- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠31برنامج الإيمان هو الخلق - قناة سوريا الفضائية
تقديم وترحيب :
أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم الإيمان هو الخلق .
يسعدنا أن نكمل ما كنا قد بدأناه في الحلقة الماضية مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين في دمشق .
أهلاً وسهلاً سيدي الكريم .
بكم أستاذ علاء ، جزاكم الله خيراً .
الأستاذ علاء :
سيدي الكريم ، تحدثنا في الحلقة الماضية ، ولن أجمل الحلقات البعيدة ، كنا في موضوع الاختيار ، وتحدثنا في مسألة الاختيار الشيء الكثير ، وبينت لنا في آخر نوع من الإضلال بعد الجزاء والحكم ، والإضلال عن الشركاء الذي يفضي إلى التوحيد ، التوحيد هو كما حدثتنا ثمرة الإيمان ، وأيضاً كل الأديان ، وكل الأنبياء ، وكل الرسالات ، وكل المناهج التي نزلت من السماء إلى الأرض تتلخص بالتوحيد ، وقلت لنا : إن التوحيد هو اعتقاد ، وأن العبادة هي سلوك ، الآن سيدي الكريم بعد أن تبينا حقيقة التوحيد ما هي لوازم التوحيد ؟
الدكتور راتب :
تعليق مهمٌّ : الدين كله توحيد :
أستاذ علاء ، لا بد من تعليق على كلامك اللطيف ، لو أنّ رجلاً سأل طبيبًا متفوقا جداً أمضى في دراسة الطب خمساً وثلاثين سنة ، سأله : علمني شيئاً واحداً ، كيف أكتب وصفة ؟ يقول له : كتابة الوصفة محصلة دراسة خمس وثلاثين سنة ، أحياناً سعر العملة محصلة الثروات الباطنية والاقتصاد والتصدير ، كل الإنتاج الزراعي والصناعي والتجاري ، والقوة العسكرية ، والقوة الدولية ، والثروات الباطنية ، كلها تتلخص بسعر العملة ، أنا أقول : الإيمان كله التفكر في خلق السماوات والأرض ، وأداء العبادات ، وإنفاق الأموال ، وطلب العلم ، كل النشاطات الدينية تضغط بالتوحيد ، فالتوحيد محصلة إيمانك واستقامتك وعملك الصالح ، ومحصلة علمك ومحصلة إخلاصك ، التوحيد نهاية العلم ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، لكن ليس من المعقول أن تصدق إنسانا معه مئة مليون يستدين عشر ليرات ، يكون عنده تزوير وخلل خطير ، لأن من لوازم الغني أن معه مالا ، ومن لوازم الغني الإنفاق من ماله ، ومن لوازم الغني أنه اشترى بيتا معقولا يتناسب مع ثروته ، تجد إنسانا يقول : لا إله إلا الله ، لكن يتضعضع أمام غني ، ورد في بعض الآثار : " من جلس إلى غني فتضعضع له ذهب ثلثا دينه : .
يتضعضع أمام قوي ، يتضعضع أمام غني ، يبذل ماء وجهه لغير الله .
الأستاذ علاء :
هذا نوع من الإشراك سيدي ؟
الدكتور راتب :
التضعضع أمام الأغنياء نوع من الشرك :
هو إشراك ، أنا لا أصدق إنسانا يقول : لا إله إلا الله ، ثم يبذل ماء وجهه لغني ، أو قوي من أجل أن يصل لشيء من الدنيا ، وقد دفع ثمن هذا الشيء كرامته لا أصدق ، لا أصدق إنسانا يخاف إلا من الله إذا كان موحدا .
مثلاً : قال تعالى :
﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾
أحد أكبر العذاب النفسي القلق والاستخذاء ، والخوف والإحباط ، أن ترى مع الله إلهاً آخر .
الأستاذ علاء :
ولم تشر الآية إلى عذاب أخروي ، وإنما دنيوي ، كما تفضلت ، العذاب النفسي الإحباط التراجع .
الدكتور راتب :
القوة والشجاعة بالتوحيد :
أما سحرة فرعون حينما رأوا العصا أصبحت ثعباناً مبيناً ، هذا ليس سحراً ، إنما هي نبوة ، فقالوا :
﴿ آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى * قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى ﴾
فرعون الجبار الطاغية .
الآن :
﴿ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾
لن يكون الإنسان شجاعاً إلا بالتوحيد ، لن يكون جريئاً إلا بالتوحيد ، لن يكون كريم النفس إلا بالتوحيد ، لن يكون واضحاً إلا بالتوحيد ، لن يكون عزيز الجانب إلا بالتوحيد ، وضعف التوحيد ذلٌّ ، وضعف التوحيد نفاق ، ضعف التوحيد معصية .
أنا أضع يدي على أخطر قضية في الدين ، حينما ترى أن لا إله إلا الله ، ولا معطي ، ولا مانع ، ولا مذل ، ولا رافع ، ولا خافض ، ولا رازق إلا الله ، علاقتك مع جهة واحدة ، ارتاح الإنسان من الشركاء .
الأستاذ علاء :
لاحظ سيدي الكريم ، أن الكثيرين منا بالطبع دون علم منه ، ودون إصرار منه على هذه المسألة يقع في كل هذه المسائل ، لذلك ورد في بعض الآثار القدسية :
(( إني والجن والإنس في نبأ عظيم : أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر غيري ))
" خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إلي صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي ، وأنا الغني عنهم ، ويتبغضون إلي بالمعاصي ، وهم أفقر شيء إليه ، من أقبل علي منهم تلقيته من بعيد ، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب ، أهل ذكري أهل مودتي ، أهل شركي أهل زيادتي ، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي "
" إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب ، الحسنة عند بعشرة أمثالها وأزيد ، والسيئة بمثلها وأعفو ، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها " .
سألتني أستاذ علاء عن لوازم التوحيد .
الأستاذ علاء :
قبل لوازم التوحيد إذا سمحت سيدي ، كيف يتسق هذا المعنى مع حديث النبي عليه الصلاة والسلام من لم يشكر الناس لم يشكر الله .
الدكتور راتب :
كيف نجمع بين شكر الناس وتوحيد الله :
بارك الله على هذا السؤال ، أنا حينما أعتقد أن الذي أعطاني هو الله ، لكن عن طريق زيد ، زيد كائن مخير ، اختار أن يعطيني بإلهام من الله ، فأنا واجبي الأول أن أشكر الله ، ثم واجبي الثاني حتماً أن أشكر زيداً ، لأن النبي علمنا الأدب فقال :
(( مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ ))
حينما يأتيني عطاء من إنسان مخير ، هو اختار أن يساعدني ، هو مخير ، اختياره أراد أن يساعدني ، لكن الله عز وجل ألهمه ، وجعله يساعدني ، فأنا من قلة الذوق ، ومن قلة الأدب ، ومن الجحود ألا أشكره ، إلا أنه لما اتُّهِمت السيدة عائشة رضي الله عنها في أشرف ما تملكه فتاة امرأة ، وجاءت تبرئتها من الله عز وجل قال لها أبوها الصديق : قومي ، واشكري رسول الله ، قالت له : لا والله ، لا أشكر إلا الله ، وبعدها شكرته ، أنت حينما توحد تشكر الله أولاً ، وبعد هذا تشكر من جاءك هذا الخير على يديه .
الأستاذ علاء :
من أجرى الله الخير على يديه .
الدكتور راتب :
هو مخير ، اختار أن يستجيب إلى هذا النداء الإلهي ، كإنسان وقف على باب إنسان الغني ، أعطاه ، فمن قلةِ الذوق أن يأخذ ، ويمشي ، اشكره ، جزاك الله خيراً ، أرجو الله أن يمكنني أن أرد لك هذا الجميل ، فإذا ابتعد عن البيت قال : يا رب ، لك الحمد ، أنت الموفق ، أنت الذي ألهمته ، أنت الذي أعطيتني .
الحقيقة أنه لا يتناقض أن تشكر عباد الله مع شكر الله ، وحينما ترى أن هذا الذي أعطاك له إرادة مستقلة عن الله فقد أشركت ، أما حينما ترى أن الله منحك هذا العطاء عن طريق فلان فإنك تشكر الله أولاً ، ثم تأدباً مع توجيه النبي تتوجه إليه وتشكره .
أستاذ علاء ، نحن مقصرون جداً في هذا الصنف الثاني ، لأن مَن الذي يمنع المعونة ؟ الذي لا يشكر ، أنا أتمنى على إخوتي المشاهدين أي خدمة قدمت لك من إنسان لا بد من أن تشكره ، إما باتصال هاتفي ، أو برسالة ، أو بكلمة في صحيفة .
مثلاً : طبيب بذل جهدًا كبيرا ، وأخذ أجرا قليلا ، يجب أن تنوه بفضله ،
(( مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ ))
المجتمعات الراقية حضارياً ولو كانت بعيدة عن الله دينياً من لوازمها الشكر ، كلمة شكر ، اتصال هاتفي ، بطاقة شكر ، الشكر من صلب هذا الدين .
الأستاذ علاء :
ومن هنا نفهم سيدي أنه لا يعرف الفضلَ لأهل الفضل إلا أهلُ الفضل .
الدكتور راتب :
لا يعرف الفضلَ لأهله إلا ذووه :
كان عليه الصلاة والسلام تعظم عنده النعمة مهما دقت ، أحد الصحابة وجد على ثيابه ريشة ، فنزعها عنه ، قال له : جزاك الله خيراً ، شكر العباد لا يتناقض مع التوحيد ، بالعكس هو من لوازم التوحيد ، لذلك قال النبي الكريم :
(( مَنْ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ ، وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ ، وَمَنْ اسْتَجَارَ بِاللَّهِ فَأَجِيرُوهُ ، وَمَنْ آتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ ))
الأستاذ علاء :
سيدي نأتي إلى لوازم التوحيد .
الدكتور راتب :
لوازم التوحيد :
1 ـ عدم الإشراك بالله مطلقا :
الآية الأولى :
﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ﴾
الرب هو الممد ، قال تعالى :
﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ﴾
انحباس السماء عن المطر يتلف ، يلغي كل الثروات ، فلذلك حينما أرى أن المطر قد انهمرت البارحة ، والحمد لله تشعر أن هذه رحمة الله عز وجل ، الرب هو الممد ، لو أن الله حبس المطر عن بلد ما ، والقيادة اتخذت قراراً بإنزال المطر لكان هذا شيئًا مضحكًا ، المطر بيد الله وحده ، هو القوي ، فلذلك :
﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ ﴾
التقوى والاستقامة سبب الرزق :
أنا أقول دائماً بالمناسبة : تقنين الإلهي تقنين تأديب ، ولا يمكن ، ولا يعقل ، ولا يقبل أن يكون تقنين الإله تقنين عجز ، قال تعالى :
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾
﴿ وَأَ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ﴾
إقامةُ القرآن في الحياة سبب الرزق :
﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾
يقاس عليها القرآن الكريم ولو أن أقاموا القرآن الكريم أقمنا أحكامه في بيوتنا وفي أعمالنا لأكلنا من فوقنا ومن تحت أرجلنا ، إذاً : هو تقنين تأديب ، والدليل :
﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾
مرة كنت في بلد ، واشتريت مجلة علمية ، فإذا فيها بحث لفت نظري ، أن المراصد الفضائية كشفت سحابة في الفضاء البعيد يمكن أن تملأ محيطات الأرض مجتمعة ستين مرة في اليوم بالمياه العذبة ، سحابة واحدة ، نقص الأمطار نقص تأديبي ، وكلما قلّ ما الحياء قلّ ماءُ السماء ، فلذلك :
﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ ﴾
هو الممد ، يمدنا بالهواء ، بالماء ، بالرزق ، بزوجة ، بأولاد ، الطفل إذا جاء مشوهاً لو دفعت كل ما تملك لم تقيم صورته ، إذا جاء سليماً معافى فرحت به .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا ))
الشيء الأول :
﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ ﴾
الأستاذ علاء :
من اللوازم سيدي .
الدكتور راتب :
من لوازم الربوبية :
أن يكون الله رباً لك لا غيره ، الآن الرب من لوازمه أيضاً أنه يربي نفسك ، يربي جسمك بالهواء والماء ، والزوجة والأولاد ، والطعام والشراب ، والخضار والفواكه ، واللحوم والأسماك ، إذا حصل خطأ كان التأديب ، إذا حصل إسراف كان التقنين ، إذا حصل كبر كانت الإهانة والمتابعة ، والإنسان إذا تابعه الله فهو في نعمة كبيرة ، لأنه ضمن العناية المشددة .
2 ـ الحَكَمُ هو اللهُ :
الآن من لوازم التوحيد :
﴿ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً ﴾
هناك اختلافات في الأرض ، بل اختلافات كثيرة جداً .
الأستاذ علاء :
اللازم الأول أن يكون رباً .
الدكتور راتب :
اللازم الثاني أن يكون الحَكَمُ هو الله ، هو شرعه ، لذلك ما حسنه الشرع هو الحسن ، وما قبّحه هو القبيح ، لذلك حينما قال الله عز وجل :
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾
قالوا القلب السليم هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله ولا يقبل خبراً يتناقض مع وحي الله ولا يحكم غير شرع الله ولا يعبد غير الله .
﴿ أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً ﴾
لو أن امرأة في بلد أجنبي رغب زوجها أن يطلقها ، إن اتجهت إلى مركز إسلامي يقضي لها بمهرها فقط ، هذا حكم الله ، أما إذا اتجهت إلى قاض في تلك البلاد يقضي لها بنصف ثروة زوجها ، فإذا كانت مؤمنةً حقاً تتجه إلى القاضي الإسلامي الذي يقضي لها بشرع الله ، أما إذا رفضنا شرع الله عز وجل نكون قد وقعنا في خطأ كبير .
الأستاذ علاء :
من هنا تأتي الآية الكريمة :
﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾
حتى الحرج ممنوع
الدكتور راتب :
قال تعالى :
﴿ لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾
﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾
هذا شرع الله ، هذا حكم الله ، أنت مع طبيب معه بورد ، يقول لك : أوقف الملح ، لا تفكر أن تناقشه ، واثق من علمه ، ومن دقة كلامه ، واثق من توجيهاته الصحيحة ، ومن دراساته العالية ، مع طبيب تستسلم ، خاطب لذلك الإمام الغزالي نفسه فقال : " يا نفس ، لو أن طبيباً منعك من أكلة تحبينها لا شك أنك تمتنعين ، أيكون الطبيب أصدق عندك من الله ؟ فما أكفرك ! أيكون وعيد الطبيب أشد عندك من وعيد الله ؟ إذاً " ما أجهلك ! " .
حينما أصدق الطبيب ، وأبادر إلى بيع البيت المرتفع لأشتري بيتاً أرضياً حفاظاً على قلبي ، حينما أصدق الطبيب ، ولا أصدق الله عز وجل حينما فإن من يفعل مثل هذا جزاءه جهنم .
أحياناً في الجريدة خبر بسيط ، أنه مثلاً : يمكن أن تخفف رسوم السيارات ، ثاني يوم تهبط الأسعار بمئة ألف لكل سيارة ، بأربع كلمات ، الناس استجابوا ، وإله عظيم بين أيدينا كلامه نقرأه صباحاً ومساءً ، فيه أمر ونهي ، ووعد ووعيد ، والناس لا يعبئون .
إذاً : من لوازم التوحيد أن يكون الله ربنا ، ولا رب لنا سواه ، وأن يكون حكماً لنا شرعه ، هو الحكم أمره هو الحكم .
الأستاذ علاء :
اللازم الأخير سيدي .
الدكتور راتب :
3 ـ لا وليَّ إلاّ اللهُ :
قال تعالى :
﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً ﴾
الإنسان أحيانا بحاجة إلى مرجع ، في الجامعات الراقية فيها لكل خمسة طلاب أستاذ متفرغ لهم ، يرجعون إليه في اختيار المواد ، في طريقة الدراسة ، في اقتناء الكتب والمراجع ، في تنظيم وقت الدراسة ، الآن في التفاصيل فلا بد لك من مرجع تستشيره ، تأخذ رأيه ، تستنصحه ، يرشدك ، يوجهك ، الآن في التفاصيل ، في الزواج ، في العمل ، في التجارة ، في الاستخارة ، في الاستجارة ، المؤمن بعد أن يعبد الله ، ويطبق أمره ونهيه في تفاصيل حياته يأخذ بحكم الشرع فيه ، في تفاصيل حياته يصلي صلاة الاستخارة ، يسأل أهل العلم ، الولي للتفاصيل ، أنت تعبد الله رب العالمين ، وهو ربك ، في تربية جسمك ، وحاجاتك ، وتربية نفسك ، وتجعل الله حكماً في كل قضية خلافية .
الله عز وجل وليك ، أي ترجع إليه في التفاصيل ، تسأله ، تدعوه ، تصلي صلاة الاستخارة ، ترى تفاصيل الأحكام ، ما الذي يرضي الله ، فتاتان ، الأولى دينها قوي ، والثانية دينها قليل ، فالنبي نصحني بذات الدين ، أنا الآن دخلت في التفاصيل في اختيار زوجتي ، في عمل قد يبنى على إيذاء الناس أبتعد عنه ، في عمل دخله قليل ، ولكنه شريف ، في خدمة للناس ، فأنا حينما أدخل في التفاصيل الله ولي ، قال تعالى :
﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾
الأستاذ علاء :
الله عز وجل يتولانا ، من هنا نفهم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ، وحتى يكون الله ورسوله أحب شيء مما سواهما ، الحب والولاية .
الدكتور راتب :
أنت حينما تقول : الله يتولاك ، وحينما تقول : أنا ، يتخلى الله عنك .
الأستاذ علاء :
هذا الموضوع سنكمله إن شاء الله في الحلقة القادمة ، والآن جاء وقت الفقرة العلمية ، فماذا اخترت لنا ؟
الدكتور راتب :
الموضوع العلمي : الفيل
ننتقل إلى الفيل ، هنا إفريقيا التي أمامنا ، في هذه القارة تعيش كثير من الكائنات المتنوعة .بالمناسبة ، حدائق الحيوان في إفريقيا حدائق مفتوحة ، إذا لم يدخل الزائر إلى سيارة مصفحة يؤكل ، أما الحدائق التقليدية فالحيوانات في قفص ، الآن مجتمعنا حديقة حيوان إفريقية .
هذا هو الفيل:
هذا الفيل أكبر حيوان بري على وجه الأرض ، أجسامها الضخمة تبدو ، وكأنها منزل يتحرك ، وزن فيل واحد يساوي وزن خمسين شخصاً تقريباً .تعيش الفيلة سبعين سنة في الظروف الطبيعية ، وتتجول على شكل قطعان غالباً ، وفي كل قطيع ثلاثون فيلاً تقريباً ،
يقاد القطيع من قِبَل فيل أنثى ، والقرارات التي تتخذها تُنفذ من قبل الجميع.
وهناك نظام وانضباط كاملان يسير عليه أفراد القطيع ،والذي يُراعى فيه النظام الطبقي ، يأكل كل فيل وسطياً في اليوم مئتين وخمسين كيلو غراماً من الأعشاب ، هذا يعني أن قطيعاً مؤلفاً من ثلاثين فيلاً يستهلك سبعين طناً يومياً من العشب تقريباً .
ولا شك أن حاجة الفيل إلى الماء تحت الشمس الحارقة حاجة ملحة أيضاً ، و لهذا فهو يُضطر إلى ارتياد نبع الماء يومياً ،
وليحصل على الماء والطعام لا بد له من أن يقطع مسافة خمسين كيلو متراً دون توقف أحياناً ، وهو لا يتحمل البقاء من دون ماء أكثر من ثلاثة أيام ، خلقت أجسام الفيلة بشكل يتناسب مع البيئة الصعبة الموجودة فيها .
والآن لندقق في بعض خصائص الفيلة هذه ، وذلك عن قرب ، لنرى معاً معجزات الخالق في هذه الحيوانات الثقيلة .
الخرطوم الطويل:
الحقيقية أن الخرطوم أكبر مساعد للفيلة ،عمليات متنوعة كثيرة تتحقق بهذا الخرطوم ، كان العلماء في القرن الثامن عشر يظنون أن خرطوم الفيل عضلة واحدة ، لكن البحوث الحديثة أدهشت العلماء ، ففي حين لا تتجاوز عضلات الإنسان ستمئة وتسعاً وثلاثين عضلة.
اكتشفوا وجود مئات الآلاف من العضلات في الخرطوم الواحد ، هذه العضلات التي تُرى على شكل حلقات بعضها فوق بعض تعطي خرطوم الفيل مرونة كبيرة .يتكون الخرطوم من مجموعتين أساسيتين من العضلات ، العضلات الموصولة تقاطعياً تؤمن دوران الخرطوم حلزونياً إلى الجهات كلها ،
وتمكنه من التحركات الثقيلة ، وتعمل عمل الرافعة التي نستخدمها في رفع الأثقال .
المجموعة الثانية من العضلات تقوم بأدق الحركات ، وتتميز بحاسة اللمس كأصابع الإنسان تماماً ،
والخرطوم ليس أنفاً فقط ، بل هو كل شيء بالنسبة إلى الفيل ، هو الحواس كلها وأكثر ، ولذا إذا تضرر الخرطوم يمكن أن يكون سبباً في موت الفيل في مدة قصيرة .
المدافعون عن نظرية داروين يدعون أن الخصائص التي تملكها الكائنات ظهرت تدريجياً نتيجة المصادفات ، وعن هذا فإن بنية معقدة كخرطوم الفيل لا تستطيع القيام بمهمتها إلا بعد ظهور مئات الآلاف من العضلات معاً ،
وفي آن واحد ، وهذا بحسب زعمهم يستغرق وقتاً طويلاً ، ولو لم تكن هذه المجموعة من العضلات موجودة معاً لعجزت الفيلة عن الحركة ، ولماتت في مدة قصيرة ، وهذا لم يحدث أبداً .
إن الفيلة تستخدم خرطومها بسهولة منذ ملايين السنين على أكمل وجه ، وهذه التصاميم في أجسام هذه الحيوانات تُظهر لنا مرة أخرى بديع خلق الله تعالى .أستاذ علاء ، نحن أمام كون مدهش بسمائه وأرضه ، ومخلوقاته الكبيرة والصغيرة ، البعوضة أحياناً فيها أشياء مذهلة ، والفيل فيه أشياء مذهلة .
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
***
الأستاذ علاء :
ونعود إلى الآية التي ختمت بها حلقتنا الماضية :
﴿ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ﴾
لا يسعنا أعزائي المشاهدين في نهاية هذه الحلقة إلا أن نشكر الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق ، إن شاء الله نلتقي في الحلقة القادمة ، شكراً لك ، وسلام الله عليك ورحمته وبركاته