- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (006) سورة الأنعام
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
الحق واحد لا يتعدد فعلينا اتباعه واجتناب الباطل :
أيها الأخوة الكرام ؛ يقول الله سبحانه وتعالى في الآية الثالثة والخمسين بعد المئة من سورة الأنعام :
﴿هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
نستنبط أيها الأخوة من أن كلمة :﴿ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً ﴾
جاء الصراط مفرداً ، ونستنبط من قوله تعالى :﴿وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾
السبل جاءت جمعاً ، فماذا نستنبط من أن كلمة صراطي مستقيماً جاءت مفردةً وأن السبل جاءت جمعاً ؟ نستنبط أن الباطل يتعدد ، وأن الحق لا يتعدد ، الحق واحد .أي من نقطتين لا تستطيع أن ترسم إلا خطاً مستقيماً واحداً ، لو رسمت خطاً آخر يأتي فوق الأول ، خطاً ثالثاً يأتي فوق الثاني ، فبين نقطتين ليس في إمكانك أن ترسم إلا خطاً واحداً ، لذلك الحق لا يتعدد ، لو أننا على حق لاجتمعنا ، لو أن فلاناً وفلاناً وفلاناً أو أن الجماعة الفلانية والجماعة الفلانية والجماعة الفلانية ، والفئة الفلانية والفئة الفلانية ، لو أنهم على حق لاجتمعوا ، فإذا تفرقوا منهم من هم على باطل ، لأن الحق لا يتعدد .
﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً ﴾
لذلك ربنا عز وجل قال :﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً﴾
ما الذي يجمعنا ؟ كلكم يعلم ويرى ويسمع رغم أن الماضي واحد ، والمستقبل واحد ، والآلام واحدة ، والآمال واحدة ، واللغة واحدة ، و ، و ، ويقتتلون .ما الذي يجمع إذاً ؟ أن نكون جميعاً على حق ، فإذا كان بعضنا على حق وبعضنا على باطل لا نجتمع .
﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ﴾
،﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً﴾
إذاً الذي يجمعنا حقيقةً ، يجمعنا قلباً وقالباً ، هو أن نلتزم الحق جميعاً ، فالحق يجمع ، كيف أن خيط السبحة يجمع حباتها المتناثرة ، هذا الخيط يجمع ، لولا هذا الخيط لما اجتمعت هذه الحبات﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ﴾
ومعنى مستقيم ، بمعنى آخر الخط المستقيم أقصر خط بين نقطتين ، المنحني أطول ، المنكسر أطول ، المتعرج أطول ، المستقيم لا يتعدد ، والمستقيم أقصر خط إلى الله عز وجل ،﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ﴾
هذا يذكرنا بأن الله سبحانه وتعالى وحد كلمة النور وجمع كلمة الظلمات .﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾
الباطل متعدد ، إذاً ظلمات فوقها فوق بعض ، الحق واحد ، إلى النور ، النور مفرد والصراط المستقيم مفرد .﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ﴾
إذاً ما الذي نستفيده ثالثاً ؟ الطريق مستقيم هناك مسلمون كثيرون يعلمون أن دينهم هو الحق ، وأن دينهم لم يتبدل ، ولم يتغير ، وأن دينهم هو أقصر طريقٍ إلى الله ، هذا كله يعلمونه ، لكن ما الذي يقصرون فيه ؟ لا يتبعونه ،﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً﴾
الحق لا يتعدد ، وأقصر طريق إلى الله ،﴿فَاتَّبِعُوهُ﴾
طريق الباطل ينتهي بصاحبه إلى النار :
الآن الله عز وجل قال :
﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾
من هم المغضوب عليهم ؟ هم الذين عرفوا وانحرفوا ، عرفوا وقصروا ، عرفوا ولم يسيروا ، الضالون هم الذين ما عوفوا وهلكوا ، المغضوب عليهم ، هم الذين عرفوا وشقوا .﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾
الباطل لا يؤدي إلى الحق، يؤدي إلى الهلاك .﴿أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾
الباطل يدعو إلى الدنيا فقط ، والدنيا إن وصلت إليها بالظلم والعدوان والبغي ، هذا يوصلك إلى النار .لذلك طريق الباطل ينتهي بصاحبه إلى النار ،
﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾
سبيل الله هو الوحيد إلى الجنة ، فإذا اتبعت سبيلاً آخر باطلاً صرفك عن طريق الحق إلى طريق الباطل ، وطريق الباطل إلى جهنم ،﴿ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾
الإسلام منهج كامل :
ثم يقول الله عز وجل في الآية الواحدة والستين بعد المئة :
﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
أنت مسلم عندك منهج دقيق ، منهج في علاقتك مع ربك ، منهج في علاقتك مع زوجتك ، منهج في علاقتك مع أولادك ، منهج في علاقات العمل ، علاقات البيع والشراء ، علاقات الهبة ، حتى هناك منهج في علاقاتك مع من هم فوقك ، من هم دونك ، حتى في المناسبات مناسبات الفرح ، مناسبات الحزن ، هناك منهج تفصيلي ، الإسلام منهج كامل .﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾
هذا المنهج الكامل هو الذي عبر عنه القرآن الكريم في قوله تعالى :﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً﴾
شيء ثمين ، قيّم ، يأخذ بالألباب .﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾
لذلك ينبغي :﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
.الخاسر الأكبر من يعمل لغير الله :
المؤمن الصادق أيها الأخوة ، علمه ، خبرته ، عضلاته ، طاقاته ، شهاداته العليا ، رأس ماله ، كله موظف في خبرة المسلمين ، طبعاً هو يعيش ويسعد لكن يوجد له هدف نبيل ، هذه آية الإخلاص .
﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ﴾
لا يوجد جهة بالكون غير الله عز وجل مؤهلة أن تفني من أجلها عمرك ، أن تفني من أجلها شبابك ، أنت مخلوق لله عز وجل . الماء للتراب ، والتراب للنبات ، والنبات للحيوان ، والحيوان للإنسان ، وأنت لله عز وجل . خلقت لك ما في الكون من أجلك ، فلا تتعب ، وخلقتك من أجلي فلا تلعب ، فبحقي عليك لا تتشاغل بما ضمنته لك عما افترضته عليك ، خلقت لك السماوات والأرض ، ولم أعيّ بخلقهن ، أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين ؟ وعزتي وجلالي إن لم ترض بما قسمته لك فلأسلطن عليك الدنيا ، تركض فيها ركض الوحش في البرية ، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي ، وكنت عني مذموماً ، أنت تريد وأنا أريد ، فإذا سلمتني فيما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد .هذه أخواننا آية الإخلاص :
﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾
آخر آية :﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾
أي معقول أن تعمل لغير الله ؟ معقول أن تجير لغير الله ؟ معقول أن تحسب على غير الله ؟ أنت الخاسر الأكبر .﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ﴾
أي السؤال استفهام إنكاري ، أي معقول أنت مخلوق أول ، خلقت من أجل الله عز وجل أن تكون لغير الله ؟!أيها الأخوة الكرام ؛ هذه الآيات ينبغي أن نتأملها ، وأن نتدبرها ، وربنا سبحانه وتعالى يقول :
﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾