- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠31برنامج الإيمان هو الخلق - قناة سوريا الفضائية
الأستاذ علاء :
تقديم وترحيب :
أيها السادة المشاهدون ، أهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة ، من برنامجكم الإيمان هو الخلق ، نكمل مسيرتنا مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة .
أهلاً بكم سيدي الأستاذ .
الدكتور راتب :
أهلا بكم أستاذ علاء ، جزاك الله خيراً .
ربط السابق باللاحق :
سيدي الكريم ، نحن في كل بداية حلقة نود أن نربط الحلقات السابقة وموضوعاتها بما نتحدث به ، وهو سلسلة ، أو حلقة في سلسلة مترابطة متراصة ، ومرصوفة بشكل علمي ، لا يعرف الفتور بفضل الله عز وجل .
تحدثنا عن مقومات التكليف ، ووصلنا إلى الكون ، ثم العقل ، الفطرة ، الشهوة ، ووضعنا رحالنا عند الاختيار ، وتبينا من خلال ما قدمتم بأن الله عز وجل خيَّر الإنسان فيما كلِّف به ، وتبيَّنا بأن تخيير الإنسان فيما كلِّف به يتسق مع عدل الله عز وجل ، ويتسق مع وجود الثواب والعقاب ، وأن الجبرية لا تثمِّن العمل ، وتتنافى مع عدل الله عز وجل وكماله بكل معنى الكلمة .
لكن سيدي ، هنالك الكثير من الآيات التي يُشتم منها رائحة الجبر ، ويتناقلها الناس في المحافل وفي الجلسات ، ويأتون بها شواهد لإثبات وجهات النظر ، بأن الله يضل فلاناً ، وأن الله قدر على فلان هذا الشيء ، واستسلم لهذا القدر ، وهنالك من يقول :
﴿ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً ﴾
والفعل عائد على الله عز وجل ، كيف نلخص ما مر معنا ، ثم لنبتدئ بالحوار درجة درجةً إن شاء الله .
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
ادعاءات الساقط من عين نفسه هروب من الحقيقة :
1 – الانحراف في السلوك نتيجتُه سوءُ الظن بالله :
أستاذ علاء ، جزاك الله خيراً على هذا السؤال ، الحقيقة أن حسن الظن بالله ثمن الجنة ، وأن الإنسان حينما ينحرف في سلوكه يسيء الظن بالله .
﴿ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ﴾
2 – كلُّ انحراف من الإنسان يبحث له عن تبريرٍ ودفاع :
هناك قضية نفسية أستاذ علاء دقيقة جداً ، الإنسان عنده عقل باطن ، وعنده عقل واعٍ ، أحياناً حينما يسقط بنظر نفسه ، حينما ينحرف ، حينما لا يستقيم تعذبه فطرته ، بالتعبير النفسي : يختل توازنه ، كيف يستعيد هذا التوازن ؟ بإحدى أساليب ثلاثة :
الأسلوب الصحيح بعد الانحراف هو التوبة :
الأسلوب الصحيح والناجح والموفق : أن يتوب إلى الله .
أما أن يظل على خطئه ، وعلى انحرافه ، وعلى تقصيره في أداء ما عليه ، وعلى انغماسه في شهوات لا ترضي الله ، يستعيد توازنه حينما يتعلق بعقيدة فاسدة ، يقول : الله قدر عليّ ذلك ، من يقول هذا الكلام ؟ من غلبته شهوته ، وسقط في حمأة المعصية ، فأراد أن يستعيد التوازن الذي اختل بمعصيته ، فيتعلق بعقيدة فاسدة ، فلذلك يسيء الظن بالله عز وجل ، يقول : إن الله قدر عليّ ذلك ، يا أخي لمَ لا تستقيم على أمر الله ؟ يجيبك بقوله : لم يهدِنِي الله بعد .
كل الحجج الواهية التي يبلي بها الساقط من عين نفسه ، والذي اختل توازنه ، هذه حجج هي في الحقيقة في علم النفس دفاع عن النفس .
في الإنسان 300 أسلوب للدفاع عن نفسه ، دون أن يشعر يكذب الخبر ، فتكذيب الخبر أول طريق من طرق الدفاع عن النفس ، وأنا أقول : هذا الذي عصا ربه ، وبنى مجده على أنقاض الآخرين ، بنى حياته على موتهم يختل توازنه الذي فطر عليه .
التعلق بالعقائد الفاسدة أسلوب فاسد بعد الانحراف :
تحدثنا في الفطرة حلقات كثيرة ، الإنسان فطرته كاملة ، فإذا خالف مبادئ فطرته يختل توازنه الداخلي ، لذلك دون أن يشعر يسلك عدة أساليب كي يستعيد هذا التوازن ، أحد أكبر هذه الأساليب أن يتعلق بعقيدة فاسدة .
مثلاً : الذي يغش الناس في البيع والشراء ، ويدخل إلى مسجد ، ويسمع درسا عن الشفاعة ، يعجبه هذا الدرس جداً ، ويتعلق به ، وقد يفهم الشفاعة فهماً ساذجاً ، مضحكاً طفولياً ، لكن يعجبه أن النبي يشفع لكل أمته حتى المذنبين .
إذاً : التعلق بعقائد فاسدة هو الدفاع عن النفس ، هي محاولة يائسة لاسترداد التوازن الداخلي ، الذي فطر عليه .
فلذلك لا تجد إنسانًا تفوق في علاقته مع الله يقول : الله قدر علي الهدى ، دون أن يشعر يقول : هذا من فضل الله عليّ ، لكن أنا طلبت ، واجتهدت في ذلك ، أما الذي يعصي الله فيعزو معصيته إلى قضاء الله وقدره ، وإن الله لا يأمر بالفحشاء .
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾
يقول الله عز وجل :
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
فكل ادعاءات الساقط من عين نفسه في أمور العقيدة ، وطرح بعض المقولات غير صحيحة هي في الحقيقة سلوك غير مدرك ، وهو سلوك العقل الباطن للدفاع عن ذاته .
الأستاذ علاء :
إذاً : أول طريق لإعادة التوازن التوبة ، الطريق الثاني التعلق بعقيدة فاسدة .
الدكتور راتب :
الطعن في الصالحين بعد الانحراف أسلوب الحمقى:
هناك طريق ثالث ، الطعن في الصالحين ، لأن الصالح يكشفه ، الإنسان المستقيم يكشف انحرافه ، فحينما يبحث عن خطأ موهوم في ذهن هذا المنحرف فهذا الخطأ يعيد له توازنه كما يتوهم ، فهي قضية نفسية .
الأستاذ علاء :
كالفاشل الذي يتناول الناجح ، وكالكسلان يتناول المتفوق .
الدكتور راتب :
الإنسان مخيَّر :
إذاً : هناك آيات في القرآن الكريم لها معنى دقيق وواضح جداً ، لكن الذين سقطوا أمام أنفسهم ، واختل توازنهم يحتجون بها ، مِن هنا كانت هذه الحلقات العديدة في الاختيار .
نحن بيّنا في دروس سابقة ، وفي لقاءات طيبة سابقة أن الإنسان مخير ، وأن الاختيار يثمِّن عمله ، ولا قيمة للعمل من دون اختيار ، ولو افترضنا أن الإنسان ألغي اختياره ، أي ألغي تكليفه ، ألغي حمل الأمانة ، ألغي الثواب ، ألغي العقاب ، ألغيت الجنة ، ألغيت النار ، أصبحت الحياة تمثيلية سمجة .
الأستاذ علاء :
كما تفضلت لك مثال جميل ، نحب أن نركز عليه ، الذي يدخل الامتحان ، وقد وزعت عليه ورقة الامتحان .
الدكتور راتب :
إلغاءُ الاختيار إلغاءٌ للتكليف :
﴿ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً ﴾
لو أن إدارة الجامعة وزعت على الطلاب أوراق الإجابة ، هذا النجاح لا قيمة له إطلاقاً ، لا عند رئاسة الجامعة ، ولا عند الناس ، ولا عند الطالب نفسه .
إذاً لو ألغينا الاختيار لألغي التكليف ، ألغي حمل الأمانة ، ألغيت الجنة ، ألغيت النار ، ألغي الثواب ، ألغي العقاب ، ألغيت المسؤولية ، وعندئذٍ تتعطل جميع قوانين الأرض ، لأن في الأرض في قوانين ومحاسبة ، إذا ألغينا الاختيار تعطلت قوانين الأرض ، التي هي من صنع البشر .
إذاً : هذه الحالة الأولى ، استعادة التوازن تكون إما بالتعلق بعقيدة زائغة ، أو الطعن في الصالحين ، أو بالتوبة النصوح .
الآيات المحكمة مهما قلَّت تحمل عليها الآيات المتشابهات مهما كثرت :
إلا أن القرآن كما تفضلت قبل قليل في آيات كثيرة جداً يُشم منها رائحة الجبر ، وقد تحدثنا في حلقة سابقة أن الآيات المحكمة مهما قلَّت تحمل عليها الآيات المتشابهات مهما كثرت .
إذاً : حينما يقول الله عز وجل :
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾
الآية الأصل في الاختيار :
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾
﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾
الآن لو ألف آية في القرآن الكريم يُشم منها رائحة الجبر ، تُحمَل على هذه الآيات المحكمات .
الإضلال الجزائي مبني على ضلال اختياري :
بدأنا في اللقاء السابق ، والفضل لله عز وجل بالحديث عنى الإضلال الجزائي الذي بني على ضلال اختياري ، يؤيده قوله تعالى :
﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾
وبينت أن الطالب الذي ينقطع عن الدوام في الجامعة ، ولا يقدم امتحان ، ولا يدرس ، يأتيه الإنذار ، تلو الإنذار ، تلو الإنذار ، ويصر على ترك الجامعة ، الآن يصدر قرار بترقين قيده ، هذا القرار ليس جبراً له ، بل هو تجسيد لرغبته التي أصر عليها ، فهذا اسمه الإضلال الجزائي المبني على ضلال اختياري ، ورد في القرآن الكريم :
﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾
هذا ما تحدثنا عنه في الحلقات سابقة .
الإضلال الحكمي :
اليوم إن شاء الله الحديث عن الإضلال الحكمي .
حينما أغلق الباب الخارجي للبيت ، والأبواب الداخلية مفتحة ، وهي في الحقيقة مغلقة ، بإغلاق الباب الخارجي الأبواب الداخلية مغلقة ، فحينما يعبد الإنسان شهوته يتخذها إلهاً ، الآية الكريمة :
﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾
حينما يرفض الإنسان الهدى كلياً ، يرفض الدين ، يرفض منهج السماء ، ما معه شيء ، فهو في ضلال حكمي ، ما أحد أضله ، وحينما تطفئ المصباح بيدك فأنت في ظلام ، وإذا وقعتَ في الحفرة فلا أحد دفعك إليها ، أما إطفاء المصباح فأوصلك حكماً إلى هذه الحفرة .
الإضلال الحكمي تحصيل حاصل يسميه العلماء ، فحينما أطفئ مصابيح سيارتي في الليل الأليل ، وحينما يكون الطريق متعرجاً ، وعلى يمينه وادٍ سحيق ، وعلى يساره وادٍ سحيق ، فالسقوط في الوادي حكمي .
وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ
الآية الأولى :
﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ ﴾
ليس كلُّ عاقلٍ ذكيًّا :
هناك ملمح دقيق في قوله :
﴿ عَلَى عِلْمٍ ﴾
قد يحمل الرجل دكتوراه ، نقول : ما كل ذكي بعاقل ، الذكاء شيء ، والعقل شيء آخر ، الذكاء متعلق بالتفاصيل ، بالجزئيات ، قد يحمل الإنسان دكتوراه في الذرة ، لأنه غفل عن سر وجوده في الدنيا ، وعن غاية وجوده ، قد يستخدم الذرة لصنع سلاح يدمر البشرية ، هو ذكي جداً ، متفوق جداً ، وقد يصل ذكائه إلى 140 من فوائد الذكاء ، ومع ذلك ليس عاقلاً ، لأنه سبب دماراً للبشرية ، لأنه ما عرف سر وجوده ، ولا غاية وجدوه ، فما كل ذي بعاقل ، من هو العاقل ؟ الذي عرف الله ، عرف لماذا هو في الدنيا ، وماذا بعد الموت ، عرف من أين ، وإلى أين ، ولماذا .
إذاً :
﴿ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ ﴾
الضال قد يكون إنسانا مثقفا ثقافة عالية جداً ، وقد يجمع تفاصيل دقيقة في اختصاصه ، هذه المعلومات محشوة في دماغه ، لكن عقله بمعنى إدراكه الحق لم يحصِّله .
الموضوع العلمي : اليعسوب :
1 – اليعسوب ذو قابلية لرؤية خارقة :
ترسل المعلومات الآتية من هذه الأعين إلى مخ اليعسوب الذي يعمل كحاسوب ، وبهذا فاليعسوب ذو قابلية لرؤية خارقة .
2 – اليعسوب ذو قابلية خارقة للمناورة :
الأستاذ علاء :
خاتمة وتوديع :
كنا نود أن نستمر ، لكن الوقت أدركنا ، باسمكم أعزائي المشاهدين أشكر فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة على كل ما قدمت ، ونلتقي إن شاء الله في الحلقة القادمة .