- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠3العقيدة من مفهوم القرآن والسنة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
ما الفرق بين حالة المؤمنين في عهد النبي وبين حالتهم في العصور المتأخرة؟ :
أيها الأخوة الكرام, مع الدرس السادس من دروس العقيدة الإسلامية، وقد بدأت في الدرس الماضي بفضل الله عز وجل بمعنى لا إله إلا الله, وذكرت بعضاً من شروطها، وها أنذا أتم الشروط، ولكن لا بد من كلمات في هذا الموضوع.
أخوتنا الكرام, قد تجد بوناً شاسعاً بين حالة المؤمنين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبين حالتهم في العصور المتأخرة، أضع بين أيديكم هذا المثل:
قد يرتدي طبيب ثوباً أبيضَ، وقد يضع على عينيه نظارة، وقد يضع في جيبه ميزان حرارة، وقد يضع في عنقه سماعة قلب، هذا المظهر، لكن الحقيقة: أن هذا الطبيب أمضى ثلاثة وثلاثين عاماً في الدراسة، واجتاز امتحانات صعبة جداً، واجتاز امتحانات عملية، وله تجارب كثيرة، حتى إن مجموع هذه المعلومات، وتلك الخبرات، وهذه التجارب, شكّل إنساناً يعلم بدقائق عمل هذا الجسم.
الآن لو جاء إنسان لا يقرأ ولا يكتب، وارتدى ثوباً أبيضاً، ووضع على عينيه نظارة، ثم وضع في جيبه ميزان حرارة، ووضع في عنقه سماعة قلب، هل يعد هذا طبيباً؟ المظهر متقارب, أما البون فشاسع وكبير.
ما سبب فتح مشارق الأرض ومغاربها في عهد الصحابة؟ :
أخوتنا الكرام, هذه الكلمة لا إله إلا الله التي لما آمن بها أصحاب رسول الله, فتحوا مشارق الدنيا ومغاربها، والأرض هيَ هي، كيف الآن لدينا دولة قوية جداً، وقبل سنوات كان يوجد دولتان قويتان جداً يملكان زمام القوة في العالم، وفي عهد النبي عليه الصلاة والسلام كان هناك دولتانِ قويتان قطبان الفرس والروم، والفرق بين قوة أصحاب رسول الله وهم قلةٌ قليلة عاشوا في الصحراء، وبين قوة هذه الدول الكبيرة في عهد النبي الفرق نفسه, لكن هذه الكلمة حينما فهمها أصحاب رسول الله فهماً كما ينبغي، وعملوا بها كما ينبغي، كانت نتائج فهمهم لها كبيرةً جداً.
ما معنى لا إله إلا الله, لا معبود بحق إلا الله؟ :
أيها الأخوة، لا تعتد بمن يقول: لا إله إلا الله بلسانه، لا تعتد بمن يقول: لا إله إلا الله ولم يؤمن بها قلبه، لا تعتد بمن يقول: لا إله إلا الله ولا ترى أثرها في عمله، يعني لا إله إلا الله: لا معبودٍ بحقٍ إلا الله، والمعبود هو الذي يعطي، وهو الذي يمنع, وهو الذي يخفض، وهو الذي يرفع، وهو الذي يعز, وهو الذي يذل، هذا المعبود, إن الله وحده يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويعز ويذل، إذاً: يجب أن تعبده وحده.
الآن: أي مسلم يبتغي أمراً بمعصية الله, لا يؤمن بهذه الكلمة أبداً.
كنت أقول دائماً: أن كلمة الله أكبر يقولها الإنسان في اليوم عشرات المرات، إذا أعجبه منظر قال: الله أكبر، إذا سأل عن السعر: الله أكبر، الله أكبر ما هذا السعر؟ نرددها عشرات المرات، لكن لو أنك أطعت زوجتك، ولم تطع ربك، لو أنك أرضيت زوجتك بمعصية ربك، لو أنك أرضيت أولادك بمعصية ربك، لو أنك أطعت مخلوقاٌ وعصيت خالقاً، لم تقل الله أكبر ولا مرة، ولو رددتها بلسانك ألف مرة، فالمشكلة لا مع كلمات تردد، بل مع مضامين يعتقد بها، لا مع كلمات مؤلفة من حروف تردد، ولكن مع مضامين.
لما أرسل خليفة المسلمين هارون الرشيد رسالة قال لنقفور الروم: من هارون الرشيد إلى كلب الروم، ما الذي حصل؟ إنه حاربهم، وانتصر عليهم، وانتزع منهم الجزية، قلّدها إنسان آخر لم تنجح القضية، ليست باللفظ، بل بالعمل.
تعمق في معنى هذه الكلمة :
فنحن في الدرس الماضي بدأنا بالحديث عن شروط هذه الكلمة: كلمة لا إله إلا الله.
لو تعمقنا في معناها لحوصرنا, تنافق من أجل ماذا؟ من أجل أن تنال عند هذا القوي مكانةً، العز عند الله، الله عز وجل هو الذي يعز، فإن العزة لله جميعاً، لو أيقنت أن الله وحده يعز ووحده يذل, لما نافقت مع هذا الإنسان، لو آمنت أن الله وحده يرزق ووحده يقدر, لما كسبت رزقك بالحرام.
ما سبب وجود هذه الأمراض بين المسلمين اليوم؟ :
لو أردت أن تحلل كل ما يفعله المسلمون من انحرافات عن منهج الله, وجدت أنها بسبب ضعف توحيدهم، وبسبب ضعف إيمانهم بلا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا معبود بحقٍ إلا الله، ليس في الكون جهةٌ تستحق أن تعبد إلا الجهة التي تتصرف وحدها، وتعطي وحدها، وتمنع وحدها، وترفع وحدها، وتخفض وحدها.
أكاد أقول: إن معظم أمراض المسلمين من ضعف توحيدهم، إن معظم معاصي المسلمين من ضعف توحيدهم، إن معظم انحرافات المسلمين من ضعف توحيدهم، إن معظم المخاوف التي تأكل قلوب المسلمين من ضعف توحيدهم.
هذه كلمة التوحيد الأولى لا إله إلا الله، والله يمكن أن تتكلم عن هذه الكلمة سنوات، الإله الذي يمنح الحياة هو الله، والذي ينهي الحياة هو الله، التغى الجبن، التغى الخوف، الذي يمنحك الحياة هو الله وحده، والذي يأخذها منك هو الله وحده، من هنا تأتي الشجاعة، الذي يرزقك هو الله وحده، والذي يقتر عليك الرزق هو الله وحده، من هنا تأتي الاستقامة في كسب المال، الذي يعزك هو الله وحده، من هنا يلغى الرياء، ما في داع أن أمدح نفسي، ولا أن أنتزع إعجاب الناس، ولا أن أمضي الساعات الطويلة في الحديث عن نفسي، وعن مكانتي, وعن إمكاناتي، وعن إنفاقي, وعن مالي، حتى أكون في مكان مرموق في نظر الناس، تكاد تكون معظم أمراضنا بسبب ضعف التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، تكاد تكون معظم آلامنا بسبب ضعف التوحيد.
ما مطلب هذا الدليل من القرآن؟ :
الدليل:
﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾
أخواننا الكرام, الشهوة إله، وسمعتك التي تحرص عليها إله، قد تعصي الله فيما بينك وبينه، وتتألم أشد الألم إذا علم الناس بهذه المعصية، معنى ذلك: أنك تعبد سمعتك من دون الله، الحديث عن لا إله إلا الله لا ينتهي، لكن الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تطيعها، وأن تحبها، وأن تخلص لها، وأن تتوكل عليها، وأن تقبل عليها، وأن تسلم إليها مصيرك، هي الله عز وجل، هي الجهة الوحيدة، الجهة الصانعة.
هذا ما قاله علماء النفس :
أيها الأخوة, سمعت من بعض علماء النفس: أن أشد الناس ذكاءً، بل إن العباقرة من الناس, لم يستخدموا من طاقاتهم العقلية إلا النذر اليسير، أودع الله فيك إمكانات شيء لا يصدق، إمكانات كبيرة جداً، لكن الناس يعيشون على هامش الحياة، لو سألت ألف إنسان ما هدفك؟ يعيش بحكم أنه حي, والتعبير العامي عم ندفش، لماذا أنت في الحياة؟ ما هدفك؟ أهدافه غير واضحة، يسوقه التيار العام، تسوقه ما يفعله الناس في الخط العريض، أما أنه هدفه واضح, وسائل الهدف واضحة عنده، وقته ثمين جداً, يراقب نفسه, يحكم نفسه، ولا تحكمه، هذا إنسان يكاد يكون قليلاً.
من شروط لا اله إلا الله :
1-أن تكون صادقاً في قولها وفي العمل بها :
من شروط لا إله إلا الله: أن تكون صادقاً في قولها، وفي العمل بها، لأن هناك كلامًا لا معنى له.
قد تسأل ملحدًا: كيف صحتك؟ يقول لك: الحمد لله، هذا الملحد ينكر وجود الله، فكيف يحمد الله عز وجل؟! هذا الكلام ليس له معنى، هذا مثل كثيرٍ من الكلام يقوله الناس لا معنى له إطلاقاً، وأحياناً هذه الكلمة العظيمة التي هي كلمة الإسلام الأولى, قد يرددها الناس دون أن يفقهوا معناها، لا إله إلا الله ينبغي أن تكون صادقاً في قولها، وصادقاً في العمل بها، لو أجبرك قوي على معصية, وتقول أنت: لا إله إلا الله, صادقاً في قولها, لا يمكن أن تقبل، ولو كان التهديد في حياتك.
سيدنا بلال كان يقول: أحدٌ أحد، لو قلت: لا إله إلا الله صادقاً في قولها, لا يمكن أن تطيع مخلوقاً وتعصي خالقاً، لو قلت: لا إله إلا الله صادقاً بها, لا يمكن أن تبتغي وسيلة غير شرعية إلى هدف مشروع، أما ما يقوله الناس: إن الغايات تبرر الوسائل، هذا كلام شيطاني، هذه في الحقيقة كلمات كثيرة جداً, جاءتنا من جهات تعادي الدين، نحن أخذناها دون أن نفهمها.
دع ما لقيصر لقيصر، وما لله للهِ، الدين لله، والوطن للجميع، يعني أن الدين علاقة شخصية فقط، لكن الدين لا ينبغي أن يأخذ به في نظم الحياة، يمكن أن يكون أي تشريع أرضي نابع من مصلحة فئةٍ معينة، أما الحياة فينبغي أن ينظمها الدين، ما هدف الجهاد؟ أن يكون الدين لله، ليخضع الناس لله في تشريعاتهم.
أيها الأخوة, الصدق أن تكون صادقاً في قولها, وأن تعتقد بها اعتقاداً جازماً، أن تعمل بها, يؤكد صدقك في قولها, أنك تعمل بها.
ما وراء هذا المثل :
أنا ذكرت هذا المثل مرات عديدة: لو أنك ذهبت إلى طبيب، وكنت ذكيا لبقاً اجتماعياً ، وعالجك، ووصف لك وصفة، وأنت فيما بينك وبين نفسك, تعتد بعلم هذا الطبيب، فصافحته ، وأثنيت عليه، وشكرته بحرارة، ودفعت له الأجر، وأخذت الوصفة، لكنك لم تشتر الدواء، ولم تعبأ بتوجيهاته، إنك تكذبه مع كل الاحترام والتبجيل الذي قدمته له، هذا التكذيب اسمه التكذيب العملي، مع كل الوقار والتبجيل الذي منحته لهذا الطبيب, لأنك لم تفكر أن تشتري الدواء الذي وصفه لك, فأنت تكذبه تكذيباً عملياً.
أنا أقول لكم أيها الأخوة: التكذيب اللفظي قلّما نجده في العالم الإسلامي، لا تجد إنساناً مسلماً يقول لك: ليس هناك آخرة، لكن لأن عمله لا يتناسب مع الآخرة إطلاقاً، لأن كسبه للمال لا يتناسب مع يوم الحساب، لأنه اختيار عمل في أصله لا يرضي الله, لا يتناسب مع الآخرة، لأن طريقة سلوكه لا تؤكد أنه يخاف الله عز وجل، فالكلام ليس له قيمة أبداً، ونحن في عصر ذهبي للكلام المنمق؛ كلمات رنانة، مشاعر طيبة، مشاعر الأسى والحزن في المناسبات الحزينة.
قصة :
توفيت قريبة أحد الأشخاص، وهي بخيلة جداً، وهو وريثها الوحيد، وتركت الملايين المملينة، طبعاً بحسب التقاليد: لبس الأسود، وأطل لحيته، وبدا وكأنه حزين، فجاء صديقه في أثناء التعزية, وقال له: تهانينا، هذه كلمة صدق، رقص قلبه بموتها، لكن هناك كلام، وهناك شكل، وهناك سلوك, ينبغي أن يأخذ به, لئلا يتهم أنه شامت بموت قريبته.
فيا أيها الأخوة, أن تقولها صادقاً بها، يؤكد صدق هذه الكلمة؛ كسبك للمال, إنفاقك للمال، بيتك, بناتك, زوجتك، علاقاتك, مناسبات أفراحك، مناسبات أحزانك لا سمح الله.
متى تكشف حقيقة الإنسان؟ :
أيها الأخوة, مسموح لك أن تقول ما شئت، لكن الله متكفل أن يحجمك، بدليل قوله تعالى:
﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾
فقضية أن تقول ما تشاء, قل ما شئت، لكن الله متكفل أن يحجم هذا الإنسان، أن يضعه بظرف يكشفه تماماً، أحياناً الإنسان يترفع عن أكل المال الحرام، يترفع عن مئة ليرة، ألف, خمسة آلاف، عشرة آلاف، عرض عليه مبلغ مليون، يقول: عندي أولاد، غير النغمة، عندي أولاد، هذه بلوى عامة، وهذا ماله حرام لا بد أن نأخذه منه، اختلف الوضع كله، مقاومته هشة.
الله عز وجل قال:
﴿وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾
مهما ادعيت أنك أنت بأعلى درجة، الله عز وجل يضع الإنسان بظرف، الظرف عجيب الظرف, يكشف حقيقة الإنسان.
عملية فرز :
حدثني أخ من مصر, حينما وقع زلزال في القاهرة، الأطباء من دون زلزال مخلصون متفانون في خدمة المواطنين، ويعملون ليلاً ونهاراً، لما حدث الزلزال, عدد كبير منهم هرب إلى الإسكندرية، وعدد قليل بقي في المستشفيات, يعمل ليلاً ونهاراً لخدمة المصابين، ما الذي كشفهم؟ الزلزال، من الذي فرزهم؟ الزلزال، من الذي بين صالحهم من طالحهم؟ الزلزال، لذلك الله عز وجل قال:
﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾
عملية فرز، قال تعالى:
﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾
وقال تعالى:
﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾
ما الشاهد في هذا الحديث؟ :
النبي عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري, عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ, أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُعاذٌ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ, قَالَ:
((يَا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ, قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ, قَالَ: يَا مُعَاذُ, قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ, ثَلَاثًا, قَالَ: مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ, وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ, إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ, قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَفَلَا أُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ فَيَسْتَبْشِرُوا؟ قَالَ: إِذًا يَتَّكِلُوا, وَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذٌ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا))
يشهد صادقاً من قلبه إلا حرّم الله عليه النار.
من صفات الإيمان بلا إله إلا الله :
الآن: من صفات الإيمان بلا إله إلا الله: أن تقبل كل ما جاءك عن الله، الله عز وجل يقول:
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونََ﴾
هؤلاء الذين يستحقون العذاب، الناس لا يقبلون تفسيراً للأحداث توحيدياً، يميلون إلى قبول التفسير الشركي الأرضي، نحن أمةٌ من أعلى مستوى, لكن يوجد مؤامرة كبيرة علينا، ماسونية, وصهيونية, واستعمار, وبوش, وشارون، ونحن لم نفعل أي شيء أبداً، التفسير التوحيدي الذي يضعك عند مسؤوليتك، والذي يجعل الكرة في ملعبك، والذي يدفعك أن تغير من سلوكك مرفوض، والتفسير الشركي مقبول، الإنسان يهرب من المسؤولية، يهرب من أن يكون هو المسؤول.
لو أن أباً قصر في تربية ابنه، وابنه فسد، أسأله فيقول: الزمن صعب، المدرسة فاسدة ، والطريق فاسد، والكتاب فاسد، والمناهج فاسدة، والشاشة فاسدة، والإنترنت، وأنت أين كنت ؟ يميل الأب المقصر أن يتهم كل الأطراف الأخرى عدا نفسه، هو غير مسؤول، إذًا: أن تقبَل عن الله عز وجل كل ما جاءك في كتاب الله:
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونََ﴾
هذه حقيقة الاستكبار على الله :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمِّهِ: قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ, أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ, قَالَ: لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ, يَقُولُونَ: إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْجَزَعُ, لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ))
إنسان يأبى أن يأتي إلى مجلس علم، أكبر من هذا بكثير, مع أنه طالب العلم، والذي يعلمه في الأجر سواء.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا, سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ))
الترحيب بطالب العلم لا نهاية له في الدين، لك عند الله مكانة كبيرة, حينما تجلس في مجلس علم، لكن هناك من يستكبر، هو أكبر من أن يكون طالب علم، من هذا الذي يدرس هو أفهم منه.
المتكبر محجوب عن الله، مبغوض من قبل الخلق :
أخواننا الكرام, كنت أقول لكم: شخص جاءه ضيوف فجأةً، عشرون شخصاً، وليس عنده شيء، عنده كيلو لبن، وضع خمسة أمثاله ماء، ووضع بعض الملح والثلج، وقدم شراب عيران، هذا الكيلو من اللبن قبِل خمسة كيلو من الماء، وصار شراباً طيباً، لو وضعت في اللبن نقطة بترول لم يشرب، الكبر يفسد العمل، المتكبر محجوب عن الله، مبغوض من الخلق, قال تعالى:
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونََ﴾
انظر إلى هذا القول لأحد العلماء :
يقول أحد العلماء: والله لأن أكون ذنباً في الحق أفضل من أن أكون رأساً في الباطل.
وربّ أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب, لو أقسم على الله لأبره.
الله له مقاييس رائعة جداً، الله عز وجل ينظر إلى قلوبنا، قد يأتي إنسان طالب علم, منيب إلى الله، مستقيم على أمره, خائفٌ منه، يكون أفضل من ألف ألف إنسان له سمعة وشهرة كبيرة.
من علامة الولاء والبراء :
الآن: الحب المماثل للبغض، يجب أن تحب الله، يجب أن تحب المؤمنين، يجب أن تحب أمتك الإسلامية على ما فيها من خلل، في إنسان يعتز بالكفر، يمدحهم, يثني على تخطيطهم، يثني على قوتهم، يثني على بطشهم، على ثرواتهم، ويقول: هذه أمة متخلفة، كل إنسان واقعي، في تقصير كبير.
يا سلمان, لا تبغضني فتفارق دينك، سيدنا سلمان قال: يا رسول الله! كيف نبغضك وبك هدانا الله؟ قال: يا سلمان, تبغض العرب فتبغضني.
أي هذه الأمة التي شرفها الله بهذا الدين, الآن مقصرة، الآن كبى جوادها، الآن في محنة، لكن ينبغي ألا تتخلى عنها.
إذا واحد له أب, أحسن تربيته, قدم له روحه, وجعله إنسان مرموق، والأب ليس متعلماً، ممكن أن يقول الابن: هذا أبي متخلف لا يطاق، حديثه صعب وممل، يعيد القصة مئة مرة، ولكن لولاه لكنت أنت من الأشخاص السيئين، لما ينسى الإنسان أصله، وينسى منشأه، وينسى أمته، ويلتصق بالأجانب، بأعداء الله، ويكونوا أذكياء أكثر، وعندهم نظام، وعندهم تفوق، وعندهم شيء جميل، المؤمن انتماؤه للمؤمنين، لا أقول: نحن في الأوج، لا, عندنا مشاكل لا تعد ولا تحصى، لكن من علامة إيمانك: أنك تلتصق بأمتك، أصلحها، أرشدها، خذ بيدها، ساهم في حل مشكلتها، خفف عنها الأعباء، أحمل همومها، ابتعد عنها، انسلخ منها، أراقبها عن بعد، أحتقرها، أمجد أعداءها، أنا مسلم، ينبغي أن تحب الله ورسوله، وأن تحب المؤمنين، الأبلغ من ذلك: ينبغي أن تحب المؤمن، ولو نالك منه أذى، وينبغي أن تبغض الكافر، ولو نالك منه خير.
لذلك ورد في بعض الأدعية: أن يا رب لا تجعل لي خيراً على يد كافر.
لعلك تحبه, ولعلك تمجده، ولعلك تثني عليه دون أن تشعر.
وبالمناسبة: إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق.
إنسان لا يصلي، ماله حرام، لبق، ذكي، معه شهادة عليا، أين بقيت الصلاة, وماله الحرام، وكذبه، ونفاقه؟ إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق، فكيف إذا مدح الكافر؟ لكن الحمد لله, أعانونا على أن نكفر بهم، رأينا قيمهم في العراق، رأينا حريتهم، وديمقراطيتهم، وعدالتهم، ورحمتهم بالحيوان، أما الإنسان فلا يرحمونه.
ما الفرق بين حلاوة الإيمان وبين حقائق الإيمان؟ :
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ؛ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا, وَمَنْ أَحَبَّ عَبْدًا لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, وَمَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ, كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ))
لذلك هناك حقائق الإيمان، وهناك حلاوة الإيمان، حقائق الإيمان: المعلومات التي بين أيدي المسلمين، لكن حلاوة الإيمان: هذه السفينة التي يلقيها الله في قلب المؤمن، يعني أنه بصراحة إن لم تقل: أنا أسعد الناس, فهناك ضعف في إيمانك.
مرتً زرت أخًا, توفي رحمه الله، كان بالحج، فزرته، قال كلمة رائعة، قال لي: والله ليس في الأرض من هو أسعد مني, إلا أن يكون أتقى مني، وصل إلى شيء ثمين.
2-الانقياد التام لله عز وجل :
الآن من شروط لا إله إلا الله: الانقياد التام لله عز وجل:
﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾
أنيبوا إلى ربكم، أي قضية في الدين خاضعة للمناقشة عند الإنسان.
مؤتمر عقد في لوس أنجلوس :
مرة كنت في مؤتمر, عقد في لوس أنجلوس، قام أحد الخطباء فقال: هنا في هذه البلاد, ليس هناك شيء مقدس، وليس هناك شيء غير قابلٍ للبحث، كل شيء يبحث، وكل شيء يُكشف خطؤه وصوابه، وقد يرفض، لا يوجد مسلَّمات.
مرة اضطر أولو الأمر في بلاد الحجاز, أن يستخدموا فريقًا خبيرًا في السير، لعُقَد السير المستعصية في مِنى, وفي عرفات، فالفريق أجنبي، لحل أزمة السير في مشاعر الحج، فالخبراء درسوا، وأخذوا إحصاءات، وراقبوا عن كثب، وصوروا، ودرسوا، واجتمعوا، وقرروا، وقدموا تقريرًا، فكان التقرير أن يكون الحج على خمس دورات في العام، كل شهرين حج، هم في واد، والمناسك في واد، فالمؤمن يستسلم لله، يقبل هذه الشريعة.
من الأخبار :
يأتي إنسان متفلسف يقول: قطع اليد همجية.
مرة سمعت برنامجاً إخبارياً من إذاعة بعيدة جداً، والله الذي سمعته لا يصدق، إنهم مدهشون أن إنساناً فرضاً يحمل مليون ريال في كيس، ويمشي في الطريق، سابقاً طبعاً إنسان يقود شاحنة فيها رواتب محافظة, تبعد ألفي كيلو متر عن مركز العاصمة، وهو آمن، قطارات مصفحة مع مرافقة مسلحة، وتسرق، الشيء الذي يرونه لا يصدقونه.
أنا سمعت أخبارًا, قبل هذه الأيام, قبل عشرين عاماً، صراف العملة كل ماله في صندوق مكشوف، يؤذن المؤذن, فيذهب إلى الصلاة، يضع قماشًا فوق العملة، في أي مكان في العالم توجد هذه؟.
الإمام الشافعي سئل:
يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت بربع دينار؟
وديت؛ أي ديتها خمسمئة دينار ذهبي.
فأجاب الإمام الشافعي:
عز الأمانة أغلاها وأرخصها ذل الخيانة فافهم حكمة الباري
لما كانت أمينة كانت سليمة، فلما خانت هانت، يعني تقطع في ربع دينار، إذا قطعت خطأً, ديتها خمسمئة دينار عسجدا، أي بحدود خمسة ملايين، دية يد قطعت خطاً بحادث، أما إذا سرقت ثلاثة دراهم تقطع.
عز الأمانة أغلاها وأرخصها ذل الخيانة فافهم حكمة الباري
3- أن تكفر بالطواغيت :
أخواننا الكرام, آخر شرط من شروط لا إله إلا الله: أن تكفر بالطواغيت, من هوي الكفرة حشر معهم، ولا ينفعه عمله شيئاً، أنت قلبك ممتلئ تعظيماً لله ولرسوله وللصادقين من المؤمنين، تعظيماً لهذا القرآن لهذا المنهج، لو شققت عن صدر واحد من ضعاف المؤمنين, لوجدته مُلِئَ تعظيماً بالشركة الفلانية، سوني، ما هذه الشركة؟ بالسيارات الماركة المعينة، يعظم صنعة الإنسان، ولا يعظم صنعة الواحد الديان، هناك إتقان بالصنعة عال جداً، لكن الله عز وجل قال:
﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾
فينبغي أن يملأ قلبك خلق الله عز وجل, آياته الدالة على عظمته، الشمس والقمر، والليل والنهار، هذا الطعام الذي تأكله كل يوم: من صنعه؟ من صممه؟.
سمعت عن البطيخ, أن سبعة وتسعين بالمئة منه ماء، وثلاثة بالمئة مواد أخرى، كيف جمد هذا الماء؟ وله قشرة صلبة, وشكل بيضوي، وينتقل عبر مئات الكيلو مترات بشاحنة كبيرة، وكله فوق بعضه بعضاً، وينضج خلال تسعين يوماً، ليغطي فصل الصيف، تصميم من هذا؟ الله عز وجل، المؤمن يتفكر بآيات الله, يقول الله عز وجل:
﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾
أي يبدو أنه مستحيل أن تؤمن بالله قبل أن تكفر بالطاغوت، لا يجتمع إيمان بالله وإيمان بالطواغيت، فلذلك المؤمن الصادق يكفر بالطاغوت، الطواغيت كل من دعاك إلى معصية، كل من دعاك إلى الدنيا، صغراء عنده, لا يعظمهم, لا يعبأ بهم، ولا يخشى بطشهم، ولا يطمع في ما عندهم.
أمر الحجاج بقتل أحد التابعين، قال له: والله لو علمت أنك تستطيع أن تميتني, لما عبدت غيرك، لكنك لا تستطيع، هذا المؤمن يعتز بالله عز وجل.
أيها الأخوة, في صحيح مسلم: عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ:
((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ, وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ, حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ))
خاتمة القول :
انتهتْ في هذا الدرس الثاني شروط لا إله إلا الله، وهي بين أيديكم، فأرجو الله سبحانه وتعالى أن ننتفع بها، وأن نكون في المستوى الذي أن ينبغي نفعله, كي ننجو من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.