- محاضرات خارجية
- /
- ٠23ندوات مختلفة - الأردن
مقدمة :
المذيع :
أيها الأخوة الأفاضل ؛ تستمعون إلى دعاء طيب ، من قلب رقيق طيب ، يرقق القلوب إلى مواقف الرحمة في عرفات ، مع فضيلة شيخنا الشيخ محمد راتب النابلسي ، فليتفضل مشكوراً ، غير مأمور ، تفضلوا سيدي .
الدعاء هو العبادة :
الدكتور محمد راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .
ورد أيها الأخوة الكرام الأحباب ؛ الدعاء هو العبادة ، وفي رواية أخرى .
(( الدُّعاءُ مُخُّ العبادةِ ))
لماذا ؟ أي مؤمن يدعو الله ، هناك مسلمات خلال هذا الدعاء ، مؤمن بوجوده ، ومؤمن بأنه يسمعه ، وإذا دعا بقلبه مؤمن ويعلم ما قال ، ومؤمن أنه قادر على أن يفعل ما يدعوه هذا المؤمن .
شيء آخر : وهو يحب أن يعطي هذا المؤمن ، موجود ، يسمع ، يعلم ، قادر ، محب ، لذلك الدعاء هو العبادة .
(( الدُّعاءُ مُخُّ العبادةِ ))
والدعاء ؛ هذا الإنسان الطارئ ، الحادث ، الضعيف ، الذي يميل إلى الشهوات يتصل برب الأرض والسماوات ، يتصل بالذات الكاملة ، يتصل بالإله العظيم ، يتصل بأصل الجمال ، والكمال ، والنوال ، يتصل بصاحب الأسماء الحسنى ، وكل إنسان يتصل بالله عز وجل يشتق منه الكمال ، يشتق منه الرحمة ، اللطف ، الحكمة ، الفهم ، التواضع ، أي صفات المؤمن لا تعد ولا تحصى ، هي في أصلها اشتقاق من أسماء الله الحسنى ، وصفاته العلا ، فالمؤمن أدبه ربه .
النبي عليه الصلاة والسلام كان قمة في الأدب ، فلما سُئل : يا رسول الله ما هذا الأدب ؟ فقال : أدبني ربي فأحسن تأديبي .
الخلق العظيم من صفات النبي الأساسية :
الحقيقة أن أكثر شيء يلفت النظر بالمؤمن أخلاقه ، النبي الكريم أوتي آلاف الخصائص التي يتميز بها ، لكن الله لما مدحه قال :
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
الخلق العظيم من صفات النبي الأساسية ، فالإنسان بموسم العبادات ، برمضان ، بأيام الحج ، بعرفات ، بالعشر الأوائل من هذا الشهر مواسم طيبة ، والإنسان أساساً مكلف أن يعبد الله كل حياته ، لكن الله عمل مناسبات استثنائية ، فيها لفتة لطيفة ، رمضان شهر، والعشر من ذي الحجة شهر ، والمواسم شهر ، وليلة القدر موسم ، هذه المواسم مناسبات لتكون فيها الصلة بمستوى أعلى ، والإقبال بمستوى أدق ، والتوكل بمستوى متميز ، فأنت مع الله ، مع صاحب الجمال ، والكمال ، والنوال ، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ من يجرؤ أن ينال منك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا ربي ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ لذلك الدعاء عبادة .
(( الدُّعاءُ مُخُّ العبادةِ ))
والله عز وجل يحب من عبده أن يسأله شسع نعله إذا انقطع ، يحب من عبده أن يسأله حاجته كلها .
الدعاء أكبر مناسبة للتواصل مع الله :
الحقيقة أن أكبر مناسبة للتواصل مع الله هو الدعاء ، جعلنا مفتقرين ، جعلنا ضعافاً ، نفتقر بضعفنا فنسعد بافتقارنا ، لو جعلنا أقوياء لاستغنينا بقوتنا فشقينا باستغنائنا ، فهذا الضعف بالإنسان وسام شرف له ، الضعف هو بحاجة إلى إله عظيم ، يركن إليه ، يتوكل عليه ، يقبل عليه ، يشتق منه الكمال والحكمة .
الحقيقة أن الدعاء شيء واسع جداً ، الله يحب الملحين بالدعاء .
(( الدُّعاءُ مُخُّ العبادةِ ))
فالإنسان كلما التجأ إلى الله أي معه خط ساخن ، لكن لابد من تنويه : الإنسان إذا كان هناك مخالفات ومعاص لا سمح الله ولا قدر ، هذه المخالفات تحجبه عن الله ، وأنا أقول كلمة لعلها للصحوة فقط : أكبر عقاب يعاقب به المؤمن المقصر أن يحجب عن الله .
﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾
لأن الاستقامة ، والانضباط بدخلك الحلال ، والإنفاق الحلال ، والعلاقات الاجتماعية، واختيار حرفتك ، مادام هناك انضباط ، وهذا الانضباط يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، عندما تنضبط بمنهج الله ، عندنا عبادات شعائرية ، كالصلاة ، والصيام ، والحج ، والزكاة ، وعندنا عبادات تعاملية كالصدق ، والأمانة ، والإحسان ، إلى آخره..
عندما يكون هناك انضباط ، وأداء الشعائر أداء متقناً ، وانضباط بمنهج الله التفصيلي دون أن تشعر ينشأ لك مع الله خط ساخن ، هذا الخط الساخن تستطيع أن تناجيه بالليل ، أن تسأله ، أن تستعيذ به ، أن تقبل عليه ، إن الله يحب من عبده أن يسأله حاجته كلها ، من لا يدعني أغضب عليه ، يحب أن يعطينا ، خلقنا ليرحمنا ، والدليل :
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
خلقهم ليرحمهم .
على الإنسان أن يجعل الدعاء سلوكاً يومياً :
أنا أتمنى أن يكون الدعاء سلوكاً يومياً ، صباحاً ، مساءً ، دخلت إلى البيت ، خرجت من البيت ، جاءك شيء إيجابي ، تدعو الله شاكراً ، هناك قلق من مصيبة تدعوه مستعيذاً به ، أي أكبر علاقة مع الله هي الدعاء ، وما جعلنا ضعافاً إلا لنفتقر بضعفنا ، فإذا افتقرنا بضعفنا سعدنا بافتقارنا إلى الله ، أما لو كنا أقوياء لاستغنينا بقوتنا عن الله فشقينا باستغنائنا .
فهذا الدعاء أصل العبادة ، والله يوجد أدعية ، لو أننا نحن نتابع أمور الدعاء كالأدعية النبوية ، خرج من البيت ، دخل للبيت ، دخل لمعمل ، دخل لزائر ، أصيب بوعكة صحية ، كل حالة لها دعاء ، والدعاء أي فتحت خطاً مع الله ، خط ساخن مع الله .
أرجو الله سبحانه وتعالى أن يحفظ إيمان المستمعين جميعاً ، ويحفظ أهلهم ، ويحفظ أولادهم ، ويحفظ بناتهم ، ويحفظ صحتهم ، وآخر دعوة أهم واحدة واستقرار بلادهم التي يعيشون فيها .
وبارك الله بكم ، ونفع بكم ، وأعلى قدركم .