- الفقه الإسلامي / ٠5العبادات الشعائرية
- /
- ٠4الزكاة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلماً، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه، وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
مصارف الزكاة :
1 ـ ابن السبيل :
أيها الأخوة الأكارم، لازلنا في مصارف الزكاة، أي الوجوه التي حدَّدها ربنا سبحانه وتعالى في صرْف الزكاة، وصلنا إلى المصرف السابع وهو في سبيل الله.
الحقيقة، هذا المصرف واسِعٌ جدُّاً في سبيل الله أي الطريق الموصل إليه، ومعنى إلى الله تعالى أيْ إلى مرضاته من العلم والعمل، فهو سبحانه لا يرضى عنك إلا إذا كنتَ عالمًا، ولا يرضى إلا إذا عملتَ بما تعمل، وما اتَّخذ الله وليًّاً جاهلاً، ولو اتَّخَذهُ لعلَّمَهُ، ولو تعمَّقتَ في أسرار الحياة لوَجَدت أنّأ أثمنَ شيءٍ في الكون أن تنال مرضاة الله عز وجل، فقد تُرضي إنسانًا له شأنٌ في الدنيا، وقد يرضى عنك إنسان له منصِبُهُ فلا يسعُكَ عقلك، فكيف لو أنَّ الله سبحانه وتعالى رضِيَ عنك؟ وكيف أنّ الذي خلق السموات والأرض رضي عنك؟ وكيف لو أنَّ الذي لا شيء قبله ولا شيء بعده رضي عنك؟ قال تعالى:
﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾
لا حدود لقدرته، ولا حدود لغِناه، ولا حدود لرحمته ورأفته، هذه الذات الكاملة ما أعظمها وما أصغرك، إنَّكَ تنال رضا الله عز وجل.
العلم والعمل الصالح يقربان الإنسان من الله عز وجل :
لذلك قد أقرأ في الكتب: فلان يحمل الشهادة الفلانيّة دكتوراه، وبورد، وقد أقرأ اسم صحابيّ كُتبَ بِجانبه رضي الله عنه، لو تعمَّقْت لوَجَدْت أنَّ أعلى رتبة ينالها الإنسان على وجه الأرض أن يرضى الله عنك، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام وهو في أشدّ مِحنةٍ واجهها، لما ذهب إلى الطائف، وحينما ردَّهُ أهلها وسَخِروا منه، وأبَوا أن يستجيبوا له، وبالغوا في إيذائه الْتَفَتَ إلى الله تعالى وقال: إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أُبالي، ولك العتبى حتى ترضى، لكنَّ عافيتك أوسع لي، فليس لك سبيل إلى أن تصل إليه، ولكن سبيلك إلى أن تصِلَ إلى مرضاته مِن العلم والعمل، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: "لا بوركَ لي في يوم لم أزْدد فيه من الله علماً"، العلم والعمل الصالح يُقرِّبانك، قال تعالى:
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾
وقال تعالى:
﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ﴾
ما منَّا واحد إلا وله مقامٌ معلوم، هذه المرتبة تُحصِّلها بِعِلمك وعملك، ولا تنس أيها الأخ الكريم أنَّ رتبة العِلْم أعلى الرُّتَب، والله الذي لا إله إلا هو شَعَرتُ قبل يومين أنَّ ليس في الأرض شيئاً؛ لا مالها، ولا جاهها، ولا سلطانها، ولا زينتها، ولا قصورها، ولا ما فيها من مباهج يعْدِلُ أن تكون عالمًا بالله تعالى، فرُتْبة العلم بالله تعالى أعلى الرُّتَب، فسبيل الله هو الطريق الموصِلُ إلى مرضاته من العلم والعمل، وجمهور العلماء قالوا على أنَّ المراد به هنا الغزو في سبيل الله، فلماذا تجدون مسلمين في بقاع الأرض مستضعفين؟! لأنَّ هذه الفريضة تركوها، ولمَّا تركوها قَوِيَ أعداؤُهم، وحملوهم على الكفر، وترك دينهم، وشرَّدوهم، فأخبار المسلمين في بعض الدول شيء يتفطَّر له القلب، بِسبب أنَّ هذا المصرف من مصارف الزكاة قد عُطِّل، وأنَّ سهم سبيل الله يعطى للمتطوِّعين من الغزاة الذين ليس لهم مرتَّب من الدَّولة، فهذا يُغطِّي نفقات الدَّعوة إلى الله تعالى، فالدَّعوة إلى الله تعالى قد تأخذ شكلاً بيانيًّاً، فطبعُ الكتب الثمينة وتوزيعها، وإنشاء الجامعات الإسلاميّة، وإرسال دعاة إلى هذه البلاد الجاهلة التي سيْطَر عليها الاستعمار، وإنشاء المراكز الإسلاميّة؛ هذا كلّه في سبيل الله تعالى، ويوم كان النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام يفتحون البلاد عن طريق الجيوش أيضًا في سبيل الله، فالقصْد أن توصِلَ الحق لأهله، وأن تنشر الدِّين.
هؤلاء لهم سهم من الزكاة يُعْطَونَهُ، سواءٌ كانوا من الأغنياء أو الفقراء فهذا الذي ينشر الإسلام له أجره، وهذا الأجر يستحقّه، سواءٌ أكان غنيًّا أم فقيرًا، وقد تقدَّم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
(( لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا لِخَمْسَةٍ لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا أَوْ لِغَارِمٍ أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ أَوْ لِرَجُلٍ كَانَ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتُصُدِّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَاهَا الْمِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ ))
منهم الغازي في سبيل الله.
عدم جواز صرف أموال الزكاة ليحج بها بعض المسلمين :
ولكنَّ الحجّ بهذه المناسبة ليس في سبيل الله فإياكم أن تسيئوا فهم هذه العبارة، أي لا يجوز صرف أموال الزكاة لِيَحُجَّ بها بعض المسلمين، لأنَّ الحجّ فريضة على المستطيع، وغير المستطيع لا حجّ عليه، فلو دُفِعَ لهذا الفقير مبلغ من المال لِيَحُجَّ به فهذا ليس في سبيل الله تعالى.
حدَّثني أخٌ أنَّ رجلاً ميسورًا أقسَمَ لي أنَّه ما ذهب إليه أحد طالبًا مبلغًا من المال، أي لأسرة فقيرة، أو عمليَّة جراحيّة، أو ترميم مسجد، أو تفقّد أسرة على وشك الانهيار، إلا وقال لي: خُذْ المبلغ الذي تريده، ولكن قلْ لي: أَأُسَجِّله من الزكاة أم من الصَّدَقة؟! فَبِناء المسجد مثلاً يكون بأموال الصَّدقات، ولكن قال العلماء: يجوز أن يُبنى المسجد بأموال الزكاة في حالات نادرة؛ ما هي هذه الحالات؟ لو أنَّ بلدةً ليس فيها مسجدٌ والصلاة معطَّلة، وصلاة الجمعة معطَّلة في هذه البلدة لا بدَّ من أن يُنشأ فيها مسجدٌ ولو كانت نفقاته من أموال الزكاة، فأحيانًا تُلقى خطبة فيهْتزُّ لها السامعون فلعلَّ بعضهم يتوب، ويُقْلع عن هذا الذَّنب، ويندفع إلى العمل الصالح، فلا بدّ من عمل صالح.
قلتُ لأحدهم قبل يومين: الإنسان كالبطاريَّة، تحتاج من حينٍ لآخر إلى شَحن فإذا كان الشَّحن منظَّماً في كلّ أسبوع، هذا يكون دائمًا بِحالة جيِّدة، أما إذا كان الشَّحن متقِّطعاً أو غير منتظم أو منعدماً يكون الإنسان بحاجة ماسّة إلى شحنات، فإذا ترك الإنسان الجمعة ثلاث مرات من غير عذر نكَتَتْ نكتة سوداء في قلبه، ثمّ يكون الران، فالمؤمن متميِّز، قال أحدهم: كثير من المشايخ لا يرضون الناس، وهذا الشخص طبيب ومعه بورد، فقلتُ له: كم سنة درسْت حتى أخذت هذه الشهادة؟ فقال: سنوات وسنوات، ومظهرك لباس أبيض وواضِع نظارات، فلو جاء أُمِّيٌ وتشبَّه بك، هل يصبحُ طبيبًا؟! الطبّ عِلْم، وكذا المَشْيَخة ليست زيّاً ولكن عِلم وعمل، فالشيخ لا بدّ أن يكون له قلب يسَع الناس، ويحتمل الأذى، ويعطف عليهم، وقلب لا يسأل لنفسه أبدًا، فالدعوة إلى الله علم وقلب، فالعلم وحده لا يكفي، فقد يغترّ الإنسان بعلمه، ويستغني عن الله تعالى والحديث الشريف يقول: "خفت عليكم ما هو أكبر من الذنب العجب" لذا أحد العارفين يقول: "ربّ معصيّة أوْرثت ذلاً وافتقارًا خير من طاعة أورثت عِزًّاً واستكبارًا"، ففي سبيل الله إذًا أيْ في سبيل الوصول إلى الله عز وجل.
أهم ما ينفق في سبيل الله :
في بعض التفاسير: يزيد الصرف من هذا السَّهم على تأمين طرق الحجّ لا يجوز أن تُدْفعَ الزكاة لِفقير يحجّ بهذا المال، ولكن تأمين طرق الحجّ واستراحات على الطريق، وحِراسة على الحجاج، وتأمين المياه على الطريق، وأسباب الأمن للحجاج، فإنشاء المستوصفات على طرق الحج هو في سبيل الله، وإرسال بعثة تُرافق الحجاج، وتقوم بِخِدمات حقيقيَّة من معالجة وإسعاف هو في سبيل الله، وأماكن الاستراحة هذه كلّها في سبيل الله، ويجوز أخذها من مال الزكاة.
وفي سبيل الله تعني كلّ المصالح الشرعيَّة العامة التي تتعلق بأمر الدين، فلو فرضنا أنشأنا مرصداً لِرَصد القمر فرضًا، هذا في سبيل الله، من أجل ضبط التوقيت، فأيّ شيء يُعينُ على إقامة الشعائر من صلاة وصيام وحج وزكاة هو من باب سبيل الله.
وأولاها الاستعداد للحرب لِنَشر الإسلام، ونشر الحق في الآفاق، وتعميم الفضيلة، وتنوير العقول، وتحرير الأذهان من الوثنيّة والشِّرك، هذا كلّه في سبيل الله، وأعدى أعداء الإنسان الجهل، فشَعب الهند يعبدون البقر، ويضعون في غرف البيوت روث البقر تبرّكًا به، والشعب في فقْر مدقع، حدَّثني رجلٌ زار الهند فقال لي: يضعون فواكه لإلههم بوذا كمِّيات منقطعة النظير، ويظنون أنّه يأكلها ليلاً، ولكنّ الكهنة هم الذين يأكلونها! لذا الحمد لله على دين الإسلام، ومن لا عقل له لا دين له، ومن لا دين له لا عقل له، قال لي أحدهم شاهد عيان دخل إلى مطعم بآسيا الشرقيّة فإذا بهم يأكلون القرْد!! وبعض الشعوب تأكل لحم الكلاب! وهناك نقطة دقيقة جدًّاً وهي أنَّ الإسلام منَعَ العقل من إحداث تغيير أو تبديل أو إضافة في شأني العقيدة والعبادات، ولكن أمرهُ أن يبْحث عن سرّ العبادات، أما أن تبحث عمَّا يروق لك فهذا ليس من الدِّين، ولو حكَّمنا العقل في الدِّين لأُلْغِيَت الزكاة، والصلاة، فالعقل ليس مسموحًا له أن يضيف أو يبدّل في العقيدة والعبادات، فالأصول لا مجال للعقل أن يحدث فيها، وهو ما قاله علماء الأصول.
ومن أهمّ ما يُنفقُ في سبيل الله إعداد الدُّعاة إلى الإسلام، وإرسالهم إلى بلاد الكفار مِن قِبَل جمعيَّات منظَّمة تُمِدُّهم بالمال الكافي، كما يفعل الكفار في نشر دينهم، ويدخل في هذه النفقة المدارس، وتعليم العلوم الشرعيّة وغيرها ممَّا تقوم به مصلحة المسلمين، ويُعْطَى مُعَلِّمو هذه المدارس الذين ينقطعون عن الكسب من أجل التدريس، ولا يعطى العالم الغني، فالتعليم في سبيل الله تعالى.
المسافر المنقطع عن بلده يُعطى من الصَّدق:
ابنُ السَّبيل هو الباب الثامن من أبواب الزكاة، اتَّفق العلماء على أنَّ المسافر المنقطع عن بلده يُعطى من مال الصدقة، فأحيانًا يكون المسافر غنيّاً، وله شأن، وله قيمته، ولكنَّه فقدَ محفظة نقوده، حدَّثني أخ أنَّه في مطار لندن يستعمل بعضهم طرقاً خبيثة لاغتصاب أموال الناس، فَحُسن الظنّ بالغرب أحد أنواع الغباء، فلا شكّ أنَّ هناك اختلافاً بيننا وبينهم ولكن لا ينبغي أن تنزِّههم كُليّاً عن السرقة والجريمة، ففي أمريكا تُرْتَكَبُ في كلّ ثلاثين ثانية جريمة سرقة أو قتل أو اغْتِصاب، فابن السبيل هو المسافر المنقطع عن بلده يُعطى من الصَّدقة ما يستعين به على تحقيق مقصده، فإن كانت لك نيَّة في دفع ثمن التذكرة لطالب فَخُذْه وادْفع عنه التذكرة هذا إن كان صادقاً، أما إن كان كاذبًا فقد يرفض الذهاب معك.
اشترط بعض العلماء أن يكون هذا السفر في طاعة، أو في غير معْصيَة ففي بعض بلاد النَّفط تعوّد أهلها أن يقضوا آخر الأسبوع في لندن في سهرات ساخطة، هذا إن سُرِقَ ماله هناك، فلا حقّ لإعطاء أمثال هؤلاء من مال الزكاة، لأنّ هذه السَّفرة في سبيل الشيطان، وأما في السفر المباح فقد اختلفوا، وابن السبيل عند الشافعيّة قسمان: من يُنشىءُ سفرًا من بلدٍ مقيم به، ولو كان وطنه، فلو أنّ واحدًا جاءتهُ برقيَّة أنَّ ابنه في مستشفى، ولا تسمح حالته بالذهاب، حُمِلت هذه الحالة على أنَّها من حالات ابن السبيل، فلو كنتَ مقيمًا في دمشق، واضْطررتَ أن تذهب إلى بلد لِتَرعى ابنك المصاب بِحادِث، ولا تملك ثمن التذكرة، يمكن أن يكون هذا السفر الذي أُنشأ من بلد الإقامة تحت عنوان ابن السبيل.
أو غريبٍ مسافر يجتاز بلاد المسلمين، هذا كذلك ابن السبيل، وكلاهما له الحق في الأخذ من الزكاة، ولو وجدَ من يقرضُه كِفايتَهُ، له الحق أن يأخذ من مال الزكاة ما يوصلهُ إلى بلده.
أما عند الإمام مالك والإمام أحمد رحمهما الله تعالى ابن السبيل هو المستحقّ للزكاة ويختصّ بالمجتاز دون المنشئ، أما الذي ينطلق من بلده فهذا الفقير، وله باب آخر، ولا يُعْطى من الزكاة من إذا وَجَد مقرضًا يقرضُهُ، وكان له من المال ببلَدِهِ ما يفي بِقَرْضِهِ، فهذا رأي الإمام مالك وأحمد على عدم جواز من وجد من يقرضه أن يأخذ من مال الزكاة.
اختلاف الفقهاء في توزيع الصدقة على المستحقِّين :
سؤال دقيق الآن: توزيع الزكاة على المستحقِّين كلِّهم أم بعضهم؟ الأصناف الثماني المستحِقُّون في الزكاة المذكورون في الآية:
﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾
وقد اختلف الفقهاء في توزيع الصدقة عليهم، فقال الشافعي وأصحابه: إن كان مُفَرِّق الزكاة هو المالك أو وكيلهُ سقطَ نصيب العامل، ووجب صرفها إلى الأصناف السبع الباقين إن وُجدوا، و إلا فللموجود منهم، ولا يجوز ترْك صِنفٍ منهم.
لكنَّ أحد العلماء قيَّد هذا الرأي بأن يكون المال كثيرًا، يحتمِل الأجزاء كلَّها فلو فرضنا أنّ الدولة جمعت الزكاة، ومعها حوالي ثلاثمئة مليون، ممكن أن توزّع هذه الأموال على كل الأصناف لأنَّه يسعهم، أما إن كان قليلاً فجاز أن يودَعَ في صِنفٍ واحدٍ، كان تُدفع الزكاة للتعليم الشرعي، والإنفاق على طلبة العلم، فالإنفاق عليهم في سبيل الله، وقال الإمام مالك: تفريقها أولى ويجتهد ويتحرَّى موضع الحاجة منهم، ويُقدَّم الأولى فالأولى.
وقال الأحناف: الإنسان مخيَّر أن يضعها في أيّ صنفٍ شاء، وهذا مرويّ عن حذيفة بن اليمان وابن عباس وعطاء، لو كان أحدهم معه عشرة آلاف، وله قريب ينام أولاده وبناته في غرفةٍ واحدة، وفي سنّ الشباب، فهذا شيءٌ مزعِج ومخالف للشَّرع، فدَفَعَ زكاة ماله لإنشاء غرفة إضافِيَّة لِيُفرِّق بها بينهم، فهذا العمل أولى، وهي لِشَخصٍ واحدٍ.
وسوف نأخذ في درسٍ قادم إن شاء الله تعالى من تحرم عليهم الصدقة وهم الكفرة والملاحدة، وبنو هاشم، لماذا بنو هاشم؟ لأنَّ الصَّدَقة لا تحلّ لا إلى النبي عليه الصلاة والسلام ولا لأهل بيته، كما أنَّها لا تحل للآباء والأبناء، ولا للزوجة، لأنَّ هذا احتيال على الشرع وسوف نفصِّل هذا في درسٍ قادم.