- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (006) سورة الأنعام
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
المؤمن هو من ساءته سيئته وسرته حسنته :
أيها الأخوة الكرام ؛ في القرآن الكريم آياتٌ كونية ، وفي القرآن الكريم أوامر ونواه ، ووعدٌ ووعيد ، ووصفٌ للجنة ، ووصفٌ للنار .
أحد أبرز آيات القرآن الكريم آيات الأمر والنهي ، وقد سئل الإمام الجنيد رحمه الله تعالى : من ولي الله ؟ أهو الذي يطير في الهواء ؟ قال : لا ، قال : أهو الذي يمشي على وجه الماء ؟ قال : لا ، قال : الولي كل الولي أن يجدك حيث أمرك ، وأن يفتقدك حيث نهاك .
لذلك من أدق تعاريف الأولياء ، تعريف قرآني .
﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾
فأنت حينما تتقي أن تعصي الله ، وحينما ترغب أن تطيعه ، وحينما يجدك حيث أمرك، ويفتقدك حيث نهاك ، وحينما تكون عند الأمر والنهي ، وحينما يكون أمر الله عندك عظيماً ، تكون من أولياء الله ، النبي عليه الصلاة والسلام وصف الذنب بالنسبة للمنافق كأنه ذبابة دفعها عن وجهه ، ووصف الذنب بالنسبة للمؤمن كأنه جبلٌ جاثمٌ على صدره .فمن أجل أن تعرف أين أنت من الإيمان هل إذا وقعت في غلطةٍ أو ذنبٍ هل تتألم ألماً شديداً ؟
من ساءته سيئته وسرته حسنته فذلكم المؤمن .
الإشراك بالله ذنب لا يغفر :
تنفيذاً لهذه المقدمة ، يقول الله عز وجل في الآية الواحدة والخمسين بعد المئة من سورة الأنعام :
﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾
علة المؤمن إذا قرأ القرآن الكريم ، وقرأ :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾
فأي أمر يأتي في القرآن الكريم يعلم أنه موجهٌ له ، أنت مؤمن .ويقول الله عز وجل :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾
فإذا ما شعرت أن هذا الأمر موجهٌ لك ، وأنه عليك أن تطبقه ، فهذا ضعف في إيمانك ، إن لم نقل انعداماً في إيمانك .ربنا عز وجل يقول :
﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً﴾
أكبر ذنب ، كما قلنا البارحة : أكبر ذنب ، وهذا الذنب لا يغفر لا لأن الله لا يغفره ، بل لأنك توجهت إلى غير الله ، ليس المعنى أن الله عز وجل لا يرحم ، لا ، لكن أنت توجهت إلى شيء ، إلى لا شيء ، توجهت إلى مخلوق ، توجهت إلى ضعيف ، توجهت إلى فان ، توجهت إلى فقير ، إلى جاهل ، فكيف ترجو من الله العطاء وقد توجهت إلى غيره ؟لذلك كما قلت البارحة : الذنب الذي لا يغفر أن تشرك بالله عز وجل أول نهي .
الإحسان إلى الوالدين :
﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً﴾
من هو سبب وجودك ؟ أبوك وأمك .﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً﴾
سنة ألف وتسعمئة وعشر ، لا يوجد أحد كان قد ولد في هذا العام منا ، ألف وتسعمائة، ألف وثمانمئة وتسعون ، بعض من الحاضرين وأنا معكم كان له اسم بهذا البلد ؟ كان له وجود ؟ لا يوجد .الأب والأم هما سبب وجودك ، إذاً الله جلّ جلاله رفع أمر الإحسان إليهما إلى مستوى عبادته .
﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾
بعد الشرك .﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾
فهذه الباء أيها الأخوة بمعاجم اللغة لا تقرأ إلا أحسنت إليه ، فعل أحسن يتعدى بــــ إلى إلا في القرآن في هذه الآية ، يتعدى فعل أحسن بالباء ، إذاً لماذا تعدى بالباء في القرآن وفي معاجم اللغة يتعدى بــــ إلى ؟ تقول : أحسنت إليه أما هنا وبالوالدين إحساناً ، قال : هذه الباء تفيد الإلصاق ، أمسكت به ، تفيد السببية ، تفيد المجاوزة ، تفيد الظرفية ، لها أكثر من عشرين معنى، من معانيها الإلصاق ، أي إحسانك إلى أبيك وأمك لا يقبل بالوكالة إلا منك بالذات ، أحياناً يقول إنسان للسائق : خذ أبي نزهة ، هذا غير مقبول ، قدم لوالدي هذه الحاجة ، يجب أن تذهب أنت بنفسك ، يجب أن تخدمه بنفسك . هذا معنى :﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ﴾
على الأب أن يحرص على دين ابنه وآخرته :
قد يسأل سائل : ما علاقة هذه الآية بحياتنا اليوم ؟ كل إنسان من أجل كسب المال يضحي بدين ابنه كأنه قتله . ألم يقل الله عز وجل :
﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾
أكثر الآباء من أجل تحصيل المال الوفير يزجون بأولادهم في متاهات لا ينجون منها .أي دينه رقيق يبعثه بمفرده إلى بلد أجنبي ، وهناك الزنى أقرب إلى الشاب من ظله ، فحينما يضحي الأب في دين ابنه ، وآخرة ابنه ، وسعادة ابنه من أجل كسب المال فقط ، قتله .
﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ ﴾
من إملاق أي من فقر ، أي خشية الفقر .﴿نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾
إذاً الأب والأم يحسنون إليهما ، وربنا عز وجل قال :﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ﴾
الأب المسلم ليس له حق أن يضحي بدين ابنه ، وآخرة ابنه من أجل كسب مال وفير.الابتعاد عن الفواحش والعدوان :
﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ﴾
أي شيء تخشاه إذا نقل عنك أنك تستحي منه فهذه فاحشة ، فكل عمل تفعله في السر تخشى أن يظهر ، أو أن ينقل ، أو أن يتحدث به فهو فاحشة ، الشيء المشين ، الشيء الذي تستحي به ، العدوان على أعراض الناس فاحشة ، العدوان على أموالهم فاحشة ، الائتمار على أخذ ما في أيديهم فاحشة .﴿وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾
أي القتل بالحق ، أحياناً حشرة لا تؤذي ينهي حياتها برجله ، نملة لا تؤذي ، هناك حشرات مسموح لك أن تقتلها ، ولكن يوجد حشرات لا تؤذي ، فهذا الذي كلما وقعت عينه على مخلوق قتله ، هذه نفس !!﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ﴾
على الإنسان أن يجعل بينه وبين المعصية هامش أمان :
أخواننا الكرام ؛ أية معصية فيها قوة جذب يأتي التحريم به بهذه الصيغة :
﴿وَلَا تَقْرَبُوا﴾
معصية الزنى ، المرأة محببة ، الخلوة محرمة ، والاختلاط محرم ، والحديث عن النساء بما يغري بفعل الفاحشة محرم ، وصحبة الأراذل محرمة ، لأنها كلها تقود إلى الزنى ، فالإنسان ينبغي أن يجعل بينه وبين المعصية هامش أمان ، تصور نهراً عميقاً مخيفاً له ضفة مائلة ، وعلى هذه الضفة المائلة حشائش زلقة ، فأنت إذا سرت على هذه الضفة المائلة على النهر ، هناك خطر الوقوع في النهر ، لا بد من ترك هامش أمان بينك وبين النهر ، تماماً كالتيار 8000 فولت ، ثمانية أمتار يجب أن تبتعد عنه ، إذا دخلت في حرم التيار جذبك إليه ، وأصبح الإنسان قطعة من فحم ، فالإعلانات دائماً : ممنوع الاقتراب من التيار الكهربائي ، الاقتراب وليس المس ، سوف أعيدها على مسامعكم مرة أخيرة :﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾