- التربية الإسلامية / ٠1الحقوق
- /
- ٠6حق الطريق
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
حق الطريق:
أيها الأخوة الأكارم, لا زلنا في موضوع الحقوق، ولا زلنا في موضوع حقوق الطريق، ومن آخر حقوق الطريق: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قد يتوهم المسلمون توهماً خاطِئاً: أن العبادات الشعائرية هي كل الإسلام، وأعني بالعبادات الشعائرية؛ الصوم، والصلاة، والحج، والزكاة، فمن صام وصلى وحج وزكى، فقد أدى كل شيء، مع أن الله سبحانه وتعالى جعل هذه العبادات الشعائرية، جعلها مناسبةً لعروج النفس إلى ربِّها، على أساس أنها في العبادات التعاملية قائمةٌ بها خير قيام، فمن توهَّم أن أمر الله عزَّ وجل يقتصر على الصلاة والصوم والحج والزكاة, فقد ضل ضلالاً كبيراً.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :
الله سبحانه وتعالى حينما يقول:
﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
هذه اللام لام الأمر، الفعل المضارع إذا سبقه لام الأمر, يصبح فعل أمرٍ قولاً واحداً، وكل أمرٍ في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، إذاً: الأمة بمجموعها مأمورةٌ بنص القرآن الكريم, وبآية ذات دلالةٍ قطعية: أن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر.
السؤال الدقيق: ما المعروف؟ المعروف: ما تعارف الناس على أنه يرضي الله عزَّ وجل، والمنكر: ما أنكره الناس، وأنكره الشرع، وأنكره الحق.
الإنسان خلق الله له فطرةً سليمة، الحلال بيِّن والحرام بيِّن:
استفتِ قلبك وإن أفتاك المفتون وأفتوك.
كل واحد منا مفتي، الذي يرضي الله أنت تعرفه تماماً؛ يرضيه أن تكون صادقاً، يرضيه أن تكون مخلصاً، يرضيه أن تكن وفيَّاً، يرضيه أن تكون مستقيماً، يرضيه أن تكون أميناً، يرضيه أن تزكو نفسك، يرضيه أن تجتنب المنكرات، هذا الذي يرضيه.
الإنسان فطرته السليمة هي التي تحاسبه، بل إذا حوسب الإنسان, إنما يحاسب على فطرته.
الحديث الشريف الذي تعرفونه جميعاً، لو طبقه الناس لأغلقت المحاكم أبوابها: عامل الناس كما تحب أن يعاملوك.
عامل هذه الزوجة كما تحب أن تعامل ابنتك المتزوِّجة، عامل هذا الشريك كما تحب أن يعاملك، عامل هذا الصانع كما تحب أن يعامل رجلٌ ابنك إذا كان عنده صانعاً، الحلال بيِّن، الحرام بيِّن، الفطرة سليمة، فمن نعم الله الكبرى, أكبر معوانٍ لنا: أن الله سبحانه وتعالى فطرنا فطرةً عالية، فإذا انحرف الإنسان عن طريق الحق؛ إذا اعتدى، إذا أخذ ما ليس له، إذا تجاوز، إذا استعلى، إذا فعل شيئاً لا يرضي الله, تنكره الفطرة، ينكره ما يسميه اليوم الناس الضمير، الضمير هو الفطر، في الإنسان إحساس سليم، إذا كنت صافياً أنت المفتي، أنت المقياس.
طبعاً: إذا اختلفت الأمور، إذا انطمست الفطرة، إذا علا هذه الفطرة الرَّان، إذا الشهوات طمست معالم هذه الفطرة، يأتي الشرع، الشرع ينطبق على الفطرة، والفطرة تنطبق على الشرع، فما هو المعروف؟ الذي جاء به الشرع، والذي تقره الفطرة, ما هو المنكر؟ الذي أنكره الشرع وأنكرته الفطرة.
فدائماً اجعل حساباً فيما بينك وبين نفسك، لماذا تكلمت هذه الكلمة؟ لماذا وقفت هذا الموقف؟ لماذا منعت؟ لماذا أعطيت؟ لماذا وصلت؟ لماذا قطعت؟ الفطرة السليمة مقياسٌ دقيق، لكن لئلا يدَّعي كل إنسان أن فطرته أمرته بهذا، إذا كانت الفطرة ميزاناً, فميزان هذا الميزان هو الشرع، بماذا أمر الله عزَّ وجل؟ عن ماذا نهى؟ لذلك:
﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ﴾
المشكلة: أن المجتمع بحاجة إلى تنوير، بحاجة إلى توجيه، وهؤلاء الذين سمح الله لهم أن يوجِّهوا الناس، إما لصدقٍ فيهم، أو لإخلاصٍ عندهم، أو لتطلعٍ إلى مرضاة الله عزَّ وجل، هذا شرفٌ كبير، هذه صنعة الأنبياء، لذلك ربنا سبحانه وتعالى يفتح هذا الباب لكل خلقه، قال:
﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ﴾
الباب مفتوح، وفي غير هذا المجال الأبواب مغلقة، أريد أن أذهب بعثةً، نقول: ليس هناك شواغر، الشواغر ملئت، هذا يقال عند الناس، هذا الكلام ينطبق على أنظمة الناس، لكن عند الله سبحانه وتعالى الأبواب كلها مفتوحة، الشواغر كلها ميسورة، فإذا أردت أن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر، فهذه أعلى مرتبة من العمل الصالح.
وأضرب على هذا مثلاً:
أبٌ غني الحال، رفيع المقام، له ابنٌ شارد، أعظم عملٍ تقدِّمه لهذا الأب: أن تأخذ ابنه وتعيده إليه طائعاً باراً، قد يقول هذا الأب: إنك بهذا العمل أسرتني حتى الموت، إن هذا الإحسان لا أنساه لك حتى الموت, إذا كانت رحمة الأب بابنه هكذا، فكيف رحمة الرب بالعبد ؟ فإذا سمح الله لك أن تدلَّ الناس على الخير:
﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ﴾
لاحظ هذه الكلمة خير: كلمة جامعة، كلمة شاملة؛ خير الدنيا، خير الآخرة، الخير النفسي، الخير الاجتماعي، الخير الصحي، الخير في الدين، الخير في الآخرة، السعادة البيتية ، السعادة في العمل:
﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ﴾
الخير كله في معرفة الله، الخير كله في السيَر على منهجه، الخير كله في مرضاته، الخير كله في الإقبال عليه، الخير كله في التقرُّب منه، الخير كله في خدمة خلقه:.
﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ﴾
فالمؤمن الصادق إذا امتلأت نفسه بالحق، هذه النفس ملئت بالحق، يجد نفسه أنه مدفوعٌ إلى أن ينقل هذا الحق إلى الآخرين، هكذا الإيمان، لذلك هذا الذي يقول: أنا ما شأني وما شأن الناس، ما لي ولهم؟ إنهم ضالون فاسقون، فاجرون، كافرون، أنا قد هداني الله عزَّ وجل, لا زلت في أول الطريق، ما دمت قد انسحبت من المجتمع, ولم تشعر بمشاعر هؤلاء، لم تعطف عليهم، فأنت في أول الطريق، هؤلاء جميعاً عباد الله، هؤلاء جميعاً عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله, لذلك هذه الآية الكريمة:
﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ﴾
لكن كلمة: منكم؛ هذه من للتبعيض، أي أن هناك بشرٌ قادرون على نشر الحق، قادرون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأسبابٍ كثيرة، لأنهم تعلَّموا، ولأنهم عملوا بما علموا، ولأنهم أخلصوا، فإذا كنت لا تعلم، وجمعت هذا الشخص الذي ترجو له الخير مع من يعلم, فلك أنت أجر الوسيط، لأن الدعوة إلى الله تحتاج إلى علمٍ متين، وإلى عملٍ بهذا العلم، وإلى إخلاصٍ شديد، وإلى الشعور بالمسؤولية، وإلى تواضع، وإلى التحلِّي بخلق الأمانة، هذه الصفات -إن شاء الله- نمر عليها بدروس قادمة. إذاً:
﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
لا يتحقق الفلاح في الأمة إلا إذا دعت إلى الخير، فإذا سمح الله لك أن تدعو إلى الخير, فهذه صنعة الأنبياء.
والله عزَّ وجل فقال :
﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾
يخاطب في هذه الآية سيدنا موسى، أي إنه لشيءٌ عظيم أن يعدك الله لخدمة عباده، أن يعدك لنشر الحق والباب مفتوح، فإذا أردت أعلى أنواع العمل الصالح، إذا أردت أن تكون عند الله مرضياً، إذا أردت أن تكون عنده في مقعد صدق، إذا أردت أن تكون مقرَّباً من الله عزَّ وجل، إذ أردت أن تكون من السابقين السابقين، من هؤلاء الذين باعوا أنفسهم في سبيل الله، فأمر بالمعروف وانه عن المنكر, فالإنسان له جيران، له زملاء في العمل، له أقارب، له أصهار، له أبناء، له بنات، له أعمام، له أخوال، له جيران، له أشخاص, تعرف إليهم في ظروف معينة، هؤلاء جميعاً مادتك إلى الله عزَّ وجل.
إذاً: الآية الكريمة تأمرنا:
﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
ولا تنس أيها الأخ الكريم أنك تنتمي إلى أمة النبي عليه الصلاة والسلام، وأمة النبي -عليه الصلاة والسلام- جعلها الله أمةً وسطاً.
من معاني هذه الآية: أن هذه الأمة جعلها الله وسيطةً بين الخلق وبين الحق، بمجرَّد أنك تنتمي إلى أمة النبي -عليه الصلاة والسلام- كأن الله سبحانه وتعالى علم فيك الخير، فلا تكن إلا في هذا المستوى الذي أنت فيه، لقول الله عزَّ وجل:
﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾
هذه الآية يفهمها الناس فهماً مغلوطاً، لماذا كنتم خير أمةٍ؟ لأنكم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، فما علة الخيرية في هذه الآية؟ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا انطبقت هذه الآية على مجتمع، أو على أمة، كذلك تنطبق على فرد، أي إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، أصبحت بهذه المهمة من خير الناس، ألا يحب أحدنا أن يكون خير الناس ؟ هذه هي العلة.
والعلماء يقولون في تفسير هذه الآية: إنكم يا أمة محمد, لأن الله سبحانه وتعالى خصَّكم بهذه الرسالة، أصبحتم بهذه الدعوة خير أمة، لكن ليس المقصود أمة التبليغ, بل أمة الاستجابة، لأنكم دعيتم إلى الهدى, فأنتم مظنة صلاحٍ من قبل الله عزَّ وجل، فإذا دعيتم ثم استجبتم, أصبحتم بهذه الدعوة وبتلك الاستجابة خير أمةٍ أخرجت للناس، وما ينطبق على المجموع ينطبق على المفرد، أي إن الله عزَّ وجل عادل، فإذا استجبت أنت لله عزَّ وجل، ودعوت إلى الخير، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، كنت بهذه الاستجابة من خير الناس.
والإنسان عليه أن يكون طموحاً، وعلو الهمة من الإيمان، وهذه الحياة فانية، والعمر محدود, والوقت ثمين، والأعمال كلها بأثمانها، هناك أعمالٌ لا جدوى منها، وهناك أعمالٌ تافهة:
﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾
هناك أعمالٌ سخيفة:
إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها ودنيَّها .
فاسأل نفسك هذا السؤال: ما الذي يعنيك وأنت في هذه الدنيا؛ أيعنيك هدفٌ كبير؟ أتسعى إلى عملٍ عظيم؟ أتسعى إلى مرضاة رب العالمين؟ أتسعى إلى أن تكون من المقربين؟ أتشعر أن الله يحبك؟ أن الله ينظر إليك بعين الرحمة؟ القضية باستقامتك على أمره وبعملك الصالح:
﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾
الإنسان أحياناً يجد صعوبة في الحديث عن الله عزَّ وجل، أو في الأمر بالمعروف، أو في النهي عن المنكر، لا تصدق أنك بقدرتك وحدك تستطيع أن تحدث أثراً إيجابياً في هذا الإنسان، لا، لك أن تعزم على هذا العمل، لك أن تتجه إليه، لك أن تتخذ بعض الوسائل، وانتهى الأمر، لكن الله سبحانه وتعالى بكرمه العظيم يحدث هذا الأثر الإيجابي في نفس السامع:
فإذا أراد ربك إظهار فضله عليه، خلق الفضل ونسبه إليك.
أيها الأخوة الكرام, هناك من ذاق طعم الدنيا، هناك من ذاق الطعام والشراب، وتناول أطيب الأكلات، هناك من ذاق ما في الدنيا من مباهج حلال، لكن الذي يذوق طعم هداية الناس, هذا الطعم لا ينسى؛ أن تشعر أن الله سبحانه وتعالى وظَّفك عنده، أن تشعر أن الله جعلك مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر، أن تشعر أن الله خصك بهذا الفضل العظيم، هذا شعور لا يساويه شعور آخر، والباب مفتوح، وأنا أدفعكم إلى ذلك، فالإنسان يدخل بقائمته: أن فلان صديقي فيه خير، هذا الجار عنده حياء فيه خير، هذا فلان يحتاج إلى نصيحة، هذا يحتاج إلى معاونة، هذا يحتاج إلى توجيه، هذا يحتاج إلى إكرام، إذا استيقظت على هموم خدمة الخلق, تولَّى الله مصالحك.
((اعمل لوجه واحد يكفيك الوجوه كلها))
((مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ آخِرَتِهِ, كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ))
فلذلك: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه فريضةٌ بعد الفرض، بل إن بعض الفقهاء عدَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الفريضة السادسة، كيف أنك تحج والحج فرض؟ كيف أنك تزكِّي والزكاة فرض؟ كيف أنك تصوم والصيام فرض؟ كيف أنك تصلي والصلاة فرض؟ يجب أن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر، ولكن قبل أن تأمر بالمعروف وقبل أن تنهى عن المنكر: يجب أن تكون عالماً بالمعروف والمنكر، يجب أن تكون عالماً بالله، يجب أن تكون عالماً بشرعه، يجب أن تكون عالماً بالطريقة المُثلى للأمر بالمعروف، الطريقة التربوية، يجب أن تعرف الله أولاً, لأنك إذا أمرت بالمعروف تدعو إليه، تقول: هذا أمر الله، والله كذا وكذا، خالق الكون، صاحب الأسماء الحسنى, يجب أن تعرف الله ، وأن تعرف أمره، وأن تعرف الطريقة الناجحة، الطريقة التي سنَّها النبي -عليه الصلاة والسلام- للدعوة إلى الخير، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
((من أمر بمعروف, فليكن أمره بمعروف))
((لَمْ يَدْخُلِ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ, وَلَمْ يُنْزَعْ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ))
الهدف النبيل له وسيلةٌ نبيلة، الهدف الشريف له طريقةٌ شريفة، الهدف العظيم له أسلوبٌ رفيع، القضية بالتؤدة، وباللطف، وبالإحسان، وبالملاحظة، وبالذوق:
من أمر بالمعروف, فليكن أمره بمعروف.
أول بندٍ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أن تكون أنت متمثلاً لهذا الأمر وذاك النهي، حتى تقنع الناس بأنك صادق، إذا كنت أنت في واد وأمرك في واد, هذه ليست دعوةٌ إلى الله، هذه حرفة، هذه مصلحة، هذا تجمُّع ليس على حق، لن تستطيع أن تأمر بالمعروف إلا إذا أمرت نفسك، لن تستطيع أن تنهى عن المنكر إلا إذا نهيت نفسك .
إذا كنت في الطريق, لك جار رأيته يأكل مالاً حراماً، رأيته يتعامل مع الناس تعاملاً محرماً، رأيته يبيع بضاعةً محرمة، رأيته يقسو في أسعاره على الناس، رأيته يستغل حاجتهم لهذه السلعة، إذا رأيت جاراً لك, يجب أن يرى منك الكمال، يجب أن يرى منك الالتزام بأوامر الدين، إذا رآك في موضعٍ كريم، إذا رآك في موضعٍ منزَّه عن الانحراف، إذا تكلَّمت بكلمة لهذا الإنسان فإنه يستجيب لك، فليس من الكمال أن تجعل نفسك كل همك، اجعل الناس كل همِّك، هذا من الفريضة السادسة.
الآية الأخيرة :
﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾
أنت إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر فكأنك تنصر دين الله، إذا فُعِلَت الفاحشة وسكتنا عنها، الانحراف سكتنا عنه، هذا سكتنا عنه، ماذا يكون؟ يستشري الشر، فلذلك:
﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾
على نطاق البيت :
﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾
ففي بيتك مأمور أن تأمر، في عملك مأمور أن تأمر، في نُزهتك مأمور أن تأمر، في حِلِّك وترحالك مأمور أن تأمر، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفرائض الواجبة في نص القرآن الكريم.
ما مقومات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ :
الآن: ما الوسيلة أو ما مقومات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
الآية الكريمة توضح هذه الوسيلة، يقول الله سبحانه وتعالى :
﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾
ما هي الحكمة؟ وردت الحكمة في بعض الآيات الكريمة :
﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾
الكتاب هو القرآن، والحكمة هي السُنَّة، أما هنا الحكمة لها معنىً آخر، الحكمة: العلم الذي تعمل به، إذا تعلَّمت ولم تعمل فلست حكيماً، وإذا عملت ولم تعلم فلست حكيماً، من هو الحكيم؟ الذي يعمل بما يعلم، الذي يعلم بما يعمل، الذي يطبِّق علمه، يعتقد شيئاً ويفعله، هذا الذي يستطيع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
هذا الشيخ الذي زار أحد تلاميذه، لهذا التلميذ عبدٌ عنده، هذا العبد قال مخاطباً شيخ سيِّده: يا سيدي, لو تأمر سيدي أن يعتقني, فقال هذا الشيخ: أفعل إن شاء الله, مضى الأسبوع تلو الأسبوع, والشهر تلو الشهر, ولم يستجب هذا السيد, ويعتق عبده, لأن الشيخ لم يأمره بذلك, حدث أن زار الشيخ هذا السيد مرةً ثانية، قال له العبد: يا سيدي لو تأمر سيدي أن يعتقني, قال: أفعل إن شاء الله, أيضاً مضى الأسبوع والأسبوعان والشهر والشهران ولم يعتقه سيده، لأن الشيخ لم يكلمه بذلك, المرة الثالثة لفت نظره، وبعد أيامٍ جاء سيده وأعتقه .
بقي سؤالٌ عند هذا العبد: ما دام الأمر لا يكلِّف الشيخ إلا كلمةً واحدة، فلماذا لم يقل له من وقتٍ طويل؟ التقى به رابعةً وعاتبه, فقال له: يا ولدي لقد أتعبتني، لقد أرهقتني, إنني وفرت من مصروف يومي ما أعتق به عبداً، بعد أن أعتقت عبداً, أمرت سيِّدك أن يعتق عبداً، فكانت الاستجابة .
إذا أردت أن تدعو إلى الله عزَّ وجل, فعاهد نفسك ألا تقول كلمةً إلا إذا طبَّقتها، ألا توجِّه توجهاً إلا إذا كنت في مستواه، ألا تنهى عن شيءٍ إلا إذا كنت أسرع الناس في تركه، إذا فعلت ذلك, فأنت مؤهَّلٌ عند الله عزَّ وجل أن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر.
يجب أن تبقى هذه الآية في أذهانكم ماثلة:
﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ﴾
هذه الباء للاستعانة :
﴿بِالْحِكْمَةِ﴾
أنا آكل بالملعقة، أنا أكتب بالقلم، الباء للاستعانة :
﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ﴾
بماذا؟:
﴿بِالْحِكْمَةِ﴾
ما الحكمة؟ أن تتعلم العلم وأن تعمل به.
الآن: أنت مؤهل أن تتعلم العلم وأن تعمل به، إذاً: طلب العلم فريضة، طلب العلم حتمٌ واجب على كل مسلم، لأنك إذا أمرت بالمعروف, قلت له: هذه حرام, لماذا هي حرام؟ لا أعرف, افعل كذا, لماذا؟ ما الدليل؟ لا تعرف الدليل.
قالوا: وضع المبلغ في مصرف أجنبي, يمكن أن تأخذ عليه فائدة.
هناك فتوى, فهل أنت عندك علم بهذا الموضوع؟ عندك ملابسات الموضوع, هذا لا يؤدي إلى إضعاف الكفار، بل يؤدي إلى تقويتهم، أنت إذا نقلت مالك إلى بلدٍ أجنبي, وأخذت عليه ربا، أنت قوَّيت هذا البلد، فإذا أردت أن تدعو إلى الله عزَّ وجل, يجب أن تعرف بالضبط ما أمر الله عزَّ وجل وما نهيه، وأن تعرف الدليل.
إذاً: إذا قال الله لك:
﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ﴾
أي استعن أنت بهذه الدعوة بالحكمة، الحكمة أن تكون عالماً عاملاً، تعلم واعمل، تفهَّم وطبِّق، ادرس ونفِّذ، فالناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم، لو بقيت ساكتاً وكنت مثلاً أعلى لدعوت إلى الله، قد تستطيع أن تدعو إلى الله وأنت ساكت، إذا كنت متمثلاً بأخلاق الإسلام، بمبادئ الإسلام, فأنت من الدعاة، بل إن بلاداً كبيرةً تعدُّ مئات الملايين في شرقي آسيا، بل في جنوبي شرقي آسيا أسلمت عن طريق التجار، عن طريق الصدق والأمانة.
وأنا أقول لكم دائماً: أنت في عملك تستطيع أن تكون داعيةً صامتاً، إذا كنت صادقاً مع الناس، إذا كنت مخلصاً، إذا كنت أميناً، إذا كنت ورعاً، إذا كنت عفيفاً، الناس لهم عيون، الناس لا يتعلمون بآذانهم، يتعلمون بعيونهم، يرونك؛ يرون ورعك، يرون عفتك، يرون صدقك ، يرون أمانتك، هذا هو الدين.
أقول لكم دائماً: المبادئ النظرية وحدها لا تكفي، مهما كان في الإسلام مبادئ نظرية عميقة، وعليها ألف دليل ودليل، مبادئ منطقية تطابق الواقع، تطابق القيَم، تطابق المنطق حبرٌ على ورق، ما لم يأت إنسان ويتمثَّل هذه المبادئ، إذا تمثَّل الإنسان هذه المبادئ, أصبح داعيةً قبل أن يدعو، قبل أن يقول شيئاً، فالأب إذا كان في بيته مثالياً, صار داعيةً وهو لا يدري، الموظف إذا كان مثالياً في عمله، كان مخلصاً صادقاً يخدم الناس، وإذا ذهب ليصلي أمام زملائه, قالوا: هذه الصلاة تتناسب مع هذه الأخلاق، هذه الأخلاق من هذه الصلاة, أما إذا كان مؤذياً للناس، يعرقل مصالحهم، فإذا أذَّن الصبح, ذهب ليصلي ويستريح ساعة، توقع الناس أنت في إشكال، كيف يصلي ويفعل هذا؟ كيف يصلي ويأكل المال الحرام؟:
﴿فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾
هو نفسه، فأنت عندما تخلق للناس مشكلة فكرية، أنت مسلم؛ تصلي، تصوم، تحج، تزكي، ولك أعمال لا ترضي الله عزَّ وجل، أنت بهذا توقعهم في حيرة، أنت تهزُّهم، تبلبلهم، تشككهم في الدين, من هؤلاء القلة القليلة التي تقول: هذا ليس من الدين؟ الدين أرقى من ذلك, هؤلاء قلة، أما الكثرة يقولون: إذا كان هذا هو الدين, فنحن كافرون بهذا الدين, هنا المشكلة.
الآن بالمقابل: إذا كان الله سبحانه وتعالى يأمرنا أن نأمر بالمعروف وأن ننهى عن المنكر، متى يفعل الإنسان فعلاً مضاداً لهذا؟ الفعل الطيِّب أن تتعلم العلم، وأن تعمل به، وأن تتخذ الأسلوب الحسن في الدعوة إلى الله، فهل هناك أناسٌ يفعلون عكس ذلك؟ المؤمن يقرِّب الناس من الله عزَّ وجل بمنطقه، بأخلاقه، بإحسانه، لكن هل هناك أناسٌ يبعدون الناس عن الله عزَّ وجل؟ من هم؟ هؤلاء الذين لهم مظهرٌ ديني وأعمالهم سيئة، هنا يكمن الخطر.
إنسان مظنة صلاح، محسوبٌ على المسلمين، معروفٌ بين أهله؛ أنه يصلي وأنه قد حج ثلاث مرَّات، واعتمر سبع مرات، ويرتاد المساجد، فإذا أكل هذا الإنسان مالاً حرماً، هنا تقع المشكلة، أستثني بعض الناس، هؤلاء المتبصرون، هؤلاء العميقون، هؤلاء الذين لا يأخذون الدين من الأشخاص، الدين عندهم في السماء، والأشخاص إن طبقوا لهم، وإن لم يطبقوا فعليهم، لكنني أريد عامة الناس، تجار السوق، رأوا أحدهم يصلي، يرتاد المساجد، فإذا أكل مالاً حراماً، فإذا كذب، فإذا انحرف، فإذا غش، هذا الإنسان يقف في موقعٍ مضادٍ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هنا الخطر.
فإذا أردت أن تكون من أفضل الناس, فتعلم العلم واعمل به وادعُ إليه, المقابل: وإذا أراد الإنسان أن يكون أسوأ الناس، فليتزيَّ بالدين وليكن عمله سيئاً، إنه يدعو الناس إلى أن يكفروا بالدين, بالطبع عامة الناس، لذلك سيدنا علي ماذا قال؟
قال: قوام الدين والدنيا أربعة رجال -من هؤلاء الرجال؟- عالمٌ مستعملٌ علمه، فإذا ضيع العالم علمه، استنكف الجاهل أن يتعلم.
الكلمة التي تدور على ألسنة الناس دائماً: هذا يصلي ويكذب، يصلي ويغش، هذا ليس دين، أنا لا أريد هذا الدين, هذا كلام عامة الناس.
لذلك: هؤلاء الذين أسلموا عن طريق الفكر خارج هذه البلاد الإسلامية، ثم جاؤوا إليها ، أنا إذا التقيت بأحدهم أقول له: هنيئاً لك إسلامك قبل أن تعرف المسلمين، فإذا عرفت المسلمين, أغلب الظن أنك لم تسلم، تجد كذباً، وغيبة، ونميمة، وغشاً, واحتيالاً, أساليب مقيته، وهم يصلون، ويستمعون إلى المدائح النبوية، ويقرؤون القرآن، هذا السلوك لا قيمة له عند الله أبداً، يجب أن تعرف أن الله سبحانه وتعالى لا يرضى عنك إلا إذا كنت كما يريد، أما إذا كنت كما تريد وتوهم الناس أنك تحب الله عزَّ وجل، قد تستطيع أن تخدع الناس جميعاً لأمدٍ قصير ، وقد تستطيع أن تخدع واحداً لأمدٍ طويل، أما أن تخدع الله وأما أن تخدع نفسك, فهذا من المستحيل:
﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾
هذه الآية دقيقة :
﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ﴾
استعن لهذه الدعوة بالحكمة, الحكمة أن تكون عالماً عاملاً، عاملاً عالماً، أن تعرف وأن تطبق.
الآن عندنا أسلوب، الآن دخلنا في التربية، التربية هي الطريقة المثلى لنقل المعرفة:
أنت الآن أمام إنسان متلبس بألف معصية، فإذا قلت له: هذه معصية، وهذه معصية، وهذه حرام, كبر عليه الأمر, وترك هذه الدعوة، ليس من الحكمة أن تنفِّر الناس، ليس من الحكمة أن تشدد عليهم في بادئ الأمر، ليس من الحكمة أن تزدريهم، ليس من الحكمة أن تستعلي عليهم، ليس من الحكمة والموعظة الحسنة أن تجعلهم يشعرون بالصَغار أمامك، لا، الموعظة الحسنة أن تؤثر فيهم بالحسنى لا عن طريقٍ آخر.
إذاً: ومن طلب هداية الناس بصدق, ألهمه الله الطريقة المُثلى.
الطريقة الآن شيء آخر غير العلم، أن تكون عالماً عاملاً شيء، وأن تملك الطريقة المثلى في الدعوة إلى الله شيءٌ آخر.
أحياناً: النبي -عليه الصلاة والسلام- قال:
((بعثت بمداراة الناس))
هذه الباء للاستعانة أيضاً، لو قال النبي -عليه الصلاة والسلام-:
((بعثت بمداراة الناس))
أصبحت المداراة هدفاً, لا، المداراة وسيلة، أنا أستعين على هدايتهم بمدارتهم، ما هي المداراة؟ بذل الدنيا من أجل الدين, أما المداهنة: بذل الدين من أجل الدنيا، إذاً: هذا حديث: .
من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف ":
﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾
حبَّذا إذا قرأ أحدكم القرآن، أو اطلع على السنة النبوية: أن يكتشف الأحاديث التي تبين لك كيف تدعو إلى الله؟ أي ما يتعلَّق منها بالنواحي التربوية، هذه الأحاديث قيَّمة جداً، إذاً: المداراة أحد الأساليب، هذا الذي تدعوه إلى الله له مشكلة دنيوية, يجب أن تحلها له، يجب أن تعينه عليها، يجب أن يشعر أنك معه، يجب أن يشعر أن دنياه غاليةٌ عليك، يجب أن تطعمه أولاً, أن تشبعه، أن تحل قضيته، هذا الشيء الذي يخيفه يجب أن تزيله عنه، حتى يرتاح إليك ، حتى يطمئن لك، حتى يحبك، فإذا أحبك, كانت كلماتك كالبلسم الشافي, فلذلك: الشيء الذي يفتح إليك القلوب، الشيء الذي يفتح لك الآذان، الشيء الذي يقرب الناس إليك: أن تكون محسناً.
عندك صانع، وتطمح أن يكون معك في المسجد -شيء جميل-, هذا الصانع إذا أردت أن يكون معك في المسجد, وأن تهديه إلى الله عزَّ وجل, يجب أن تكون محسناً إليه، إذا عاملته كأب, لك أن تقوده إلى المسجد، رأى الرحمة، رأى الإنصاف، رأى العطف، إذا عاملته كابنك, لم تحمِّله ما لا يطيق، لم تهن كرامته أمام الناس، لم تعنِّته، إذا رأى منك العطف والحنان مال إليك، فإذا مال إليك مال إلى مسجدك، إذا دعوته إلى بيت الله لبَّاك، أما إذا قسوت عليه نفر منك.
هذا ينطبق على من معك في العمل، ينطبق على من معك في البيت، من معك في السفر ، لن تستطيع أن تهدي الناس إلا إذا كنت محسناً، لن تستطيع أن تهدي الناس إلا إذا كنت منصفاً، لن تستطيع أن تهدي الناس إلا إذا كنت متواضعاً، لن تستطيع أن تهدي الناس إلا إذا كان لك قلبٌ كقلب الأم، يجب أن تمتص أخطاءهم، أن تمتص انحرافاتهم، أن تعفو عنهم، أن تستغفر لهم، هكذا قال:
﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾
إذا أخطأ فاغفر له، الله عزَّ وجل يغفر، من أنت حتى لا تغفر؟ أساء، تكلم بكلمة قاسية، لم يسلم عليك، فعل كذا وكذا، من أنت؟ خالق الكون يعفو، من أنت إن لم تعفُ؟ لذلك :
﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾
يجب أن تعفو، وأن تعرض، أن تعفو عمن أساء إليك، وأن تعرض عن السفيه، حتى تكون مؤهَّلاً لأن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر.
لذلك: هذا الدرس موضوعه: كيف تكون آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر؟ كيف ترقى إلى أعلى عمل يرضي الله عزَّ وجل؟ أن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر، بل أن تدعو إلى الخير، والخير كله عند الله، الخير كله بمعرفة الله، بطاعته، بخدمة خلقه، بالتقرُّب إليه، بمداومة ذكره، هكذا، إذاً:
﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾
الأسلوب التربوي الناجح:
﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾
في بعض الآيات: ربنا عزَّ وجل علمنا كيف نكون بهذا المستوى المطلوب؟ قال :
﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾
فأنت كداعية أو كآمر المعروف: لا ينبغي أن تضع نفس في موقع عالٍ، أنت جاهل وأنا سأعلمك, لا، النبي -عليه الصلاة والسلام- ماذا قال لقومه؟ قال :
﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾
أي أن أحدنا على حق، والآخر على باطل، لم يقل: أنا على حق, قال: أحدنا، فقد وضع نفسه في مستوى خصمه تماماً، حتى يكون متواضعاً، وضع نفسه في نفس الموضع: .
﴿قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾
إذا كنتم تظنون أنني بهذا العمل مجرم:
لا تسألون عما أجرمنا، ولا نسأل -ليس عما تجرمون بل- عما تعملون.
ما هذا التلطُّف؟ أعمال الكفار جريمةٌ ما بعدها جريمة، والله عزَّ وجل أمره أن يقول لهم:
﴿وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾
﴿قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا﴾
هذا توجيه قرآني, لن تستطيع أن تدعو إلى الله إلا إذا كنت مع خصمك على قدر المساواة، بل قل له: أنا على خطأ وأنت على صواب والمناقشة بيننا، والدليل بيننا, لن تستطيع أن تهدي الإنسان إلا إذا تواضعت له، لن تستطيع أن تهديه إلا إذا أحسنت إليه، إلا إذا أكرمته، إلا إذا أحبك من كل قلبك، لذلك يجب أن تتعلم كيف تكسب ود الناس؟.
النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصلي مع أصحابه، دخل رجل لحق بهم, فأحدث جلبةً وضجيجاً في المسجد، وظن أصحاب النبي أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سيعنِّفه، لكن عندما انتهت الصلاة قال:
((زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلا تَعُدْ))
فقد عَدَّ هذا العمل حرصاً منه:
((زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلا تَعُدْ))
فأقول لكم: من ذاق عرف.
من ذاق طعم هداية الخلق، وذاق طعم خدمة الخلق حباً بالحق, عرف معنى ما أقول، فإذا أردت أن تفعل هذا فالطريق مفتوح، والشواغر مفتوحة، وفضل الله يتسع لكل عباده، والحديث الشريف، هذا كلام النبي.
سيدنا سعد كان يقول: ثلاثةٌ أنا فيهن رجل, وما سوى ذلك فأنا واحدٌ من الناس؛ ما سمعت حديثاً من رسول الله إلا علمت أنه حقٌ من الله تعالى.
يقول عليه الصلاة والسلام, فيما رواه الإمام أحمد من حديث معاذ، وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد، أنه قال لعلي:
((يا علي, لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً, خيرٌ لك من حُمر النعم))
الرواية الثانية:
((خيرٌ لك مما طلعت عليه الشمس))
الرواية الثالثة:
((خيرٌ لك من الدنيا وما فيها))
هذا كلام النبي, أي أن أعظم عملٍ تفعله في الدنيا، لو أنك ملكت الدنيا من كل أطرافها .
تكلمنا مرة بالدرس: واحد يملك محلاً في شارع مهم جداً المتر بخمسمئة ألف، إذا كانوا محلين، إذا كانوا خمسة محلات، إذا كان الصف بكامله له، أرضي وعلوي، إذا الصفان، إذا شارعان ضخمان، إذا كل شوارع المدينة محلاته له، وكل الأبنية الفخمة وكل الشركات الضخمة في العلم, -هناك شركات لها ميزانيات وأرباح أضخم من ميزانيات دول، شركات الأدوية والسيارات والطائرات وناقلات النفط مثلاً-, إذا كانت كل هذه المحلات في كل عواصم الدنيا لك، وإذا كانت كل الأبنية الفخمة والقصور في كل أنحاء الدنيا لك، وإذا كانت كل الشركات الضخمة في كل أنحاء الدنيا لك، ثم جاء الموت ماذا ينفعك هذا؟.
هذا الذي ترك أضخم ثروة في العالم -وهو يهودي اسمه روتشيلد-, دخل إلى بعض صناديقه الحديدية, عنده غرف بكاملها، أحد الأبواب أغلق خطأً، صاح صاح، فلم يسمعه أحد , فجرح يده وكتب على الحائط: أغنى رجلاً في العالم يموت جوعاً.
فإذا آمنت بكلام النبي: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً, خيرٌ لك من الدنيا وما فيها.
لكن الهداية صعبة، فأولاً يجب أن تهدي نفسك، أن تتعلم العلم، وأن تعمل به، وأن تبحث عن الطريقة المجدية، الطريقة الناجحة، الطريقة التربوية.
لا يكون الرفق في شيء إلا زانه, ولا ينزع من شيءٍ إلا شانه.
علموا ولا تعنفوا, فإن المعلِّم خير من المعنِّف:
﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾
﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾
﴿قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾
هذه بالتي هي أحسن، إذا ناقشت الإنسان, كن لطيفاً معه، كن متواضعاً، كن منطقياً، لا تستعلِ عليه، لا تتبرَّم منه، إذا أحبك, دخلت أفكارك إلى قلبه، وإذا فتح قلبه لك فقد اهتدى.
الآن طلب العلم في طريق الدعوة إلى الله، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
((من جاءه الموت وهو يطلب العلم ليحيي به الإسلام, فبينه وبين الأنبياء في الجنة درجةٌ واحدة))
فهذا أعلى عمل: أن تتعلم العلم لتعلمه للناس، أن تتعلم العلم لتأخذ بيد الناس إلى الله عزَّ وجل، أن تتعلم العلم وتعمل به وتختار الطريقة المُثلى فتنشر هذا العلم بين الناس، أن تكون أمةً:
﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾
قيس بن سعد :
والآن إلى قصة صحابيٍ جليل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هذا الصحابي هو ابن الصحابي السابق: سيدنا قيس بن سعد بن عبادة.
قال: الأنصار كانوا يعاملونه على حداثة سنه كزعيم، وكانوا يقولون: والله لو استطعنا أن نشتري لقيسٍ لحيةً بأموالنا لفعلنا.
-لم يكن له لحية، لماذا؟ كان صغيراً شاباً، لشدة رجاحة عقله وشجاعته وكرمه، يبدو أكبر من سِنِّه,. لذلك: في علم النفس هناك عمرٌ زمني، وهناك عمرٌ عقلي، هناك عمر اجتماعي، هناك عمر انفعالي، هناك عمر تحصيلي تربوي، أتفه أعمار الإنسان عمره الزمني، فهذا ابن سيدنا سعد قيس, لرجاحة عقله, وأخلاقه الكريمة, وكرمه الشديد, بدا وكأنه زعيم وهو غلام، فقال أصحاب النبي: لو استطعنا أن نشتري لقيسٍ لحيةً بأموالنا لفعلنا.
والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول:
((إن الجود شيمة أهل هذا البيت))
في هذا الحديث إشارة إلى قيمة التربية الأسرية.
أحياناً ترى إنساناً من أسرة راقية، أسرة عرفت بالصلاح والتقوى والعلم والعمل، فأولاد هذه الأسرة لو قصَّروا، لو تأخروا في معرفة الله عزَّ وجل, لهم خلفيةٌ طيبة، لهم خامةٌ طيبة، لهم بُنيةٌ طيبة، من هنا جاء النسب، النسب له أثر.
وما زلت أتقلب في أرحام الطاهرات وأصلاب الطاهرين, حتى ولدتني أمي ولم يمسني من سفاح الجاهلية شيء .
فهذا الحديث منه إشارة، فالإنسان إذا تزوج, يبحث عن أسرة راقية عريقة في تربيتها لأولادها، عريقة في أخلاقها، في تدينها.
الآن هناك لقطة ثانية-: هذا الصحابي كان على درجة عاليةٍ جداً من الذكاء.
-والذكاء قوة بالإنسان، بل إن الذكاء أفضل نعمةٍ يمنحها الله لعباده، لكن الشيء اللطيف: أن المؤمن الذكي مقيَّد، مقيّد بالشرع, أحياناً يوجد ذكي يخرب بلداً بكاملها، أحياناً امرأة ذكية ترمي عداوة بين أسرة تدفعهم إلى القتل، هناك مواقف ذكية جداً ولكن ذكاء شيطاني، ذكاء أساسه الشيطان، لذلك الذكاء وحده لا يكفي, لا بدَّ له من حصن من قيم.
النبي ماذا قال؟ قال:
((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ))
الذكاء قوة، إذا كان هذا الذكاء مع المؤمن وظَّفه في الحق، فهذه اللقطة-.
يقول هذا الصحابي الجليل: إنه لداهية، كان يتفجَّر حيلةً ومهارةً وذكاء.
وقال عن نفسه وهو صادق: لولا الإسلام, لمكرت مكراً لا تطيقه العرب.
-فقد كان عنده طاقات في فكره، في ذكائه، لولا أن الإسلام قيَّده بالحق، وقيده بالإحسان، وقيده بالمعروف، لفعل شيئاً لم يفعله أحد ممن قبله. لذلك المؤمن مقيَّد يا أخوان:
الإيمان قيد الفتك ولا يفتك مؤمن.
إذا كنت حراً فافعل ما تشاء، وإذا كنت عبداً فما هكذا تفعل العبيد؟ المؤمن مقيَّد, عنده أمر إلهي.
أقول لكم هذه الكلمة، -هي كلمة أساسها كلمة قانونية: أن تنتهي حريتك حينما تبدأ حرية الآخرين-, أنا أقول لك: تنتهي حريتك حينما تعرف الله عزَّ وجل, فهل تستطيع أن تكذب؟ أحياناً كذبة محكمة تماماً تحل فيها مشكلة، فهل يمكنك أن تكذب؟ لا تقدر، هل يمكنك أن تغش؟ لا تقدر، هل يمكنك أن تحتال على الناس؟ لا تقدر، هل يمكنك أن تظلم؟ لا تقدر، هل يمكنك أن تأخذ مال ليس لك؟ لا تقدر، فأنت مقيد بالشرع-.
قال: لولا الإسلام لمكرت مكراً لا تطيقه العرب.
-يبدو أن هذا الصحابي قرأ قوله تعالى:
﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾
هذا كلام ربنا عزَّ وجل، قرأت قرآناً وقلت: صدق الله العظيم, هذه الآية إذا قرأتها فعلاً, وصدَّقت الله فيها, لن تستطيع أن تمكر, لأنك إذا مكرت يعود مكرك عليك:.
﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾
الأيام تدور وتدور وتدور, فإذا بهذا المكر الذي فعلته بغيرك, انصب على رأسك، فمن هو الذكي؟ هو الذي يقرأ القرآن ويصدِّقه قبل أن يدفع الثمن باهظاً، من هو الغبي؟ يجعل هذه الآية وراء ظهره، يتخذ هذا القرآن مهجوراً ويفعل ما يحلو له، فإذا دفع الثمن باهظاً، وعاد مكره عليه، قال: والله صدق الله العظيم, الآن عرفتها بعد فوات الأوان, إذا كنت بطلاً فاعرف الحقائق قبل فوات الأوان، -.
هذا الصحابي قرأ القرآن فصدقه، عندما قال:
﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾
قال: والله لولا الإسلام, لمكرت مكراً لا تطيقه العرب.
يبدو أنه قد وقف مع سيدنا علي هذا الصحابي في خلافه مع معاوية، فقال: والله ولئن قدِّر لمعاوية أن يغلبنا, فلن يغلبنا بذكائه بل بورعنا وتقوانا.
-أيضاً هذه كلمة دقيقة، أي أنك ليس معك أسلحة غير محدودة، لا يوجد معك غير سلاح الحق، لعله أن يكون خصمك لا يوجد فيه دين إطلاقاً, له أن يفعل بك ما يشاء، فهو مطلق، وأنت مقيد، هذه مشكلة، لكن هذه المشكلة وسام شرف لك.
أحياناً أنت بمركز قوي, ولك خصم بمركز قوي، لكن خصمك متفلِّت من الدين، لا يوجد عنده قيَم، وأنت الإيمان يحجزك عن أن تفعل شيئاً لا يرضي الله عزَّ وجل-.
فقال: والله ولئن قدِّر لمعاوية أن يغلبنا, فلن يغلبنا بذكائه بل بورعنا وتقوانا.
سيدنا سعد والده حينما أسلم، أخذ بيد ابنه قيس, وقدَّمه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال: يا رسول الله هذا خادمك.
- كذلك هذه إشارة ثانية، الذي عنده ابن وتمكن أن يلحقه بمسجد، يجعله في طريق الإيمان, هنيئاً له، لأن:.
أفضل كسب الرجل ولده.
هكذا كانوا الصحابة الكرام-.
يا رسول الله هذا خادمك.
سيدنا الصديق تحدَّث عنه مرةً, وقال: والله لو تركنا هذا الفتى لسخائه, لأهلك مال أبيه.
فسيدنا سعد بلغته هذه المقالة, فقال: من يعذرني من أبي بكرٍ وابن الخطاب, يبخِّلان علي ابني؟
-أي أنه ما رضي أن يسمع ابنه هذا اللوم لشدة سخائه، يبدو أن السخي يكون ابن السخي عادةً-.
قال: أقرض قيس أحداً من أخوانه المعسرين يوماً قرضاً كبيراً، وفي الموعد المضروب للوفاء, ذهب الرجل يردُّ إلى قيس قرضه، فأبى أن يقبله, وقال: إنا لا نعود في شيءٍ أعطيناك .
-كان سخياً-.
وآخر كلمة قالها: والله لولا أنني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: المكر والخديعة في النار, لكنت من أمكر هذه الأمة.
أردت من هذا الصحابي الجليل شيئاً واحداً جديداً: هو أن الإنسان إذا تمتع بذكاءٍ حاد، هذا الذكاء الحاد يجب أن يوظِّفه في الحق، أما أن يتخذه قوةً طائشة، أو قوةً عمْياء، عندئذٍ هذا الذكاء يعود وباله عليه، لذلك: الإنسان الذكي ممتحنٌ بذكائه، هل وظَّفه في الحق وضبطه أم وظفه في الباطل وجلب به الثروات الطائلة؟ تستطيع أن تكون ذكياً, وتخلق لإنسان مشكلة, وأنت صاحب مركز حساس، لك وظيفة فيها قدرةٌ على الأذى, خلقت لإنسان مشكلة خوفته، فقبضت منه ما تريد، هذا موقف تمثيلي يحتاج إلى ذكاء، وإلى تمثيل جيد، وأن تبث في روعه أنه انتهى، وهذه البضاعة كلها صودرت، وتدفع مئات المئات، ألوف الألوف، عشرات الملايين، وأنا أستطيع أن أنقذك، وبالطبع بموقف تمثيلي ذكي؛ مع أدلة، مع براهين، مع قصص، فهو انهارت أعصابه فأعطاك ما تريد، هذا ذكاء، ولكن هذا المال الذي أخذته بهذه الطريقة, هذا المال لن ينفعك, لذلك: الذكي عند الله لا قيمة له.