- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (058) سورة المجادلة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
حق الزوجة على زوجها :
أيها الأخوة الكرام؛ الآية الأولى هي قوله تعالى في سورة المجادلة:
﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾
سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يمشي في أسواق المدينة ويركب دابةً، فرأى امرأةً فسألته سؤالاً، فنزل عن دابته وبقي معها تكلمه طويلاً، فعجب من حوله من هذا التصرف، خليفة المسلمين ينزل عن دابته، ويستمع إلى امرأة ضعيفة طويلاً، فلما سئل، قال: هذه المرأة التي سمع الله شكواها من فوق سبع سموات أفلا أسمع أنا شكواها؟
﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾
هذه المرأة جاءت رسول صلى الله عليه وسلم وقالت: يا رسول الله إن زوجي تزوجني وأنا شابة، ذات أهلٍ، ومالٍ، وجمال، فلما كبرت سني، ونثر بطني- عندها خمسة أولاد- وذهب مالي، وتفرق أهلي، قال لي: أنت عليّ كظهر أمي - أي هجرها - ولي منه أولاد، إن تركتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا، فبكى النبي عليه الصلاة والسلام، قال: ما أظن إلا قد بنتي منه- كأنه طلاق- ثم جاء التشريع فسماه الله ظهاراً، أنت عليّ كظهر أمي.
أي هذه المرأة التي حبست من أجلك، نحن ليس في شرعنا أن امرأة لها زوجان، هناك رجل له امرأتان، المرأة محبوسة لزوجها، فإذا تركها و لم يطلقها لن تستطيع أن تتزوج، وهي ليست زوجة تنال حقها من زوجها، فيكون بذلك قد ظلمها ظلماً شديداً. قال تعالى:
﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾
القاضي شريح تزوج امرأة، أراد أن يمس يدها ليلة الزفاف، فقالت: على رسلك أبا أمية، ثم قامت فخطبت، قالت: أما بعد فيا أبا أمية إنني امرأة غريبة لا أعرف ما تحب، ولا ما تكره، فقل لي ما تحب حتى أطيع، وما تكره حتى أجتنبه، ويا أبا أمية لقد كان لك من نساء قومك من هي كفء لك، وكان لي من رجال قومي من هم كفء لي، ولكن كنت لك زوجة على كتاب الله وسنة رسوله، ليقض الله أمراً كان مفعولاً، فاتق الله فيّ، وامتثل قوله تعالى:
﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾
أما إمساك بغير معروف، فالزوجة لن تنال حقها من زوجها، وليست مطلقة لتتزوج، إن لم تعجبك هناك من تعجبه، إما أن تمسك بمعروف، أن تعاملها كزوجة، وتنال منك كل حظوظها المادية والمعنوية، وإما دعها وشأنها، الله عز وجل يرسل لها من يأخذ بيدها، فالنبي عليه الصلاة والسلام بكى.
أشدّ أنواع الظلم ظلم إنسان لا يستطيع أن ينتصر لنفسه :
أخواننا الكرام؛ الإنسان أحياناً يطغى:
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾
يغتني أحياناً، يشعر بنشاط، بقوة، يعلو شأنه، تزداد أمواله، فيهمل زوجته، هذه من لها إلا أنت؟ لذلك أشدّ أنواع الظلم أن تظلم إنساناً لا يستطيع أن ينتصر لنفسه.
يقول لك: مقطوعة ليس لها أحد، أو أهلها فقراء، أقل كلمة يقولها لها: اذهبي لبيت أهلك، هي تعلم علم اليقين أن أهلها لن يحتملوها، لذلك أهلها معك لا لأنك على حق، بل لأنك تحل مشكلتهم.
فأنا أقول لكم أيها الأخوة، عد للمليون قبل أن تظلم إنساناً لا يستطيع أن ينتصر لنفسه، وعندئذ يتولى الله الدفاع عنها.
يروى أن امرأةً تعيش مع زوجها، طرق الباب، ذهبت لتفتح الباب، فإذا بالباب سائل، وكانت تأكل مع زوجها دجاجاً، فهمت أن تعطيه قطعة من الدجاج يسد بها رمقه، فما كان من زوجها إلا أن سبها وعنفها، قال: اطرديه، فطردته، والعلاقات ساءت بينها وبين زوجها إلى درجة أنه طلقها، فجاء من يخطبها وكان رجلاً ميسور الحال، والشيء الذي لا يصدق أنها كانت تأكل الدجاج مع زوجها الجديد فطرق الباب طارق، فذهبت لتفتح الباب فاضطربت، شعر زوجها بها، قال: من الطارق؟ قالت: سائل: قال: لماذا اضطربت؟ قالت إنه زوجي الأول، قال: هل تعلمين من أنا؟ أنا السائل الأول. فالله يبدل الأحوال، يجعل عاليها سافلها، وسافلها عاليها.
فالإنسان يتكلم كلمة قاسية، يظلم زوجة، والله أذكر أيها الأخوة: أحد أخواننا الكرام حدثني عن رجل، آتاه الله مالاً كثيراً، خطب ابنته مهندس، فاحتقره قال له: كم تأخذ راتباً؟ خمسة آلاف؟ عشرة آلاف؟ هذا المبلغ لا يكفي، فطرده، والأيام دارت، وهذا الإنسان افتقر- والله عز وجل يدهش إذا أعطى، ويدهش إذا أخذ- وكان له أعمال في المنطقة الحرة، وعليه التزامات ضخمة، لا يستطيع أن يسدد فأفلس، هذا التاجر قال لرجل يعرفه – وهذا الرجل الوسيط هو أحد أخواننا-: هذا المهندس الذي خطب ابنتي هل تزوج؟ قال له: لا، قال له: أقنعه مرة ثانية أن يتزوج ابنتي، أقنعوه فتزوج ابنته، وهذا العم عمل عند الصهر موظفاً، الله عز وجل يجعل عاليها سافلها.
تعليم الفتاة أمور الدين أخطر من تعليم الشاب :
دقق في كلامك، عد للمليون قبل أن تظلم امرأة، قبل أن تظلم موظفاً عندك، قد تكون عنده موظفاً في المستقبل، فربنا عز وجل قال:
﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾
هذه المرأة أيضاً رسمت منهجاً، أنها لو ضمتهم إليّها جاعوا، هو الذي يكسب، ولو تركتهم إليه ضاعوا، هي التي تربيهم.
لذلك من علم فتاةً أمور دينها، وعلمها أحكام الفقه، وحقوق الزوج، وواجباتها تجاه الأولاد، من علم فتاةً علم أسرةً، والذي أراه الآن أن تعليم الفتاة أمور الدين أخطر من تعليم الشاب، لأن هذه الفتاة في النهاية أم، وزوجة، فإذا عرفت أمر دينها رعت أولادها وربتهم التربية العالية.
اللعب بدين الله يفسد العلاقة بين الأزواج :
الآن العقاب:
﴿ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ﴾
يوجد هنا حكم فرعي، تقعد مع فتاة وتقول: إن شاء الله مثل أختي، لا هي ليست أختك، إن شاء الله مثل أمي، إن شاء الله مثل خالتي، هي أجنبية، وتشتهيها، وتملأ عينيك من محاسنها، وتعمل على الناس دجلاً، مثل أختي إن شاء الله، هذا كلام فارغ. قال:
﴿ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ﴾
تقول: هي عليّ كظهر أمي، هي ليست أمك هي زوجة، لها حق عندك، أمك موضوع ثان.
﴿ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ﴾
فقط، لا تدخل شعبان برمضان، مثل أختي، ومثل خالتي، ومثل عمتي، خالتك شيء، وعمتك شيء، هي امرأة غريبة، أجنبية تُشتهى، يمكن أن تزل قدمك فتقع في الفاحشة.
إنسان مقيم بجدة، زوجته أرادت أن تذهب إلى بيت أهلها في الشام، أرسلها مع سائق على انفراد، من جدة إلى الشام، قال: هذا الشخص موثوق، ما هذا الكلام؟ امرأة شابة، في ريعان الشباب، ترسلها مع سائق إلى الشام ليومين وليلة، وتقول: موثوق؟! هذا لعب بدين الله، هذه الآية دقيقة:
﴿ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ﴾
أي غداء مشترك، خمس كنائن أو ست مع أزواجهن، نحن أسرة واحدة، لا نحب أن نفرق العائلة، هذا الشب نظر إلى امرأة أخيه، فرآها أجمل من زوجته بكثير، ماذا حدث معه داخلياً؟ نظر إلى امرأة أخيه الثانية، كلامها أحلى، نظر إلى امرأة أخيه الثالثة قوامها أجمل، نظر إلى امرأة أخيه الرابعة مثقفة، كلامها منطقي، إذاً ماذا حصل في الداخل؟ في الخارج لا يوجد شيء، أهلية بمحلية، بالداخل ماذا حصل؟ فسدت العلاقات بين الأزواج، ودائماً الشيطان يزين لك المرأة الأجنبية، ويبخس في نظرك زوجتك، دائماً هناك عزوف عن الزوجة، وتعلق بامرأة أجنبية، هذا من عمل الشيطان، المؤمن بالعكس، يزهد فيما سوى زوجته، ويتعلق بزوجته، قال:
﴿ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ﴾
كلام كذب، وكلام منكر.
﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾
كفارة يمين الظّهار :
إذا الإنسان لم يكن يعرف:
﴿ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ﴾
كلمة كبيرة جداً:
﴿ ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ﴾
لأنك قلت: أنت عليّ كظهر أمي وحرمتها على نفسك، عقابك صيام شهرين متتابعين، هل تستطيع؟ فكر، هذا كفارة يمين الظهار، كفارة يمين الظهار صيام شهرين متتابعين.
﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ﴾
قبل أن يضع يده على يدها يجب أن يصوم ستين يوماً، لأنه هي لها حق عندك، هي زوجة، حبست نفسها من أجلك، أين تركتها و غادرت؟ حبست نفسها من أجلك.
﴿ فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾
يجب أن تعاملها كزوجة، في المبيت، وفي الإنفاق، وفي المعاشرة، وفي المسكن، وإلا طلقها، والطلاق له حساب طويل عند الله، لا تطلق المرأة إلا من ريبة، وأبغض الحلال إلى الله الطلاق، والطلاق يهتز له عرش الرحمن.
تكامل الأنثى مع الذكر :
شيء آخر: إن النساء خلقن من ضلع أعوج، وإن أعوج ما فيه أعلاه، فإذا ذهبت تقيمه كسرته، وكسرهن طلاقهن، فاستمتعوا بهن على عوج.
هكذا علمنا النبي عليه الصلاة والسلام، طبعاً لها عقلية غير عقليتك، لها تفكير غير تفكيرك، لأنها أنثى مصممة بعقلها، وجسمها، ونفسيتها، وعلاقاتها أن تكون أنثى، تتكامل معك، فلو أنها تشبهك لما تفاهمت معها، لو أنها تشبهك لكانت نداً لك، هي تتكامل معك.
الابتعاد عن الظلم و الاستقامة على أمر الله :
أيها الأخوة؛ ملخص هذا الدرس إياكم أن تظلموا إنساناً لا يستطيع أن ينتصر لحقه عندئذ يتولى الله الانتقام، والله إذا انتقم فانتقامه مخيف.
﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾
هؤلاء الذين يطلقون زوجاتهم طلاقاً تعسفياً، هؤلاء لهم عند الله حساب كبير، لو أن قدمها زلت، وانحرفت، وأنجبت من ذريتها مئات الفتيات الفاسدات، كل هذا الفساد في صحيفة الذي طلقها طلاقاً تعسفياً.
﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾
أي لينجُ الإنسان بجلده من الله عز وجل، ليكن مستقيماً، ويؤدي الحق إلى أهله، ليكن محسناً.
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم..