- محاضرات خارجية / ٠08رحلات - أستراليا
- /
- ٠3رحلة أستراليا - 3
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أكبر عطاء يناله الإنسان من الله أن يعرفه :
أيها الأخوة الأكارم، أيها الأخوة الأحباب، لو أن طفلاً صغيراً عقب عيد الأضحى قال لعمه: معي مبلغ عظيم، هذا الطفل الصغير إذا قال: معي مبلغ عظيم، كم تقدر هذا المبلغ؟ بمئة جنيه فرضاً، فإذا قال رئيس دولة عملاقة: أعددنا لهذه الحرب مبلغاً عظيماً، نقدرها بمئتي مليار، فإذا قال ملك الملوك ومالك الملوك، خالق السموات والأرض:
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
دقق ما تعني عظيم من طفل، ما تعني من رئيس دولة عملاقة، ما تعني من خالق السموات والأرض.
فلذلك حينما يتفضل الله علينا، ويسمح لنا أن نعرفه، يسمح لنا أن نمشي على منهجه، فهذا فضل عظيم، في بلاد شاسعة يعبدون البقر، وفي بلاد أخرى يعبدون الشمس والقمر، وفي بلاد يعبدون موج البحر، وفي بعض بلاد في اليابان يعبدون ذكر الرجل.
فإذا سمح الله لنا أن نعبده فهذا فضل عظيم،
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
أي أكبر عطاء تناله من الله أن تعرفه، قال:
﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
أولادنا كالورود في البيت، وهناك مبلغ فلكي، دخل كبير، بيت واسع، مزين بكل غرفة، ومركبتان أو ثلاث، ونزهات، وولائم، وسفر، وسياحة، هذه الدنيا، فإذا سمح الله لك أن تعرفه هذا أكبر عطاء على الإطلاق، إن سمح الله لك أن تعبده، إذا سمح الله لك أن تعرف منهجه، إذا أعانك على طاعته.
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾
إذا دلك على أهل الحق من نعم الله الكبرى، فلذلك هذه النعم التي تفضل الله بها علينا هي نعم لا تعد ولا تحصى، لماذا؟.
عطاء الله عز وجل عطاء أبدي لا ينتهي :
أخوتنا الكرام، لا يليق بكرم الله أن يعطيك عطاءً ينتهي بالموت، هذا ليس عطاء، يقول سيدنا علي: "فلينظر ناظر بعقله، أن الله أكرم محمداً أم أهانه حين زوى عنه الدنيا، فإن قال أهانه فقد كذب، ولأن قال: أكرمه فقد أهان غيره حيث أعطاه الدنيا"، النبي الكريم قال:
((مَنْ أصبَحَ منكم آمِنا في سِرْبه، مُعافى في جَسَدِهِ، عندهُ قوتُ يومِه، فكأنَّما حِيزَتْ له الدنيا بحذافيرها ))
زوجتك أمامك، أولادك أمامك، صحتهن طيبة، ساكن بمأوى، عندك دخل يغطي نفقاتك، أنت ملك، أقول كلمة: إن لم تكن طرفاً في مؤامرة قذرة هدفها إفقار المسلمين، أو إضلالهم، أو إفسادهم، أو إذلالهم، أو إبادتهم، فأنت ملك.
مبادئ العصر الإسلامي الأول :
أيها الأخوة الكرام، سيدنا عمر - رضي الله عن عمر- استقبل ملك الغساسنة جبلة بن الأيهم، هذا ملك، طبعاً تقتضي الحكمة، رحب به ترحيباً كبيراً، هذا الملك جبلة في أثناء طوافه حول الكعبة بدوي من قبيلة فزارة داس طرف ردائه، فانخلع رداؤه عن كتفه، فالتفت إلى هذا الأعرابي، وضربه ضربة على وجهه هشمت أنفه، وسال دمه، فذهب هذا الأعرابي الذي ضُرِب إلى سيدنا عمر ليشتكي على جبلة الملك، سيدنا عمر أمير عادل، استدعى جبلة، وقف هذا الأعرابي وإلى جانبه جبلة، هناك شاعر صاغ الحوار شعراً، فقال سيدنا عمر لجبلة: أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح؟ فقال جبلة: لست ممن ينكر شيا، أنا أدبت الفتى أدركت حقي بيدي، فقال سيدنا عمر: ارضِ الفتى لابد من إرضائه، ما زال ظفرك عالقاً بدمائه، أو يهشمن الآن أنفك، - يخاطب ملكاً- وتنال ما فعلته كفك، قال: كيف ذاك يا أمير؟! هو سوقة- من عامة الناس- وأنا عرش وتاج، كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً؟ فقال سيدنا عمر: نزوات الجاهلية ورياح العنجهية قد دفناها، أقمنا فوقها صرحاً جديداً، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً، فقال جبلة: كان وهماً ما جرى في خلدي، أنني أقوى عندك وأعز، أنا مرتد إذا أكرهتني، قال له: عنق المرتد بالسيف تحز، عالماً نبنيه، كل صدع فيه يداوى، وأعز الناس بالعبد، بالصعلوك تساوى، هذا هو الإسلام.
العبادات الشعائرية لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادات التعاملية :
أيها الأخوة، الآن حينما نقرأ القرآن، أريد أن أضع يدي على مشكلة عامة، يتصور المسلم أن الإسلام أن تصلي، وأن تصوم، وأن تحج، وأن تؤدي الزكاة إذا كنت غنياً، وأن تشهد أن لا إله إلا الله، الشهادة مرة واحدة، أما الصلاة فمتكررة، هذه عبادات شعائرية، لكن الصدق، والأمانة، والاستقامة، والتواضع، هذه عبادات عملية، عبادات يومية، عبادات هي الأصل في العبادة الشعائرية، هناك حقيقة خطيرة لكنها مألوفة عند الناس، أن العبادات الشعائرية لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادات التعاملية، والدليل، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء، وعود نفسك ألا تقبل شيئاً إلا بالدليل، وألا ترفض شيئاً إلا بالدليل، هذا منهج علمي: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، ابن عمر دينك دينك إنه لحمك ودمك خذ عن الذي استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا".
انعدام الطائفية و التفرقة في الإسلام :
كان وهماً ما جرى في خلدي أنني أقوى عندك وأعز، أنا مرتد إذا أكرهتني، قال له: عنق المرتد بالسيف تحز، عالماً نبنيه، كل صدع فيه يداوى وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى.
لما سيدنا أبو بكر اشترى سيدنا بلالاً الحبشي، وكان يعذب من قبل صفوان بن أمية - من قبل سيده- لما اشتراه وضع يده تحت إبطه وقال: هذا أخي حقاً، وكان الصحابة الكرام إذا ذكروا الصديق يقولون: هو سيدنا وأعتق سيدنا، لذلك بالقرآن:
﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾
بالحديث:
((سلمان منا أهل البيت))
بالحديث:
(( نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه))
هذه عظمة الإسلام، لا يوجد طبقية، و لا طائفية، كل ألوان التفرقة التي مزقت العالم بالإسلام غير موجودة.
لذلك أنا أقول دائماً: لا يضاف على كلمة مسلم ولا كلمة.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾
من عرف الآمر تفانى في طاعته :
أخوتنا الكرام، لكن هذه المحاضرة أو هذا اللقاء الطيب إن شاء الله له محور، هذا المحور أنك إذا عرفت الآمر تفانيت في طاعته، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في المعصية، وكأنني أضع يدي على مشكلة المسلمين اليوم، الأمر عرفناه، الحلال، والحرام، والإكرام، والسرقة، والزنا، لكن هؤلاء إذا عرفوا الآمر تفانوا في طاعة الآمر.
أيها الأخوة، إذاً الإنسان حجمه عند الله بحجم عمله الصالح، في الشام حي اسمه سوق ساروجا، وهناك جامع مشهور اسمه جامع الورد، ولهذا الجامع خطيب، لكن هذا الخطيب رأى في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول له النبي الكريم: قل لجارك فلان إنه رفيقي في الجنة، جاره سمان، وهذا خطيب، وله شهادات، وإلقاء محاضرات، وفصاحة وبيان، فأصابه قلق شديد، توجه إلى جاره، فلما طرق بيته، قال له: والله لك عندي بشارة من رسول الله ولكنني لن أخبرك بها إلا إذا أخبرتني ماذا فعلت مع ربك، يبدو أن هذا البقال تمنع وأصر ألا يقول، فلما ألح عليه تكلم.
قال له: قبل فترة عقدت قراني على امرأة، ومضى على زواجنا خمسة أشهر، كان حملها في الشهر التاسع، واضح؟ قال له: بإمكاني أن أطلقها، وهذا عدل، بإمكاني أن أفضحها وهذا عدل، بإمكاني أن أذكر السبب، والناس معي، وحتى أهلها معي، وكل من حولي معي ولكنني أردت أن أحملها على التوبة.
جئت لها بمن يولدها، فولدت طفلاً، حملت هذا الطفل تحت عباءتي، ووقفت أمام جامع الورد إلى أن نوى الإمام صلاة الفرض، فدخلت ووضعت الطفل وراء الباب، والتحقت بالمصلين، فلما انتهت الصلاة بكى هذا الطفل الصغير، تجمع المصلون حوله، توجه إليهم، وقال: خير إن شاء الله؟ قالوا: تعال وانظر- لقيط- قال: أنا أكفله أعطوني إياه، أخذه أمام أهل الحي، على أنه لقيط ودفعه إلى أمه.
هذه تذكرني بقوله تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾
طبعاً الإحسان أرقى، العدل قسري أما الإحسان فطوعي، بهذه الطريقة حملها على التوبة، وسترها، وسمح لها أن تربي ابنها.
حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح :
أيها الأخوة، حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، حجمك عند الله بحجم إحسانك، حجمك عند الله بحجم عطائك، حجمك عند الله بحجم محبتك، فالباب مفتوح، وهذه فرصة في العمر مرة، أن تأتي إلى الدنيا وأن يسمح الله لك أن تطيعه، وأن تعبده، وأن تتقرب إليه، من نعم الله الكبرى.
يا أخوان، ما منا واحد إلا وهو حريص حرصاً لا حدود له على سلامته، وعلى سعادته، وعلى استمرار وجوده، سلامتك بالاستقامة، وسعادتك بالعمل الصالح، واستمرار وجودك بتربية أولادك.
أنا لا أصدق أن يسعد أب وأم وابنهما على خلاف ما يتمنون، كلمة شهيرة ألقيتها بأمريكا، نقلت عني بشكل غير معقول، قلت لهم- وقتها بأمريكا كان كلينتون الزوج- لو بلغت منصباً ككلينتون، وثروة كأوناسيس، وعلماً كأينشتاين، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس.
وإذا كان يعاني المسلمون في بلادهم مشكلة تربية الأولاد أعتقد هنا المعاناة أضعاف مضاعفة، لذلك وصيتي الأولى والتي ألح عليها أن تعتنوا بأولادكم، لأن الابن امتداد لك، فلن تسعد إلا إذا كان ابنك كما تتمنى، والأمر يحتاج إلى جهد، ممكن بجهد معقول ببلادنا يتربى ابنك، لأن عمه، وخاله، وكل من حوله على شاكلة واحدة، وهناك جامع، واثنان، وثلاثة، وأربعة، ودروس دين، لكن ممكن ببلاد المهجر أن تكون الصوارف عن الدين كبيرة جداً، والعقبات كبيرة، الصوارف والعقبات.
آيات القصص السابقة تقتضي أن نعتبر وآيات التشريع تقتضي أن نلزم الشرع :
أيها الأخوة، الآن أريد أن أبدأ بالموضوع: إذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، فإذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر.
لذلك أنت حينما تقرأ القرآن تجد في القرآن آيات تتعلق بقصص الأنبياء، الأنبياء السابقون جاؤوا بدعوات، ولقنوا قومهم الحقائق، وبعضهم آمن، وبعضهم لم يؤمن، هناك قصص الأنبياء، و في القرآن آيات الأحكام الشرعية، وآيات، وآيات، وموضوعات لكن في القرآن أيضاً ألف و ثلاثمئة آية تتحدث عن الكون، آيات الأمر تقتضي أن نأتمر، وآيات النهي تقتضي أن ننتهي.
﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ ﴾
﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾
هناك أمر ونهي، آيات القصص السابقة تقتضي أن نعتبر، آيات التشريع تقتضي أن نلزم هذا الشرع، وكل مجموعة آيات تحمل هوية واحدة لها مقتضى من قبلنا، فإذا وجد في القرآن ألف و ثلاثمئة آية تتحدث عن الكون والإنسان ماذا تقتضي هذه الآيات؟.
الإمام جزاه الله خيراً أستاذنا الجليل قرأ:
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾
أخواننا الكرام، هل تصدقون أن بين الأرض والشمس مئة و ستة و خمسين مليون كيلومتر، والمجموعة الشمسية كلها نقطة في درب التبابنة، المجموعة الشمسية بأكملها ودرب التبابنة مجرة عادية من المجرات المتوسطة لا الكبيرة، وفي الكون آلاف ملايين المجرات، بين الأرض والشمس مئة و ستة و خمسون مليون كيلومتر، الآن الشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، أي الشمس تتسمع لمليون وثلاثمئة ألف أرض، بين الأرض والشمس مئة و ستة و خمسون مليون كيلومتر، يقطعها الضوء في ثماني دقائق، والشمس أكبر من الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة.
وهناك نجم صغير لأنه بعيد اسمه قلب العقرب، يتسع للأرض وللشمس مع المسافة بينهما، النجم اسمه قلب العقرب، يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما، هذا الإله العظيم يعصى؟ هذا الإله العظيم ألا يخطب وده؟ ألا ترجى جنته؟ ألا تخشى ناره؟.
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في المقال شنيع
لـو كان حبك صادقاً لأطعته إن الـمحب لمن يحب يطيع
* * *
أيها الأخوة الكرام، إذاً كأنني أحاول أن أضع يدي على مشكلة المسلمين الأولى، الأمر عرفتموه، أي طالب من طلابنا درس التربية الإسلامية بالمدارس، السرقة حرام، الكذب حرام، الخمر حرام، إلى آخر، الأمر معروف، بديهي، إلا أن المشكلة في الآمر، إذا عرفت الآمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر، أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر.
من آيات الله الدالة على عظمته :
الآن: الأرض تدور حول الشمس، إلا أن مسارها ليس دائرياً، لكنه إهليلجي، أي بيضوي، ومعنى مسار بيضوي له مركزان، الدائرة لها مركز واحد، أما الشكل البيضوي فله مركزان.
الآن هذه الأرض بالجهة البعيدة عن الشمس، بشكل بيضوي، هكذا شكل الشمس والمسار هكذا، فهنا أبعد مسافة عن الشمس، أما هنا فأقرب مسافة، واضح؟ الآن الأرض في حركتها نحو الشمس تنتقل من أبعد مسافة إلى أقرب مسافة، إذا اقتربت من الشمس بحسب قانون نيوتن، الجاذبية ازدادت، إذاً هناك احتمال مئة بالمئة أن تنجذب الأرض إلى الشمس، وإذا انجذبت تبخرت في ثانية واحدة، بجبال هملايا، بقارة آسيا، بإفريقيا، بأمريكا الشمالية، والجنوبية، واليابسة كلها خمس الأرض وأربعة أخماسها بحار تبخرت في ثانية واحدة.
ما الذي يحصل؟ قال: الأرض وكأنها عاقلة، ترفع سرعتها لينشأ من ارتفاع السرعة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة، فتبقى على مسارها.
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
الآن انتقلت الأرض، هنا يوجد احتمال معاكس، أن تتفلت من جاذبية الشمس، وإذا تفلتت من جاذبية الشمس مضت في الفضاء الكوني وعندئذٍ تصبح الحرارة مئتين و ستين تحت الصفر، هذا هو الصفر المطلق، وتنتهي الحياة، تنتهي الحياة إذا انجذبت، وتنتهي الحياة إذا تفلتت،
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
لا تزول.
لذلك مرة التقيت مع إنسان ينكر بعض ما في الدين، فقال لي: أنت أستاذ في الإعجاز العلمي بالجامعة، قلت له: نعم، قال: إذا كان هناك حقيقة ربطت بآية قرآنية والحقيقة تبدلت، معنى هذا أن القرآن غلط ، قلت له: لا غير صحيح، قال: أريد مثلاً، قلت له: الله عز وجل قال:
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴾
أي الشمس تسلط على البحار يرتفع بخار الماء يرجع مطراً، تقدم العلم، وجد البث الإذاعي، والبث التلفزيوني، والموجات الكهرطيسية، تبث إلى الفضاء فتعود إلى الأرض، اكتشفوا طبقة اسمها الأثير، ترد هذه الأمواج الكهرطيسية إلى الأرض، لولا هذه الطبقة لما كان هناك بث إذاعي، ولا تلفزيوني، ويا ليت لم تكن هذه الطبقة.
إذاً:
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴾
واضح؟ تقدم العلم، واكتشفوا أن كل كوكب في الكون يدور حول كوكب آخر، ويرجع إلى مكان انطلاقه الأول،
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴾
آية واحدة فسرت بمعطيات علمية، العلم تطور، والآية تغطي هذه المعطيات، العلم تطور الآية تغطي هذه المعطيات.
التفكر أوسع طريق ندخل منه على الله :
إذاً القرآن الكريم فيه ألف و ثلاثمئة آية تتحدث عن الكون والإنسان، لذلك الله عز وجل يقول:
﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾
معناها:
﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ﴾
معنى هذا أن التفكر أول عبادة، لأن التفكر يضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله، والتفكر أوسع طريق ندخل منه على الله، وأقصر طريق بينك وبين الله، إذاً التفكر يضعك وجهاً لوجه أمام عظمة الله.
إذاً:
﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾
الآن عفواً عندنا قاعدة أساسية أن كل أمر في القرآن يقتضي الوجوب، نحن توهمنا الدين خمسة أوامر، الدين عشرات الأوامر بل مئات ألوف الأوامر.
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ﴾
هل فكرتم بهذا النبي الكريم؟ بهذا الكمال؟ بهذا العلم؟ بهذا الرقي؟
﴿ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾
موقف الإنسان من الدين يحدد مصيره إما سعادة أبدية أو شقاء أبدي :
ما الذي يمنعنا أن نكون مؤمنين؟ ما الذي يمنعنا أن نكون متفوقين؟ لماذا الإنسان يغار من شؤون الدنيا ولا يغار على الآخرة؟ لماذا؟ لماذا لا يحب أن يكون الأول؟ لأنه:
﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
الذي عنده خمسة أولاد نجباء، أو عنده زوجة صالحة جداً، أو عنده دخل فلكي، في الحقيقة الأموال من دون بنين مشكلة كبيرة، والبنون من دون أموال مشكلة أكبر، دقق في القرآن:
﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ ﴾
لما قال: والباقيات، لماذا وصف المال والبنين؟ لأنهن فانيات، الإنسان يموت، لو كان غنياً في هذا القبر، وإن كان فقيراً في هذا القبر، وإن كان ملكاً في هذا القبر، بأي منصب، بأي مكانة، بأي شهادة، الموت يسوي بين الناس جميعاً.
أنا أشبهه بطريق فيه سباق سيارات، افرض هناك ألف سيارة من أرقى الماركات إلى أقدم الماركات، من أقوى المحركات إلى أضعف المحركات، من أكبر الحجوم إلى أصغر الحجوم، هذا الطريق العريض ينتهي بحفرة ليس لها من قرار، أول مركبة تسقط، والثانية تسقط، والعاشرة تسقط، هذا الموت، ينهي قوة القوي، ينهي ضعف الضعيف، ينهي غنى الغني، ينهي فقر الفقير، ينهي وسامة الوسيم، ينهي دمامة الدميم، الموت ينهي كل شيء، أنت الآن مادام القلب ينبض أمام فرصة، يمكن أن تستغل هذه الفرصة فتملك السعادة الأبدية، وممكن إذا غفل الإنسان عن الله عز وجل يكون ثمن غفلته شقاء أبدياً، القضية يسمونها مصيرية.
الإنسان أحياناً عندنا بالشام ينجح من السابع للثامن، عادي، من الثامن للتاسع، عادي، من التاسع للعاشر عادي، من العاشر للحادي عشر، من الحادي عشر إلى الثاني عشر، علاماته بالثانوية يحددون مهنته، إما طبيب، أو طبيب أسنان، أو صيدلي، أو مهندس، لآخر فرع بالجامعة، الحقوق، هناك خمسون ألفاً ليس عمل، فالعلامات تحدد مصير الإنسان، هذا نظام الجامعات، وموقفك من هذا الدين يحدد مصيرك، إما سعادة أبدية أو شقاء أبدي.
التفكر يضعنا وجهاً لوجه أمام عظمة الله :
لذلك أمرنا الله بالتفكر، ولا عبادة كالتفكر، والتفكر أقصر طريق إلى الله، وأوسع باب ندخل منه على الله، الآية الأصل:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ﴾
أنت كم حالة تكون عندك؟ إما أن تكون واقفاً، أو نائماً، أو جالساً على الكرسي، دائماً:
﴿ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ﴾
كأس الماء هل فكرت فيه؟ البحار كلها ملح أجاج، كيف صار هذا الماء عذباً فراتاً؟ شيء دقيق جداً، والله هناك أبحاث عن المياه العقل لا يصدقها، يا ترى أكلت الخبر، هذا الخبز كم نوع قمح فيه؟ والله مرة قلت: فيه خمسة و أربعون ألفاً، قال لي أستاذ بالجامعة: لا أكثر من ذلك، أنا خجلت، قال لي: فيه أربعمئة و خمسون ألفاً، كم نوع قمح بالأرض؟ غذاء أساسي ينبت بالجبال، بالوديان، بالمناطق الباردة، بالحارة، شيء للصناعة الغذائية، شيء للأكل، شيء للخبز، أنواع منوعة، انظر إلى الفواكه المنوعة، أنواع الفواكه، أنواع البقول، أنواع المحاصيل، هذا كله من خلق الله عز وجل.
لذلك التفكر أقصر طريق لمعرفة الله، وأوسع باب ندخل منه على الله، لأنه يضعنا وجهاً لوجه أمام عظمة الله.
التفكر في عظمة الكون :
أخواننا الكرام، الأرض ترفع سرعتها لينشأ من هذه السرعة الزائدة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة فتبقى على مسارها، هنا تخفض سرعتها لينشأ من هذا الخفض قوة نابذة أقل تكافئ القوة الجاذبة الأقل فتبقى على مسارها.
بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية، كلمة أربع سنوات ضوئية السنة الضوئية سنة؟ لا ليست سنة، الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلومتر، أعتقد مضى على الدرس الآن تقريباً أقل من ساعة، خمسون دقيقة فرضاً، كل ثانية يقطع الضوء ثلاثمئة ألف كيلومتر، العلماء يقولون: إذا الإنسان مشى مع الضوء أصبح ضوءاً، هناك تجربة دقيقة جداً، جاؤوا بقطار طوله فرضاً مئة متر، وضعوا أرصفة طولها مئة متر بالضبط، و وضعوا آلة تصوير، فلما مرّ القطار في مكان من التصوير القطار طوله بقدر طول الرصيف، هذا المكان المتوسط القطار أطول، لأنه مشى على ثلاثمئة و خمسين، فكلما ازدادت السرعة يزداد الحجم و يضعف الوزن.
مثلاً سيارة عادية إذا مشت على المئة و الأربعين وزنها ستة كيلو فقط على الأرض، المعنى دقيق جداً.
إذاً الأرض هنا ترفع سرعتها لينشأ قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة، هنا تخفض سرعتها تنشأ قوة نابذة أقل تكافئ القوة الجاذبة الأقل، تصميم من؟ علم من؟ قدرة من؟ هذا الإله يعصى؟.
الآن بين الأرض وبين أقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية، ابنك الصغير بآلة حاسبة خلال خمس دقائق يحسب لك كم يبعد هذا النجم عن الأرض، بالثانية ثلاثمئة ألف، بالدقيقة ضرب ستين، بالساعة ضرب ستين، باليوم؟ بالسنة؟ بأربع سنوات ضرب أربع، لو أردنا أن نصل إلى هذا النجم أقرب نجم ملتهب بسيارة أرضية نحتاج إلى خمسين مليون عام، إذا قال لك إنسان: أربع سنوات ضوئية تحتاج قيادة لهذا النجم إلى خمسين مليون عام، محسوب بدقة، كل تاريخ الأرض عشرة آلاف سنة، من أجل أن تصل إلى هذا النجم الذي هو أقرب نجم ملتهب، أربع سنوات ضوئية تحتاج إلى خمسين مليون سنة.
آيات الله في الآفاق :
الآن من هذا النجم الأقرب إلى نجم آخر نجم القطب، أربعة آلاف سنة ضوئية، الآن مجرة ثانية، المرأة المسلسلة تبعد عنا مليوني سنة ضوئية، أحدث مجرة تبعد عنا أربعة وعشرين ألف مليون سنة ضوئية، الأربع سنوات يحتاجون إلى خمسين مليون عام، الأربعة والعشرون ألف مليون سنة؟ الآن اقرأ القرآن:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
هذا الإله العظيم يعصى؟ ألا يخطب وده؟ ألا ترجى جنته؟ ألا تخشى ناره؟ لذلك:
أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنـا فـــــإنا منحنا بالرضا من أحبنا
ولـــذ بحمانا واحتمِ بجنابنا لــــنحميك مما فيه أشرار خلقنا
وعن ذكرنا لا يشغلنك شاغـل وأخـــلص لنا تلقى المسرة والهنا
* * *
وسلم إلينــا الأمر فيما يــكن فــــما القرب والإبعاد إلا بأمرنا
فيا خجلي منه إذا هو قال لــي أيا عبدنا ما قرأت كتابنـــــــا
أما تستحي منا ويكفيك ما جرى أما تختشي من عتبنا يوم جمعنـــا
* * *
أما آن أن تقلع عن الذنب راجعاً وتنظر ما جاء به وعدنـــــــا
فأحبابنا اختاروا المحبة مذهباً وما خالفوا في مذهب الحب شرعنــا
* * *
فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنــــــا
ولـو سمعت أذناك حسن خطابنـا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــا
ولــو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــا
* * *
ولــو نسمت من قربنا لك نسمة لمت غريباً واشتياقاً لقربنـــــا
ولــو لاح من أنوارنا لك لائح تركت جميع الكائنات لأجلنـــــا
* * *
الله عز وجل قال:
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾
لكن قبل أن أنتقل، هذه الأرض لو تفلتت من جاذبية الشمس- والبحث أنا قرأته من كتاب مؤلفه إنسان روسي، مترجم- لو أنها تفلتت من جاذبية الشمس وكانت في الفضاء، أردنا أن نعيدها إلى الشمس، قال: نحن بحاجة إلى مليون مليون حبل فولاذي، وكل حبل قطره خمسة أمتار، هذا الحبل الفولاذي الذي قطره خمسة أمتار يحمل مئتي طن، أي مليون مليون ضرب مئتي قوة جذب الشمس إلى الأرض، فإذا تفلتت تحتاج إلى مليون مليون حبل، وكل حبل قطره خمسة أمتار، وكل حبل يحمل مئتي طن، مليون مليون ضرب مئتين، قوة جذب الشمس للأرض قال من أجل ماذا؟ من أجل أن تحرف الأرض في مسارها حول الشمس ثلاثة ميلي كل ثانية.
﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾
آيات الله في النفس :
1 ـ الشعر :
الإنسان أحياناً بالآيات:
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾
بالنفس، كم شعرة بالرأس؟ الإنسان المتوسط عنده ثلاثمئة ألف شعرة، في كل شعرة وريد، وشريان، وعصب، وعضلة، وغدة دهنية، وغدة صبغية، في كل شعرة غدة ووريد وشريان وعصب.
2 ـ العين :
نأتي على العين، الحمد لله فقد أكرمنا الله بهذه العين، لكن هذه القرنية طبقة شفافة، وكل جسم يتغذى بالأوعية الشعرية، فلو غذيت هذه الطبقة القرنية الشفافة بالأوعية الشعرية لرأينا ضمن شبكة، شبكة أوعية، لذلك تنفرد هذه الطبقة ببنية خاصة، أن القرنية الشفافة الخلية الأولى تأخذ غذاءها وغذاء جارتها، وينتقل الغذاء عبر الغشاء الخلوي، طريقة تغذية القرنية تنفرد بها، من أجل نقاء الصورة، والقرنية تتغذى بالشعريات حتى لا ترى ضمن شبكة، أما القرنية فوحدها تتغذى بالحلول، تمتاز القرنية أن تغذيتها تتم بطريقة تنفرد بها، صنع من؟ علم من؟ قدرة من؟ حكمة من؟.
الآن في الشبكية مساحة قدرها ميلي وربع، أعتقد هناك كاميرات أمامي، و هناك كاميرات غالية جداً بالملايين، الاحترافية بالملايين، أعلى آلة تصوير احترافية ديجيتل بالميليمتر المربع بمكان التقاط الصورة هناك عشرة آلاف مستقبل ضوئي، بالعين بالميليمتر مئة مليون مستقبل ضوئي، من أجل دقة الصورة، أنت أيها الإنسان ترى تسعة ملايين لون، لو أن اللون الأخضر درج ثمانمئة ألف لون العين البشرية تدرك الفرق بين لونين، بين درجتين.
﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ﴾
والله الذي لا إله إلا هو لو أمضينا عاماً بالعين لا ننتهي،
﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ﴾
3 ـ منعكس المص :
الآن هذا الطفل الآن ولد، ضع فمه على ثدي أمه يمص الحليب، المص آلية معقدة جداً، يجب أن يحكم شفتيه على حلمة ثدي أمه ثم يسحب فيأتيه الحليب، هذا سماه العلماء منعكس المص، لولا هذا المنعكس لما كان هذا اللقاء، ولا كانت أستراليا كلها،.
الآن الطفل يولد، يضع فمه على حلمة ثدي أمه يحكم الإغلاق يسحب الحليب، من علمه باعتبارها آلية معقدة جداً؟ هناك غرائز بالحيوان والإنسان لا تحتاج إلى جدل، آلية، فكل إنسان مجهز لهذا المنعكس.
أنا أعرف أخاً من أخواني ابنه ولد و لا يوجد عنده هذا المنعكس فمات، لأنه لا يوجد طريقة ليعيش فيها، هذه البشرية القائمة لولا هذا المنعكس لما وجد أحد.
4 ـ ثقب بوتال :
هناك نقطة دقيقة: الإنسان ببطن أمه، لا يوجد هواء، وكلكم يعلم أن جهاز الدوران، عندنا القلب يضخ الدم للجسم كله، يرجع للقلب دماً أزرقاً، الأزرق يضخ إلى الرئتين يرجع أحمراً، عندنا دورة كبرى، ودورة صغرى، الطفل ببطن أمه لا يوجد هذا، معنى هذا أن الدورة الصغرى معطلة، كيف معطلة؟ الله فتح ثقباً بين الأذينتين، كشف هذا عالم فرنسي اسمه بوتال، سمي ثقب بوتال، فالدم - والطفل في بطن أمه - بدل أن يذهب إلى الرئتين ويرجع إلى القلب ينتقل من أذين لأذين، حين الولادة تأتي جلطة تغلق هذا الثقب، وإذا لم يغلق يصاب الطفل بداء اسمه داء الزرق، الله عز وجل يبقي كل خمسمئة ولادة طفل الثقب عنده مفتوح فيموت بعد عدة شهر، لونه أزرق، هذا الثقب من فتحه و من أغلقه؟ يد الله.
يا أخوان التفكر أسرع طريق لله عز وجل، أقرب حالة للإنسان إذا تفكر في خلق السموات والأرض.
5 ـ الغشاء العاقل :
الإنسان أحياناً الزوجة تنجب، ولدت، ينزل مع الجنين قرصاً لحمياً، نحن بالشام يسمونه الخلاص، وبالعلم اسمه المشيمة، ماذا يوجد في المشيمة؟ في المشيمة دم الأم مع دم الجنين يلتقيان.
الآن بالمناسبة: إذا مريض بالمستشفى، وبحاجة إلى دم، وأعطيناه خطأ دماً من زمرة أخرى يموت فوراً، بانحلال الدم، عندنا بالشام حالة مريض بغرفته أخرجوه و نسوا الإضبارة على الطاولة، جاء مريض ثان، احتاج إلى دم، فظنوا أن الإضبارة للمريض، أخذوا الزمرة وأعطوه دماً فمات فوراً، يموت فوراً إذا أعطي الإنسان دماً من زمرة أخرى.
الآن المشيمة فيها دم الجنين مع دم الأم ولا يختلطان، بينهما غشاء سماه العلماء الغشاء العاقل، لأنه يقوم بأعمال يعجز عنها العقلاء، ماذا يفعل؟ هذا الغشاء العاقل يأخذ من دم الأم السكر يضعه في دم الجنين، ثم يأخذ الأوكسجين من دم الأم ويضعه في دم الجنين، ثم يأخذ الأنسولين من دم الأم ويضعه في دم الجنين، صار عند الجنين سكر، أوكسجين، أنسولين، يحترق السكر عن طريق الأوكسجين بوساطة الأنسولين، يتشكل طاقة عند الجنين، حرارته سبع و ثلاثون درجةْ .
الآن الغشاء العاقل يأخذ من دم الأم عوامل المناعة، كل الأمراض التي أصيبت بها في حياتها ثم شكلت عندها مناعة ضد هذه الأمراض، عوامل هذه المناعة يأخذها من دم الأم ويضعها في دم الجنين، لذلك الطفل محصن من كل الأمراض التي أصيبت بها أمه.
الآن هذا الطفل ينقصه بوتاس، ما الطريقة التي يبلغ أمه أنه يريد البوتاس؟ الغشاء العاقل يلقي شهوة طعام يحتاجه جنينها، هذا الوحام، تشتهي المرأة الحامل أكلات غريبة، أكلات لا تحبها أحياناً تشتهيها، هذا الطعام الذي تشتهيه الحامل هو حاجة وليدها، صنع من؟ علم من؟ قدرة من؟ رحمة من؟.
لذلك التفكر أقصر طريق إلى الله، وأوسع باب ندخل منه على الله.
6 ـ الهيكل العظمي :
أنت نائم، وغارق في النوم ما الذي يحصل؟ هيكلك العظمي له وزن، وما فوقه من عضلات لها وزن، الهيكل العظمي وما فوقه من عضلات تضغط على ما تحته من عضلات عندما تنضغط الأوعية الدموية ضاقت لمعتها فالتروية ضعفت، يقول: رجلي اخضرت، ما معنى اخضرت؟ لما جلست عليها قلت كمية الدم فصار تنميل، فيأتي أمر من الدماغ وأنت نائم يقول لك: اقلب، الله يقول:
﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾
صوروا إنساناً نائماً فوجدوا أنه يتقلب من ثمان و ثلاثين إلى أربعين مرة باليوم.
لذلك هناك مرض اسمه السبات له سرير خاص بالمستشفى، سرير معه أجهزة محركة لتقليب المريض، إذا ما قلبوه يموت، الله قال:
﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾
7 ـ القلب :
مرة أخ يعمل بالتموين ذهب لشراء لحمة، لحوم مستوردة من الصين، فطلبوا من الشركة البائعة أن يكون الذبح إسلامياً، فرفعوا السعر، لماذا؟ النبي الكريم، الإنسان الأمي، الذي عاش بالصحراء، الذي عاش قبل ألف و أربعمئة سنة منعنا أن نقطع رأس الدابة، قال: اقطعوا أوداجها، فقط الأوداج، لماذا؟ القصة دقيقة أتمنى أن تعاونني بفهمها، هذا القلب يا أخوان أخطر عضو بالإنسان من أين يتلقى الأمر؟ من ذاته، لأنه أخطر عضو، مثل مستشفى، وبالبلد تقطع الكهرباء كثيراً، ولها مولدة خاصة، معقول ونحن فتحنا المريض على قلب صناعي لم يعد هناك كهرباء، مات، لا يوجد مستشفى إلا ولها مولدة خاصة، هذا القلب لأنه عضو نبيل جداً يتلقى أمره من ذاته، إذا الإنسان ركب بطارية، إذا تعطل المركز عنده مركز احتياطي، لو تعطل الثاني هناك مركز ثالث، إلا أن البطاريات القلبية الداخلية تعطي أمراً بثمانين ضربة فقط، أحياناً يضطر أن يصعد على الدرج، أحياناً يمشي على شريط متحرك للرياضة، يصعد النبض إلى مئة و ثمانين نبضة، كيف صعد إلى مئة و ثمانين نبضة؟ القلب يعطي أمراً بثمانين نبضة فقط.
الآن بالدماغ غدة نخامية، تقوم بتسع وظائف، وزنها نصف غرام، تقوم بتسع وظائف، لو تعطلت أية وظيفة أصبحت حياة الإنسان جحيماً لا يطاق، من هذه الوظائف أن هذه الغدة النخامية الإنسان عندما يواجه جهداً، يصعد درجاً طويلاً، أو يركض، إذا عنده جهد كبير الغدة النخامية غريبة، ملكة الغدد الصماء، والدماغ ملك الجهاز العصبي، هذه الغدة تعطي للكظر أنه يوجد عندنا خطر واجهه، ماذا يفعل الكظر؟ يعطي أمراً للقلب ارفع النبض للمئة والثمانين، والأمر الثاني للرئتين ليزداد الوجيب، والأمر الثالث يتوجه للكبد ليطلق كمية سكر إضافية، والأمر الرابع للكبد أيضاً ليطلق أمر التجلط، والأمر الخامس للأوعية لتضيق لمعتها، فالخائف يصفر لونه لماذا اصفر؟ الأوعية ضاقت لمعتها حتى نوفر الدم للعضلات، وأعطينا هرمون التجلط للدم، ورفعنا نبض القلب، ورفعنا وجيب الرئتين، هذا كله بثوان.
لو قطعنا رأس الخروف كلياً بقي نبضه على نبض القلب، يخرج ربع الدم فقط، فأي مسلخ في العالم يقطع رأس الدابة يعلقها من أرجلها، ويقطع رأسها، يبقى ثلثي الدم، ولون اللحم أزرق، فعندما أمر النبي بهذا لا يوجد بالعالم جهة علمية قادرة أن تفسر هذا الأمر، ولا بعد مئة عام، ولا بعد مئتي عام، ولا بعد خمسمئة عام.
الآن اكتشفوا أن الإنسان عندما يقع في الخطر يأتي أمر استثنائي من الدماغ للغدة النخامية للكظر، للقلب أمر برفع النبض، للرئتين برفع الوجيب، للأوعية بتضييق اللمعة، للكبد بإطلاق سكر زائد، للكبد لإطلاق هرمون التجلط، خمسة أوامر.
يد من؟ قدرة من؟ علم من؟ رحمة من؟.
خاتمة و توديع :
أخواننا الكرام، مرة ثانية: إذا كان هذا اللقاء له محور، فمحوره التفكر في خلق السموات والأرض، وأنت بالتفكر تضع نفسك وجهاً لوجه أمام عظمة الله، وتدخل على الله من أوسع باب وتصل إليه من أقصر طريق، أقصر طريق على أوسع باب على وضع حالك وجهاً لوجه أمام عظمة الله.
وأرجو الله سبحانه وتعالى لكم التوفيق والنجاح والحفظ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته