- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠31برنامج الإيمان هو الخلق - قناة سوريا الفضائية
تقديم وترحيب :
أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم الإيمان هو الخلق .
ويسعدنا أن نكمل ما كنا قد بدأناه في الحلقة الماضية مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين في دمشق .
أهلاً وسهلاً سيدي الكريم .
بكم أستاذ علاء ، جزاكم الله خيراً .
الأستاذ علاء :
تذكيرٌ بالحلقة الماضية :
سيدي الكريم ، بدأنا في الحلقة الماضية بموضوع الأدلة العقلية في مسألة الاختيار ، تبينا في حلقات ماضية بأن الإنسان مخير ، والاختيار هو مقوم من مقومات التكليف ، وتبينا بالنص القرآني والحديث الصحيح بأن الإنسان مخير فيما كلف به ، وأنه غير مجبر على أي شيء ، وأن التثمين للعمل يأتي من الاختيار ، وأن الاختيار مفهوم يتسق مع العدالة الإلهية والكمال الإلهي ، وتبينا في الحلقة الماضية عبر دليل عقلي لطيف بأن الإنسان لو وضع بين جدارين من الإسمنت والفراغ بعرض منكبيه ، وقلنا له : خذ اليمين ، أو خذ اليسار ، قلنا : هذه الأوامر لا معنى لها إطلاقاً ، لأنه لا يستطيع أن يؤديها ، كمن رمي مكتوفاً في الماء ، وابتل ، وقيل له : إياك إيّاك أن تبتل بالماء ، فمن هنا باعتبار أن الأمر والنهي في مسائل لا يستطيع أن يفعلها الإنسان إلا إذا كان مخيرا ، ولا معنى لها في التقييد ، يستطيع أن يفعلها في حال الاختيار ، وباعتبار أن القرآن الكريم مليئا بالأوامر والنواهي والسنة الصحيحة إذاً : يقتضي أن يكون الإنسانُ مخيرًا .
لكن سيدي الكريم ، كنا سنمر على أمثلة واقعية من السيرة ، ومن حياة الصحابة الكرام ، هل لنا أن تبسط لنا هذا المعنى من خلال شواهد كانت على أرض الواقع .
الدكتور راتب :
أمثلة مِن واقع الصحابة العملي في عقيدة الاختيار :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أستاذ علاء ، سيدنا عمر يصفه بعض المؤرخين بأنه عملاق الإسلام ، والنبي عليه الصلاة والسلام يصف عصره والعصرين التاليين له ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ...))
ونحن نفهم الكتاب والسنة في ضوء فهم الصحابة الكرام والتابعين وتابعي التابعين ، لأنهم كانوا أقرب إلى النبي عليه الصلاة والسلام .
مع الفاروق عمر :
لو أن الإنسان مجبر ومسير لما قال سيدنا عمر هذا الكلام ، قد جيء له بشارب خمر فقال : << أقيموا عليه الحد ، قال : والله يا أمير المؤمنين ، إن الله قدر علي ذلك >> .
الإنسان يعزو أخطاءه إلى القدر ، ولا يعزو إلى القدر إيجابياته :
وقبل أن أتابع أقول : الإنسان بعقله الباطن يميل إلى أن يعزو أخطاءه إلى القضاء والقدر ، لكن ما سمعت إنسانا تفوق ، وقال : هذا كتبه الله لي ، وأجبرني عليه ، يقول : اجتهدت ، وتعلمت ، وتفوق ، وسهرات الليالي ، لماذا في الإيجابيات تعزوها إلى نفسك ، وفي السلبيات تعزوها إلى القضاء والقدر ؟ هذا موقف غير منطقي ، فلذلك الإنسان يميل إلى أن يعزو أخطاءه ، وهذا على مستوى فرد ، وأنا أقول أستاذ علاء ، وسامحني : على مستوى أمة نحن نتهم الاستعمار في كل شيء ، نتهم الصهيونية العالمية ، الموساد ، نحن عندنا أخطاء ، والحقيقة المُرة أفضل ألف مَرة من الوهم المريح ، البطولة أن تجابه الخطأ الذاتي ، البطولة ألا نقفز على الخطأ ، أن نواجهه ، وأن نحاول أن نصححه .
أنا لي مقولتان مهمتان : ليس العار أن تخطئ ، ولكن العار أن تبقى مخطئاً ، وليس العار أن تجهل ، ولكن العار أن تبقى جاهلاً .
فهذا الإنسان شارب الخمر قال : << إن الله قدر علي ذلك ، أستاذ علاء ، هذا الكلام نسمعه يومياً من العوام ، الله ما كتب له الهدى ، الله كاتب عليه الشقاء ، كلمات للعوام خطيرة جداً ، والله أنا أقول : هي الكفر بعينه ، الله عز وجل قال:
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾
أو إنسان لا حظ له ، هناك توجيه قرآني ، قال تعالى :
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾
وهناك قانون للتيسير ، والتعسير له قانون ، قال تعالى :
﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾
فهذا الإنسان قال : << إن الله قدر علي ذلك >> ، الآن لنصغي إلى عملاق الإسلام ، إلى من عاش مع النبي عليه الصلاة والسلام ، وفَهِم عنه الحقيقة المطلقة ، وكان أقرب إليه من معظم الصحابة ، قال : << أقيموا عليه الحد مرتين ، مرة لأنه شرب الخمر ، ومرة لأنه افترى على الله ، قال : ويحك يا هذا ، إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار >> ، لا يمكن للقضاء أن يخرج من الاختيار إلى الاضطرار ، قال تعالى :
﴿ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا ﴾
هذه مقولة المشركين .
﴿ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾
سمى الله هذه العقيدة كذباً ، قال تعالى :
﴿ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾
أستاذ علاء ، قضية خطيرة جداً ، ما كانت هذه الندوة لتجعل هذا الموضوع ليحتل عدة حلقات إلا لخطورته ، نحن كأمة حينما نعزو كل أخطائنا إلى أعدائنا فهذا خطأ كبير ، هناك أخطاء من عندنا ، من صنع أيدينا ، والحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح ، وما لم يكن هناك نقدٌ ذاتي جريء فلن نتلافى أخطاءنا ، ولن ترقى الأمة ، القضية عامة وخاصة ، فالإنسان بسذاجة وغباء يعزو أخطاءه إلى الله ، قال تعالى :
﴿ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
أستاذ علاء ، هناك آية دقيقة جداً ، قال تعالى :
﴿ وَلَوْ شِئْنَا ﴾
بعض المعاني الشرعية المهمة :
1ـ معنى : وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهًا
هناك معنى ضمني ، يعني يا عبادي ، لو شئت أن أجبركم ، لو شئت أن ألغي اختياركم ، لو شئت أن ألغي ما يثمن عملكم ، لو شئت أن لا تكونوا مكلفين ما أجبرتُكم إلا على الهدى ،
الأستاذ علاء :
هذا معنى رائع وصريح .
الدكتور راتب :
لو أني غيّرت هويتكم من كائن مخير إلى كائن مسير ، لو أني غيّرت هويتكم ، ألغينا تكليفكم ، ألغيت حمل الأمانة ، ألغيت الثواب والعقاب والجنة والنار ، لو ألغينا كل هذه لما أجبرتكم إلا على الهدى .
إذاً : حينما أخطئ فهذا الخطأ من اختياري ، ومن كسبي ، وهذه مشيئتي ، وأنا أرى أن أحداً على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة لا يستطيع أن يضل أحداً .
الأستاذ علاء :
حينما قال ذلك الأعرابي : جعل رزقي بضرب كفي على دفي .
الدكتور راتب :
بارك الله بك يا أستاذ علاء ، الآن دخلنا ، ففي الحديث :
(( إن روح القدس نفثت في روعي أن نفس لن تموت حتى تستوفي رزقها ، فاتقوا الله عباد الله ، وأجملوا في الطلب ، واستجملوا مهنكم ))
لي كلمة اقبلها مني أستاذ علاء ، بستان من بساتين التفاح في منطقة حول دمشق ، الشجرة العاشرة ، الصف الثالث ، الغصن الرابع ، التفاحة الثانية ، هذه لفلان ، فلان يمكن أن يأكلها سرقة ، ويمكن أن يأكلها تسولاً ، ويمكن أن يأكلها ضيافة ، ويمكن أن يأكلها شراءً ، ويمكن أن يأكلها هدية ، طريقة انتقال هذه التفاحة إليه باختياره ، أما هي فله ،
(( إن روح القدس نفثت في روعي أن نفس لن تموت حتى تستوفي رزقها ، فاتقوا الله عباد الله ، وأجملوا في الطلب ، واستجملوا مهنكم ))
الأستاذ علاء :
تسمح لي أن نقف عند هذا المعنى الرائع جداً :
(( واستجملوا مهنكم ))
الدكتور راتب :
2ـ معنى : واستجملوا مهنكم
اختر مهنة راقية ، مهنة فيها عطاء للناس ، هناك مهن فيها أخذ ، فيها ابتزاز مال ، فيها إلقاء الخوف والرعب في قلوب الناس ، ابتعد عن حرفة تؤذي عباد الله ، لأن الرزق سيأتيك حلالاً من حرفة أشرف ، وألصق شيءٍ في حياة الإنسان زوجته وعمله ، البيت يتغير ، والمركبة تتغير ، والحي يتغير ، لكن العمل لاصق بالإنسان ، يعيش معه ثماني ساعات كل يوم ، فإذا كان عملاً غير مشروع يبنى على إيذاء الناس ، أو ابتزاز أموالهم ، أو إلقاء الرعب في قلوبهم ، فهو في غضب الله ، وفي سخطه .
الإنسان يعلم إنسانًا ، يقدم للناس سلعة جيدة بسعر معتدل ، هذا له أجر عظيم ، التاجر الصدوق مع النبيين يوم القيامة .
الإنسان يدرس في الجامعة الحقائق الناصعة لينشئ قادة لهذه الأمة .
الإنسان الطبيب يعالج الناس .
المحامي لا يتسلم إلا قضية عادلة ، فيها ظلم شديد ، مهندس لا يبني بناء إلا وفق القواعد الأساسية ، لا يحتال على مواد البناء .
حينما يعرف الإنسانُ الله عز وجل يختار حرفة يسعد بها ، لكن أنا أقول لك كلمة : إن أعظم حرفة تحترفها هي الحرفة التي تتناسب مع اتجاهك ، إنسان يحب المطالعة ، وهو أمين مكتبة ، هذه حرفة تنطبق مع اتجاهه انطباقاً تاماً ، لذلك قالوا : هناك حرف مجزية لغيرها ، أعمال شاقة ، لكن دخلها كبير ، لكن هناك أعمال مجزية لذاتها ، منها التعليم ، أنت حينما تعيش مع شباب ، مع أطهر فئة في المجتمع ، وتعلمهم ، وتلقي في قلوبهم المبادئ والقيم والأخلاق ، وتحملهم على طاعة الله ، أنت تمارس هوايتك الأساسية ضمن عملك ، لكن أنا أطمئن كل إنسان له عمل ، عملك إذا كان في الأصل مشروعاً ، وسلكت به الطرق المشروعة ، وابتغيت منه كفاية نفسك وأهلك وخدمة الناس ، النية واضحة ، ولم يشغلك عن فريضة ولا عن واجب ديني ولا عن عبادة انقلب العمل على عبادة .
الأستاذ علاء :
هذا عطاء إضافي .
الدكتور راتب :
لابد من حرفة وخدمةٍ تُسعِد الناس :
أنا أتمنى على كل أخ مشاهد أن يختار عملا فيه عطاء ، في خير للناس ، هذا العمل يسعده ، ويسعد به في الدنيا والآخرة ، هذا العمل يؤديه ، وهو في أعلى درجات السعادة ، الطبيب في خدمة المرضى ، المحامي في خدمة المظلومين ، المدرس في خدمة أبناء الأمة ، مثلاً ، الموظف مهمته الأولى تسهيل مصالح المواطنين ، حينما تكون في عمل ، في خير تكون أسعد الناس به .
مرة قرأت كلمة يمكن من أربعين سنة هي في دمي : " إذا أردت أن تسعد فأسعد الآخرين " ، لمجرد من أن تخرج من ذاتك لخدمة الخلق فأنت أسعد الناس .
الأستاذ علاء :
من هنا جاء قول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ ، وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ ))
الدكتور راتب :
أنا أقول : الحرفة شيء خطير ، والزوجة شيء خطير ، لأن ثمة تلازما ، وشيء بحياتك الحميمة ، حرفتك وزوجتك ، فمن أحسن اختيار زوجته وحرفته فقد حقق نجاحاً كبيراً في الحياة .
الأستاذ علاء :
إذاً : نأتي على مسألة ما عند الله لا ينال بمعصية الله .
الدكتور راتب :
3ـ معنى : ما عند الله لا ينال بمعصيته
بكلمة أخرى : من ابتغى أمراً بمعصية كان أبعد مما رجا ، وأقرب مما اتقى ، من ابتغى أمراً بمعصية كان أبعد مما رجا ، ابتعد عنه الهدف ، وأقرب مما اتقى ، الهدف السلبي .
الأستاذ علاء :
نعيدها .
الدكتور راتب :
من ابتغى أمراً بمعصية كان أبعد مما رجا ، هو رجا النجاح من هذا العمل ، لكن هذا النجاح مبني على إيذاء الناس ، مبني على ابتزاز أموالهم ، مبني على إلقاء الرعب في قلوبهم ، أبعد مما رجا ، وأقرب مما اتقى ، اتقى الهلاك والشقاء ، فاقترب من الهلاك والشقاء ، القضية مهمة جداً أستاذ علاء .
أنا أقول : مَن هو الغبي ؟ أولاً من أدق تعريفات الذكاء : التكيف ، فالذي يتكيف مع ربه ، مع منهجه ، مع قرآنه ، مع سنة نبيه ، مع الدار الآخرة ، مع مغادرة الدنيا ، هذا تكيف ، فلذلك أنا أرى أن أغبى أغبياء أهل الأرض هم الذين لا يدخلون الله في حساباتهم ، يتصرف وكأن الإله لا يعلم ، يتصرف وكأن الإله لا يحاسب ، يتصرف وكأن الحياة لا تنتهي ، سيعيش هكذا ، مع أنني أؤكد لكل أخ مشاهد هل بإمكان أيّ إنسان على وجه الأرض أن يستيقظ كل يوم كاليوم السابق ؟ مستحيل ، ففي أحد الأيام لابد من بوابة الخروج ، لا بد من أن يخرج من الدنيا ، يبدأ بمرض يتفاقم ، فلذلك قضية أن الإنسان يتخذ حرفة راقية ترضي الله فيها عطاء هي معنى : واستجملوا مهنكم .
الأستاذ علاء :
الآن سيدي الفقرة العلمية عن أي موضوع ؟
الدكتور راتب :
الموضوع العلمي : النملةُ المزارعةُ :
سوف نتابع موضوع النمل ، ولكن بحرفة أخرى من حرف النمل ، النمل مجتمع كالمجتمع البشري تماماً ،
﴿ أُمَمٌ أَمْثََالًُكُمْ ﴾
كما جاء في القرآن الكريم ، يزرع البشر منذ آلاف السنين ، والزراعة تسد أكبر قسم من احتياجات الغذاء في العالم ، يستخدم الناس تقنيات مختلفةً لزراعة أخصب . طور رجال العلم أساليب لزيادة الخصوبة ، كاستخدام الأسمدة الكيماوية والأدوية الفعالة ، بالإضافة إلى أنهم نجحوا في الحصول على نتاج الفصول كلها بإنشائهم البيوت البلاستيكية ، لكن هناك كائن ظل يشتغل بالزراعة ، ويستخدم أرقى التقنيات قبل البشر منذ دهر طويل ، لنقم الآن برحلة إلى أعماق غابات الأمازون للتعرف عن قرب على هذا الكائن .
أساليب الزراعة عند النمل ، ومسؤولية كل فريق زراعي :
إنها النملة القاطعة للأوراق ، هذه النملة تعمل في الزراعة منذ ملايين السنين ، وتصل إلى تحقيق غايتها بعمل دؤوب مرحلة مرحلةً ، بتخطيط وتعاون لا مثيل لهما ، في أول مرحلة من مراحل الإنتاج تقوم النملات العاملة بمهمتها خارج مملكتها ، تقطع أوراق النباتات البرية وأشجار الغابات ليلاً ونهاراً دون أي توقف ، وفي المرحلة الثانية تقوم بنقل الأوراق التي قطعتها إلى مملكتها ، تحمل النملات قِطع الأوراق إلى مملكتها ممسكة بها كشراع كما نرى تماماً . هذه العاملات الصغيرة قوية أكثر مما يتصورها الإنسان ، وعلى سبيل المقارنة فالواحدة منها تشبه إنساناً يحمل على ظهره مئتين وخمسين كيلو غراماً راكضاً بسرعة كيلو متر ونصف الكيلو متر في الدقيقة ، ليس بمقدور أي إنسان بنفسه أن ينجز مثل هذا العمل . تعمل النملات بتخطيط ونظام إلى درجة محيرة ، من الضروري لها نقل الأوراق إلى مملكتها تمهيداً للزراعة ، ولأجل هذا يجب ألا تتعطل عملية النقل ، تنشئ النملات طريقاً كثير الممرات لتسهيل عملية النقل ، على خيط تمشي النملات ، الأعجب من هذا وجود منظمة مسؤولة عن إصلاح وصيانة الطرق ، وزارة النقل هذه ، كما هو الحال عند البشر . هذه نملة موظفة للقيامة بإزالة العوائق عن الطريق ، وهذه أخرى موظفة لمراقبة الطريق العام تتحقق في منظمات النمل إنها تصرفات تتجاوز خيال الإنسان . الآن نشاهد جسراً حياً قوامه نملات تشد بعضها بعضاً ، تتابع النملات الأخريات ، وتتابع طريقها بالسير على هذا الجسر ، إنه مشهد تضحية وتحمل عظيم لا مثيل له ، تتحرك خمسمئة ألف نملة تقريباً بهذه الأعمال كجسد واحد ، وهذه المنظمة الضخمة قادرة في أربع وعشرين ساعة على قطع ونقل أوراق شجرة بأكملها كبيرة جداً ، تقطع النملات هذه كل أنواع النباتات ، وحتى الأزهار دون ملل ولا توقف . هناك عالم كبير يئس من متابعة الدراسة ، قبل أن يكون عالماً كبيراً رأى نملة تصعد على حائط ، وتقع ، حاولت أربعة وأربعين مرة ، فاستحيا من هذه النملة التي أعادت المحاولة أربعين مرة ، وتابع دراسته .
وعند مقارنة حجم النملة مع ما قطعته من الأوراق بالنسبة لحجم الإنسان يكون الذي قطعته النملات كجذع شجرة سميكة واسعة الأطراف ، ويستخدم الإنسان في قطعه للشجر آلات خاصة .
معجزات الله في النمل : آلة قطع الأشجار :
إذاً كيف تنجز مجموعة النمل هذا العمل ؟ الجواب : أيضاً يظهر معجزة واضحة ، لأن الله تعالى وهب النملة التي تقطع الورق آلة قطع خارقة التصميم ، تتكون آلة القطع هذه من سكينين مختلفين ، وقد غطي سطح السكاكين بالزنك لتأمين حد أدق . في آلة القطع هذه نظام يحير العقول ، تحت رأس كل نملة مباشرة عضو خاص يبث موجات صوتية ذات تردد عال ، ترسل هذه الترددات من السكين إلى الورقة ، تُهشم هذه الموجات الورقة ، وتسهل قطعها ، هذا النظام تصميم خارق. لنتأمل قليلاً الآن في بنية هذا النظام ، تغطية المعدن بخلائط معدنية خاصة لصناعة سكين ، أحد أسلوب يستخدمه البشر أيضاً ، ولكن الناس الذين يصنعون هذا أرشدهم الله إليه بالعقل ، ولم يتطور هذا النظام إلا بعد عمل دؤوب في المختبرات ، ولكن ليس لدى النمل علم بوجود مادة تسمى الزنك ، لا تعلم أن سكاكينها مغطاة بهذه المادة ، تغطى الخلايا الموجودة في آلة القطع في شفرات النملة بالزنك بشكل معجز ، وفي جسم هذا الكائن الصغير تصميم ذكي جداً كما نرى على الشاشة ، وكذلك الحال في النظام المساعد على قطع الورقة بيسر بفضل موجات الصوت ، لا تعرف النملة قطعاً تحول مادة إلى حالة مهشمة بموجات الصوت ذات التردد العالي .
ليس هذا مِن قَبيل المصادفة :
بلا شك لا يمكن أن يحدث نظام معقد كهذا مصادفة ، هناك تفسير واحد فقط لوجود هذا النظام البديع ، الله تعالى أوجد النملات ، ووهبها مع كل خصائصها ، آلات القطع المعجز ، أورد الباري سبحانه في كتابه ما يدل على ذلك بقوله :
﴿ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴾
أستاذ علاء ، أنا أقول دائماً : إن التفكر في خلق السماوات والأرض أوسع باب ندخل منه على الله ، بل هو أقصر طريق نصل من خلاله إلى الله ، لأن التفكر في خلق السماوات والأرض يضعنا أمام عظمة الله :
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
أي أن العلماء وحدهم ولا أحد سواهم يخشى الله .
الأستاذ علاء :
خاتمة وتوديع :
﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
لا يسعنا أعزائي المشاهدين إلا أن نشكر الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق ، إن شاء الله نلتقي في الحلقة القادمة ، شكراً وإلى اللقاء .