- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠31برنامج الإيمان هو الخلق - قناة سوريا الفضائية
تقديم وترحيب :
أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم الإيمان هو الخلق .
يسعدنا أن نكمل ما كنا قد بدأناه في الحلقة الماضية مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين في دمشق .
أهلاً وسهلاً سيدي الكريم .
بكم أستاذ علاء ، جزاكم الله خيراً .
الأستاذ علاء :
كنا قد تحدثنا في حلقات سابقة عن مقومات التكيف التي تتلخص في الكون والعقل والفطرة والشهوة ، ووقفنا عند الاختيار ، وقلنا : إن الاختيار مفصل هامٌّ ، و فردنا له عدة حلقات ، وقيل : إن الاختيار جاء في صلبه بالتكريم ، وعند تعطي شخصاً حرية الاختيار إنما تعطيه المكانة والقدرة على أن يفعل أو لا يفعل ، دون أن تدخّل ، أو مشيئة ، والاختيار يجعل من العمل شيئاً ثميناً نلقى الله به ز
الآن وكنت قد طرحت أمثلة عديدة ، لو أن الله عز وجل فرض علينا أن نفعل الخير .
الدكتور راتب :
ماذا لو أجبرَنا الله على فعلٍِ الثواب :
لو أجبرنا على الطاعة لبطل الثواب والعقاب ، والوعد والوعيد ، والجنة والنار والتكليف وحمل الأمانة ، ولألغي كل شيء .
الأستاذ علاء :
لذلك الله عز وجل أعطانا الاختيار فيما كلفنا به حتى لا يكون الاختيار مطلقا في أشياء محجوب عنها الاختيار .
الدكتور راتب :
لم يختر أحدنا أمه وأباه .
الأستاذ علاء :
جنسه مكان ولادته ، لون بشرته ، طوله .
الدكتور راتب :
لكن العلماء يؤكدون أن هذا الذي ليس لنا فيه خيار هو محض خير لنا ، ولو كشف الغطاء لما اخترنا غيره ، وهذا معنى قول بعض العلماء : " ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني " .
الأستاذ علاء :
حسنُ الاختيار سببُ النتائج الحسنةِ :
نأتي إلى مسألة هامة ، وإلى محطة في قضية الاختيار ، الاختيار يقتضي أن نختار الشيء ، أن نختار الطريق ، أن نختار العمل ، وبالتالي هذا الاختيار معوَّل عليه نتائج ، وهذه النتائج إما أن تكون هناك مثوبة ، وإما أن يكون هناك عقاب ، فإذا أحسن الإنسان الاختيار فهناك نتائج إيجابية .
الدكتور راتب :
القضية مصيرية متعلقة بالأبد ، بسعادة الأبد أو بشقاء الأبد ، قال تعالى :
إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
الأستاذ علاء :
الآن هذا الاختيار معول عليه حياته الأبدية ، نأتي إلى مفهوم واضح ، هو مفهوم المغفرة والعذاب ، الثواب والعقاب ، قال تعالى :
وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
الدكتور راتب :
مفهوم المغفرة والعذاب ، والثواب والعقاب :
على هذه وتلك نبتدئ من هنا إن شاء الله .
1 ـ الإنسان مكرَّم :
لكن بادئ ذي بدء ، أستاذ علاء ، جزاك الله خيراً ، ينبغي أن نوضح بعضَ المسلَّمات :
أن الإنسان مخيّر ليثمن عمله ، ولكرامته عند الله ، وأن الله سبحانه وتعالى كما أنه من صفاته أنه مريد منح هذه الصفة للإنسان ، وقد يفهم بعضهم أن الله سبحانه وتعالى منح بعض صفاته للإنسان من قول النبي عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
>(( إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ ))
2 ـ ربُّ الناس رحيمٌ بهم :
لكن الموضوع اليوم دقيق جداً ، ووجهُ الدقة فيه أن الإنسان مخير ، لكن الله رب مُرّبٍّ محب رحيم ، لو أن الإنسان مخير ، وكفر ، واختار طريق الشقاء ، وتركه الله عز وجل حتى ينتهي مصيره إلى الشقاء فليس رباً ، كالأب تماماً ، ولله المثل الأعلى ، لو أن الابن أخفى عن أبيه أخطاءه وانحرافاته ، الأب يتابع ويعالج ، أما لو أنه موظف عندك ، ولا علاقة لك به إطلاقاً ، يهمك فقط مدى إنجاز عمله ، أما حينما تكون أبا لهذا الموظف ، تريد أن تحصي عليه أخطاءه ، لا من أجل الإحصاء ، بل من أجل التقويم ، لأن الله رب العالمين ، لأن الله هو الرحمن الرحيم ، سيد الخلق ، وحبيب الحق ، وهو أرحم الخلق بالخلق ، فحينما وصل إلى الطائف لينقل أهلها من الظلمات إلى النور من الشقاء على السعادة بالغوا في الإساءة إليه ، بالغوا في السخرية منه ، بالغوا في تكذيبه ، أغروا صبيانهم بإيذائه ، فلما جاءه جبريل ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
>(( هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ ؟ قَالَ : لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي ، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، فَقَالَ : ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ))
ما تخلى عنهم ، واعتذر عنهم ، فإنهم لا يعلمون ، ودعا لهم بالهدى ، ورجا الله أن يخرج من أصلابهم من يوحّده ، لذلك أرحم الخلق بالخلق على الإطلاق سيد الخلق ، ومع ذلك يقول الله له :
فَبِمَا رَحْمَةٍ
تنكير تصغير :
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ
ويقول عن ذاته العليا :
وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ
الرحمة كلها مِن عند مَن ؟ لذلك ربنا أرحم الراحمين ، قال تعالى :
وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ
اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى
هذا الذي قال : أنا ربكم الأعلى ، هذا الذي قال : ما علمت لكم من إله غيري ، هذا الذي قتل أبناء بني إسرائيل ، واستحيا نساءهم ، هذا الذي تجبر وتكبر ، ونسي المبتدى والمتنهى ، قال : أنا ربكما الأعلى ، قال الله لسيدنا موسى ولنبيه من أولي العزم :
اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43)فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى
يقول بعضهم : يا رب ، إذا كانت رحمتك لمن قال : أنا ربكم الأعلى ، فكيف رحمتك بمن قال : سبحان ربي الأعلى ، إذا كانت رحمتك بمن قال : ما علمت لكم بإله غيري فكيف رحمتك بمن قال : لا إله إلا الله ، لذلك الرحمة كلها عند الله .
تروي بعض الأخبار ، وليست هذه القصة واقعية ، لكنها رمزية ، أن نبياً مر بأمٍّ تخبز على التنور ، وكلما وضعت الرغيف بالتنور مسكت ابنها ، وقبلته ، وشمته ، فعجب هذا النبي الكريم من هذه الرحمة ، قال : يا موسى ، هذه رحمتي أودعتها بقلب أمه ، وسأنزعها ، فلما نزعها وبكى ألقته في التنور ، لذلك :
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ
الله عز وجل رحيم ، لو أن هذا الإنسان اتخذ قراراً خاطئاً ، اختار الدنيا ، اختار الشهوة ، اختار أن يبني مجده على أنقاض الآخرين ، اختار أن يبني عزه على إذلالهم ، اختار اختياراً خاطئاً ، اختار اختياراً يقوده إلى جهنم ، يقوده إلى شقاء الدنيا وعذاب الآخرة ، يقوده إلى الضياع ، يقوده إلى الانتحار ، يقوده إلى الإحباط ، يقوده إلى الذل ، الله موجود ، وهو رحيم ، وفي بعض الآثار : " لو يعلم المعرضون انتظاري لهم ، وشوقي على ترك معاصيهم لتقطعت أوصالهم من حبي ، ولماتوا شوقاً إلي ، هذه إرادتي بالمعرضين فكيف بالمقبلين " .
" إني والإنس والجن في نبأ عظيم ، أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر سواي ، خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إلى صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي ، وأنا الغني عنهم ويتبغضون إلى بالمعاصي ، وهم أفقر شيء إليّ ، مَن أقبل علي منهم تلقيته من بعيد ، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب ، أهل ذكري أهل مودتي ، أهل شكري أهل زيادتي ، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب ، الحسنة عندي بعشر أمثالها ، وأزيد ، والسيئة بمثلها ، وأعفو ، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها .
الآن الله عز وجل أعطى الإنسان الاختيار ، لكن لو أنه أساء في الاختيار ، اختار طريقاً يفضي الشقاء ، إلى الإحباط ، إلى اليأس ، إلى شقاء الدنيا ، وعذاب الآخرة ، الله رب العالمين قال :
فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ
وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ
3 ـ المعالجةُ الربّانية ضرورية لتوبة العبد :
تقتضي رحمته ألا يرد بأسه عن القوم المجرمين ، لذلك كل ما نرى من شرور هي على الشبكية شرور ، لكن هي محض رحمة ، لأن هذه هي النعم الباطنة ، قال تعالى :
وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً
النعم الباطنة المعالجات ، وفي حلقة سابقة كما تفضلت وسألتني : ما معنى تاب الله عليهم ليتوبوا ؟ ساق إليهم من الشدائد ما يحملهم بها على التوبة ، فلذلك الفضل الكبير لله ، حينما يساق للإنسان بعض الشدائد ، وفي الأثر أن الله أوحى إلى الدنيا : " أن تكدري ، وتمرري ، وتضيقي على أوليائي حتى يحبوا لقائي " .
والله أستاذ علاء ، أحياناً الشدائد تسوق الإنسان إلى باب الله ، والرخاء والترف حجاب بين العبد وربه ، هذا معنى قوله تعالى :
كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى
4 ـ حسنُ الاختيار سبب السعادة :
الآن الإنسان مخير ، ولأنه مكرم عند الله هو مخير ، ولأن الاختيار يثمن عمله ، هو مخير ، فإذا أصاب في اختياره شرح الله صدره ، وشعر هذا الإنسان بسعادة لا توصف ، قال تعالى :
حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ
فلو أن الإنسان اختار الصواب لشعر بانشراح وتوفيق ، وسعادة ونمو نفسي وإقبال ، حتى يقول : ليس في الأرض من هو أسعد مني ، بأي ظرف ، بأي وضع ، بأي معطيات ، بأي بيئة ، هو سعيد في الفقر وفي الغنى ، وفي القوة والضعف ، وفي إقبال الدنيا وإدبارها ، وقبل الزواج وبعد الزواج ، وقبل المرض وبعد المرض ، هو اتصل بالأصل بالمطلق ، اتصل بالرحيم ، فلذلك يقولون : " إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة إنها جنة القرب " .
" ماذا يفعل أعدائي بي ؟ بستاني في صدري ، إن أبعدوني فإبعادي سياحة ، وإن حبسوني فحبسي خلوة ، وإن قتلوني فقتلي شهادة ، فماذا يفعل أعدائي بي ؟ " .
والله وإن فتتوا في حبهم كبـدي باق على حبهم راض بما فعلوا
هم الحبة إن جاروا وإن عدلـوا فليس لي عنهم معدل وإن عدلوا
***
فليتـــك تحلو والحياة مريرة ولـيت ترضى والأنام غضـابُ
وليت الذي بيني وبينك عـامـر وبيني وبيـن العالمـين خرابُ
إذا صح منك الوصل فالكل هين وكـل الذي فوق التراب ترابُ
***
يا رب ، ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ إذا كان الله معك فمن عليك ؟ لا يستطيع أحد على وجه الأرض أن ينال منك ، وإذا كان عليك فمن معك ؟ يتطاول عليك ابنك .
5 ـ حسنُ الاختيار سبب لتولي الله للعبد ونصرتِه :
لذلك إن سألتني ألخص مشكلة المسلمين في العالم اليوم المليار والخمسمئة مليون هان أمر الله عليهم فهانوا على الله ، قال تعالى :
وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً
إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ
وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
وزوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين .
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي
الكرة في ملعبنا .
الأستاذ علاء :
سيدي الكريم ، نقلتنا على مسألة أن النصر ، وأن التأييد ، وأن الحفظ والعناية من عند الله تقتضي المقدمة من الإنسان والإيمان ، كل من أتى على ذكرهم الله عز وجل يجمع بينهم الإيمان .
الدكتور راتب :
الكرة في ملعبنا :
كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ
لو استعرضنا مِن الحياة الأحداث القريبة نرى أن منا الله عز وجل أرسل إلينا رسالة في الشهرين السابقين ، أنني موجود ، وأن الأمر بيدي ، وموازين القوى بيدي ، وسأريكم كيف أن جيشاً هو الأول في الشرق الأوسط ، قوة وعدة ، وعتاداً وإعداداً ، وطيرانًا ومدرعات ، كيف أذله الله على يد ثلاثة آلاف إنسان فقط ، الموازين بيد الله ، وإذا أراد الله ينتصر إنسان لم يكن النصر بين يديه ، فالكرة في ملعبنا ، وإن تعودوا نعد ، قال تعالى :
إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ
وزوال الكون أهون على الله من أن لا يحقق وعوده للمؤمنين ، إلا أن هذه الآية :
لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
الكونُ كلُّه ملكٌ لله تعالى :
هذه اللام لام الملكية ، السماوات والأرض مصطلح قرآني يعني الكون ، والكون ما سوى الله ، ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ ، لكن ملكية الله للخلق أو للكون ملكية مطلقة .أنا أحياناً أملك بيتاً ، ولا أنتفع به ، فهي ملكية ناقصة ، كأن يكون مؤجَّرًا على النظام القديم ، وأحياناً أنتفع ببيت ولا أملكه ، وأحياناً أملكه وأنتفع به ، لكن عرضه لقانون تملك أو استملاك مصيره ليس إليك ، العلماء قالوا : ملكية الله لخلقه ملكية حقيقية ، ملكية مطلقة ، ملكاً وتصرفاً ومصيراً ، ملكاً حقيقياً ، وتصرفاً مستمراً ، ومصيراً أبدياً ، قال تعالى :
لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
الإنسان عبد مملوك لله تعالى :
فنحن من ضمن ما يملك الله عز وجل ، بالمعنى الأوسع حياتك بيده ، رزقك بيده ، صحتك بيده ، زوجتك بيده ، يقول بعض العارفين ، وهو الإمام الشعراني : " أعرف مقامي عند ربي من أخلاق زوجتي " ، وأنا أقيس على هذا أن المرأة يجب أن تعرف مقامها عند ربها من أخلاق زوجها ، لأنه ما تواد اثنان في الله ففرق بينهما إلا بذنب أصابه أحدهما .
لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
ملكية مطلقة ، هذا الشريان التاجي قد يضيق ، فتبدأ متاعب التي لا حصر لها ، يشعر بذبحة صدرية يحتاج إلى قسطرة ، يحتاج إلى تبديل شرايين ، يحتاج إلى قلب مفتوح ، يحتاج إلى نصف مليون ليرة ، الشريان التاجي بيد الله ، سيولة الدم بيد الله ، إذا تجمد الدم في بعض أوعية الدماغ الفرعية يصاب في مكانٍ بشلل ، وفي مكان عمى ، وفي مكان بفقدِ ذاكرة ...
الآن الأولاد بيد الله ، قد يأتي مرض لولد يكلفك كل ما تملك .
مرة أخ من إخواني قال لي : إذا أنجب الإنسان طفلاً سليماً فهذا الطفل معه مليون ليرة ، ما فهمت عليه ، قلت له : كيف ؟ اشرح لي ، قال لي : ابنتي جاءها طفل صغير ، كان الوريد محل الشريان ، وفي القطر السوري ما مِن خبير بهذه العملية ، وفي لبنان طبيب يكلف أربعمئة ألف ، والمستشفى ثلاث مئة ألف ، والسيارة خمسين ألفًا من المستشفى إلى البيت ، قال لي : دفعت خلال ساعتين سبعمئة وخمسين ألفا ، فأن يأتي الطفل سليمًا من نعم الله الكبرى ، هذا بملك الله ، قال تعالى :
لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
بين الأمراض العضوية والأمراض النفسية :
الآن هناك أمراض جسمية وأمراض نفسية ، الفرق بينهما كبير ، الأمراض الجسمية مهما كانت عضالة تنتهي عند الموت ، عظّم الله أجركم ، كان سرطان معه ، وانتهى بالموت كل شيء ، لكن الطامة الكبرى أن الأمراض النفسية تبدأ بعد الموت ، تشقي صاحبها إلى أبد الآبدين .
إذا وصل الإنسان إلى شفير القبر ، وهو معافى من كل أمراضه النفسية فهو أكبر إنجاز على الإطلاق ، أن يصل الإنسان إلى القبر طاهراً ، أما الطامة الكبرى فقد يكون صحيح الجسم ، ويموت فجأة لسبب أو لآخر ، ويدخل القبر ، فتبدأ المتاعب ، قال تعالى :
النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ
من ستة آلاف عام آل فرعون يعرضون على النار غدواً وعشيا ، إلى يوم القيامة .
الأستاذ علاء :
وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً
الدكتور راتب :
العاقل مَن يعدُّ نفسه لساعة الموت :
والله يا أستاذ علاء ، جزاك الله خيراً ، ما من إنسان على وجه الأرض أزكى وأعقل ممن يعد لهذه الساعة التي لا بد منها ، لأن كل مخلوق يموت ، ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت ، والليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر ، والعمر مهما طال فلا بد من نزول القبر .
كُلُ اِبنِ أُنـثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ
فإذا حملت يوما إلى القبور جنازة فاعلم بأنك بعدها محمـول
***
ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي : يا بن آدم ، أنا خلق جديد ، وعلى عملك شهيد ، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة ، قال تعالى :
لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض
قال تعالى :
وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ
من أمراض نفسية ، أو تخفوه ، لأنه رب رحيم ، يحاسبكم به الله ، الابن إذا كان أبوه طبيبا ، ورأى وجهه مصفراً ، لو تكلم الابن ، أو لم يتكلم يعالجه ، تقتضي رحمة الأب الطبيب العالم الرحيم أن يعالج ابنه من مرض رأى ظواهره عليه ، سواء أذكر الابن مرضه أو لم يذكره ، نحن إذا لم تشتك لا نتصرف بشيء ، نحن كبشر إذا ما شكا الإنسان لك مشكلته أنت مرتاح ، أما الله رب العالمين فلا بد من أن يتابعنا هذه الرحمة ، الرحمة هي المتابعة .
مَن هو اليتيم ؟ لي تعريف خاص لليتيم : قد يكون له أب وأم ، اليتيم من يجد أماً تخلت عنه ، أو أباً مشغولاً ، أب مشغول ، هذا بحكم اليتيم ، أما مثلاً أب يقظ يتابع ابنه ، دراسته ، صحته ، أخلاقه ، دينه ، عقيدته ، أوقات فراغه ، مَن أصدقاءه ، يرعاه ، هيأ له كل الشروط ، هذا ولي عظيم لهذا الابن ، مرة قرأت آية والله بكيت :
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ
لا يستويان أبدًا :
تصور ابنا له أب عظيم أب مربٍّ قدير ، يهتم به ، يسعى إلى أن يكون في أعلى مرتبة ، وابن مشرد من حانة إلى حانة ، من ملهى إلى ملهى ، من سجن إلى سجن ، من شذوذ إلى شذوذ ، هل هذا مثل هذا ؟ لذلك يقول الله تعالى :
أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ
أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ
أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ
وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُور
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ
وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً
فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ
وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً
مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ
آيات لا تعد ولا تحصى تنفي عن الله عز وجل الظلم ، لكنك لا تستطيع بعقلك أن تكتشف عدل الله إلا بحالة مستحيلة ؛ أن يكون لك علم كعلمه ، لكن الله أخبرك بكلامه اليقيني القطعي الثبوت أنني لا أظلم ، فهذا الموضوع موضوع إيماني ينبغي أن تؤمن ، فالآية دقيقة جداً .
لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ
من أمراض نفسية ، كالأب الطبيب يعالج هذه الحالة .
الآن الإنسان مخير ، عنده مرض نفسي ، في طريق سليم ، وأنت في صحتك ، وأنت في مكانتك ، وأنت في بحبوحتك ، وأنت معافى ، وعندك بيت ومركبة ، وأولادك ، أمامك بالإقبال على الله ، والتوبة إليه وذكره ، والاستفادة من الوقت المتبقي ، أنت عندئذ تُشفى .
الأستاذ علاء :
سنقف عند هذه الحالة ، نتابع إن شاء الله في الحلقة القادة ، لأنه بقي دقيقتان للمادة العلمية .
الموضوع العلمي : رحمة الأم عند حيوان اللقلاق :
الأستاذ علاء :
خاتمة وتوديع :
شكراً لك سيدي الكريم ، الوقت أدركنا لا يسعنا أعزائي المشاهدين إلا أن نشكر الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق ، إن شاء الله نكمل خاصة عندما وصلنا إلى أن الله يغفر لمن يشاء .
الدكتور راتب :
وفي الحلقة القادة نكمل قوله تعالى :
﴿ يُعَذَّبُ مَنْ يَشَاءُ ﴾
الأستاذ علاء :
الله يجعلنا ممن غفر لهم ممن تعنيهم الحلقة الأولى ، شكراً لك وسلام الله عليك ورحمته وبركاته .