- السيرة / ٠1السيرة النبوية
- /
- ٠1هدي النبي صلى الله عليه وسلم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في طعامه :
أيها الأخوة الكرام، نحن في دورة جديدة؛ بعد رمضان هناك دورة جديدة في الدروس، اخترت لكم كتاب: "زاد المعاد في هدي خير العباد"، لابن قيم الجوزي؛ هذا الكتاب فيه هدي النبي في كل أحواله، ومن أندر الكتب، كتاب سيرة مع فقه بآن واحد، فاليوم: "هدي النبي صلى الله عليه وسلم في طعامه".
كان هديه صلى الله عليه وسلم وسيرته في الطعام أنه لا يرد موجوداً، ولا يتكلف مقصوداً.
بعض الأدباء قال: لي صديق كان من أعظم الناس في عيني، وكان رأس ما عظمه في عيني صغر الدنيا في عينيه، فكان خارجاً عن سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد- لا يشتهي ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد، هنا لا يرد موجوداً ولا يتكلف مقصوداً- فما قرب إليه شيء من الطيبات إلا أكله؛ كان لا يذم الطعام ولا يمدحه؛ ما عاب طعاماً قط؛ هناك إنسان يدعى إلى طعام، يعطي عشر ملاحظات، هذه مالحة زيادة، هذه ما أحسنت انتقاء هذا الطعام
فكان عليه الصلاة والسلام، لا يذم طعاماً قط، فما قرب إليه شيء من الطيبات إلا أكله، إلا أن تعافه نفسه، فيتركه من غير تحريم؛ لا يحرم؛ التحريم قضية كبيرة؛ هناك أشخاص مباشرة يحللون ويحرمون؛ التحليل والتحريم للذي فيه نص، إن لم يكن هناك نص فالأصل في الأشياء الإباحة، والأصل في العبادات الحظر؛ فلا تشرع عبادة إلا بنص، ولا يحرم شيء إلا بنص؛ مادام لم يكن هناك تحريم فالأصل في الأشياء الإباحة، قال: إلا أن تعافه نفسه، فيتركه من غير تحريم، وما عاب طعاماً قط، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه كما ترك أكل الضب لمّا لم يعتده، ولم يحرمه على الأمة، بل أكل على مائدته وهو ينظر.
مرة سيدنا خالد أكل الضب أمامه، فكان تعليق النبي تعليقاً غريباً، لا علاقة له بالواقعة؛ قال: خالد سيف من سيوف الله.
سيدنا خالد مكي، أي من أبناء مكة المكرمة، وهذه تعد من أرقى المدن في الجزيرة، أي أذواقه رفيعة، فلما أكل الضب أمام النبي أدرك النبي عليه الصلاة والسلام أن سيدنا خالداً يعد نفسه للجهاد، فهذا الضب يولد بالصحراء، فيأكله ويُعلّم الناس أن يأكلوه - الذين يقاتلون معه - فعرف النبي عليه الصلاة والسلام أن أكل الضب من قِبل خالد دليل أن يوطن نفسه على الجهاد لأمد طويل.
النبي عليه الصلاة و السلام كان لا يرد طيباً و لا يتكلفه :
أكل الحلوى و العسل - وكان يحبهما- وأكل لحم الجزور – الجمل-، والضأن، والدجاج، ولحم حمار الوحش، والأرنب، وأكل طعام البحر، وأكل الشواء، وأكل الرطب والتمر، وشرب اللبن خالصاً ومشوباً؛ أي عيراناً مع الماء، خالصاً ومشوباً، وشرب العسل بالماء - كان يحب شربة العسل، والعسل إذا مدد بالماء كان أنفع-، وشرب نقيع التمر، وأكل الخزيرة- وهي حساء يتخذ من اللبن والدقيق- وأكل القثاء بالرطب، وأكل الإقط - لبن مجفف- وأكل التمر بالخبز، وأكل الخبز بالخل، وأكل الثريد- وهو الخبز باللحم- وأكل الخبز بالإهالة- وهي الودك، وهو الشحم المذاب- وأكل من الكبد المشوية، وأكل القديد- لحم مجفف- وأكل الدباء المطبوخ- اليقطين- وكان يحبها، وأكل المسلوقة، وأكل الثريد بالسمن، وأكل الجبن، وأكل الخبز بالزيت، وأكل البطيخ بالرطب، وأكل التمر بالزبد - وكان يحبه - ولم يكن يرد طيباً، ولا يتكلفه؛ بل كان هديه أكل ما تيسر، فإن أعوزه صبر:
((هل عندكم شيء؟ قالوا: لا، قال فإني صائم))
النبي الكريم كان لا يتكلف مقصوداً ولا يكثر من الموجود و يسمي الله و يحمده :
لا يتكلف مقصوداً، ولا يكثر من الموجود، ويرى الهلال والهلال والهلال، ولا يوقد في بيته نار- من يتحمل من دون طبخ جمعة، حواضر، أشياء بسيطة-، وكان معظم مطعمه يوضع على الأرض في السفرة، وهي كانت مائدته - يأكل على الأرض - وكان يأكل بأصابعه الثلاثة، ويلعقها إذا فرغ، كان يغسل يديه قبل الطعام، حتى إذا لعق يديه كانتا طاهرتين، ويلعقها إذا فرغ، وهو أشرف ما يكون من الأكلة، أي ألطف أن تأكل بثلاثة أصابع؛ أما بالخمسة فهذا دليل جشع؛ بأصبع واحدة دليل الكبر؛ وبالثلاثة سنة، وبالخمسة جشع؛ قال: فإن المتكبر يأكل بأصبع واحدة، والجشع والحريص يأكل بالخمسة، ويدفع بالراحة، وكان عليه الصلاة والسلام لا يأكل متكئاً؛ والاتكاء على ثلاثة أنواع؛ أحدها الاتكاء على الجنب، الثاني التربع، والثالث الاتكاء على إحدى يديه وأكله بالأخرى، وكان عليه الصلاة والسلام يسمي الله تعالى على أول طعامه، ويحمده في آخره؛ فيقول عند انقضائه:
((الحمد لله كثيراً طيباً مباركاً فيه، غير مكفي، ولا مودع، ولا مستغنى عنه ربنا))
وربما قال:
((الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم، منّ علينا فهدانا، وأطعمنا فسقانا، وكل بلاء حسن أبلانا، الحمد لله الذي أطعم من الطعام، وسقى من الشراب، وكسا من العري، وهدى من الضلالة، وبصر من العمى، وفضل على كثير ممن خلق تفضيلاً، الحمد لله رب العالمين))
أكمل شيء في الطعام أن يذوق الإنسان لذته وينتفع بقوته ويذهب عنه أذاه :
حتى رأيت في بلاد بعيدة جداَ أن دعاء الطعام وارد عند كل الشعوب، وهي من بقايا الأديان حتى غير المسلمين لهم دعاء قبل الطعام، ودعاء بعد الطعام، وهذا الدعاء مستقى من أصول الديانات؛ الطعام من خلق الله عز وجل، والمائدة التي نأكل عليها هي مائدة الله عز وجل، وثمن الطعام في الحقيقة هو ثمن خدمته، أما الإنسان لو أراد أن يصنع هذه الخضروات والفواكه فلا يستطيع، أما ثمن هذه الخضروات والفواكه والقوت؛ فهو ثمن خدمة هذه المزروعات، أما الذي صممها وأنبتها وأخرجها وأعطاها الغذاء والقوة فهو الله عز وجل، هذه الحقيقة عبّر عنها النبي بدعاء كريم كان يدعوه عقب دخوله إلى الخلاء، يقول:
((الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى في قوته، وأذهب عني أذاه))
الطعام له فضلات؛ تذهب عن الإنسان، وله قوة – الحريرات-، وله طعم؛ فأكمل شيء في الطعام أن تذوق لذته، وأن تنتفع بقوته، وأن يذهب عنك أذاه:
((الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى في قوته، وأذهب عني أذاه))
نهي الإنسان عن الشرب و هو قائم وجوازه لعذر يمنع من القعود :
وكان إذا فرغ من طعامه لعق أصابعه، وكان أكثر شربه قاعداً؛ بل زجر عن الشرب قائماً؛ وقد يكشف الأطباء - والله أعلم - أن شرب الماء قاعداً أفضل لصحة الجسم، وكان أكثر شربه قاعداً، بل زجر عن الشرب قائماً؛ وشرب مرة قائماً؛ فقيل هذا نسخ لنهيه، وقيل: بل فعله لبيان جواز الأمرين، والأصح من هذا أنه شرب قائماً ماء زمزم في الحج، لشدة الازدحام، لو أمر أن يشرب المرء قاعداً لهلك الناس؛ فهناك حالة استثنائية لسبب واضح؛ هو أنه في الازدحام شرب قائماً لئلا يهلك الناس حينما يجلسون، لأنهم قد يتأذون في الازدحام الشديد.
إذاً والذي يظهر فيما أعلم - يقول مؤلف الكتاب - أنها واقعةُ عينٍ شربَ الماء فيها بعذر واقفاً، وسياق القصة يدل على ذلك؛ فإنه أتى زمزم وهم يستقون منها، فأخذ الدلو وشرب قائماً، والصحيح في هذه المسألة النهي عن الشرب قائماً، وجوازه لعذر يمنع من القعود، وبهذا تجمع الأحاديث في هذا الباب - والله أعلم -.
وكان إذا شرب ناول من على يمينه، وإن كان من على يساره أكبر منه، قاعدة: إذا شرب ناول من على يمينه، لذلك استنبط العلماء أن التيامن في تقديم الضيافة يحل كل المشكلات؛ الإنسان يريد أن يقدر، من الكبير؟ من الأوجه؟ من الأعلم؟ ..قضية تقييم الأشخاص قضية تثير حساسيات كبيرة جداً، لذلك الدخول من على اليمين، وتقديم الطعام من على اليمين، وانتهى الأمر، ما من مشكلة أبداً؛ حتى أنه في مرة عن يمينه غلام، وكان عن يساره سيدنا الصديق، فقال يا غلام أتأذن لي؟ قال والله لا أدع حقي في الشرب بعدك؛ فناوله الإناء، وشرب من على يمينه.
قاعدة: ابدأ باليمين - مطلق اليمين - وتابع الأمر.
النبي وحده معصوم ومشرع و كل أفعاله وأقواله وإقراره سنة :
أيها الأخوة الكرام، النبي وحده معصوم ومشرع؛ فكل أفعاله، وكل أقواله، وكل إقراره سنة؛ والله عز وجل يقول:
﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾
نحن بحياتنا إنسان واحد معصوم لا يخطئ؛ هو النبي، فإذا درسنا سيرته- طبعاً هذا الكتاب له نكهة خاصة، سيرة وفقه بآن واحد - ندرس ماذا فعل وأفعاله تشريع، ونختار منه طبعاً لأن الكتاب عبارة عن ستة أجزاء، نحن نختار من هذا الكتاب أشياء ممكن أن تكون محوراً لدرس في الفجر؛ فهذا نوع من أنواع سيرته صلى الله عليه وسلم؛ هديه في طعامه وشرابه.
أنا سمعت أن هناك عصباً بين المعدة والقلب، اسمه العصب الحائر، أو اسمه العصب المبهم، وهناك تقريباً بتاريخ الطب، أو ببعض الدراسات الطبية، حالات كثيرة من الموت المفاجئ؛ بسبب شرب الماء دفعة واحدة؛ قال عليه الصلاة والسلام:
((مصوا الماء مصاً ولا تعبوه عباً فإن الكباد من العب))
عندما يشرب الإنسان الماء البارد دفعة واحدة، ودرجة حرارة جسمه سبع و ثلاثون ربما تنبه هذا العصب تنبهاً قاسياً فأودى بحياة الإنسان، هذا أيضاً من توجيه النبي عليه الصلاة والسلام.
و قال أيضاً:
(( فأبن القدح عن فيك ))
أبعد القدح عن فمك؛ هناك حالات من العدوى تأتي عن طريق التنفس.
على المسلم أن يتأدب بآداب النبي عليه الصلاة والسلام :
وكان عليه الصلاة والسلام لا يشرب من إناء فيه ثلمة، الإناء الذي فيه ثلمة فيه جراثيم، فكان لا يشرب من هذا الإناء، وكان يغطي أوعية الطعام والشراب في الليل لئلا يدخل فيها شيء، وكان يأكل بيمينه، وكان يأكل الطعام من أمامه، أما الفاكهة فيتخير منها، قال تعالى:
﴿ وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ ﴾
لك أن تختار من الفاكهة ما يعجبك، أما الطعام فتبدأ من الذي يليك، وهذا من السنة، وهناك أشياء كثيرة في السنة لو أخذنا بها لكنا في حال أعلى من هذا الحال؛ أي المسلم يتأدب بآداب النبي عليه الصلاة والسلام، و إن شاء الله نتابع هذا الموضوع في كل أحوال النبي؛ في طعامه وشرابه، وزواجه، وتربية أولاده، في سلمه وحربه، في إقامته و سفره، وهذا ينفعنا في حياتنا إن شاء الله.