- السيرة / ٠1السيرة النبوية
- /
- ٠1هدي النبي صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
هديه صلى الله عليه وسلم في النكاح ومعاشرته لأهله :
أولاً: صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال:
((حُبِّبَ إِليَّ من دنياكم النساء، و الطِّيبُ، وجُعِل قُرَّةُ عَيْني في الصلاة))
هذا لفظ الحديث ومن رواه على هذه الرواية فقد أخطأ، الرواية الغلط:
حبب إلي من دنياكم ثلاث، لأن الصلاة ليست من الدنيا، هذه رواية غير صحيحة:
((حُبِّبَ إِليَّ من دنياكم الطِّيبُ، والنساء، - وقف - وجعلت قرة عيني في الصلاة))
لأن الصلاة ليست من أمور الدنيا التي تضاف إليها.
وكان يطوف على نسائه، وكان يقسم بينهن في المبيت والإيواء والنفقة، أي يساوي بينهن في المبيت والإيواء والنفق.
والتعدد مسموح به بشرط العدل، لا العدل المطلق بل العدل التام، والعدل المطلق يشمل ميل القلب؛ وهذا لا يستطيعه البشر، بينما العدل التام يشمل الإنفاق، والمبيت، والسكنى؛ أي البيت، والمصروف، والمبيت. أما المحبة فكان عليه الصلاة والسلام يقول:
(( اللهم هذا قَسْمي فيما أملك فلا تَلُمني فيما تَملك ولا أَملك ))
العدل التام، المطلق لن تعدلوا، أما التام فضمن الإمكان، من عنده أولاد يعدل بينهم عدلاً تاماً، أما قد يميل قلبه إلى واحد دون آخر لفهمه السريع، لبره الشديد، لاستجابته السريعة، وكذلك الزوجات.
الحكمة من أن النبي عليه الصلاة والسلام أكثر الأمة نساء :
وكان عليه الصلاة والسلام أكثر الأمة نساء، أي أكثر إنسان في أمته رزقه الله بالبنات، فالإنسان إن كان عنده بنات كثيرات لا ينبغي أن يتألم؛ لأن سيد الخلق خصّ بهذه الخصيصة - هو كان يتيماً ففي هذا اليتم جبر لخاطر الأيتام - ورزق بالبنات الكثيرات، وفي هذا اليتم جبر لخاطر الذين أنجبوا بنات كثيرات، وقال عليه الصلاة والسلام:
((تزوجوا فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء))
سبحان الله، إن الفتاة في البيت، أو إن الفتاتين كافيتان لدخول أبيهما الجنة، فكل إنسان يرعى بناته رعاية تامة، حتى لو واحدة؛ يدخل بسببها الجنة.
هناك أشخاص يضربون أبناءهم تأديباً، أما البنت فلا تضرب؛ لأنها أكثر قرباً لأبيها من أي شيء آخر، والبنت طبيعتها حساسة؛ أي تفهم بكلمة؛ فالبنت لا تضرب؛ يجب أن تعامل أرقى معاملة لأنها سيدة بيت؛ ومن علّم فتاة علّم أسرة، هذه البنت التي تربيها سيكون لها زوج وأولاد وبنات، فكلما ربيتها على حسن الخلق، وعلى اللين في المعاملة، انعكس هذا على بيتها وأولادها.
و: طلق عليه الصلاة والسلام امرأة قالت له: أعوذ بالله منك، هو مشرع، وزوجاته ينقلن عنه التشريع، هذه رآها ضعيفة التفكير؛ كلام لا يقال إطلاقاً، لذلك قال:
((الحقي بأهلك))
وطلق وراجع وآلى إيلاء مؤقتاً بشهر - أي أدب بعض نسائه بمقاطعتهن شهراً - ولم يظاهر أبداً - ما ظاهر امرأة قط - قالت:
((يا رسول الله إن زوجي تزوجني وأنا شابة ذات أهل ومال، فلما كبرت سني، ونثر بطني، وتفرق أهلي، وذهب مالي، قال: أنت علي كظهر أمي - فبكى النبي عليه الصلاة والسلام - وله مني أولاد، إن تركتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا، فسمع الله شكواها من فوق سبع سموات))
شروط الدعاء :
بالمناسبة أخواننا الكرام الله عز وجل يستجيب دعاءين استثناء لشروط الدعاء؛ الدعاء له شروط:
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾
لابد من أن تؤمن، ولابد من أن تستجيب لأمر الله ونهيه، ولابد من أن تخلص حتى تكون مستجاب الدعوة؛ إلا في حالتين: إذا كنت مضطراًً:
﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾
فإذا كنت مضطراً فأنت مستثنى من شروط الدعاء، والله يجيبك لا بحسب حالك بل بحسب رحمته، وإذا كنت مظلوماً ولو كان المظلوم كافراً يستجيب لك من فوق سبع سموات، يستجيب لك لا بحسب حالك؛ ولكن بحسب عدله، فالله باسم العدل يستجيب للمظلوم ولو كان كافراً، وباسم الرحمة يستجيب للمضطر ولو لم يطبق سلوك الدعاء.
سيرة النبي صلى الله عليه و سلم مع أزواجه :
وكانت سيرته مع أزواجه حسن المعاشرة، وحسن الخلق؛ والنبي عليه الصلاة والسلام كان يقول:
((والله ما أكرمهن إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم))
وكان يقول:
((أما يستحي أحدكم أن يضرب امرأته كما يضرب العبد يضربها أول النهار ثم يضاجعها آخره))
هذه شريكة حياة، المرأة لا تضرب؛ أما الحكم الشرعي في الضرب؛ فهذه حالات نادرة جداً، والشروط تعجيزية؛ أي لو فرضنا فتاة ليس لها أهل، ليس لها من يردعها، وهي زوجة وانحرفت؛ فلو أنك ضربتها؛ وأبقيتها عندك معززة مكرمة؛ أم أولاد، أو طلقتها وشردت، وتفلتت؛ فأيهما أولى؟!.
حالات نادرة جداً، امرأة شذت وانحرفت، ولم تصغ إلى النصيحة، ولم تستجب، فإذا ضربتها وأبقيتها عندك أولى ألف مرة من أن تدعها تتفلت، وأن تبتعد عن زجرها وردعها، أما الأصل فالمرأة لا تضرب، ويقول عليه الصلاة والسلام:
((أما يستحي أحدكم أن يضرب امرأته كما يضرب العبد يضربها أول النهار...))
وكان عليه الصلاة والسلام يسرب إلى عائشة بنات الأنصار ليلعبن معها؛ أي كان واقعياً - أخذها صغيرة - الآن إذا إنسان أخذ فتاة صغيرة ولم تكن متعقلة جداً مثله، فلا يحبها - أنت أخذتها صغيرة - الفتاة الصغيرة لها عقلية معينة، فكان عليه الصلاة والسلام واقعياً، هي صغيرة، كان يسرب لها بنات الأنصار ليلعبن معها، وكان إذا هويت شيئاً لا محذور فيه تابعها عليه - إذا كان هناك قضية لا تمثل ديناً؛ وطلبت شيئاً، وأنت ميسور، أنت لست مقتنعاً به لكن لأنها تحبه ولا محذور منه تتابعها عليه -.
لطف النبي وحسن خلقه مع أهله :
وكانت إذا شربت من الإناء أخذه صلى الله عليه وسلم ووضع فمه في موضع فمها وشرب - تحبباً إليها - وكانت إذا تعرقت عرقاً - أي أكلت لحماً مع العظم، وهو العظم الذي عليه لحم - أخذه فوضع فمه موضع فمها - أيضاً تحبباً لها - وكان يتكئ في حجرها، ويقرأ القرآن ورأسه في حجرها، لأن اليهود كانت تتوهم أن المرأة الحائضة نجسة - هذا الشيء غير صحيح إطلاقاً، المؤمن لا ينجس أبداً، ولو أنها في الحيض - فكان عليه الصلاة والسلام يضع رأسه في حجرها، ويتكئ في حجرها، ويقرأ القرآن، و رأسه في حجرها - وربما كانت حائضاً - وكان يأمرها - وهي حائض - فتتزر ثم يباشرها، هناك حالات الإنسان قد لا يستطيع - ببعض الحالات - أن يبتعد عنها سبعة أيام فسمح النبي عليه الصلاة والسلام للمرأة أن تتزر ثم يباشرها.
وكان يقبلها وهو صائم، هذه قبلة مودة وليس قبلة شهوة - يبدو أن القبلة بين الزوجين شيء يمتن العلاقة بينهما - وكان عليه الصلاة والسلام يقبلها وهو صائم.
وكان من لطفه وحسن خلقه مع أهله أنه كان يمكنها من اللعب، ويريها الحبشة وهم يلعبون في مسجده، وهي متكئة على منكبيه تنظر، وسابقها في السفر على الأقدام مرتين؛ مرة سبقته؛ وقالوا: إنه مكنها من أن تسبقه - جبراً لها - وفي المرة الثانية، قالت: سبقني؛ قال: فلما ركبني اللحم سبقني.
أي هي ازداد وزنها، أما هو عليه الصلاة والسلام فحافظ على وزنه، قالت:
(( فسابقته فسبقته فلما حملت اللحم - ازداد وزنها - سابقته فسبقني، فقال: يا عائشة هذه بتلك))
وتدافعا في خروجهما من المنزل مرة، أي خرجا معاً من باب واحد فتدافعا، أي هو في البيت كواحد من أهل البيت – لا يوجد كهنوت، و لا هيبة، الإنسان دخل بيته فهو واحد من أهل البيت - هذه من السنة.
أنا جداً أحترم أباً يلعب مع أولاده، أحياناً يأخذهم بالعيد لمكان، يلعب معهم كرة هذا من السنة:
(( من كان له صبي فليتصابَ له))
العبرة أن تربيه، وأن تأخذ بيده، وأن يتعلق بك.
الود أساس العلاقة الزوجية :
كثير من العادات ليست من الدين في شيء، أي إذا دخل الأب للبيت؛ يذهب الجميع للنوم - يخافون منه - بالعكس يجب أنه إذا دخل للبيت أن يكون هناك عيد، أي من السنة أن تكون في البيت مرحاً:
((كان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً))
كان يقول:
((أكرموا النساء، فإنهن المؤنسات الغاليات))
كان عليه الصلاة والسلام يذهب مع أصحابه من طرف المدينة الأول إلى طرفها الثاني ليزور ابنه إبراهيم يقبله، ويشمه، ويرجع.
وهذا موقف الأقرع بن حابس عندما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقبل حفيده الصغير -الحسن أو الحسين- فقال له: إن لي عشرة من الولد لم أقبل واحدًا منهم. فرد الرسول صلى الله عليه وسلم: " أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة ؟".
أي لا يصغر الأب إذا دعا أولاده وقبلهم وأمضى وقتاً معهم، و هذا من العبادة، أنا أتمنى أن يكون كل بيت جنة، ليس شرطاً أن يكون البيت كبيراً، أو فخماً، أو أكلاً طيباً، ممكن بالمودة والسرور والمحبة أن يصبح البيت جنة، ممكن أن تأكل أخشن طعام، وتسكن في أصغر بيت، والمودة موجودة، فأنت من أسعد الناس، فالإنسان إذا لم يسعد مع زوجته وأولاده فمشكلته مشكلة؛ أنا لا أتمنى أن يكون الإنسان مع الناس لطيفاً، محبوباً، أما في بيته فقاس؛ لطفك كله للبيت، المودة للبيت؛ من أخطاء المسلمين أن تلقي الزوجة والزوج كل أخلاقهم العالية للغريب، أما فيما بينهما فهناك جفاء، و قسوة بالكلام، و انتقاد مستمر، هذا يضعف العلاقة الطيبة بين الزوجين، فالود أساسي بين الزوجين.
رحمة الرسول بأهله و إحسانه إليهم :
قال: سابقها في السفر على الأقدام مرتين، وتدافعا في خروجهما من المنزل مرة، وكان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، وأنا أقول للأخوة الكرام، أحياناً الإنسان يسافر؛ فالأولى أن تكون معه زوجته - وفهمكم كفاية - الأولى أن تكون معه زوجته:
(( كان رسول الله صلى الله عليه و سلم - وهو مشرع الآن - إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ))
وكان يقول:
(( خَيرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ))
أنا عبرت - شرحت - الحديث مرة؛ أنه بشهادة القيادة يكلفونك أن ترجع على طريق متعرج، وضيق، و به علامات بلاستيكية، فإذا وقعت علامة من هذه العلامات ترسب؛ هذا أصعب شيء في القيادة أن ترجع - والطريق ضيق، والطريق ملتو، وفيه علامات يمكن أن تقع العلامة - إذا نجحت في هذا تأخذ الشهادة، لأن الباقي كله سهل، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( خَيرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ))
أصعب شيء أن تكون في البيت جيداً، أما في الخارج فلك مكانة، لك سمعة؛ حريص عليها، أحياناً تكظم غيظك بالخارج، أحياناً تعتذر، أحياناً تحسن نفسك، تلمع نفسك بالخارج، أما بالبيت فلا يوجد رقابة، فإذا كان الإنسان ببيته كاملاً، فهذا معناه أنه في الخارج كاملاً حتماً، قال عليه الصلاة والسلام:
(( خَيرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ))
جلوس الرجل مع زوجته جزء من دينه :
وكان عليه الصلاة والسلام إذا صلى العصر دار على نسائه فدنا منهن، واستقرأ أحوالهن، فإذا جاء الليل انقلب إلى بيت صاحبة النوبة، أي في النهار يطوف على كل نسائه، يتفقد أحوالهن - والجلوس مع المرأة أيضاً من العبادة؛ من لها غيرك؟ أنا كثيراً ما أسمع أحياناً شكاوى، يخرج قبل الشمس و يأتي الساعة الواحدة بالليل؛ يجعل البيت فندقاً؛ يأكل، ينام؛ هذه ألا تريد إنساناً يتحدث معها؟ ألا تريد إنساناً يؤانسها؟ فلما جعلها مقفرة عاطفياً؛ فأي إنسان حدثها كلاماً لطيفاً تميل له، وهي يجب أن تميل لزوجها، فجزء من إيمانك ودينك أن تجلس مع زوجتك - وكان عليه الصلاة والسلام إذا صلى العصر دار على نسائه فدنا منهن، واستقرأ أحوالهن، فإذا جاء الليل انقلب إلى بيت صاحبة النوبة؛ فخصها بالليل، وقالت عائشة: "كان لا يفضل بعضنا على بعض في مكثه عندهن في القسم- العدل- وقل يوم إلا كان يطوف علينا جميعاً- يتفقد أحوالهن-".
((مرة عليه الصلاة والسلام وَجَدَ عَلَى صَفِيَّةَ - تألم منها - فِي شَيْءٍ ؛ فقالت لعائشة: هَلْ لَكِ أَنْ تُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِّي - تعاونيني - وأهب َلَكِ يَوْمِي؟ قالت: نعم، فقَعَدَتْ عائشة إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم، في يوم صفية، فقال: إِلَيْكِ عَنِّي يَا عَائِشَةُ؛ فإنه لَيْسَ يَوْمَكِ، - هذا ليس يومك؛ هو كان متألماً من صفية، الألم غير العدل؛ متألم منها وهذا اليوم يوم صفية - فقال لها: إليك عني، هذا اليوم يوم صفية، فَقَالَتْ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، وأخبرته بالخبر فَرَضِيَ عَنْهَا ))
علاقة الإنسان بزوجته أقرب وأطول وأمتن علاقة :
وكان عليه الصلاة والسلام إذا سافر وقدم لم يطرق أهله ليلاً، وكان ينهى عن ذلك؛ أحياناً -هكذا سمعت- هناك شخص يسافر أسبوعاً أو أسبوعين يأتي من دون اتصال هاتفي؛ فجأة يدخل البيت، الإنسان يتمنى أن يرى زوجته بعد السفر على نحو يرضى عليها به؛ فلو طرق ليلاً، أو طرق من دون إعلام، قد تكون في وضع متعب، قد تكون بهيئة غير مرضية، قد تكون تنظف البيت؛ هذا الشيء لا يرضيه، فكان عليه الصلاة والسلام بعد كل سفر يمكث في ظاهر المدينة يوماً مع أصحابه، ليعلم النساء بقدومه وقدوم أصحابه، فيهيئن أنفسهن، و ينظفن البيت، يهيئن الأولاد، يتزين -هذا من السنة- فكان عليه الصلاة والسلام إذا سافر أو قدم من سفر لم يطرق أهله ليلاً، وكان ينهى عن ذلك؛ الحقيقة أن نجاح الإنسان بزواجه شيء مهم جداً، وشيء ينعكس على عمله، نجاحك بزواجك ينعكس على عملك، وأنا كثيراً ما أسمع من بعض الأخوة الكرام أنه قبل أن يلتزم، قبل أن يصطلح مع الله؛ كان زوجاً فظاً، كان قاسياً، معاملته خشنة، فلما عرف الله صار إنساناً آخر، أي إذا لم تقل الزوجة بصراحة أنت لم تكن كذلك؛ فمعنى ذلك صلحك مع الله غير صحيح؛ من علامة صلحك مع الله أن تقول أقرب الناس إليك: قد تغير مئة وثمانين درجة؛ تغير، لم يكن كذلك؛ صار لطيفاً، صار حليماً، صار رحيماً، صارت كلماته مدروسة كلها، هذا من علامة الإنسان إذا اصطلح مع الله؛ والحقيقة التشريع الإسلامي فيه تفاصيل كثيرة عن علاقة الإنسان بزوجته، لأن هذه أقرب علاقة، وأطول علاقة، وأمتن علاقة.
سأقول لكم كلمة: مئة تصرف ذكي، وحكيم، ومخلص، يشد إنساناً إليك، تصرف واحد أحمق يبعده عنك، أي من السهل جداً أن تخرب علاقتك الزوجية؛ ومن الصعب أن تشدها لك بأساليب متنوعة، فالبطولة أن الإنسان يقلد النبي في زواجه، فالنبي كان من أسعد الناس في بيوته، كان هناك مشكلات؛ والمشكلات ضرورية جداً؛ لولا هذه المشكلات ما كان قدوة لنا؛ صار هناك غيرة بين زوجاته، وأحياناً طلبات، وخصومات، هذا جرى في بيت النبي فأنا أقول كلمة: ليست البطولة ألا تبتلى، ولكن البطولة إذا ابتليت أن تقف الموقف الكامل.
عظمة الزواج الإسلامي أن الله بين الزوجين :
و:
((إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم))
أي ليس دائماً الزوجة يرضيها أن يكون معك ملايين، لا، بل ممكن أن تأكل أخشن الطعام مساء، تسكنها بأصغر بيت، يكون كل شيء متواضعاً في بيتك، لكنك أنت جيد، كلامك لين، وقد فسر العلماء قوله تعالى:
﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾
فقالوا: ليست المعاشرة أن تمتنع عن إيقاع الأذى بها، بل أن تحتمل الأذى منها، والصبر على الزوجة جزء من العبادة، وقلت مرة: إن عظمة الزواج الإسلامي أن الله بين الزوجين؛ كيف بينهما؟ أي هو يتقي الله في معاملته لزوجته فلا يظلمها - يخشى الله - ويتقرب إلى الله بخدمته لها، والغض عن مساوئها، وهي تخشى الله في أن تظلمه، فلا تظلمه، وتتقرب إلى الله في خدمتها له، والغض عن مساوئه؛ فإذا صح هذا بين الزوجين استمر الزواج، وكان زواجاً ناجحاً وسعيداً؛ فالإنسان يجب أن يكون حكيم نفسه يا أخوان؛ العمر لا يحتمل خصومات؛ أسمع عن أزواج أحياناً يحاربها شهراً ، شهرين، ثلاثة؛ هل ستعيش مليون سنة؟ إذا نصف وقتك محارب لها، ما هذه الحياة؟! هذا نوع من أنواع الشيطان، والشيطان أحد أكبر مهماته التفريق بين الزوجين، أحد أكبر مهماته؛ فكل حركة نحو الجفاء والبعد بين الزوجين حركة من الشيطان، والله عز وجل لا يرضيه إلا أن تكونا متفاهمين لأن الله عز وجل خلق الزوجين؛ الذكر والأنثى، وجعل بينهما مودة ورحمة، فالأصل المودة، وإن لم تكن هذه المودة والرحمة فهذه حالة مرضية؛ تقتضي المعالجة؛ والمعنى أنك أنت على غير سنة الله في خلقه، إذا لم يكن هناك مودة ورحمة فأنت على غير سنة الله في خلقه.
مرة زار أحد أصدقائي شخصاً مريضاً بمرض عضال، ومشترياً لبيت فخم جداً، ومعتنياً به عناية فائقة، وكل ما يملكه قد وضعه بهذا البيت، والبيت جميل، وفيه تزيينات جميلة، وأثاثه فخم، فقال له: خائف هذه ابنة الحرام بعد أن أموت أن تتزوج؛ يأتي أحدهم ليأخذ هذا البيت على أهون سبب - شيء مؤلم - أهذه حياة هذه؟! أهذه حياة بين زوجين؟! هذه حياة جحيم، فالإنسان عندما يغض بصره عن محارم الله، ويكتفي بزوجته؛ ويقصر طرفه عليها؛ ويرضى عن الله بها؛ ويراها قسمته في الحياة الدنيا، وهدية من الله عز وجل؛ فيحبها ويكرمها عندئذ يخلق الله المودة بينهما، أي ليس بيدك؛ كثيراً ما تجد أزواجاً آخذين بمستوى من الجمال يفوق حدّ الخيال، والحياة جحيم بينهما؛ فمقومات نجاح الزواج ليس الجمال، وليس المال، وليس الغنى، وليس البيت الفخم؛ مقومات النجاح الإيمان؛ فإذا كان الزوجان مؤمنين؛ الله عز وجل خلق الود بينهما، فأنت طع الله فقط، كان يقول أحد العارفين: أعرف مقامي عند ربي من أخلاق زوجتي.
إذا كانت علاقتك مع الله علاقة طيبة يلبسك الله عز وجل ثوباً من المهابة، ويصبح هناك ود، وإذا كانت علاقتك مع الله غير طيبة يدخل الشيطان بينكما.