- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠31برنامج الإيمان هو الخلق - قناة سوريا الفضائية
تقديم وترحيب:
أيها السادة المشاهدون، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم الإيمان هو الخلق .
ويسعدنا أن نكون باستضافة ومعية الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق .
أهلاً وسهلاً سيدي الأستاذ .
أهلاً بكم أستاذ علاء جزاك الله خيراً .
الأستاذ علاء:
ربط وتذكير:
كنا قد بدأنا في الحلقة الماضية، وها نحن نفي ما كنا قد وعدنا السادة المشاهدين بإتمام الموضوع الهام، والذي يتسق مناسبة، وذكرى مع مولد النبي عليه الصلاة والسلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، الذي وصفه ربه:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾
وقالت بحقه أم المؤمنين السيدة عائشة:
(( كان خلقه القرآن ))
النبي عليه الصلاة والسلام كما تفضلت في الحلقة الماضية يجب أن نحتفي، وأن نحتفل بمولده، وأن نقيم لهذه المناسبة في بيوتاتنا، ومساجدنا، وفي كل محافلنا أن نقيم احتفالاً ليس في السنة مرة واحد، ولكن كل يوم، والاحتفاء يكون شكلاً ومضموناً، وأن نذكر الناشئة والطلبة، وأن نذكر الناس بأخلاق النبي، ومنهج النبي عليه الصلاة والسلام .
وصلنا عند مسألة هامة أفردت لها شيئاً في نهاية الحلقة الماضية، بأن معرفة سنة النبي القولية والفعلية هما فرض عين، كيف نبين هذا الأمر للسادة المشاهدين ؟ .
الدكتور راتب:
معرفة سيرة النبي فرض عين:
كل أمر في القرأن يقتضي الوجوب مالم تقم فرينة على خلاف ذلك:
أمثلة على صيغة الأمر الحقيقي وغير الحقيقي:
أولاً أستاذ علاء هناك أستاذ علاء قاعدة أصولية، أن كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك، فإذا قال الله عز وجل:
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾
هذه اللام لام الأمر، هل يعقل أن يأمرنا الله بالكفر ؟! قال: هذا أمر تهديد، وإذا قال الله عز وجل:
﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى﴾
﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا ﴾
كلوا فعل أمر، هذا أمر إباحة، القرينة تقتضي أنه أمر إباحة .
﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾
هذا أمر ندب، أما ما لم تقم قرينة على خلاف الوجوب فكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، وهذه مشكلة خطيرة جداً، كيف أن الإسلام بُعِّض و بُعِّض إلى أن بقي عبادات شعائرية، بينما الإسلام كما أجتهد، وأنا واثق من كلامي مئة ألف بند يبدأ من الفراش الزوجية، وينتهي بالعلاقات الدولية، كل حركاتنا، وسكناتنا، وأفراحنا، وأتراحنا، وكسب أموالنا، وإنفاق أموالنا، وتربية أولادنا، كل شأننا هناك حكم شرعي يغطيه، بين أمر وفرض، وواجب، وسنة مؤكدة، وغير مؤكدة، ومستحب ومباح، ومكروه كراهة تحريمية، وكراهة تنزيهية، ومحرم، فكل حركاتنا وسكناتنا مغطاة بأحكام شرعية، أنت إنسان أعقد آلة في الكون، وهناك تعليمات الصانع، وهي تعليمات دقيقة جداً .
أحيانا آلة صغيرة يعطوك ثمانين صفحة تعليماتها، آلة قد تكون بحجم أصابع اليد، فآلة صغيرة لها كل هذه التعليمات، وأخطر مخلوق في الكون أعد لجنة عرضها السماوات والأرض .
إذاً: كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك .
وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا:
الآن الأمر:
﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾
1 ـ ما لا يتم الفرض به فهو فرض:
عندنا قاعدة أصولية أخرى: ما لا يتم الفرض به فهو فرض، فالصلاة فرض لكنها لا تتم إلا بالضوء إذاً: الوضوء فرض، لأن الصلاة وهي فرض لا تتم إلا به، ولا يتم الواجب به فهو واجب، وما لا تتم السنة به فهو سنة .
2 ـ الأخذُ بكلام رسول الله فرضُ عينٍ:
إذا كان الأخذ برسول الله فرض عين، لأن كل أمر يقتضي الوجوب، هذا الأمر ماذا يقتضي ؟ يقتضي أن أبحث عن أمر، أن أبحث عن كتاب فيه أمره ونهيه، من لوازم تنفيذ هذا الأمر أن أبحث عن أمره، يقول الله عز وجل:
﴿ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ﴾
ما الذي أتانا ؟ أين أقواله ؟ أين أوامره ؟ أين توجيهاته ؟ أين إرشاداته ؟ أين سنته ؟ من أجل أن أطبق أمراً يقينياً في القرآن الكريم، ينبغي أن أطلع أمر رسول الله .
الأستاذ علاء:
إذاً: ليست الآية تقتضي أنه فقد حصراً،
﴿ وَمَا آتَاكُمْ ﴾
من كتاب الله .
الدكتور راتب:
3 ـ معرفةُ الأمر والنهيِ طريقٌ لتطبيقِه:
أنا ضربت مثلا في الحلقة السابقة، متى أحتاج إلى أن أعالج ضغطي المرتفع بعد أن أقيسه، أقيس الضغط، ثم أعالج الضغط .إذاً: لا بد من معرفة الأمر والنهي، حتى أستطيع تطبيق هذا الأمر والنهي،
﴿ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾
هذا أول دليل .
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة:
حينما يبعث الله إنساناً يعصمه عن أن يخطئ بأقواله، وبأفعاله، وإقراره، وحينما يأمرني أن آخذ منه إذاً: هو قدوتي وأسوتي، قال تعالى:
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة﴾ٌ
اقرؤوا السيرة كي تعرفوا كيف يكون لكم قدوة:
كيف يكون النبي أسوة في علاقتي بزوجتي ؟ حينما أقرأ سيرته، وأرى كيف عامل زوجته .
كيف يكون لي أسوة حسنة في معاملتي بأولادي ؟ حينما أقرأ سيرته العملية، وأرى كيف عامل أبناءه، كيف عامل جيرانه، كيف عامل أصحابه، كيف كان في سلمه، كيف كان في حربه، كيف كان في إقامته، في سفره، كيف تلقى المصائب، كيف تلقى الغائب، دخل مكة مطأطئ الرأس تواضعاً لله عز وجل، وما من قائد يفتح مدينة إلا يتغطرس، ويستعلي ويبيحها لجنوده، دخلها مطأطأ الرأس، امتنحه الله في النصر فكان متواضعاً، فلما امتنحه في الفقر:
(( هل عندكم شيء ؟ قالوا: لا، قال: فإني صائم))
ليس في بيته شيء، امتحنه بموت الولد، قال:
(( إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ ما يُرْضِي رَبَّنا، وَإنَّا بِفِرَاقِكَ يا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ ))
امتحن بتطليق ابنتيه، امتحن بالهجرة، الهجرة شيء تجربة مؤلمة جداً، تجتث من أصلك إلى بلد لا تعرفه، امتحن بالهجرة، موت زوجته خديجة، امتحنه بالفقر، امتحنه بالغنى، امتحنه بالنصر، وامتحنه بالقهر بالطائف، بالغوا في إيذائه وهو سيد الخلق، قال:
(( إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى، لكن عافيتك أوسع لي ))
امتحنه بمتاعب زوجية، كان من الممكن أن تكون زوجاته كالدمى، هو قدوة لنا، امتحنه بمصائب كثيرة جداً، خاف، تآمر عليه الكفار، أخرجوه من مكة، إذاً امتحنه بالفقر وبالغنى، وبالنصر، وبالقهر، وبموت الزوجة، وموت الولد، بتطليق البنات .
لا لردود الأفعال الأنفعالية:
أقول كلمة الآن: بطولة المؤمن لا أن ينجو من مصيبة يبدو أنها قدرنا جميعاً، ولكن البطولة أن تقف الموقف الكامل منها.
الدراسات الآن أن كل متاعبنا لا مما يأتينا، بل من ردود فعلنا .
مثلاً: يمكن لإنسان أن يتلف له قميصه قبل أن يذهب إلى عمله بدقائق، صب عليه فنجان قهوة خطأ، هذا عمل مزعج، رد فعل الأب إذا غضبَ غضبا شديدا، وصرخ، وضرب، وتكلم كلاما قاسيا، وذهب إلى عمله بعدما تأخر، ونسي أن يأخذ محفظته، لأنه تفاقم الغضب عنده جداً، لو أن هذا الأب نصح ابنه، أن انتبه يا بني، وغيّر قميصه، وذهب بهدوء لكان الأفضل، نحن كل مشاكلنا لا مما يأتينا من ردود فعل غير معقولة عما يأتينا، حتى يصبح هذا الأمر مركَّبا فينا .
الأستاذ علاء:
على هذا الرد الخاطئ يصبح هناك خطأ مركب عليه، وهكذا ككرة الثلج، تكبر هذه الكرة .
الدكتور:
أنا أقول لك: معظم حالات الطلاق تأتي من موقف عنيف، موقف طائش، موقف متسرع، غير معقول أن أسرة دمِّرت في ساعة غضب، وكان بإمكانك ألا تغضب .لما جاء حديث الإفك تريّث النبي عليه الصلاة والسلام، هذا رد على كل من يدعي، كان في شدة عالية جداً، إلى أن برّأها الله عز وجل .
أنا أقول: إن قضية سنة النبي يجب أن نعرفها ليكون قدوة لنا .
الأستاذ علاء:
لما صار خلاف بينه وبين أمّنا السيدة عائشة جاء بأبيها سيدنا أبي بكر على أن يفصل بينهما، من يتكلم ؟ فقال: تكلمي، قدمته على الكلام، لكن شرط أن يصدق، فأبوها مباشرة قال: معقول ألا يصدق، فهمَّ أن يؤدبها، فاحتمت بظهر النبي عليه الصلاة والسلام .
الدكتور راتب:
هكذا كان عليه الصلاة والسلام فاعتبروا يا أولي الأبصار:
لما برأها الله قال أبوها الصديق رضي الله عنه: قومي لرسول الله فاشكريه قالت له: والله لا أشكر إلا الله، النبي الكريم تبسم، قال: عرفت الحق لأهله .
علّمنا كيف نكون مع زوجاتنا، مع أولادنا، مع أبنائنا، مع جيراننا .
أستاذ علاء، قضية معرفة سنة النبي القولية والعملية فرض عين على كل مسلم .
مثلاً: لما كان طفلاً دعاه أقرانه ليلهو معهم، هو في سن مبكرة جداً، يسميها كتاب السيرة إرهاصات النبوة، فعافت نفسه أن يلعب معهم، قال لهم: أنا لم أخلق لهذا، لما جاءته رسالة الهدى، وحُمل أمانة التبليغ دعته السيدة خديجة أن يأخذ قسطاً من الراحة، قال كلمة تُبكي، قال: انقضى عهد النوم يا خديجة، هل يحمل المسلمون همَّ أمتهم الآن، هذا الذي يجري في العراق، في لبنان، في فلسطين، في الصومال، فيما سيكون في السودان، وما كان في أفغانستان، قال لها: انقضى عهد النوم يا خديجة .
أيعقل لإنسان دانت له الجزيرة من أقصاها إلى أقصاها، يقول له سعد بن عبادة: إن القوم وجودوا عليك في أنفسهم .
الآن هناك مشكلة، مشكلة استعصاء، هو قوي دانت له الجزيرة، وبإمكانه أن يطوق الطغاة، ويلغي وجودهم، وأن يعاتبهم أشد العتب، وأن يهدر كرامتهم، ما الذي قاله ؟ ذكرهم بفضلهم عليه، قال: مقالة بلغتني عنكم، أما إنكم لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصُدِّقتم به، أتيتنا مكذبا فصدقناك .
الأستاذ علاء:
هذه القضية نشرحها للسادة المشاهدين تتعلق بالأنصار، بعد الفتح .
الدكتور راتب:
وجدوا عليه في أنفسهم بعد معركة حنين، أنه أعطى المهاجرين أكثر من الأنصار، قال لهم: وجدتم عليّ في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوم ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم، أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا أنتم برسول الله إلى رحالكم فبكوا حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا رضينا بقسم رسول الله .
أستاذ علاء:
عفواً سيدي أعطى مَن ألّف قلوبهم .
الدكتور راتب:
حفاظاً على إيمان الأنصار، وعلى قوة إيمانهم .
مثلاً: إنسان طارئ على حياتنا أعطيته شيئا أكثر من أولادك، أنت واثق أن أولادك يحبونك، وهم مقتنعون بحكمك، ويتفهمون هذا الموقف، فالنبي ذكَّرهم بفضلهم عليه، أوجدتم عليّ في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم، أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعوا أنتم برسول الله إلى رحالكم، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أنباء الأنصار، فبكوا حتى أخضلوا لحاهم
هذه القصة أين مكانها ؟ مع وفائه، مع حكمته، مع رحمته، مع تواضعه، مع حسن سياسته، طوقنا المشكلة .
مع عدي بن حاتم !!!
يأتيه ملِك، عدي بن حاتم، ابن ملك فيأخذه إلى بيته، وهذا إكرام بالغ، يعرفه الآن أصحاب الأعمال الضخمة، قد يأتيه مندوب شركة إلى المطعم، أما حينما تأتي به إلى البيت فهذا إكرام منقطع النظير، أخذه إلى البيت، وقذف إليه وسادة من أدم محشوة ليفاً، قال: اجلس عليها، قلت: بل أنت، قال: بل أنت، قال: فجلست عليها، وجلس هو على الأرض، ما هذا الإكرام للضيف ؟! هو سيد الخلق، وحبيب الحق، قال: إيه يا عدي بن حاتم، ألم تكن ركوسياً ؟ قال: بلى، ألم تسِرْ بقومك بالمرباع ؟ قال: بلى، قال: فإن هذا لا يحل في دينك، انظر إلى المنطق، اعتبر دينه صحيحا، لماذا تخالف دينك ؟ هو كان يقوم على دين اليهودية، والنصرانية، وكان يأخذ أكثر مما يستحق، فكيف تخالف أمر دينك ؟ قال له: إيه يا عدي بن حاتم، لعله إنما يمنعك من دخل في هذا الدين ما ترى من كثرة عدوه ـ كالحال الآن ـ ما ترى من حاجتهم، من الفقر، وايمُ الله، ليوشكن أن ترى المال فيهم حتى لا يوجد من يأخذه، كان أصعب شيء على المسلم دفع زكاته، لا فقيرَ فيدفع له، ولعله إنما يمنعك من دخول في هذا الدين أنك ترى الملك والسلطان في غيرهم .
الأقمار الصناعية، والأسلحة النووية، والتقانة، والإعلام، والمال والدولارات كلها في يد أعداء المسلمين .
قال له: يا عدي لعله إنما يمنعك في دخول في هذا الدين، ما ترى من كثرة عدوهم، وما ترى من حاجتهم، وأنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم، وايمُ الله ليوشكن أن تسمع بامرأة البابلية تحج البيت على بعيرها ولا تخاف، وأن ترى قلاع بابل مفتحة للمسلمين، قال: وعاش عدي، ورأى كل هذه البشارات .
إذاً: كيف أدرك أن هذا الإنسان كان ملكا ؟ ما الذي يمنعه أن يدخل في الإسلام ، رآهم فقراء، أعداءهم كثر، مراكز القوة عند غيرهم، هذا الحال الآن يعود مرة ثانية، ونحن متفائلون إن شاء الله .
قبل أن يرتحل إلى الرفيق الأعلى يقول: مَن كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليقتد منه، من كنت أخذت له مالاً هذا مالي فليأخذ منه، ولا يخشَ الشحناء، فإنها ليست من شأني، ولا من طبيعتي، ما هذا التواضع ؟ ما هذا التواضع ؟ يأتيه عكرمة مسلماً، وأبوه أبو جهل، وهو ألدّ أعداء النبي، يقول: إياكم أن تسبوا أباه، فإن سب الميت تؤذي الحي، ولا يبلغ الميت، ما هذا الأدب ؟ وما هذه الحكمة ؟ لذلك نحن أمام كم من الكمالات .
الأستاذ علاء:
الحضارة والتقدم لن تقوم على السباب، ولا على الشحناء .
الدكتور راتب:
قوة الإسلام في مبادلة ومثالية وواقعيته:
الإسلام قوي بالمبادئ، الإسلام لا يحتاج إلى عمل عنيف، ولا إلى عمل شرير
هذه أشياء كلها أنكرها العالم كله، وسببوا بفعلهم هذا متاعب لا تنتهي، وضعوهم في زاوية مظلمة في العالم الآن .
الأستاذ علاء:
سيدي، الآن كما تفضلت بأن النبي عليه الصلاة والسلام ، وما جاء به عليه الصلاة والسلام يجب أن نعلمه، وهو فرض عين، لكي نستطيع الاتباع، وأن نميز هذه المسألة، وقلت لنا: إن النبي عليه الصلاة والسلام هو المعصوم بمفرده، باعتبار:
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾
الدكتور راتب:
النبي بين العصمة والأجتهاد:
لا بد من تنويه دقيق: أنه من الممكن أن تكون عصمته مطلقة، لكن الله جل جلاله ترك له هامش اجتهاد ضئيل جداً، في هذا الهامش الضيق ترك له أن يجتهد، فإن أصاب في اجتهاده أقره الوحي على ذلك، إذاً: بقي معصوماً، وإن إن ترك الأولى في اجتهاده صحح له الوحي، لماذا هذا الهامش الضيق ؟ ليكون هناك فرق كبير بين مقام الألوهية ومقام البشرية، هو في النهاية معصوم، معصوم عصمة مطلقة، من أن يخطئ في أقواله وأفعاله، وإقراره، لكن ليكون هناك فرق بين مقام البشر، مقام النبوة، وبين مقام الألوهية ترك له هامشا اجتهاديا .
﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ﴾
﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾
هذا الهامش الاجتهادي مع أن النبي اجتهد اجتهادا أصعب، أنت لك ابن، وأنت أستاذ رياضيات، وعندك ضيف مهم جداً، وتعلق آمالا كبيرة على هدايته، وهداية قومه من بعده، قال لك ابنك: المسألة الآن حلّها لي، عندك ضيف، وأنت له اصبر قليلا، هو لك وأنت له طول الوقت، فأخذ الجانب الأصعب، فأعرض عن ابن أم مكتوم، والتفت إلى هؤلاء، فجاء التوجيه، لا، هؤلاء، هذا أفضل من هؤلاء .
لذلك العلماء قالوا: عتب له لا عليه .
هذا الهامش الضيق هدفه أن يكون هناك فرق بين النبوة ومقام الألوهية المطلقة، هو في النهاية معصوم، وبهذا الهامش الاجتهادي إن أصاب أقره الوحي على ذلك، وإذا اجتهد الأصعب، والأولى ألا يجتهد الأصعب، صحح الوحي له .
الأستاذ علاء:
سيدي، ألا يتسق هذا الهامش الاجتهادي مع طبيعته البشرية ؟ هو بشر، علّمنا أيضاً الاجتهاد، وعلّمنا أن في الاجتهاد من يصيب، ومن يخطئ .
الدكتور راتب:
من فضائل هامش الاجتهاد: الرجوع إلى الحق:
هنا نقطة دقيقة جداً أستاذ علاء، هو في فضيلة، لأنه معصوم لا يمكن أن تظهر منه، هذه الفضيلة الرجوع إلى الحق، النبي الكريم حجب الله عنه لحكمة بالغة، الموقع المناسب يوم بدر، حجب عنه إلهاماً، ووحياً، واجتهاداً، فاختار موقف، فجاء صحابي في كتلة من الأدب، قال له: يا رسول الله: هذا الموقف وحي أوحاه الله لنا ؟ أم هو الرأي والمشورة ؟ قال له: هو الرأي والمشورة، قال له: والله ليس بموقع، فالنبي بكل بساطة، بكل رحابة صدر ، بكل بتواضع، أين الموقع المناسب يا فلان ؟ قال له: هناك .
هذه الفضيلة لا يمكن أن تظهر من معصوم، لكن الله حجب عنه الموقع المناسب، وحي، وإلهام، واجتهاد، واختار موقع غير مناسب حتى يعلمنا التواضع .
كيف إذا كنت مدير مؤسسة، وزيرا، عندك معاون، عندك موظف، قال لك: سيدي، هذه القصة ليست لصالح الأمة، هذه فيها خطأ كبير، يجب أن تصغي له، إنسان مخلص يقدم لك نصيحة، وهناك إنسان تأخذه العزة بالإثم، فلا يقبل النصيحة .
فهذا الموقف موقف رائع جداً، علّمنا النبي كيف نعود إلى الصواب، كيف نصغي إلى النصيحة، المعارضة لها دور كبير جداً، تنبه، تصحح، أن تكون بنّاءةً طبعاً .
إذاً: هذا هو منهج النبي، وهو منهج في حياتنا، منهج الصبر، منهج الحلم، منهج التواضع، ثم إنه أوتي القرآن، أوتي الوحي، أوتي المعجزات، أوتي الفصاحة، أوتي البيان، أوتي صفات مذهلة، والقرآن لم يذكرها إطلاقاً، إلا أنه أثنى عليه بخلقه العظيم ، والخلق العظيم من مكتسباته الشخصية .
إذاً: تلك من مسائل الدعوة، فمِن غير المعقول أن تعطي ابنك مركبة لتعينه على عمله، وذهابه إلى الجامعة، ثم تقيم له حفلا تكريميا أنه اقتنى مركبة، هي منك، أما حينما ينال الدرجة الأولى في الجامعة فإنك تقيم له حفلا تكريميا .
مع أنه أوتي الوحي والقرآن، والمعجزات، والبيان، والفصاحة، والفهم ،
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
أثنى عليه بما هو أهله .
بما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك:
ملمح آخر، أن الله عز وجل قال له:
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾
أنتَ أنت يا محمد، مع أنك نبي، مع أنك رسول، مع أنه يوحى إليك، مع أنك أوتيت القرآن، مع أنك أوتيت المعجزات، مع أنك أوتيت الفصاحة والبيان، مع أنك أوتيت جمال الصورة، مع أنك أوتيت الحكمة، أنتَ أنت بالذات:
﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾
فكيف إذا كان الداعي لا يوحى إليه، ولا معه قرآن، وكان فظاً غليظ القلب، شيء لا يحتمل .
الأستاذ علاء:
سيدي، الآن قلت: إن النبي عليه الصلاة والسلام هو معصوم بمفرده، كيف يكون ذلك ؟
النبي معصوم بمفرده، وأمته معصومة بمجموعها:
الدكتور:
بينما أمته بمجموعها، مثلاً: يصدر كتاب، أو يلقى خطاب، ما أحد يتكلم، لأنه وفق الكتاب والسنة، نقول: هذا إجماع سكوتي، أما لو جاءنا مؤلف، أو مفكر، أو باحث بشيء يخالف القرآن والسنة تقوم الدنيا ولا تقعد، فكأن الله عز وجل إكراما لهذه الأمة التي اختارها لتكون وسطا بينه وبين خلقه أراد بهذه الأمة أن تكون معصومة بمجموعها، لذلك قال النبي الكريم:
(( إِنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ اخْتِلَافًا فَعَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ ))
فهو بشخصه معصوم بمفرده، بينما أمته معصومة بمجموعها، هذه حقيقة ثابتة أيضاً .
الأستاذ علاء:
إذاً: الأمة تصحح للأفراد، والمسيرة الكبرى تصحح عدم إيقاعية مسيرة الأفراد مع المسير العام .
الدكتور:
العلاقة الترابطية بين الفرد والأمة:
هناك علاقة ترابطية، الفرد يصحح، والأمة تصحح، وفي النهاية الأمة بمجموعها لا تجتمع على خطأ، بينما النبي وحده لا يخطئ .
الأستاذ علاء:
النبي عليه الصلاة والسلام طالما أنا نتحدث عن شمائله، وعن علاقتنا بالنبي وعن سيرته، وبسنته الفعلية، والقولية، هل طاعة النبي طاعة مستقلة عن كل شيء ؟
الدكتور راتب:
طاعة النبي استقلالا:
﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾
استقلالاً، ولستَ مضطرا أن تبحث عن حديثه في القرآن، لا، الله عز وجل قال:
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾
إذاً عندنا وحيان: وحي متلو، هو القرآن الكريم، ووحي غير متلو هو السنة المطهرة، فينبغي أن يطاع رسول الله، إلا أن القرآن قطعي الثبوت، أما السنة فظنية الثبوت، فكلما ذكرت كلمة سنة يجب أن تضيف لها السنة الصحيحة، الكتب الصحاح بين أيدينا جميعاً، فالقرآن قطعي الثبوت، بينما السنة ظنية الثبوت، إذاً: لا بد من أن نضيف إلى كلمة الثبوت الصحيحة، ما ثبت عن رسول الله طاعته واجبة كالقرآن تماماً، أما أي كلام آخر فلا بد من عرضه على الكتاب والسنة، فإن وافقه فعلى العين والرأس، وإن خالفه فنحن رجال وهم رجال، هذا المنهج تأصيل .
(( تركت فيكم شيئين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي ))
الأستاذ علاء:
الحقيقة، كنا نود أن نستمر في كلامنا، وفيما تقدم من درر، لكن الوقت أدركنا ، ونعد السادة المشاهدين إن شاء الله بأننا سنتمم هذه القضايا المتعلقة بالنبي عليه الصلاة والسلام وباتباع سنته قولاً وفعلاً، وبالبحث عن أخلاقه، وشمائله، وأن نجعل منها سلوكاً، ومنهجاً، وطريقاً تقتدي به في حياتنا، وما أحوجنا في هذه الأيام ونحن نتعرض إلى تلك الغزوة، وإلى ذلك الاستعمار الجديد، وإلى ذلك التضليل من كل الجهات، أن نعود، وأن نتمسك بشمائل النبي، ومنهج النبي حتى لا يتيه المركب، وحتى نصل شواطئ الأمان .
الدكتور راتب:
خلاصة وتوديع:
وكعود على بدء:
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾
فإذا طبقنا سنته النظرية والعملية نحن في مأمن من عذاب الله .
الأستاذ علاء:
إن شاء الله تعالى، أيها السادة المشاهدون أشكر شكراً جزيلاً فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة على كل ما قدم، نعد إن شاء الله أن نكمل في الحلقة القادمة، إلى اللقاء شكراً سيدي الأستاذ .