- أحاديث رمضان
- /
- ٠17رمضان 1431 هـ - أمثال القرآن الكريم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الله عز وجل يتعجب من هذا الذي يفعل ما يتمنى ولا يعبأ بالنتائج :
أيها الأخوة الكرام, الآية اليوم:
﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾
الإنسان أحياناً في سفره يخطئ في الطريق, وإصلاح هذا الخطأ يحتاج إلى نصف ساعة, لكن لو شخص قطع ألف كيلو متر بالخطأ, إصلاح هذا الخطأ يحتاج إلى أيام.
فالضلال البعيد: الإنسان قد يبتعد عن الحق ابتعاداً كبيراً جداً, فالترميم صعب, لذلك: الله عز وجل تعجب من هذا الذي يفعل ما يتمنى وما يشتهي, ولا يعبأ بالنتائج, قال تعالى:
﴿فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ﴾
مغادرة الدنيا أخطر حدث مستقبلي يصيبنا جميعاً :
أخواننا الكرام, البطولة أن تعيش المستقبل, معظم الناس يعيشون الحاضر, ويتغذون بالماضي, لكن العقلاء يعيشون المستقبل, وأخطر حدث مستقبلي يصيبنا جميعاً مغادرة الدنيا, والمغادرة لا تعلم متى, بل قد لا تتوقع متى:
﴿فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾
أيها الأخوة, كل مخلوق يموت, ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت:
والليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر والعمر مهما طال فلا بد من نزول القبر
وكل ابــن أنثى وإن طالت سلامــته يـــوماً على آلة حدبـــاء محمول
فإذا حمــــلت إلى القبور جنــازة فاعــــلم بأنــــك بعدها محمول
***
أخواننا الكرام, مرة شيعت جنازة لأحد أخوتنا الكرام -رحمه الله- حينما فتح النعش, ووضع هذا الجثمان في القبر, وضعت البلاطة الكبيرة, وأهيل التراب على هذا القبر, أقسم لكم بالله ما رأيت على وجه الأرض إنساناً أعقل ممن يعد لهذه الساعة, هذه ساعة لا ينجو منها أحد.
كل مخلوق يموت, ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت:
والليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر والعمر مهما طال فلا بد من نزول القبر
***
العاقل من يدخل الموت في حساباته اليومية :
أيها الأخوة, من توجيهات النبي -عليه الصلاة والسلام-:
(( أكثروا من ذكر هادم اللذات ـ مفرق الأحباب ـ مشتت الجماعات ))
(( عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ))
أعمالهم تشبه الرماد:
﴿اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾
أعمالهم تلاشت:
﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾
هباء منثوراً:
﴿لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ﴾
من الصلة بالله, من الإقبال على الله, من العروج إلى الله عز وجل:
﴿ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾
بطولة الإنسان أن يكون عمله وفق منهج الله عز وجل :
أخواننا الكرام؛ بطولتك أن يكون عملك وفق منهج الله, بطولتك أن تتوافق مقاييسك مع مقاييس القرآن. مثلاً:
﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾
((من أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة))
مضطر أن أذكر حديثاً في الصحاح:
(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))
اثنا عشر ألف إنسان مؤمن لن يغلبوا في الأرض, فإذا كان المسلمون مليار وخمسمئة مليون؛ وليست كلمتهم هي العليا, وليس أمرهم بيدهم, وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل, معنى هذا عندنا مشكلة كبيرة.
لذلك نقول: أين الخلل؟ الخلل أن نصطلح مع الله, الخلل نعوضه أو نزيله بالصلح مع الله, والتوبة إليه, والإقبال عليه, كل شخص قادر على هذا في رمضان.
النبي الكريم, صعد المنبر فقال:
(( رغم أنف عبد أدرك رمضان فلم يغفر له، إن لم يغفر له فمتى ))
هذا شهر المغفرة, شهر التوبة, شهر الصلح مع الله.
توظيف الله تعالى طغيان الطغاة لخدمة دينه والمؤمنين :
فلذلك: الواقع الإسلامي المؤلم -مليار وخمسمئة مليون- ليست كلمتهم هي العليا, والنبي يقول:
(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))
لكن, سبحان الله! لو أن الله قوى الكافر إلى ما لا نهاية فهناك مشكلة كبيرة, قال تعالى:
﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾
لو أن الكفار دائماً أقوياء, ليئس الناس, وظهر النفاق, لو أن المؤمنين دائماً أقوياء, أيضاً يظهر شيء آخر، فالله قال:
﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾
فنحن جئنا في عصرٍ المسلمون يحاربون في كل أنحاء الأرض, لكن اعتقدوا يقيناً أن الله سبحانه وتعالى لا يسمح لطاغية على وجه الأرض أن يكون طاغية إلا ويوظف طغيانه لخدمة دينه والمؤمنين, والدليل:
﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾
الجرعات المنعشة التي أكرم الله بها المسلمين :
الآن دققوا:
﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾
﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾
أخواننا الكرام, الله عز وجل رحمة بنا يعطينا أحياناً جرعات منعشة، تتالي النكبات على هذه الأمة أورثها ثقافة, أنا أسميها ثقافة اليأس, أو ثقافة الإحباط, أو ثقافة الطريق المسدود, لكن من هذه الجرعات انتصار أخوتنا في غزة على الجيش الأول, من حيث تنوع الأسلحة, والجيش الرابع في العالم, والمهيمن على المنطقة, انتصار بضعة آلاف من أخوتنا الكرام في غزة والله قلب موازين القوى في العالم, والله أحدث ارتباكاً في العقيدة العسكرية في كل أنحاء الأرض.
فالعصا الغليظة التي هي إسرائيل, هي عصا غليظة في المنطقة, مهمتها أي جهة تقول لا للغرب, تسحق, هذه مهمة العصا؛ لكن بفضل الله, وبفضل أخوتنا الكرام، و بفضل هذه المقاومة، هذه العصا الغليظة كُسِرت, كم مرة؟ كسرت مرتين؛ ألفان وستة, وألفان وثمانية, ولا تزال هذه العصا معطوبة، لذلك: نحن نعيش جرعة منعشة من الله عز وجل حينما انتصر أخوتنا في غزة.
عندنا جرعة منعشة ثانية: حينما دخلت القصر الجمهوري في تركيا امرأة محجبة, هذه أيضاً جرعة منعشة.
الجرعة الثالثة: حينما انهار النظام العالمي.
هذه ثلاث جرعات منعشة, أكرمنا الله بها, كأن الله يقول لنا: أنا -يا عبادي- موجود, الأمر بيدي, اطمئنوا, كونوا كما أريد, أكن لكم كما تريدون.