى المربي، من التربية والإصلاح، والرباني هو الذي يؤمن بهذا المربي، ويحب هذا المربي، ويخضع لهذا المربي، ويتصل بهذا المربي، ويخلص لهذا المربي ، ويتقرب إلى هذا المربي، هذا الرباني أمر إلهي، وكل أمر في القرآن يقتضي الوجوب:
﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ﴾
قال ابن عباس: معنى ربانيين: أي حكماء علماء حلماء.
وقال الحسن: ربانيين؛ أي فقهاء، أي أهل عبادة وتقوى.
من معاني رب العالمين أنه المربي، ومن معاني الرب أيضاً أنه المالك، ماذا عبد المطلب؟ قال لأبرهة الأشرم, حينما أراد هدم الكعبة, قال: إني أنا رب الإبل، يعني مالك هذه الإبل، وإن للبيت رباً سيمنعك.
وأنا أطمئنكم، ذكرت هذا كثيراً، لا تقلقوا على هذا الدين، إنه دين الله الذي بيده كل شيء، هو الذي يحميه، ولولا أن هذا دين الله, لتلاشى من مئات السنين، ولكن ينبغي أن تقلق ما إذا سمح لك أو لم يسمح, أن تكون جندياً له.
الرب بمعنى المالك، ولكني أنا رب الإبل، وإن للبيت رباً سيمنعه، والرب بمعنى السيد ، حينما قال سيدنا يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام:
﴿ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ﴾
أي إلى سيدك، الرب هو المربي، والرب هو المالك، والرب هو السيد.
من مقتضيات أن تكون ربانياً مؤمناً برب العالمين :
1-أن تؤمن أنه لا خالق إلا الله :
أيها الأخوة, ماذا يعني أن تكون ربانياً؟ وماذا يعني أن تؤمن برب العالمين؟ يجب أن تؤمن أنه لا خالق إلا الله، فكل من آمن أن أحداً غير الله, ينشئ شيئاً من العدم فهو كافر، لذلك قلما تسمع من مؤمن كلمة خلقتُ، وكثيراً ما تسمع من كافر كلمة خلقتُ، لأن الله عز وجل يقول:
﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ﴾
أول بديهيات أن تكون ربانياً، وأن تكون مؤمناً برب العالمين: أن تعتقد اعتقاداً جازماً أنه لا خالق إلا الله، طبعاً كل شيء في الكون يدل على الله.
وفي كل شي له آية تدل على أنه واحد
من القواسم المشتركة بين كل البشر :
أيها الأخوة, يقول الله عز وجل:
﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾
أيها الأخوة, لكن أن تؤمن أن لهذا الكون خالقاً, هذا شيء يكاد يكون قاسماً مشتركاً بين كل البشر، بدليل أن الله عز وجل يقول:
﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾
إلى أي جهة يتجهون؟ إلى أن جهة ينصرفون؟.
إذاً: من مقتضيات أن تكون ربانياً، أو أنك تؤمن برب العالمين: أن تعتقد أنه لا خالق إلا الله، إلا أنك إذا رأيت فئةً شاذةً قليلةً, محدودة العدد في الأرض, تتوهم أنه لا إله, فاعلم علم اليقين: أنه كلام فيه مكابرة، بدليل أن الله عز وجل يقول:
﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ﴾
أيها الأخوة, حتى الذي ينكر وجود الله عز وجل, ينكر هذا الوجود إرضاءً لجهة أو لمصلحة، أما في أعماق أعماقه, فهو يؤمن بالفطرة أن لهذا الكون خالقاً:
﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى﴾
جاء التعريف الدقيق لرب العالمين من موسى لفرعون، قال:
﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾
يعني خلق وهدى.
ما الدليل على أن الله خلق السموات والأرض؟ :
الآن: أدلة أن الله خلق السموات والأرض، طبعاً الإنسان وهبه الله قوة إدراكية، وهذه القوة الإدراكية تتعرف إلى الأشياء بالأدلة، فما دليل أن الله خلق السموات والأرض؟ قالوا: هناك دليل الفطرة، يعني أي إنسان من دون تعليم، من دون توجيه, يعرف ابتداءً أن لهذا الكون خالقاً عظيماً.
إليكم هذه الأمثلة التي تبرهن على أن الإيمان بالله موجود بالفطرة :
مرة حدثني أخ, قال لي: سافرت بحكم عملي إلى جهة، فإذا بعاصفة اقتلعت ما يزيد عن مئةً وخمسين بيتاً زراعياً، ومعنى أن يدمر بيتًا زراعيًا, أي أن مئات الألوف خسرها صاحبها ثمن البيت، وثمن الغطاء البلاستيكي، قال: التقيت مع أناس من مشارب مختلفة، ومن طوائف مختلفة، ومن أديان مختلفة، ومع ذلك فكلهم يقول: إن المسيء دمر بيته, إيمان فطري.فإذاً: بالفطرة يقول الإنسان: يا الله.
حدثني أخ كريم, يركب طائرةً إلى بلد, يؤمن في مجموعه أن لا إله، فالإلحاد مذهب رسمي في هذه البلاد، ودخلت الطائرة في سحابة مكهربة، وكانت على وشك السقوط، وعلى متن الطائرة عدد كبير من الخبراء, الذين يؤمنون أنه لا إله، أقسم لي بالله, أن معظمهم قال: يا الله.
أدلة الإيمان بالله :
إذا ركب البحر، وكان على وشك الغرق، أو ركب طائرةً، وكان على وشك السقوط, لا يدعو إلا الله، واسأل إنساناً ينكر وجود الله, لو جاءه مرض خبيث, يقول: يا الله، هذا الإيمان الفطري, لا يحتاج إلى دليل، ولا إلى تعليم، ولا إلى إعجاز علمي في الكتاب والسنة، ولا إلى شيء، أنت مؤمن بالله فطرةً, والدليل:
﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾
المضطر يقول: يا الله.
العقل يقول: لا بد لكل شيء من خالق، العقل يقول لك، وهذا شيء مجمع عليه: إن النظام يحتاج إلى منظم، والتسيير يحتاج إلى مسير، والخلق يحتاج إلى خالق، والحكمة تحتاج إلى حكيم، والبعرة تدل على البعير، والماء يدل على الغدير، والأقدام تدل على المسير، أفسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ألا تدلان على الحكيم الخبير؟.
هذا الإيمان العقلي، هل أنت مصدق أنه في مستودع للحديد, جئنا بمتفجرات وفجرناها، وفي نهاية التفجير طائرة بوينج 777، هل تصدق هذه الحقيقة؟ هل تصدق انفجاراً حصل في مطبعة المحصلة قاموس لاروس الأحمر, والأبيض, والأسود, والصور, ودائرة المعارف، والفعل, والفاعل، واسم مكان، هل يعقل ذلك؟.
هذا الذي يعتقد أن هذا الكون لا إله له, يحتاج إلى مستشفى للأمراض العقلية، هذا الدليل الثاني، والدليل الثالث دليل الشرع، يقول الله عز وجل:
﴿أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
وأما الحس فحينما يجاب دعاء المضطرين, يزداد يقين المؤمنين، قالوا: إجابة الدعاء من الله عز وجل يقوي العقيدة، الله سمعك.
ما وراء هذا المثال :
حدثني أخ, كنت في سفر إلى الساحل، فإذا بمسجد رائع بني في مكان بعيد عن البيوت، وكأنه للمسافرين، صليت به فريضة الظهر، فإذا برجل يدعوني إلى غرفة في المسجد ، وهو مدير المسجد، من حديث لآخر, أخبرني أنه هو الذي أنشأ هذا المسجد، أقسم لي بالله, أنه حينما انتهى من الخدمة الإلزامية قبل عشرين عاماً تقريباً, أخذ من أخته سِوارين من الذهب وباعهما، واشترى بثمنهما بطاقة طائرة إلى الخليج، قال لي: وأنا على متن الطائرة، ولم تتحرك شفتاي، ولم أنطق بكلمة, إلا أن خاطراً جاء لي: لو أن الله أكرمني هناك, لعمرت لله مسجداً في بانياس، قال: أقمت مدة لا بأس بها، وقد أكرمني الله كثيراً, جئت إلى بلدي، أنظمة عمارة المساجد تقتضي أن يكون المسجد ضمن المدينة، ضمن منطقة سكنية، أما في الفلاة فلا ترخيص، هكذا الأنظمة النافذة، رد طلبه, فالتقى بمسؤول كبير في المحافظة، وذكر له مشكلته، يرفع الهاتف، يخبر رئيس البلدية، يقول له: غض البصر عن بناء هذا المسجد، وبعد حين تحققت، أقسم لي أنه ما تكلم بكلمة خاطر.
فأنت حين تدعو الله ولو بقلبك، قال تعالى:
﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً﴾
ويستجيب الله لك, يزداد يقينك بالله عز وجل.
أول مقتضيات أن تكون ربانياً: أن تؤمن أنه لا خالق لهذا الكون إلا الله، والأدلة فطرية، وعقلية، وتشريعية، وحسية.
2- يجب أن تؤمن يقيناً أنه لا مالك ولا متصرف في الكون إلا الله :
الآن من مقتضيات الإيمان برب العالمين، ومن مقتضيات أن تكون ربانياً: يجب أن تؤمن يقيناً أنه لا مالك ولا متصرف في الكون إلا الله، استمع إلى الأخبار، قد تتوهم أن زيداً قصف، وأن عبيداً قتل، وأن فلاناً هدم، يجب أن تعلم علم اليقين: أنه لا فعال إلا الله، وأن كائناً من كان لا يستطيع أن يفعل شيئاً إلا إذا سمح الله، والله يخاطب سيد البشر بقوله:
﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ﴾
﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾
هذا الإيمان.
ذكر الله عز وجل في القرآن الكريم أحد الأنبياء الكرام يقول:
﴿فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ﴾
الآن دققوا:
﴿مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾
فوحيد القرن أيضاً دابة، والله عز وجل أخذ بناصيتها:
﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
هذا الإيمان، لذلك الإيمان أمن وسلام، الإيمان راحة، الإيمان شعور أن علاقتك بالله، وأن الله مطلع عليك، ويعلم كل شيء، وهو يعلم السر وأخفى.
﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾
﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾
﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾
﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾
ما محور هذا الحديث؟ :
أيها الأخوة, في مسند الإمام أحمد بسند صحيح, عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ, عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَلْهُجَيْمٍ قَالَ:
((قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِلَامَ تَدْعُو؟ قَالَ: أَدْعُو إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ؛ الَّذِي إِنْ مَسَّكَ ضُرٌّ فَدَعَوْتَهُ كَشَفَ عَنْكَ, وَالَّذِي إِنْ ضَلَلْتَ بِأَرْضٍ قَفْرٍ دَعَوْتَهُ رَدَّ عَلَيْكَ, وَالَّذِي إِنْ أَصَابَتْكَ سَنَةٌ فَدَعَوْتَهُ أَنْبَتَ عَلَيْكَ, قَالَ: قُلْتُ: فَأَوْصِنِي, قَالَ: لَا تَسُبَّنَّ أَحَدًا, وَلَا تَزْهَدَنَّ فِي الْمَعْرُوفِ, وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ وَأَنْتَ مُنْبَسِطٌ إِلَيْهِ وَجْهُكَ, وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ الْمُسْتَسْقِي, وَاتَّزِرْ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ, فَإِنْ أَبَيْتَ فَإِلَى الْكَعْبَيْنِ, وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الْإِزَارِ, فَإِنَّ إِسْبَالَ الْإِزَارِ مِنْ الْمَخِيلَةِ, وَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يُحِبُّ الْمَخِيلَةَ))
بالمناسبة: دخل أعرابي على رسول الله، وهو بين أصحابه, فقال:
((أيكم محمد؟))
ماذا تستنبط؟ يعني ما كان متميزاً على أصحابه.
وفي رواية: قال أحد أصحابه:
((ذاك الوضيء))
عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَلْهُجَيْمٍ قَالَ:
((قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِلَامَ تَدْعُ؟ قَالَ: أَدْعُو إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ؛ الَّذِي إِنْ مَسَّكَ ضُرٌّ فَدَعَوْتَهُ كَشَفَ عَنْكَ -من هو الله؟ من إذا كان بك ضر فدعوته فكشفه عنك-, وَالَّذِي إِنْ ضَلَلْتَ بِأَرْضٍ قَفْرٍ دَعَوْتَهُ رَدَّ عَلَيْكَ, وَالَّذِي إِنْ أَصَابَتْكَ سَنَةٌ فَدَعَوْتَهُ أَنْبَتَ عَلَيْكَ))
في المرض الشديد: يا رب اشفني فيشفيك، غابت عنك حاجة: يا رب اجمعني بها فيجمعك، في قحط: صلينا صلاة الاستسقاء فأمطر علينا السماء؛ هو وحده المالك والمتصرف.
3- أن تعتقد اعتقاداً قاطعاً أنه لا ضار ولا نافع على الحقيقة إلا الله :
الآن من لوازم أن تكون ربانياً، ومن لوازم أن تؤمن بالله رب العالمين: أن تعتقد اعتقاداً قاطعاً: أنه لا ضار ولا نافع على الحقيقة إلا الله، مهما رأيت من بطش الطغاة، ومهما رأيت من إكرام الكرماء, لا ضار ولا نافع إلا الله، من أسماء الله النافع، ومن أسماء الله الضار، ولكن علماء العقيدة لا يستحسنون أن تقول: الله ضار فقط، ينبغي أن تذكر هذين الاثنين معاً، الضار النافع، يضر لينفع، ويمنع ليعطي، ويخفض ليرفع، ويذل ليعز، فينبغي أن تعتقد اعتقاداً جازماً على وجه اليقين: أنه لا ضار ولا نافع على الحقيقة إلا الله، لذلك:
﴿قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنْفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا﴾
بربكم إن كانت لك قضية, لا تحل إلا مع مدير مؤسسة, فهل تبذل ماء وجهك لحاجب على بابه أو لموظف صغير؟ أليس هذا من الحمق؟ القضية مع الله وحده, لذلك قال تعالى:
﴿قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا﴾
اعتقاد باطل :
ما يعتقده العوام من التمائم، التمائم حلقة توضع في الرقبة, لئلا يموت من يضعها في رقبته, قال الشاعر:
وتجلدي للشامتين أريهم أني بغيب الدهر لا أتضعضع
فرد عليه, فقال:
وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفـــع
أكثر أصحاب السيارات يضعون نعل حصان، أو حذاءً لطفل صغير، أو حدوة، أو نعلا قديمة، أو عجينة، ويتشاءمون من يوم الأربعاء، ومن صوت البوم، ومن القط الأسود، هذا كله اعتقادات جاهلية, ما أنزل الله بها من سلطان, تبيع وتشتري, دخل شخص فلم تتم البيعة قدمه شؤم، لا شؤم ولا طيرة، كل شيء تقدير الله عز وجل، حتى إن كلمة فلان محظوظ، مسكينة ابنتي حظها قليل، كلام ليس له معنى، هناك توفيق وتعسير، قال تعالى:
﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾
تيسير وتعسير، والتيسير سببه الإيمان بالحسنى، بالجنة، وأن يتقي أن يعصي الله، وأن يعطي مما أعطاه الله، رد الإله على هذا الإنسان, أنه ييسره لما خلقه له، وأما الذي يؤمن بالدنيا فقط، ويستغني عن طاعة الله، ويبني حياته على الأخذ, ييسر إلى هلاكه في الدنيا والآخرة.
اعلم هذا :
أيها الأخوة, كلام قطعي، ما نزل بلاء إلا بذنب، ولكن الناس يقولون لك: استعمار، وإمبريالية، وماسونية, وشارون.
لا يخافن العبد إلا ذنبه, ولا يرجون إلا ربه.
ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا يرفع إلا بتوبة، هذا كلام جامع مانع قاطع, قال تعالى:
﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾
الإيمان مريح، ولا سيما هذه الأيام؛ أيام القهر، أيام القتل، أيام القصف، أوقات الأسر ، أوقات الإفقار، أوقات الإذلال، أوقات الإضلال، أوقات القهر، في الأوقات العصيبة ينفع الإيمان.
ما موضوع هذه الأحاديث؟ :
أخرج الإمام أحمد بسند حسن عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ, أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ عَلَى عَضُدِ رَجُلٍ حَلْقَةً أُرَاهُ, قَالَ:
((مِنْ صُفْرٍ، فَقَالَ: وَيْحَكَ مَا هَذِهِ؟ قَالَ: مِنْ الْوَاهِنَةِ، قَالَ: أَمَا إِنَّهَا لَا تَزِيدُكَ إِلَّا وَهْنًا، انْبِذْهَا عَنْكَ، فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ, مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا))
أنا أمسك بهذه الحلقة, لئلا أصاب بهذا المرض, فقال عليه الصلاة والسلام:
((أَمَا إِنَّهَا لَا تَزِيدُكَ إِلَّا وَهْنًا، انْبِذْهَا عَنْكَ، فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ, مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا))
عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ:
((كَانَ عَبْدُ اللَّهِ إِذَا جَاءَ مِنْ حَاجَةٍ, فَانْتَهَى إِلَى الْبَابِ تَنَحْنَحَ, وَبَزَقَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَهْجُمَ مِنَّا عَلَى شَيْءٍ يَكْرَهُهُ, قَالَتْ: وَإِنَّهُ جَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ فَتَنَحْنَحَ, قَالَتْ: وَعِنْدِي عَجُوزٌ تَرْقِينِي مِنْ الْحُمْرَةِ, فَأَدْخَلْتُهَا تَحْتَ السَّرِيرِ, فَدَخَلَ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِي, فَرَأَى فِي عُنُقِي خَيْطًا, قَالَ: مَا هَذَا الْخَيْطُ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: خَيْطٌ أُرْقِيَ لِي فِيهِ.
-يعني يحفظني هذا الخيط، والله أنا أقول أحياناً لا سمح الله ولا قدر: لو أن الإنسان ما كان مستقيماً، ووضع مصحفاً, لا يحميه من عقاب الله، فكيف بخيط إذا وضعه، ولم يعمل به؟ لأنه رُبَّ تال للقرآن والقرآن يلعنه، وما آمن بالقرآن من استحل محارمه-.
قَالَتْ: فَأَخَذَهُ فَقَطَعَهُ, ثُمَّ قَالَ: إِنَّ آلَ عَبْدِ اللَّهِ لَأَغْنِيَاءُ عَنْ الشِّرْكِ, سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ))
خرزة زرقاء, نعل, فرس, وحذاء طفل صغير, هذا كله من الشرك.
في السنة الصحيحة: عَنْ أَبِي بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ, قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:
((حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ, وَالنَّاسُ فِي مَبِيتِهِمْ, فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا أَنْ لَا يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلَادَةٌ إِلَّا قُطِعَتْ))
كانوا يضعون قلادة في عنق البعير لئلا يمرض، أو لئلا يموت، هذا من الشرك؛ التبرك بالأحجار, والأشجار, والقبور, والتماثيل, والأصنام, هذا كله من الشرك، العوام أحياناً يا شيخ أريد ولدًا، الشيخ لا يأتي بالولد، هذا كله شرك.
أنواع الرقى في الإسلام :
توضيحاً للحقيقة: الرقى نوعان: مشروعة وممنوعة، فالمشروعة ما كانت بالقرآن الكريم، إذا قرأ الإنسان القرآن الكريم, هذا من الرقى المشروعة، أو وضع آية في جيبه، هذا من الرقى المشروعة، أو أسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، أو ما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أدعية ومأثورات، هذا كله صحيح، أما الممنوعة فرقى الجاهلية، تعاويذ مجهولة، شبروش موبروش، أو كلام بغير العربية، أو بحروف مقطعة، أو بأرقام، أو بخطوط ، هذا كله بالحجب, تجدونها خطوطًا، وأرقامًا، وحروفًا، أو قرآنًا معكوسًا، حرف عكس حرف.
عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ:
((كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ, فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ شِرْكٌ))
إنسان قرأ القرآن، دعا بدعاء النبي، وضع مصحفاً في جيبه، لا مانع، هذه رقى مشروعة، أما الرقى الممنوعة فبلغة أجنبية، بحروف، بتقاطيع، بصور عفاريت، أو بكلام غير مفهوم.
4- أن تعتقد أنه لا مشرع للخلق إلا الله وحده :
ومن لوازم أن تكون ربانياً مؤمناً برب العالمين: أن تعتقد أنه لا مشرع للخلق إلا الله وحده، من يحل الحلال؟ الله وحده, من يحرم الحرام؟ الله وحده, من يقول: هذا حق؟ الله وحده, من يقول: هذا باطل؟ الله وحده, من يقول: هذا خطأ؟ الله وحده, من يقول: هذا صواب؟ الله وحده.
معقول!!! :
في ندوة دينية، والمتكلم دعي لهذه الندوة, على أنه رجل دين، فقال أحدهم: قطع اليد سلوك عنيف لا يتناسب مع الحضارة الحديثة، إله يقول لك:
﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾
لذلك كنت أقول دائماً: خذوا دينكم عن الأرضيات لا عن الفضائيات، هناك انحرافات في الفكر، وأسبابها معروفة، الفضائية لها ممول، وله خط معين، وله هدف معين، قال تعالى:
﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾
الله وحده ما أحله فهو حلال، وما حرمه فهو حرام، ما قال عنه باطل فهو باطل، ما قال عنه شرك فهو شرك.
قف عند هذه الآيات :
الآيات كثيرة أيها الأخوة, قال تعالى:
﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾
﴿وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ﴾
﴿وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً﴾
﴿وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً﴾
﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾
نقطة دقيقة :
هناك نقطة دقيقة في هذه الآية، قال تعالى:
﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾
رجل الدين لا يمكن أن يكون مشرعاً، لا يقبل منه أن ينطق بكلمة من دون دليل، نحن في حياتنا كمسلمين, رجل واحد كلامه هو الدليل، هو رسول الله، وما سوى رسول الله, يحتاج كلامه إلى دليل, مهما عظم شأنه، يقول لك إنسان: أنا أقول لك كذا، ينبغي أن تطيعني.
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
((بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً, فَاسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ, وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ, فَغَضِبَ, فَقَالَ: أَلَيْسَ أَمَرَكُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي؟ قَالُوا: بَلَى, قَالَ: فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا, فَجَمَعُوا, فَقَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا؟ فَأَوْقَدُوهَا, فَقَالَ: ادْخُلُوهَا؟ فَهَمُّوا, وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا, وَيَقُولُونَ: فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النَّارِ, فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتْ النَّارُ, فَسَكَنَ غَضَبُهُ, فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَقَالَ: لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ, الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ))
الله يرضى عليك طلقها يا بني، لماذا؟ لم أحبها، مؤمنة, صالحة, طاهرة, محجبة، يحتجون بحجة سيدنا عمر, حين أمر ابنه أن يطلق زوجته فطلقها، إذا كان أبوك عمر فطلقها ، عمر عملاق الإسلام، عمر صحابي كبير، إذا قال لابنه: طلق امرأتك؛ فلسبب كبير، ولسبب وجيه، ولسبب ديني، أما كلما عنّ لأب خاطر, لم يعجب بزوجة ابنه, يقول له: طلقها, إنما الطاعة في معروف، الأبلغ من ذلك: أن الله حينما وصف معصية رسول الله, قال:
﴿وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾
المعصية مقيدة في المعروف، هناك أمر تشريعي، وأمر تنظيمي، حتى النبي عليه الصلاة والسلام حينما عصاه الرماة في أُحد صلى عليهم, لمَ؟ لأنهم عصوا أمراً تنظيمياً، ولم يعصوا أمراً تشريعياً.
أصغ السمع إلى النبي في شرح هذه الآية :
قال تعالى:
﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾
الآن استمعوا إلى شرح النبي لهذه الآية:
في جامع الترمذي بسند حسن, عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ:
((أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ, فَقَالَ: يَا عَدِيُّ اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الْوَثَنَ, وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ, قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ, وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ, وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ))
إنسان يطيع قوياً، ويعصي الله، لو قلت له: أنت تعبده من دون الله, يقول: أعوذ بالله، أنا أعبده؟! أنت حينما أمرك بمعصية فعلتها، وأغضبت الله، وحينما أمرك بطاعة فلم تفعلها خوفاً منه، وحينما أمرك بمعصية ففعلتها، ولم تعبأ بأمر الله عز وجل، أو حينما نهاك عن طاعة فتركتها خوفاً منه، أنت بهذا تعبده من دون الله، هذه عبادته، لمجرد أن تطيع مخلوقاً، وتعصي خالقاً، فأنت تعبده من دون الله.
هناك أشخاص يتوهمون بسذاجة أنه يقول: هذا ربي، لا، لا أحد يقول: هذا ربي، لمجرد أن تطيعه وتسخط الله عز وجل، ولمجرد أن تعصي الله إرضاءً له, فأنت تعبده من دون الله.
منعطف خطير :
أيها الأخوة, كل ما شرع للناس أو رضي بتشريع مخالف لتشريع الله سبحانه وتعالى, داخلاً في وعيد الله وتهديده، أي إنسان مشرع أو يرضى بهذا التشريع، ليس بعيداً عنا أن بعض الأسر في بلاد الغرب, إذا اختصمت الزوجة مع زوجها, لا ترفع قضيتها لقاض مسلم في المركز الإسلامي، بل ترفع قضيتها لحاكم أمريكي, لماذا؟ لأن القانون الأمريكي يعطي المطلقة نصف أملاك زوجها، بينما الشريعة تعطي المطلقة مهرها فقط، فهذا الذي يحتكم لغير شرع الله, داخلاً في وعيد الله:
﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾
5-أن تعتقد أن كل شيء بقضاء وقدر :
6- أن تعلم علم اليقين أنه لا يعلم الغيب إلا الله :
أيها الأخوة, ومن لوازم أن تكون ربانياً مؤمنًا برب العالمين: أن تعلم علم اليقين أنه لا يعلم الغيب إلا الله، فكل أنواع السحر, والشعوذة, وقراءة الفنجان, وقراءة حظك هذا الأسبوع, وبرج التيس, والثور، وهذه الأبراج كلها, هذا كله كفر.
من أتى كاهناً فصدقه فقد كفر، من أتى ساحراً فلم يصدقه, لن تقبل له صلاة أربعين صباحاً، ولا دعاء أربعين ليلة. لا يعلم الغيب إلا الله:
﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾
بربكم. إذاً: لا تسقط من ورقة إلا هو يعلمها، والقنبلة أخطر، من باب أولى أن يعلمها، الأمر بيد الله عز وجل، هذا الكلام ليس فيه دعوة إلى الاستسلام، لا، القضاء والقدر, الشرير الذي ظاهره فيه شر يجب أن يقاوم، لكن ينبغي ألا تنهار معنوياتك، الأمر بيد الله عز وجل، قاوم، أما أن تستخذي فلا، يقول الله عز وجل:
﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
إذاً: من مقتضيات أن تكون ربانياً مؤمناً برب العالمين: أن تعتقد اعتقاداً جازماً أنه لا يعلم الغيب إلا الله، وحينما تعتقد هذا الاعتقاد, تلغي من حياتك مليون قصة لا أصل لها، و مليون توهم لا أصل له، لا يعلم الغيب إلا الله.
إليكم هذه الأدلة من الكتاب والسنة على أنه لا يعلم الغيب إلا الله :
والله عز وجل يقول:
﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾
وفي سورة الجن:
﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً﴾
وفي صحيح البخاري: عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ؛ لَا يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ إِلَّا اللَّهُ, وَلَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَّا اللَّهُ, وَلَا يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِي الْمَطَرُ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ, وَلَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِلَّا اللَّهُ, وَلَا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا اللَّهُ))
قصة :
يروى أن أحد كبار الأئمة؛ الإمام مالك, رأى في منامه ملك الموت, قال له: يا ملك الموت كم بقي لي؟ فأشار له ملك الموت بخمسة أصابع، فلما استيقظ الإمام مالك, ازداد اضطراباً، يا ترى خمس سنوات، أم خمسة أشهر، أم خمسة أسابيع، أم خمسة أيام، أم خمس ساعات، فسأل أحد من اشتهر بتعبير الرؤيا، الإمام ابن سيرين، فقال له: يا إمام, إن ملك الموت يقول لك: إن سؤالك هذا من خمسة أشياء لا يعلمها إلا الله، هذا الجواب.
قف هنا :
أيها الأخوة, لكن من يقول: إنهم عرفوا نوع الجنين ذكراً أو أنثى، هذا الكلام صحيح، لكن الله عز وجل يقول:
﴿وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ﴾
لم يقل: ويعلم من في الأرحام، من أي ذكر أم أنثى، يوجد خمسة آلاف مليون مورث وجين في النوية, في الحوين, وفي البويضة، خمسة آلاف مليون معلومة مبرمجة لا يعلمها إلا الله.
من مفسدات العقيدة :
الآن: حينما تعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب, فقد فسدت عقيدتك، النبي لا يعلم إلا أن يعلمه الله، فإذا تكلم بما سيكون, هذا من إعلام الله له, كحديث قيام الساعة ، أما إنه يعلم الغيب, لولا أنه بشر, تجري عليه كل خصائص البشر, لما كان سيد البشر، لو كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب, لما خفيت عليه أمور كثيرة.
يروي الشيخان عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ, وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ, وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ, وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ, فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْ, فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ))
ألم يأت النبي وفد، وطلبوا منه قراء القرآن الكريم، أعطاهم سبعين قارئاً، وذبحوهم في الطريق؟ معنى هذا أنه لا يعلم الغيب، لا يعلم إلا أن يُعلم، ويوجد قضايا كثيرة جداً أعلمه الله ، ويوجد قضايا لم يعلمه، هو بشر، لولا أنه بشر تجري عليه كل خصائص البشر, لما كان سيد البشر، كل من يعتقد أن بشراً كائناً من كان يعلم الغيب فقد كفر، إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام حينما ينبئنا بما سيكون من إعلام الله له:
﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾
الرسول وحده، ما سوى الرسول لا يعلم الغيب إلا الله، بربكم أنتم تعيشون هذه المرحلة, هل كان يخطر ببال أحد أن تضرب أمريكا؟ أبداً، هذه الأحداث المتلاحقة التي جرت, هل كانت تخطر على بال أحد؟:
﴿لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾
والآن: لا تقل: انتهينا، لا يعلم الغيب إلا الله، وقد تكون هذه الأحداث المريرة سبباً لخير كبير لا يعلمه إلا الله، التبصر بالكف, والرمل, والفنجان, والأبراج, والسحر, والكهانة, كله كفر, والعياذ بالله.
ملخص الدرس :
أيها الأخوة, هذا الدرس ملخص آية واحدة:
﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ﴾
الرباني هكذا يعتقد، والرباني هكذا يفعل، أرجو الله سبحانه و تعالى أن ينفعنا بعلم العقيدة، هذا العلم أخطر علم في الدين، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً إلى توضيح الحقائق من منابعها الأصيلة من كتاب الله, ومما صح من سنة رسول الله.