- أحاديث رمضان
- /
- ٠17رمضان 1431 هـ - أمثال القرآن الكريم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الكون كله آية كبرى تدل على وجود الله ووحدانيته وكماله :
أيها الأخوة الكرام، الآية اليوم هي قوله تعالى:
﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ* وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
أيها الأخوة الكرام، هذه الآيات التي بين أيدينا.
الكون كله آية كبرى، تدل على وجود الله، ووحدانيته، وكماله، أسماء الله الحسنى كلها نراها في الكون، نرى اللطف، نرى الرحمة، نرى الحكمة، نرى العدل، الكون كما قال بعض العلماء مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، الله عز وجل كما قال عن نفسه:
﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾
ولكن العقول تصل إليه، فرق كبير بين أن نقول تصل به أو أن تحيط به، لا يعرف الله إلا الله، حتى النبي عليه الصلاة والسلام وهو سيد الخلق، وحبيب الحق، وسيد ولد آدم، لا يعرف الله المعرفة التي تليق بالله عز وجل، لذلك العلماء قالوا: وعين العلم به عين الجهل به، وعين الجهل به عين العلم به.
أوضح مثل لو وقفت على شاطئ المحيط الهادي، وسألت كم لتراً هذا البحر؟ أية إجابة تدل عن جهل، الإجابة الوحيدة التي تدل على علم أن تقول: لا أدري، فلذلك العجز عن إدراك الإدراك إدراك.
علم الإنسان علم كسبي أما علم الله عز وجل فعلم مطلق :
أنت حينما تقول: سبحان الله! لا أدري، لا أدري أنت عالم، وأي كلام تقوله عن عدد لترات البحر فأنت جاهل، لأن هذه اللترات لا يعلمها إلا الله، فإذا كان البحر لا تدري كم لتراً، لا تدري كم مجرة، ألوف ألوف مليارات المجرات، المجموعة الشمسية بأكملها في درب التبابنة، نقطة درب التبابنة مجرة صغيرة، فيها نقطة على شكل مغزل، فيها نقطة هي المجموعة الشمسية، والأرض أحد كواكب المجموعة الشمسية، وأربع أخماسها بحر، وخمسها يابسة، ونحن في قارة آسيا، وفي بلد صغير، وفي مدينة، وفي بيت، فلذلك هذا الكون لا يحيط به إلا الله عز وجل، فالإنسان حينما يقول: أعلم، فهو لا يعلم، فإذا قال: لا أعلم، فهو العالم، من هنا قالوا: نصف العلم لا أدري، عود نفسك أن تقول: لا أدري، لا تخجل بجلسة سئلت عن آية قل: لا أدري، أبحث عنها إن شاء الله، علمك كسبي أما علم الله فمطلق:
﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا ﴾
آيات الله عز وجل لا تعد و لا تحصى :
الله عز وجل كم آية له؟ أولاً: الآيات الكونية لا تعد ولا تحصى.
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
* * *
طعامك آية، شرابك آية، الماء آية، الهواء آية، النبات آية، الحيوان آية، الكواكب آية، المجرات آية، وكل آية فيها مليارات الآيات، وكل آية من المليارات فيها مليارات الآيات، فهذا الكون يدل على عظمة الله، هذا الكون آياته الكونية خلقه، هناك آياته التكوينية أفعاله، حينما انتصر الصحابة الكرام هذه من أفعاله، وحينما يقع ما يقع كل يوم أنا أتمنى عليكم ألا تفهموا الأخبار فهماً محدوداً، أو فهماً أرضياً، افهم الأخبار فهماً توحيدياً، كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، آيات الله الدالة على عظمته لا تعد ولا تحصى منها كونية، ومنها تكوينية، ومنها قرآنية، لذلك:
﴿ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا ﴾
هو انسلخ منها، ليس سلخناه منها، انسلخ منها باختياره، أي يحدثك عشر ساعات عن السيارات، وعن البيوت، والمشاريع، والجمعيات، وسفره إلى أوربا، وماذا شاهد، تجده غارقاً إلى قمة رأسه في الدنيا، وحينما تفتح معه موضوعاً متعلقاً بالآخرة أو بالدين يتثاءب فوراً، يقول لك: متعب، البارحة ما نمت، قبل هذا الحديث كنت سهراناً، ونشطاً، ويقظاً، عندما صار الحديث دينياً صرت متعباً، لأنه بعيد عن هذا الموضع، فلذلك إذا شخص منكم رغب أن يسمع درس دين فهذه من نعم الله الكبرى، يتفاعل مع درس دين من نعم الله الكبرى، ينتفع من درس دين من نعم الله الكبرى، يؤثر درس الدين في سلوكه من نعم الله الكبرى، تقلبه إلى إنسان سعيد من نعم الله الكبرى.
أكبر عطاء إلهي أن يكون الإنسان حكيماً :
لذلك إذا دخل الإنسان إلى المسجد فليقل:
((اللَّهمَّ افْتح لي أبواب رحمتك))
ماذا يوجد في الجامع؟ الجلوس على الأرض، كأس عصير لا يوجد، فنجان قهوة لا يوجد، لكن هناك رحمة الله، ما هذه الرحمة؟ تصبح حكيماً، بالحكمة تسعد بزوجة من الدرجة الخامسة، ومن دون حكمة تشقى بزوجة من الدرجة الأولى، أنت بالحكمة تتدبر المال القليل، ومن دون حكمة تبدد المال الكثير، بالحكمة تجعل الأعداء أصدقاء، من دون حكمة تجعل الأصدقاء أعداء.
بصراحة يمكن أكبر عطاء إلهي أن تكون حكيماً، وأكبر عقاب إلهي أن يكون الإنسان أخرقاً أي أحمقاً، يرتكب حماقات يدفع ثمنها طوال حياته، تجد زوجين؛ زوجة بأعلى درجة من الجمال، والحسب والنسب، زوجها بعيد عن الله بساعة غضب يطلقها، وعنده أولاد منها، الأولاد تشردوا، تجد إنساناً مؤمناً عنده زوجة من الدرجة الخامسة، يسعد بها أيما سعادة، بيت جنة بمعرفة الله.
آيات الله الدالة على عظمته :
فلذلك أيها الأخوة الكرام، لا أعتقد أن إنساناً في الأرض إلا ويسعى إلى السعادة، السعادة بطاعة الله:
﴿ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾
﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا ﴾
آيات كونية، آيات تكوينية، آيات قرآنية، كل شيء في هذا الكون يدل عليه، يدل على حكمته، على رحمته، أي هذا الصوص في البيضة، كيف يخرج منها فهي محيطة به؟ دقق، ينمو له نتوء مؤنف كالإبرة على منقاره، بهذا النتوء يكسر قشرة البيضة، فإذا خرج منها هذا النتوء ضمر ليعود المنقار كما كان عليه، يد من؟ والإنسان فتح الله له ثقباً بين الأذنين، الدم ينتقل مباشرة من أذين إلى أذين، وطريق الرئتين مغلق، لأنه لا يوجد هواء، بعد الولادة يفتح الطريق، تأتي جلطة تغلق هذا الثقب، يد من هذه؟ وهذا الثقب لو لم يغلق لكانت حياة الإنسان جحيماً لا يطاق، لونه أزرق، داء الزرق، من أغلق هذا الثقب؟
وأنت نائم، وأنت غارق في النوم، يتجمع اللعاب في فمك، تذهب إشارة إلى الدماغ، لقد زاد اللعاب في الفم، والدماغ يعطي أمراً وأنت نائم إلى لسان المزمار، فيغلق فتحة الهواء، ويفتح فتحة المريء، ويسري اللعاب إلى المعدة.
وأنت نائم وغارق في النوم هيكلك العظمي فوقه عضلات، وتحته عضلات، وزن الهيكل العظمي مع العضلات التي فوقه تضغط على ما تحته، هذه نقاط الإحساس بالضغط ترسل للدماغ إشارة، ضُغطنا، أي الأوعية الدموية ضاقت لمعتها، فشعرت بالتنميل والخدران، يأتي أمر فتتقلب.
﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾
تقلب الإنسان في الفراش من آيات الله الدالة على عظمته.
الله عز وجل لا تدركه الأبصار و لكن العقول تصل إليه :
والله أيها الأخوة جسمك فقط الذي هو أقرب شيء إليك فيه مليار مليار مليار آية، لكن لا أحد ينتبه، وشدة القرب حجاب:
﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا ﴾
جسمك آية، طعامك آية، هذا الماء آية، الشراب آية، الحليب آية، الألبان من الأنعام من آيات الله العظمى، البيض آية، الخضراوات آية، الفواكه آية، الورود آية، الجبال، الأمطار، البحار، البحيرات، الوديان، السهول، الصحارى، لمَ لا يجول فكرك في هذه الآيات؟ لمَ لا تعرف الله من خلال خلقه؟ لا يوجد طريق ثان، الدليل دقق:
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
لا يوجد طريق ثان، الله عز وجل:
﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾
ولكن العقول تصل إليه.
من ينسلخ من آيات الله عز وجل يصبح لقمة سائغة للشيطان :
﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا ﴾
أي الفسق بالأرض، بشهواتها، ببيوتها، بدخولها، بتجاراتها، بأموالها:
﴿ فَانسَلَخَ مِنْهَا ﴾
عندما انسلخ من آيات الله أصبح لقمة سائغة للشيطان، يأتي الشيطان ويركبه، ويسخره، لذلك يرتكب الإنسان حماقات لا يعلمها إلا الله، هذه الحماقات ما أسبابها؟ البعد عن الله عز وجل، الإنسان حينما يبتعد عن الله الشيطان جاهز كي يقنص هذا الإنسان، قال تعالى:
﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ﴾
أي فكرت بهذه الآيات؟ عظّمتَ الله عز وجل؟ صليت؟ أقبلت عليه؟ بحثت عن منهجه؟ أخذت الحلال وتركت الحرام؟ وصلت المؤمنين؟ رجعت لمرجع ديني استقيت منه المعلومات؟ سألت عن قضايا كثيرة، هل صار لك مرجع لشرح الكتاب، السنة، فإن كان هناك قضية لم تفهمها في الكتاب والسنة، قال تعالى:
﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾
عندك عالم، كتاب، سنة، هذه مراجع المسلم، ولا يوجد عنده مرجع آخر.
﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ﴾
المشيئة نعمة كبيرة لأن من اختار الخير والحق ارتقى عند الله عز وجل :
أي هذا الإنسان لو أراد الهدى، شاءت مشيئة الله أن يهتدي، بالمناسبة هنا مشيئة الله مرتبطة بمشيئة الإنسان، كيف؟
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
لكن هذه المشيئة لولا أن الله مكنكم أن تشاؤوا، لم تشاؤوا، لولا أن الله سمح لهذا العبد أن يشاء لما شاء شيئاً، فالمشيئة نعمة كبيرة أنك مخير، إن اخترت الخير والحق ارتقيت عند الله عز وجل:
﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾
أذكر مرة إنساناً من وجهاء بعض الأحياء، إن صلى وراء الإمام لا يسمح للإمام أن يزيد كلمة عن الصفحة التي قرأها، إذا زاد كلمة تقوم الدنيا ولا تقعد، هذا الإنسان استوقفه إنسان في الطريق، تحدث معه عن البيوت، وأسعار البيوت، والأراضي ساعة ونصف وهو واقف على قدميه ولم يعترض، أما عن كلمة تزيد عن الصفحة يعترض، الإنسان لا ينتبه، عندما تأتي الأمور لمصالحه، الوقت ليس له قيمة، يقف ساعتين وثلاثة يقول لك: سهرنا لبعد الصبح، أما قضية دين، ودعوة إلى الله، فلا يوجد عنده وقت، عنده متاعب، عنده هموم، الليلة السابقة لم ينم فيعتذر:
﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾
الشكوى صفة من صفات الإنسان :
الشيء المؤلم:
﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ﴾
إن كان شبعاناً يلهث وإن كان جوعاناً يلهث، يقول لك: الربح قليل، كأن يربح هذا العام مئة مليون، لكنه في العام الماضي كان قد ربح مئة وخمسين، يقول لك: السوق واقف، الحياة لا تعاش، على مئة مليون لا تعاش؟ كيف يعيش الموظف على عشرة آلاف في الشهر؟ دائماً يلهث، هناك شخص يشكو دائماً، إن ربح يشكو، وإن لم يربح يشكو، بعد الزواج يشكو، بلا زوجة يشكو، هذه الشكوى صفة من صفات الإنسان:
﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾