- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠31برنامج الإيمان هو الخلق - قناة سوريا الفضائية
مقدمة وترحيب :
أيها سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامجكم : الإيمان هو الخلق ، يسعدنا أن نكون بمعية الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين .
أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم .
بكم أستاذ علاء ، جزاكم الله خيراً .
وصلنا في الحلقة الماضية سيدي الكريم عند مقوم التكليف ، الشهوة ، وقد سبق هذه الحلقة حلقات ، ربما وصلت إلى تسع حلقات أو أكثر عن الشهوة كمقوم من مقومات التكليف التي تحدثنا عن سابقاتها ، وهي : الكون ـ العقل ـ الفطرة ـ ووصلنا إلى الشهوة وبقي أمامنا ـ الاختيار ـ الشرع ـ الوقت .
وفي محطة مطولة عند الشهوة التي تنقسم إلى شهوة الجنس ، أو الشهوة الجنسية ، ومررنا عليها ، وفصلنا هذه المسألة ، ثم مررنا إلى قضية المال ، وبحثنا فيه ، وتبينا بأن لمال قوة كامنة حيادية ، الإنسان هو الذي يوجه المال الوجهة السليمة ، أو غير السليمة ، إذاً : المال بذاته لا يدفع مصيره بذاته ، هو قوة حيادية كما تفضلت ، وإنما الإنسان بمحض اختياره هو الذي يصرف المال في أوجه للخير ، أو في أوجه للشر ، وكذلك يكسب ذلك المال .
وتبينا أن المال من أهم وسائل التقرب إلى الله عز وجل ، لأن فيه قوام الحياة ، ونريد أن نكمل في هذه المسألة التي لم تغتنِ كما نريد دائماً ، وأن الإنسان هو الذي يُسأل عن كسب المال ومصادره ، ثم عن أوجه صرفه ، نعم سيدي الأستاذ .
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
المال قوام الحياة :
1 ـ السلامة والسعادة في القرب من الله :
أستاذ علاء ، جزاك الله خيراً ، الحقيقة أن المال قوام الحياة ، ولكن لأن كل السلامة ، ولأن كل السعادة في القرب من الله ، لذلك ربنا جل جلاله صنع لنا وسائل للتقرب إليه ، الله عز وجل خلقنا ليسعدنا ، خلقنا ليرحمنا ، خلقنا لجنة عرضها السماوات والأرض :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( اللَّهُ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ))
الإنسان مخلوق للجنة ، وجيء به إلى الدنيا من أجل أن يدفع ثمن هذه الجنة ، في سنوات معدودة ، وجعل الله عز وجل المال أكبر أداة ، وأكبر وسيلة كي يتقرب الإنسان إلى الله .
2 ـ المالُ محبَّبٌ إلى الإنسانِ :
بادئ ذي بدئ أودع فيه حب المال ، إذا أودع الله في الإنسان حب شيء فإذا أنفقه تقرب إلى الله .
لو أن واحدا منا أمسك بحفنة من تراب ، وأعطاها إلى فقير ، لا يتقرب بها إلى الله ، لأن التراب لا قيمة له ، أما الألف ليرة فلها قيمة .
إذاً : لأن المال قد زُين إلى نفوسنا :
﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً ﴾
وحقيقة المال أنه محبب للإنسان ، فحينما ينفقه يؤكد صدقه في محبته لله ، المحبة تُدعى ، لكن الله عز وجل حينما طالبنا أن نحبه طالبنا بالدليل .
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾
ما قبل دعوى محبته بلا دليل ، بالكلام ما قبلها .
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾
القضية الدقيقة : أن الله عز وجل مؤمن بذاته مصدر سعادة الخلائق ، فقد رسم للخلائق طريقاً إليه ، هذا الطريق بني على الشهوات ، وعلى رأسها المال والمرأة ، فهذا المال الذي حببه الله إلينا إياه إذا أنفقناه نصل إلى الله ، لذلك رُبّ درهم سبق ألف درهم ، رُبّ درهم أنفق في إخلاص سبق ألف درهم أنفق في رياء ، ودرهم تنفقه في حياتك خير من مئة ألف درهم ينفق بعد مماتك ، لأن المال في الحياة له معنى ، وله مفعول كبير ، وله تأثير ، ومادة الشهوات مادة الرفاه ، مادة السرور ، فلذلك إنفاق المال في الحياة أبلغ من إنفاقه بعد الممات .
الأستاذ علاء :
الجهة العاقلة التي تتصرف ، وتحب هذا الشيء ، وتتخلى عنه في أوجه الخير ، وفي أوجه البر ، عندما تموت تذهب هذه القوة ، ولم تعُد لها الخيرة في أن تصرف أو لا تصرف ، إذاً : صرف المال في أوجه الخير ، والإنسان على قيد الحياة ، وهو متمكن بصحته هي أفضل بكثير من صرفها بوصية بعد وفاته .
الدكتور راتب :
كيف يرمِّم الإنسان خطأه ؟
بل إن الإنسان لو أنه تاب توبة نصوحًا ، ثم زلت قدمه ، كيف يرمم هذا الخطأ الكبير ؟ قال تعالى :
﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾
بعض الإخوة الكرم حينما يصطلحون مع الله ، ويعقدون التوبة النصوح ، لو ـ لا سمح الله ولا قدر ـ وقعت نكسة طفيفة الإنسان إذا أنفق ماله ابتغاء وجه ربه فكأن هذا الإنفاق يرمم هذه الزلة التي وقع فيها ، إذاً : المال له دور فعال في حياة الإنسان .
بل إن الله سبحانه وتعالى حينما قال في مطلع سورة البقرة :
﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
الإيمان بالمحسوسات لا يقدَم ولا يؤخر :
أستاذ علاء ، أن ترى المحسوسات لا يعد هذا إيماناً ، لذلك فرعون لما رأى الموت قال :
﴿ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾
لأنه رأى مصيره الحقيقي رأي العين ، هذا لا يسمى إيماناً ، لذلك قال تعالى :
﴿ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً﴾
العاقل يحكمه النص ، وغير العاقل يحكمه الواقع :
إذاً : الإيمان أن تؤمن بالغيب ، وهذه بطولة كبيرة جداً ، معك نص ، المؤمن دفعه النص إلى إنفاق المال ، النص ردعه عن ارتكاب المعاصي ، أحيانا الشهوات محسوسة ، لماذا يستحق المؤمن جنة ربه ؟ بالشهوات ، ملء سمعه وبصره ، أما هو فما الذي ضبطه ؟ كلام ، بالتعبير المألوف حبر على ورق ضبطه .
كنت أضرب مثلاً عدة مرات : إن رجلاً ذهب إلى حمص ليقبض مبلغا كبيرا جداً في أيام الشتاء ، فرأى لوحة صغيرة : الطريق إلى حمص مغلقة بسبب تراكم الثلوج في منطقة النبك ، أربع كلمات ، فرجع إلى بيته ، ما الذي حمله أن يعود إلى البيت ؟ أربع كلمات ، فالعاقل يحكمه النص ، أما لو أن الدابة تمشي على هذا الطريق فإنها تقف عند الثلج ، بشكل عام العاقل يحكمه النص ، والدابة يحكمها الواقع .
يصاب إنسان بالسرطان بعد إدمانه على التدخين ، ثم يرتدع بعد السرطان ، هذا دابة ، أما المؤمن العاقل الموفق الذكي المتفوق فهو الذي يردعه النص ، فالنص الشرعي فيحرّم الدخان ، والبحث العلمي يبيّن أخطاره .
البطولة أن نتعامل مع النصوص ، ما هو الإيمان بالغيب ؟ أنت أمام كلام خالق الأكوان ، دفعك إلى أن تتحرى الحلال ، دفعك إلى أن تكون حليماً ، دفعك إلى أن تكون كريماً ، دفعك إلى أن تكون عفيفاً ، دفعك إلى أن تكون صادقاً ، دفعك إلى أن تكون أميناً ، كل هذه الفضائل ، وكل هذا الانضباط ، وكل هذا العطاء ، وكل هذا البذل ، والتضحية بنص قرأته ، لكنك صدقت مضمونه ، هذا الإيمان بالغيب .
لذلك :
﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾
مثلاً : لو قلنا لإنسان : إن أخذت هذا المبلغ حراماً تُقتل ، لا أحد يأخذه ، ولو كان كافراً ، أما حينما يكون النص فقط لك أن تأخذه ، ولك ألا تأخذه ، ثم تحاسَب بعد حين ، هنا يمتحن الإنسان ، لو أن عقاب المعصية جاء فور المعصية ، ولو أن ثواب الطاعة جاء بعد الطاعة لبطل الثواب والعقاب ، لو أنك تعاملت مع الأشياء ، مع المحسوسات ، لم يعُد هناك إيمان ، وأيّ إنسان مهما يكن بعيداً عن الله حينما يرى نتيجة المعصية طلقة رصاص تأتي في رأسه لا يعصي الله ، أما الإنسان فله أن يعصي الله ما شاء ، ولا يرى شيئاً ، قلبه ينبض بانتظام ، ضغطه طبيعي ، دخله كبير ، مركبته أمامه ، بيته فخم ، هذا الابتلاء ، تستطيع أن تعصيه دون أن ترى النتائج قريبة .
إذاً : الإيمان أيضاً يمكن أن تطيع الله ، وتبقى في دخل محدود ، يمكن أن تطيعه وعندك مئات المشكلات ، متى يكون هذا الامتحان مؤهل لدخول الجنة ؟ أن النتائج ليست قريبة ، بل بعيدة ، لذلك خُلق الإنسان عجولاً ، يريد الشيء أمامه ، أما العاقل فمهُولٌ يبحث عن الجزاء الأبدي .
العاقل أستاذ علاء ، قبل أن يفعل شيئاً يقول : لو أوقفني الله يوم القيامة ، وقال لي : لمَ طلقت زوجتك ، وهي محسنة ؟ وهي جيدة ؟ لمَ أكلت هذا المال الحرام ؟ لمَ احتلت على فلان ؟ لمَ أهنت فلان ؟ هذا كله يفكر فيه إذا وقف بين يدي الله عز وجل .
إذاً : كلمة إيمان ، أن الإنسان فكر في هذا الكون ، واستنبط أن له إلهاً عظيماً ، وأن هذا القرآن له ، وهو الخالق ، وله تعليمات ، فصدق النص ، لذلك له أجر كبير ، أما الإنسان الآخر فيتعامل مع الحسيات ، ما دام بصحة جيدة ، وعنده دوافع شهوانية يمارس الشهوات بلا قيد ، ولا شرط ، ولا ضابط ، ونرى ونسمع كل يوم ما يجري في العالم ، وحينما يقوى الإنسان يطغى .
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾
فلذلك الإيمان أن تتعامل مع النص ، مع النص القرآني ، ومع النص النبوي ، فتصدق مضمون هذا النص ، فتنضبط وتحسن ،
﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ * وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾
إنّ ألف إنسان لو قيل لهم : لو فعلت كذا تتوب ، لا أحد يفعل ، على اختلاف مللهم ونحلهم ، وانتماءاتهم ، إلا فاقد العقل ، أما الإنسان العاقل فهو الذي يؤمن بنص قطعي الثبوت والدلالة ، ويعلم علم اليقين أن هذا النص واقع به .
كنت أقول : إن الإنسان لو كان في طائرة ، واستهزأ بقانون السقوط ، ولم يقبله ، ونزل بلا مظلة ، القانون إذا كذبنا به ، ولم نعبأ به ، واستهزأنا به فهو مطبق علينا ، سواء آمنا به أم لم نؤمن ، فضلناه أم احتقرناه ، هو مطبق علينا ، حينما لا يقبل الإنسان وحي الله ، حينما يقول : هذا الشيء لا يصلح لهذا العصر ، هذه أفكار ضبابية ، أفكار ما وراء الطبيعة ، هذه غيبيات ، هذا تعبير عن ضعف الإنسان ، لضعفه الشديد اخترع الدين ، هكذا يقول بعض الناس ، هذا الكلام ليس معنى هذا أن الإنسان حينما يرفض هذا المنهج الإلهي أنه لا يطبق عليه ، سيكون تحت مظلته ، وتحت سيطرته .
فلذلك الإنفاق جزء من الإيمان ، أنت خلقت للجنة ثمن الجنة الإنفاق ، هنا الإنفاق عام ، تنفق من علمك ، من خبرتك ، من جاهك ، من وقتك ، من عضلاتك ، من مالك ، لكن المال محبب ، وإنفاقه يعني شيئاً كبيراً ، قد تنفق من وقتك تنام فتستريح ، أما هنا ألفين ليرة خمسة آلاف ليرة أطعمت بها مسكيناً ، قدمت لها مساعدة لإنسان يحتاج إلى عملة جراحية.
فلذلك المال لأنه محبب بل هو من أشد الأشياء المحببة ، لقوله تعالى :
﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً ﴾
كان إنفاقه برهاناً ودليلاً قاطعاً على محبة الله ، لذلك القرآن عدل في بعض الآيات عن تسمية الزكاة إلى كلمة صدقة ، إنما الصدقات هي الزكاة لأن كلمة صدقة مأخوذة من الصدق ، أي تؤكد صدق الإنسان في محبته لله .
المؤمن بالتعبير المعاصر استراتيجي في سلوكه في الإنفاق ، لأنه يعطي من أجل أن يرضى الله عنه ، يعطي ولا يأخذ ، الطرف الآخر يأخذ ولا يعطي ، وكنت أقول داماً : القوى البشرية كتلتان في الأنبياء والأقوياء ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، الأنبياء ملكوا القلوب ، والأقوياء ملكوا الرقاب ، والأنبياء عاشوا للناس والأقوياء عاش الناس بهم ، الأنبياء يُمدحون في غيبتهم والأقوياء في حضرتهم .
لذلك الإنفاق أحد أكبر نشاطات المؤمن في الأرض ، لكن الإنفاق في المعنى الواسع يبدأ بنصيحة ، قد تدرس طفلا ، تدرسه بعض العلوم التي تنقصه ، قد تطعم فقيرا ، القضية واسعة جداً .
الأستاذ علاء :
سيدي الكريم ، هنالك مفهوم شائع ، بأن الكريم الذي ينفق هو مَن يتخلق بخلقٍ من أخلاق الله عز وجل ، ومن صفات الله عز وجل الكريم ، المفهوم يقول : حتى الكريم إن كان مقصراً في بعض العبادات ، ومقصراً في بعض الواجبات ، لكن بإنفاقه الله عز وجل يكرمه ، ويفتح أمامه ، ماذا نقول في هذه المحطة ؟.
الدكتور راتب :
النفقة تغطي النقص الحاصل في الإنسانِ :
لا شك أن الله سبحانه وتعالى رب كريم ، وهو يقدر كل شيء ، وقد يكون الوقت قصيراً جداً في الليل في أيام الصيف ، فالذي لا يقوم الليل لعل الله سبحانه وتعالى يقدر الليل والنهار ، لكنه ينفق في النهار نفقة تغطي تقصيره في قيام الليل .
الإنسان أحياناً بالخلق العظيم ، والخلق السامي ، هذا صاحبه يسبق القائم الصائم ، وهناك أحاديث كثيرة جداً تذكر أن صاحب الأخلاق الرفيعة قد يسبق بهذا الخلق الرفيع العباد بأشواط كثيرة ، لأن الله يحب من عبده أن يقدم له عملا يتقرب به إليه .
لذلك العابد يحب ذاته ، أما المنفق فيحب غيره .
أقول كلمة دقيقة : رأى النبي رجلا يعبد الله في وقت العمل ، سأله سؤالا فيه ملمح كبير ، قال له : مَن يطعمك يا فلان ؟ قال له : أخي ، قال له : أخوك أعبد منك ، الذي يعمل أقرب إلى الله من الذي لا يعمل ، الذي يده عليا أقرب إلى الله من الذي يده سفلى .
لكن لما جاءه شريكان يشتكي الأول على الثاني لقلة جهده ، لكن الثاني طالب علم يتعلم ليعلم الناس ، ليعم الخير ، قال له : لعلك ترزق به ، الوضع اختلف ، العابد لذاته ، أما العالم فلغيره ، هذا حينما تطلب العلم من أجل أن تعلم الناس ، لأن أزمة أهل النار وهم في النار أزمة علم .
﴿ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾
العلم هو الحاجة العليا في الإنسان ، وفي الإنسان حاجات سفلى ، هو وبقية المخلوقات سواء ، الإنسان يتزوج ، والحيوان يقترن بأنثاه ، الإنسان ينجب ، والحيوان كذلك ، لكن هناك حاجة عليا عند الإنسان ، هي أن يعرف الله ، وأن يصطلح معه ، وأن يقبل عليه حتى تسمو نفسه .
فلذلك الطريق الأسرع ، وأحيانا يقال لك : طريق سريع ، طريق عريض ، هناك طريق معه وسائل إرشادية ، أسرع طريق إلى الله إنفاق المال .
الأستاذ علاء :
نحن تحدثنا عن المنفق الباذل مع وجود تقصير ، لكن هناك مفهوم سائد : المنفق الباذل في وجوه الخير ولو كان على معصية في وجه آخر يوفقه الله ، هكذا بين العوام .
الدكتور راتب :
المنفق عمله محفوظ ولو كان مقصِّراً :
هذا المعنى دقيق جداً ، أنا الذي أؤمن به أن أي عمل صالح صدر من أي إنسان كائناً من كان محفوظ عند الله ، الله عز وجل أعظم وأجلّ من أن يضيع على إنسان عمله الصالح ، فإن ابتغى به الدنيا أعطاه الدنيا ، وإن ابتغى به الآخرة أعطاه به الدنيا والآخرة .
الأستاذ علاء :
كنت أود أن أبحث في هذه القضية ملياً ، لكن يبدو لي الوقت الفقرة العلمية جاءنا .
الدكتور راتب :
ما أحسن عبد من مسلم أو كافر إلا وقع أجره على الله في الدنيا أو في الآخرة ، ومستحيل على خالق السماوات والأرض أن يضيع على إنسان عمله الطيب .
الموضوع العلمي : عملياتُ التمويهِ عند الحيوانات :
1 ـ اليرقات تصنع لباسا للتمويه :
تفسير هذه الأفعال :
بطلان نظرية التطور والارتقاء :
التمويه عند الطائر :
1 ـ عمليات التمثيل والتظاهر عند الطائر :
بعد قليل نشاهد هذا الطائر الذهبي الذي حير الإنسان بصفاته ، بقدرته الفائقة على التمويه ، ومهاراته في التمثيل ممثل من الطراز الأول
وشجاعته وتضحيته ، هذا الطائر يبني عشه بين الأعشاب والمراعي
قيود هذا الطائر منقوشة تماماً في بطن الأم قبل أن تبيض ، هذه النقوش حماية خاصة من أي مكروه ، أو من أي مشكلة ، خلقت لتأمين التمويه اللازم للبيض ، وهكذا لا تتميز البيوض عن الأعشاب التي بينها
وعند اقتراب الخطر من عشها من قِبل جارح أو إنسان ، الآن يقوم الطائر بحركة محيرة جداً
ينطلق من عشه ثم يمثل دور الطائر الجريح المكسور الجناح ، العملية تمثيلية محضة ، الغريب أنه كلما اقترب منها أحد تبدأ مرة أخرى بهذا التمثيل الدقيق ، تمثل أنها طائر مكسور الجناح ، فإذا توسعت المسافة بينها تنام
وتكرر خدعة الجريح من حين لآخر ، وهدفها إبعاد عين الغريب المقترب عن العش ، وإذا ابتعد الخطر بما فيه الكفاية ينتهي التمثيل ، ويعود الطائر إلى عشه ، فهو مموِّه وممثِّل .
2 ـ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ :
لا شك أن هذا الطائر يظهر تصرفاً فائقاً ، أن يلقي عصفور صغير نفسه إلى التهلكة ، أن يقدم نفسه تضحية كبيرة لأجل صغاره
هذه التضحية لا تفسر بأي شكل كان .
الداروينية تفترض في مبدئها أنانية كل حي ، ولكن هذا الطائر الذهبي يفسد هذه الفرضية
ويوضح لنا مرة أخرى أن صفاته ، وشجاعته ، وتضحيته ، وتصرفاته الذكية إلهام من الله عز وجل إلى كل الكائنات .
﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾
وكلما تأملنا في الطبيعية نواجه الحقائق نفسها ، فالكائنات ذات بنية معقدة في قمة التصميم
تبطل زعم المصادفة في نظرية التطور ، كل كائن على حدا دليل على عظمة الله عز وجل ، لكل نوع من الكائنات خصائص فائقة يختلف بعضها عن بعض
صاحب كل هذه المخلوقات البديعة هو الله تعالى رب السماوات والأرض وما بينهما سبحانه وتعالى .
فيا أيها الإنسان العاقل ، ألا تتفكر في خلق السماوات والأرض فتتعرف من خلال هذا التفكر إلى الله الموجود الكامل الواحد إلى إله عظيم
ورب كريم ، وخالق عظيم ؟ هذا التفكر في خلق السماوات والأرض طريق سريع وعريض يسلكه الإنسان لمعرفة الله جل جلاله ، كل مخلوق له خصائص ، وله طباع ، وله ألوان ، وله عادات
وله حالات خاصة هذا من عظمة الله عز وجل بديع السماوات والأرض .
لذلك الإنسان حينما يتفكر في خلق السماوات والأرض يقف أمام عظمة الله جل جلاله .
﴿ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
الأستاذ علاء :
خاتمة وتوديع :
أعزائي المشاهدين لا يسعني في نهاية هذه الحلقة إلا أن أشكر شكراً جزيلاً الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين في دمشق ، شكراً لكل ما قدمت ، وإلى اللقاء في حلقة قادمة بمشيئة الله تعالى .
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته .