- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠3العقيدة من مفهوم القرآن والسنة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
من الأخطاء التي يقع فيها كثير من المسلمين اليوم :
أيها الأخوة الكرام, مع الدرس الحادي عشر من دروس العقيدة الإسلامية، معنا اليوم موضوع دقيق جداً تأتي دقته: من أن معظم المسلمين لا يستوعبونه، فقد تجد إنساناً يرتكب خطأ كبيراً, وقد يكون الخطأ اعتقادياً, أو أن يكون الخطأ قولياً أو سلوكياً، فيتهم هذا الإنسان بالكفر أو بالشرك أو بالابتداع، مع أن إيمانه جيد لكنه لا يعلم، فهذا الذي لا يعلم عند الله معذور ينبغي أن تعلمه .
هذا الموقف الواقعي، الموقف الأخلاقي، الموقف الرحيم، هذا الذي ارتكب خطأ اعتقادياً, أو خطأ قولياً, أو خطأ سلوكياً, لأنه لا يعلم، لا ينبغي أن تطبق عليه القواعد الحرفية التي تعرفها .
مثلاً: أعرابي في الصحراء يمتطي ناقته, وعلى ناقته طعامه وشرابه، أراد أن يستريح, جلس ليستريح, وأخذته سنة من النوم فلما استيقظ لم يجد الناقة, -هذا الكلام لا يقدره إلا من عرف الصحراء، الإنسان إذا شردت عنه ناقته هو ميت لا محالة، أيقن بالهلاك- فجلس يبكي, ثم يبكي, ثم يبكي, إلى أن أدركته سنة من النوم، من شدة فرحته اختل توازنه، وقال: يا رب أنا ربك وأنت عبدي، ألم يقع هذا بالكفر؟ ألم ينطق بالكفر؟ لقد نطق بالكفر، ولكن عالماً جليلاً تعجبني كلمته يقول: ما كل من وقع في الكفر وقع عليه الكفر .
محور الدرس :
محور هذا الدرس: أنه قد تجد إنساناً يرتكب خطأ كبيراً في عقيدته لأنه يجهل، و يرتكب خطأ كبيراً في مقولته، ويرتكب خطأ كبيراً في سلوكه, بسبب أنه لا يعلم، فهذا الذي لا يعلم ينبغي أن تعلمه، لا أن تنصب نفسك عليه قاضياً, تحكم عليه بالكفر, وبالزندقة, وبالشرك, وبالابتداع، هذا الموقف أنك وصي عن المسلمين, وأنك مكلف أن توزع ألقاب الكفر والشرك والبدعة على كل الناس, هذا الموقف ليس مقبولاً .
قال بعض كبار الدعاة إلى الله: نحن دعاة ولسنا قضاة .
حقيقة ينبغي أن تعلمها :
هناك حقيقة أولى دقيقة صارخة هي: أن الجاهل معذور بجهله، ألم يقل الله عز وجل:
﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾
فأنت مكلف أن تسمع المشرك كلام الله، أن تسمع الكافر كلام الله، أن تسمع الملحد كلام الله، ينبغي أن تعطيه فرصة، هو لا يعلم، دعاة كثيرون إذا نطق المتعلم كلمة فيها انحراف خطير, تقوم الدنيا ولا تقعد، يتهم بالكفر والزندقة والإلحاد .
لقطات رائعة من سيرة النبي عليه الصلاة والسلام :
لو اطلعت على سيرة النبي صلى الله عليه و سلم, وقد جاءه شاب يسأله: يا رسول الله! ائذن لي بالزنا, والله بمقياس التعلم وقاحة ما بعدها وقاحة, وتطاول ما بعده تطاول، ائذن لي بالزنا، كأن تقول لإنسان في أعلى درجة من النزاهة: ائذن لي بالسرقة، فالصحابة كبر عليهم كلامه، فالنبي قال: دعوه، تعال يا عبد الله اقترب، تعلم من رسول الله كيف يدعو إلى الله.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ:
((أِنَّ فَتًى أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا, فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ, قَالُوا: مَهْ مَهْ, فَقَالَ: ادْنُهْ, فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا, قَالَ: أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يا رسول الله, جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ, قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ, قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ, جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ, قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ, قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ, قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ, قَالَ: أَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ يا رسول, جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ, قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ, قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ, قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ, قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ, وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ, وَطَهِّرْ قَلْبَهُ, وَحَصِّنْ فَرْجَهُ, فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ))
هذا الشاب يتصور أن أخته تزني، هذا الذي يزني بها, ينبغي أن يقتله, يقول هذا الشاب: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم, وما شيء على وجه الأرض أحب عليّ من الزنا، وخرجت من عنده, ولا شيء أبغض إلي من الزنا .
أرأيت إلى هذا الصدر الواسع؟ أرأيت إلى هذا الحلم؟ في سيرة النبي لقطات رائعة .
مرة صحابي جليل, عنده بستان في المدينة, فإذا في البستان إنسان, يأكل من ثمرات البستان من دون إذنه, -إذاً: هو سارق أليس كذلك؟-, ساقه إلى النبي عليه الصلاة والسلام, و قال للنبي الكريم:
((يا رسول الله! هذا دخل بستاني, وأكل من ثمره من دون إذني, إذاً: هو سارق, -فأجاب النبي إجابة ما أروعها من إجابة-, قال عليه الصلاة والسلام: هلا علمته إذا كان جاهلاً، وهلا أطعمته إذا كان جائعاً؟))
مشكلة العالم اليوم :
نحن الآن مشكلتنا في العالم: أننا نعالج الأمر من آخر حلقة فيه، هذا إرهاب، هل واحد في العالم الغربي سأل هذا السؤال: ما هي أسباب الإرهاب؟ .
هذا الشاب الذي أراد أن يهز أركان العدو, لماذا فعل ذلك؟ لأنه آمن؟ لأن بيته قائم أم هدم بيته؟ لأن أمه موجودة أم قتلت؟ فقد أمه وأباه وبيته, ولا أمل له أن يعيش, ما عنده في حياته إلا أن يهز أركان العدو .
لو أنهم سألوا هذا السؤال: ما هي الأسباب التي حملت هذا الإنسان على أن يضحي بحياته؟ فنحن دائماً نعالج القضية من آخرها، المعالجة لن تنجح، لن تنجح المعالجة إلا إذا بدأت من أولها .
قال له:
((هلا علمته إذا كان جاهلاً، وهلا أطعمته إذا كان جائعاً؟))
عرف جرى في حي الصالحية :
أنا كنت أسمع في هذه البلدة الطيبة, كان هناك تقليداً عند كل أصحاب البساتين, أنهم في طريقهم إلى السوق, وهم يحملون إنتاجهم من الفواكه, يضعون جزءاً من إنتاجهم في مكان عام، كان يوجد في حي الصالحية مكان اسمه جرن الشاويش، ساقية ماء طاهر عذب, كل فلاح يأتي بسلة من الفواكه, ويوجد سكين، يوجد مشمش، يوجد دراق، يوجد أجاص، يوجد تفاح، إنسان يأكل حاجته، فإن كان هناك حالات لا يوجد سرقة .
من تقاليد هذه البلدة في شمالي لبنان :
مرة كنت في بلدة في شمالي لبنان متمسكة بالدين, كنت أمشي في الطريق, كلما مررت ببستان, هكذا قد اعتادوا, أن يقدموا للضيف شيء من الفواكه .
قال له:
((هلا علمته إذا كان جاهلاً، وهلا أطعمته إذا كان جائعاً؟))
المطلوب منك :
درسنا اليوم لا تكن عصبي المزاج، لا تكن ضيق الأفق، لا تكن وصياً على المسلمين ، لا تنصب نفسك قاضياً .
قد تجد إنساناً يرتكب خطأ فادحاً في اعتقاده، وقد تجد إنساناً يرتكب خطأ فادحاً في أقواله، وقد تجد إنساناً يرتكب خطأ فادحاً في سلوكه، إذا كان جاهلاً فهو معذور، علمه، فرق كبير بين أن تسحقه، وبين أن تتهمه، وبين أن تلغيه من وجود المسلمين، وبين أن تعلمه, وأن يتسع صدرك له، هكذا الدعوة إلى الله .
ما وراء هذا الحديث :
مرة قرأت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً ترك في نفسي أثراً بالغاً: عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ, أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ, وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا, وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ, فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا, فَأَمَرَ بِهِ, فَجُلِدَ, فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ:
((اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَلْعَنُوهُ, فَوَ اللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ))
اعتبر هذه معصية غلبة، فرق كبير بين معصية الغلبة وبين معصية الكبر، الإنسان قد تزل قدمه فيعصي، هذا الإنسان لا ينبغي أن يلغى من وجودك, لعله يستفيد، لعله يتوب، طبعاً: أنا لست مع الذين إذا رأوا شارب خمر لعله ولي هذا, لا نعرف، هذه السحبات ما أنزل الله بها من سلطان، هذا اسمه لعب بدين الله، الخمر الخمر، لكن هذا الذي يشرب الخمر, لعله يتوب و يسبق هذا الذي ازدراه .
المعصية معصية, أما أن تقول: هذا ولي، الله وضع سره بأضعف خلقه، وضع سره بالعصاة، هذا كلام فيه دجل, وفيه كذب, وفيه تزوير، العاصي عاصي في أي مكان, وفي أي زمان .
فأحبابنا اختاروا المحبة مذهباً وما خالفوا في مذهب الحب شرعاً
من هو الولي؟ ليس الذي يمشي على وجه الماء، ولا الذي يطير في الهواء، ولكن الولي كل الولي الذي تجده عند الحلال والحرام، أن يجدك حيث أمرك, وأن يفتقدك حيث نهاك، هذا محور الدرس .
ما محور هذه الأدلة من الكتاب؟ :
إلى الأدلة: قال الله تعالى متحدثاً عن الحواريين:
﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾
أليس هذا خطأ اعتقادياً كبيراً؟ قال:
﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
هم يتوهمون أن الذي خلق الأكوان لا يستطيع أن ينزل مائدة من السماء، هذا خطأ اعتقادي، ما جاء وصفهم بأنهم كفار .
مثل آخر:
﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾
هذا خطأ اعتقادي آخر من أتباع سيدنا موسى .
ما مهمة هذا الحديث؟ :
أخرج الإمام أحمد في المسند، والإمام الترمذي في السنن بسند صحيح: عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ, أَنَّهُمْ خَرَجُوا عَنْ مَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُنَيْنٍ, قَالَ:
((وَكَانَ لِلْكُفَّارِ سِدْرَةٌ, يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا, وَيُعَلِّقُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ, يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ, قَالَ: فَمَرَرْنَا بِسِدْرَةٍ خَضْرَاءَ عَظِيمَةٍ, قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْتُمْ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى, اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً, قَالَ: إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ, إِنَّهَا لَسُنَنٌ لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ سُنَّةً سُنَّةً))
أي شجرة يعكفون عليها, ويعلقون عليها أسلحتهم، هل اتهم هؤلاء أتباع السيد المسيح, وأتباع سيدنا موسى, وأصحاب النبي حينما قالوا: وهم حديثو عهد بكفر, أي أسلموا حديثاً، هل تصدقون: أن الإنسان إذا دخل في الإسلام حديثاً, وبعد يومين, جاء رمضان, ترك الطعام والشراب, ولكنه قارب أهله، لا يعلم، لا شيء عليه؟ لو أنه يعلم ينبغي أن يصوم ستين يوماً مقابله, لا يعلم لا شيء عليه .
حديثو العهد بالإسلام معذورون عند الله عز وجل، لا يكفرون ولا يشركون، أي لا يتهمون بالشرك، والله عز وجل يقول:
﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾
هذه أول حقيقة في هذا الدرس الجاهل: حديث عهد بالإسلام معذور عند الله عز وجل.
كيف تنصح إنساناً وقع في وزر؟ :
إنسان يعقد مع الله توبة نصوحة, لكن مضى من عمره سنوات وسنوات, هو في المعاصي والآثام، تدخل قريبته غير المحرم, يصافحها أهلاً وسهلاً, هو لا يعلم أن المصافحة هذا حكم تفصيلي أنها حرام، لا ينبغي أن يعلو صوتك عليه, وأن توبخه توبيخاً عنيفاً، لا، هو لا يعلم، قل له: يا أخي هذا فيه حكم شرعي، طبعاً إياكم أن تظنوا أنني أعني بهؤلاء الذين يرتكبون بعض الأخطاء في عقيدتهم, وفي أقوالهم, وفي سلوكهم أنهم يعلمون، إذا كانوا يعلمون هذا حكم آخر، أنا بدأت هذا الدرس بأنه هناك فئة حديثة عهد بالإسلام، أو حديثة عهد بكفر، ليست من الكفر ببعيد, ترتكب أخطاء في عقيدتها, وفي سلوكها, وفي أقوالها, هذه ينبغي أن تكون عند المؤمنين معذورة، وينبغي أن يتسع صدرهم لمثل هذه الأخطاء:
﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾
ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به، وقد قال عليه الصلاة والسلام:
((رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه))
واجب وضع في عنق كل جاهل :
الآن البند الثاني في هذا الدرس: أن الواجب على الجاهل أن يتعلم الحق, وأن يصغي إليه، وأن يسأل أهل العلم، قال تعالى:
﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
اسأل أهل الذكر: هم أهل القرآن والسنة، من أسماء القرآن: الذكر، اسألوا أهل الذكر: أي أهل القرآن، اسألوا من أكرمهم الله بمعرفة أحكامه, وحدوده, ومحكمه, ومتشابهه, و قصصه, ومشاهد القيامة فيه:
﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
ويوجد آية ثانية:
﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً﴾
كأن هناك من يعرف الله عز وجل هذا عالم بالله، وهناك من يعرف أمره ونهيه, وهذا عالم بأمر الله، فأنت بحاجة مرة إلى أن تسأل أهل الذكر، أهل من يعرف الأمر والنهي، و أنت بحاجة مرة ثانية إلى أن تسأل أهل المعرفة بالله عز وجل:
﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً﴾
﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
من واجب العالم :
إني أقول: إن الذي عرف جانباً من عظمة الله عز وجل, يبادر إلى السؤال عن الحكم الشرعي في أي موضوع يعانيه، من علامة صدقه مع الله: أنه يسأل ما حكم الشرع في هذا العمل؟ في هذه النفقة؟ في قبض هذا المبلغ؟ في هذا العقد؟ في هذه التجارة؟ في هذه السفرة؟ في هذا الزواج؟ فعلامة إيمانه أنه يسأل .
بل من لوازم معرفته بالله أنه حريص على طاعته، الجاهل ينبغي أن يسأل، والعالم ينبغي أن يبين، هذان واجبان متقابلان، الجاهل يسأل، والعالم يبين، الدليل على أن العالم ينبغي أن يبين هو قول الله عز وجل:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا﴾
أي ما معنى أنه يدعو إلى الله؟ أي هو أمين على هذا العلم، أمين لا يمكن أن يكتم منه شيئاً .
علام يرشدنا هذا المثال؟ :
أوضح مثل: أن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم لما رأوا أن الشمس كسفت في وقت يتزامن مع موت إبراهيم ابن رسول الله، لمحبتهم لرسول الله, ولتقديسهم له, ربطوا كسوف الشمس بموت إبراهيم، فقالوا: إن الشمس كسفت لموت إبراهيم، فلما سمع النبي هذا الكلام، هنا جمع أصحابه وقال: إن الشمس والقمر آيتان لا ينبغي أن تنكسفا لموت واحد من خلقه .
إذا إنسان مرتزق بالدعوة وقيل له: ربطوا ظاهرة طبيعية بحالة من حالات الشيخ، شيء مريح جداً، طبعاً يا بني هذه الحقيقة بارك الله بكم، هذا دجال، ينبغي أن تقول الحق، هذه أمانة، ينبغي أن تنطق بالحق، وألا تعجب بهذا الذي يقوله الناس عنك، لا يوجد علاقة، سيد الخلق كان قدوة .
الحقيقة: فكرة مريحة, الشمس كسفت يا أخي لعلو مقام هذا الإنسان عند الله، يوم توفي ابنه إبراهيم كسفت الشمس، قال لهم: لا، إن الشمس و القمر آيتان لا ينبغي أن تنكسفا لموت واحد من خلقه .
لا تعكر صفو هذا الدين :
شخص قال لشيخ: أنا عندما أضع يدي على الجرس في بيتك, يكون قلبي يدق مئة و ثمانين دقة, يرجع ثمانين طبيعي، قال له: والله غير صحيح, لا علاقة لها, هذا وهم .
دع الدين طبيعي، اجعل الدين حياة الإنسان الطبيعية، لا تبالغ، لا تقل: هذا يصلي الفجر أربعين عاماً بوضوء العشاء، هذه فوق طاقة البشر، لا تيئسنا، لا تعطنا فكرة نحن لم نصلِ أبداً، كلما تجعل الدين حالات نادرة جداً، حالات خاصة، حالات لا يمكن أن تقع نحيته عن الحياة، جعلته شيئاً غير واقعي، كلا أنام وأقوم، هكذا كان النبي, وهو أشد الناس خشية لله, أنام و أقوم، أصوم وأفطر، آكل اللحم، أتزوج النساء، هذه سنتي فمن رغب عنها فليس من أمتي .
أحياناً: المبالغة غير المعقولة يكون معها انحراف غير معقول، الإنسان يكون واقعي، هذا الدين دين الفطرة، هذا الدين دين الواقع، هذا الدين دين متوازن، دين وسطي، دين معتدل, لا يوجد فيه مبالغات، وأنت في حالاتك الطبيعية تأكل وتشرب, وتنام وتتزوج, وتؤسس عملاً, و تدرس وتأخذ شهادة, وقد تكون في أعلى حالات القرب مع الله عز وجل .
الجاهل يتعلم والعالم يبين .
بعضهم يقول: الولي يستحي بكرامته كما تستحي المرأة بدم حيضها، لما أنت الأضواء كلها تسلطها على ذاتك, وهذا الشيء صار كرامة لي, أي يوجد قصص ما أنزل الله بها من سلطان تروى .
حديث يتعلق بأهل العلم :
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَتَمَ عِلْمًا مِمَّا يَنْفَعُ اللَّهُ بِهِ فِي أَمْرِ النَّاسِ أَمْرِ الدِّينِ, أَلْجَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ النَّارِ))
هذا الذي يكتم علماً, ألجمه الله بلجام من نار, هل يوجد حالة أشد من هذه؟ من يعرفها؟ الأشد منها أن تفتي بخلاف ما تعلم، تعلم الوجه الصحيح, تفتي بخلافه, طمعاً في إرضاء قوي, أو مبلغ, أو مكانة .
أي بالنهاية الدعاة إلى الله نوعان: داعية معه الحق والناس هنا، فهناك دعاة يسعون جاهدين لرفع الناس إلى مستوى الشريعة، وهناك دعاة آخرون بدل أن يرفعوا الناس إلى مستوى الشريعة يهبط إليهم، هذه أسهل، يعطي فتاوى بلا قيد ولا عدد، يعطي الفتاوى بلا حساب .
بشرى لك :
هذه بشارة لكم إن شاء الله ولي معكم، من غدا إلى المسجد, لا يريد إلا أن يتعلم خيراً, أو يعلمه, كان له كأجر حاج تامة حجته .
شخص له مع إنسان مبلغاً أين أجده؟ لم أجده، قال له: يوجد بالجامع يوم الأحد، فجاء ليأخذ دينه، يقول لي هذا الأخ: والله هدفي أن ألتقي مع غريمي، سمعت الدرس, أعجبني, لي سبع سنوات لم أترك الدرس أبداً، هذا قال عنه الإمام الغزالي: أردنا العلم لغير الله فأبى العلم إلا أن يكون لله .
وقد قيل: يقول بعض علماء القلوب: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم .
مرة أخرى: من غدا إلى المسجد, لا يريد إلا أن يتعلم خيراً, أو يعلمه, كان له كأجر حاج تام الحجة .
اسلك هذا الطريق :
والحديث المعروف: عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ:
((كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ, فَأَتَاهُ رَجُلٌ, فَقَالَ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ, إِنِّي أَتَيْتُكَ مِنْ الْمَدِينَةِ مَدِينَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَدِيثٍ بَلَغَنِي عَنْكَ, أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ: فَمَا جَاءَ بِكَ تِجَارَةٌ؟ قَالَ: لَا, قَالَ: وَلَا جَاءَ بِكَ غَيْرُهُ؟ قَالَ: لَا, قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ بِهِ عِلْمًا, سَهَّلَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ))
إليكم هذه البنود التي وردت في هذا الدرس :
البند الأول: أن الجاهل حديث العهد بالإسلام معذور بجهله, وينبغي أن تستوعبه، وينبغي أن يتسع صدرك له، وينبغي ألا تعنفه، وينبغي ألا تتهمه بالكفر، ولا بالشرك، ولا بالفسق، و لا بالبدعة .
والبند الثاني: الجاهل عليه أن يطلب العلم, والعالم عليه أن يبين، وألا تأخذه في الله لومة لائم .
البند الثالث: لا عذر لأحد بعد العلم، كان معك فرصة قبل أن تعلم، بعد أن علمت لا عذر لأحد .
لا عذر للجاهل إذا علم :
بماذا احتج الله على أهل النار؟ قال تعالى:
﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ﴾
فحينما يأتيك العلم انتهى العذر, وعندئذ لا حجة لك فيما تفعل:
﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً﴾
وفي آية ثالثة:
﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً﴾
وفي حديث صحيح يؤكد هذا المعنى: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ, عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ:
((ارْحَمُوا تُرْحَمُوا, وَاغْفِرُوا يَغْفِرْ اللَّهُ لَكُمْ, وَيْلٌ لِأَقْمَاعِ الْقَوْلِ, وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ))
يصر على ما يفعل .
النبي عليه الصلاة والسلام معصوم بمفرده، أما أمته فمعصومة بمجموعها :
قالوا: النبي عليه الصلاة و السلام معصوم بمفرده، أما أمته فمعصومة بمجموعها، لكن النبي معصوم, والولي محفوظ أي لا تضره معصية، ليس معنى ذلك أنه يرتكب معصية فلا تضره، لا، إن ارتكب معصية سريعاً ما يتوب منها، ويغير أي لا يبقى على معصية, فوراً يتوب منها .
قف هنا قليلاً :
عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ, وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ؟))
ولأبي الدرداء رضي الله عنه كلمة طيبة قال: إنما أخشى من ربي يوم القيامة, أن يدعوني على رؤوس الخلائق فيقول لي: يا عويمر، فأقول: لبيك ربي، فيقول: ما عملت فيما علمت؟.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾
ما يحتاج إليه الكادر الدعوي :
أيها الأخوة, الله عز وجل حينما أثنى على النبي صلى الله عليه و سلم, أثنى عليه بحسن خلقه, ويكاد حسن الخلق يذهب بالخير كله، بل إن حسن الخلق يعدل الصيام والقيام، النفل طبعاً .
فأيها الأخوة, نحن بحاجة إلى دعاة لهم صدر واسع، لهم نفس طويل، لهم حلم كبير، لهم بصيرة نافذة، لهم غيرة على هذا الدين، أما كل إنسان وقع بغلطة أمامك رأساً إعدام، كافر، مشرك، مبتدع، فاسق، عاص، ما هكذا يا سعد تورد الإبل، ما هكذا يدعى إلى الله .
ورد في بعض الآثار القدسية: لو يعلم المعرضون انتظاري لهم, وشوقي إلى ترك معاصيهم, لتقطعت أوصالهم من حبي، ولماتوا شوقاً إلي، هذه إرادتي في المعرضين فكيف في المقبلين؟ .
إذا الله عز وجل قال:
﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾
ماذا تبين لنا هذه الآية؟ :
يوجد توجيهات كثيرة جداً, تبين أنه عليك أن تحسن:
﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا﴾
﴿فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ﴾
﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ﴾
ممكن أن تتعايش مع غير المسلمين، يمكن أن تزورهم، وأن تهنئهم بمولود، وأن تساعدهم، وأن تبين لهم عظمة أخلاق المؤمن، ورحابة صدره وتسامحه، أما أن يختلط في ذهنك أخلاق الدعوة مع أخلاق الجهاد, فهذه الطامة الكبرى .
هناك أخلاق للدعوة, وهناك أخلاق للجهاد، أخلاق الجهاد شيء آخر:
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾
هذه أخلاق الجهاد، هذه أخلاق الحرب، أما في الحياة المدنية: فيما بينك وبين من حولك من الناس, لا أقول من المؤمنين، قال تعالى:
﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾
﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾