- السيرة / ٠1السيرة النبوية
- /
- ٠1هدي النبي صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أعظم أسباب شرح الصدر :
1 ـ التوحيد :
أيها الأخوة، هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أسباب شرح الصدر.
كل واحد منا له جسم وله نفس، و الأصل هي النفس؛ لذلك قد يسعد وجسمه معذب، وقد يشقى وجسمه منعم، وكل واحد منا شاء أم أبى يبحث عن راحة نفسه؛ والراحة النفسية شيء ثمين جداً؛ ففي كتاب زاد المعاد فصل في أسباب شرح الصدر، يقول: أعظم أسباب شرح الصدر التوحيد، وكلما ازداد التوحيد ازداد انشراح الصدر, قال تعالى:
﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾
وقال تعالى:
﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾
فشرح الصدر شيء نفيس جداً، قال تعالى:
﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾
شرح الصدر يحتاج إلى توحيد والشرك يورث الشقاء والضلال :
الراحة الداخلية، الشعور بالسكينة، الشعور بالسعادة، بالطمأنينة؛ الاطمئنان لعدالة الله، الاطمئنان لحكمة الله، الاطمئنان لرحمة الله، هذه الحالة الداخلية وردت بثلاث آيات:
﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾
يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام؛ حياته كلها كانت متاعب، لكن الله شرح صدره، وقد تجد أناساً غارقين في المتع، في الغنى، في الشهوات؛ وهم أشقى الناس.
قال: "التوحيد من أعظم أسباب شرح الصدر".
قال تعالى:
﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ﴾
بالمقابل شرح الصدر يحتاج إلى توحيد، والشرك يورث الشقاء والضلال؛ و الضلال من أعظم أسباب ضيق الصدر وانحراجه، والنور الذي يقذفه الله في قلب المؤمن هو نور الإيمان؛ فإنه يشرح الصدر ويوسعه، ويفرح القلب، فإذا فقد هذا النور من قلب العبد ضاق وحرج، وصار في أضيق سجن وأصعبه, وقد روى الترمذي في جامعه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((إذا دخل النور القلب انفسخ وانشرح قالوا: فما علامة ذلك يا رسول الله؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله))
2 ـ النور الذي يقذفه الله في قلب العبد المنيب :
إذاً أول شيء التوحيد، ثاني شيء هذا النور الذي يقذفه الله في قلب العبد المنيب هذا أحد أسباب شرح صدره.
3 ـ العلم :
الشيء الثالث: العلم، فإنه يشرح الصدر ويوسعه، حتى يكون أوسع من الدنيا، والجهل يورثه الضيق والحصر والحبس ؛ فكلما اتسع علم العبد انشرح صدره واتسع، أما ليس هذا لكل علم - العلم الموروث عن رسول الله - كم من إنسان يحمل أعلى شهادة، أعلى دكتوراه، أعلى شهادة في الطب، أعلى شهادة في الفلسفة، يحمل "أكرجيه" أو "إف آر إس" من بريطانيا أو بورد من أمريكا؛ وهو أشقى الناس، كل علم ممتع ، هناك علم ممتع نافع- من معه اختصاص نادر يأتيه دخل كبير- أما العلم المقصود به هو العلم الموروث عن رسول الله - العلم الشرعي - هذا العلم ممتع كأي علم، و نافع كأي اختصاص نادر، ومسعد في الدنيا والآخرة، فكلما اتسع علم العبد انشرح صدره واتسع، و ليس هذا لكل علم، بل للعلم الموروث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو العلم النافع فأهله أشرح الناس صدراً، وأوسعهم قلوباً، وأحسنهم أخلاقاً، وأطيبهم عيشاً.
التوحيد، النور الذي يقذف في القلب، العلم.
4 ـ الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى ومحبته والإقبال عليه :
ومنها الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى، ومحبته، والإقبال عليه، والتنعم بعبادته، فلا شيء أشرح لصدر العبد من ذلك، حتى إن أحدنا ليقول أحياناً إذا شعر بالسعادة: كأني في الجنة، فهو إذاً في عيش طيب، أي الله عز وجل يذيقه في الدنيا أحوال أهل الجنة، وقال بعض العلماء: "في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة".
من علامة الإيمان أن تكون أسعد الناس في الدنيا مع كل المتاعب التي تعانيها، أي إذا قلنا:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾
ليس معنى هذا أنه غني، وليس معنى هذا أنه قوي، الحياة الطيبة حياة نفسية، قد تكون معذباً أحياناً، قد تكون فقيراً، قد تكون مريضاً، ولكن الله يتجلى على قلبك تجلياً تنسى كل متاعب الحياة، وقد يحجب عنك رحمته وأنت في أعلى درجات النعيم فتذوق أنواع الشقاء، وكلما كانت المحبة أقوى وأشد كان الصدر أفسح وأشرح، ولا يضيق إلا عند رؤية البطالين الفارغين من هذا الشأن؛ فرؤيتهم قذى ومخالطتهم حمق، وبالمقابل: من أعظم أسباب ضيق الصدر الإعراض عن الله تعالى، وتعلق القلب بغيره، والغفلة عن ذكره، ومحبة سواه، فإن من أحبّ شيئاً غير الله عذب به، وسجن قلبه في محبة ذلك الغير، فما في الأرض أشقى منه، ولا أكسف بالاً، ولا أنكد عيشاً ولا قلباً؛ هما محبتان؛ محبة هي جنة الدنيا، وسرور النفس، ولذة القلب، ونعيم الروح وغذاؤها بل حياتها وقرة عينها وهي محبة الله وحده، ومحبة هي عذاب الروح، وغم النفس، وسجن القلب، وضيق الصدر وهي سبب الألم والنكد والعناء وهي محبة ما سواه، هما محبتان، إن أحببت الله فأنت أسعد الناس، وإن أحببت الدنيا فأنت أشقى الناس؛ أول شيء: التوحيد، ثاني شيء: النور الذي يقذفه الله في قلب العبد، ثالث شيء: العلم، رابع شيء: الإنابة.
5 ـ دوام ذكر الله على كل حال وفي كل موطن :
خامس شيء: ومن أسباب شرح الصدر دوام ذكره على كل حال، وفي كل موطن، فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر ونعيم القلب، وللغفلة تأثير عجيب في ضيقه وحبسه وعذابه، ونفعه بما يمكنه من المال، والجاه، والنفع بالبدن، وأنواع الإحسان، فإن الكريم المحسن أشرح الناس صدراً، وأطيبهم نفساً، وأنعمهم قلباً، والبخيل الذي ليس فيه إحسان، أضيق الناس صدراً، وأنكدهم عيشاً، وأعظمهم هماً وغماً، وقد ضرب النبي عليه الصلاة والسلام مثلاً في الصحيح للبخيل والمتصدق:
((مثلَ البخيل والمتصدِّق كمثل رجلين عليهما جُنَّتان من حديد كُلَّما هَمَّ المتصدق بصدقة اتسعت عليه وانبسطت، حتى يجر ثيابه، ويعفى أثرَهُ، وكلما همّ البخيل بالصدقة لزمت كلُّ حَلْقة بمكانها، ولم تتسع عليه))
التوحيد، والنور، والإنابة والإقبال على الله عز وجل، و العلم، ودوام الذكر.
6 ـ الشجاعة :
ومن أسباب انشراح الصدر: الشجاعة؛ فإن الشجاع منشرح الصدر، واسع القلب، والجبان أضيق الناس صدراً، وأحصرهم قلباً، ولا فرحة له ولا سرور، ولا لذة له ولا نعيم؛ إلا من جنس ما للحيوان البهيمي - لذائد الكافر لذائد بهيمية؛ يأكل، يتصل بالجنس الآخر؛ يشعر بمتع، هذه المتع تعقبها كآبة - وأما سرور الروح، ولذتها، ونعيمها، وابتهاجها، فمحرم على كل جبان كما هو محرم على كل بخيل؛ فالبخل والجبن لا يجتمعان في مؤمن، الشجاعة والكرم من صفات المؤمن، والبخل والجبن لا يجتمعان في مؤمن، وهما أحد أسباب ضيق الصدر؛ لذلك كل معرض عن الله عز وجل، غافل عن ذكره، جاهل بأسمائه، متعلق القلب بغيره، هذا في شقاء، وكل إنسان كثير الذكر، منيب إلى الله، في قلبه نور؛ هذا واسع الصدر.
7 ـ إخراج دغل القلب من الصفات المذمومة التي توجب ضيقه وعذابه :
ومن أسباب شرح الصدر إخراج دغل القلب من الصفات المذمومة التي توجب ضيقه وعذابه، وتحول بينه وبين حصول البرء؛ فإن الإنسان إذا أتى الأسباب التي تشرح صدره، ولم يخرج تلك الأوصاف المذمومة من قلبه، لم يحظ من انشراح صدره بطائل، أحياناً هناك تعلقات، و أمراض بالنفس؛ إذا ما أزالها فهناك ضيق بالصدر.
8 ـ ترك فضول النظر والكلام والاستماع والمخالطة والأكل والنوم :
ومن أسباب شرح الصدر، قال: ترك فضول النظر، والكلام، والاستماع، والمخالطة، والأكل، والنوم؛ فإن هذه الفضول تستحيل آلاماً وهموماً، هموماً في القلب، نظر زائد، استماع زائد، مخالطة زائدة، أكل، نوم، هذه تحيل الإنسان إلى مجموعة آلام و هموم.
النبي عليه الصلاة والسلام هو أكمل الخلق في كل صفة من تلك الصفات الله عز وجل قال:
﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴾
هناك نعيم في الدنيا؛ العمل الصالح يسعد؛ إن كنت أديته بإخلاص تسعد.
النبي عليه الصلاة والسلام كان أكمل الخلق في كل صفة يحصل بها انشراح الصدر، واتساع القلب، وقرة العين، وحياة الروح، فهو أكمل الخلق في هذا الشرح والحياة، وقرة العين مع ما خص به من الشرح الحسي، وأكمل الخلق متابعة له، وأكملهم انشراحاً ولذة وقرة عين، وعلى حَسب مُتَابعَته ينال العبد من انشراح الصدر، بقدر اتباعك للنبي ينشرح صدرك، وهكذا لأتباعه نصيب من حفظ الله لهم، وعصمته إياهم، ودفاعه عنهم، وإعزازه لهم، ونصره لهم بحسب نصيبهم من المتابعة - هذا من أخطر الدروس - أنه كل واحد منا يسعى إلى راحة النفس، إلى شرح الصدر، إلى التألق الداخلي، والتألق الداخلي و انشرح الصدر والراحة النفسية هذه كلها لها أسباب، وهي نهاية المنى، ومحط الرحال، وغاية الآمال، وأسبابها واضحة.
هذه الأسباب دقيقة جداً؛ التوحيد، النور، العلم، الإنابة، دوام الذكر، الإحسان إلى الخلق، الشجاعة، الكرم، ترك فضول النظر، ترك فضول الكلام ،الاستماع والمخالطة، والأكل والنوم.
الحالة النفسية للمؤمن تجعله يصبر على الطاعة و على قضاء الله وقدره :
والنبي كان أكمل الناس شرحاً لصدره؛ كل من تابعه في سنته له من شرح القلب نصيب، وأكبر شيء يميز المؤمن هذه الحالة النفسية له؛ و الحالة النفسية هي أكبر دعم له، هذه الحالة تجعله يتحمل كل المتاعب، الحالة النفسية تجعله يصبر على الطاعة، ويصبر عن الشهوة، ويصبر على قضاء الله وقدره؛ الدعم الداخلي، معنوياته عالية جداً، تألقه شديد؛ وهذا يجعله يستقطب من حوله استقطاب محبة، استقطاب تقدير، هذا يجعله قوي الإرادة، عزيمته عالية جداً، فإذا وصلنا لهذا الانشراح في الصدر قال تعالى:
﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَض ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾