- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠07برنامج الإسلام منهج حياة - قناة إقرأ
مقدمة :
السلام عليكم ورحمة الله ، أيها الأخوة والأخوات أسعد الله أوقاتكم بكل خير ، وأهلاً بكم في حلقة جديدة في برنامج : "الإسلام منهج حياة " .
وأرحب بضيفي فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ، أهلاً بكم فضيلة الدكتور .
الدكتور راتب :
بكم أستاذ جميل جزاك الله خيراً .
الأستاذ جميل :
المجتمع مبني على الأفراد ، فكل فرد من أفراد المجتمع يشكل عاملاً من عوامل بنائه ، فلو أن الإنسان وضع في أفخم الأمكنة وقدم إليه أفخم الطعام والشراب ، هل يغنيه ذلك عن الاندماج في المجتمع ؟.
الله عز وجل جعل الإنسان كائناً متحركاً وأودع فيه حاجات عدة :
الدكتور راتب :
لا طبعاً ، بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أستاذ جميل الحقيقة دخلنا في محطة ثالثة ، هي علاقة الإنسان بمن حوله ، من أقارب ، من زملاء ، من أصدقاء ، من جيران ، من عامة الناس ، هذه محطة من محطاته ، ومحطة أساسية أيضاً ، لأن الإنسان في الأصل اجتماعي ، كيف ؟ الله عز وجل جعل الإنسان كائناً متحركاً وليس سكونياً ، ما الذي حركه ؟ أنه أودع فيه حاجات ، الحاجة الأولى إلى الطعام والشراب ، حفاظاً على وجوده كفرد ، والحاجة الثانية أودع فيه حاجة إلى الطرف الآخر ، الشاب بحاجة إلى شابة يتزوجها ، والشابة بحاجة إلى زوج تتزوجه ، إذاً هذه حاجة ثانية ، أما الثانية حفاظاً على بقاء النوع .
وأودع فيه حاجة ثالثة سماها علماء النفس تأكيد الذات ، بعد أن يأكل ، ويشرب ، ويتزوج ، وينجب ، هناك حاجة إلى أن يكون شيئاً مهماً ، يشار إليه بالبنان هذه الحاجة نسميها تأكيد للذات ، إلا أن هذه الحاجات الثلاثة حيادية ، والإنسان بإمكانه أن يلبيها وفق منهج الله ، فيسمو عند الله ، ويمكن أن تلبى بخلاف منهج الله فيسقط ، فهذه الحاجات ترقى بالإنسان إلى أعلى عليين ، وتهوي به إلى أسفل سافلين ، لأنها حيادية ، ولأن الإنسان مخير، فإن كان وفق منهج الله يلبي هذه الحاجات وفق منهج الله ، وإن كان معرضاً عن الدين يلبيها بخلاف منهج الله .
إذاً قد تكون سلماً يرقى به أو دركات يهوي بها ، هذه حاجات كبرى إلى الطعام والشراب ، ولولا هذه الحاجة لما رأيت شيئاً على وجه الأرض ، وحاجة الزواج ، الحالة الثالثة الحاجة لتأكيد الذات .
المؤمن أراده الله أن يكون في خدمة الجماعة ليرقى إلى أعلى عليين :
إلا أن هناك حاجات فرعية كثيرة ، من هذه الحاجات حاجة الإنسان إلى أن يُحِب أو إلى أن يُحَب ، وأي إنسان لا يشعر بحاجة إلى أن يُحِب ، ولا إلى أن يُحَب ليس من بني البشر ، حاجته إلى الأمن ، حاجته إلى أن يتقوى بجماعة ، حاجته إلى النصرة ، حاجات كثيرة، هذه الحاجات تجعله كائناً اجتماعياً .
فهناك حاجات أساسية في الإنسان ، حاجته إلى الحب ، حاجته إلى التقوى ، حاجاته إلى التقدير ، حاجته إلى الأمن ، هذه الحاجات تجعله كائناً اجتماعياً ، أي أراده الله أن يكون كائناً اجتماعياً .
وهناك حاجات فردية ، المصالح الشخصية ، الأهواء الشخصية ، فالإنسان بين نوازع فردية ، ونوازع اجتماعية ، فالإنسان قبل أن يعرف الله إذا تصادمت حاجاته الفردية مع حاجاته الاجتماعية في الأعم الأغلب يؤثر حاجاته الفردية ، أما الإسلام أكّد في الإنسان الجانب الاجتماعي ، وسما في هذا الجانب ، فجعل الاندماج في الجماعة ، وخدمة الجماعة ، وإصلاح الجماعة طريقاً إلى الله ، جعل من عبادة الإنسان أن يصلح من حوله ، أن يأخذ بيدهم إلى سبل سلامتهم وسعادتهم ، فصار في الإنسان حاجات اجتماعية ، وحاجات فردية ، فالإنسان الذي شرد عن الله يؤثر مصالحة الشخصية على حاجاته الاجتماعية ، لكن المؤمن أراده الله أن يكون في خدمة الجماعة ليرقى عند الله ، وكأن خدمة الجماعة طريق إلى الله عز وجل ، أو أحد أثمان الجنة .
قوة المسلمين في اجتماعهم على فكر و قيم و مبادئ واحدة :
إذاً نحن في هذا اللقاء ـ إن شاء الله ـ سيكون في الحديث عن الجانب الاجتماعي ، إلا أن الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ﴾
في الآية ملمح دقيق جداً وهو أنه لابدّ من حبل نعتصم به ، الاجتماع يحتاج إلى فكر ، إلى قيم ، إلى مبادئ ، إلى منهج حياة ، قال :
﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ﴾
بوحي السماء ، بمنهج خالق السماوات والأرض ، التفوا حول هذا المنهج ، تلتقون ، وتجتمعون ، و تتناصرون ، وقد ورد في بعض الأحاديث القدسية :
(( وَجَبَتْ محبَّتي للمُتَحَابِّينَ فيَّ ، والمُتجالِسينَ فيَّ ، والمُتزاورينَ فيَّ والمتباذلينَ فيَّ ، والمتحابون في جلالي على منابر من نور يغبطهم عليها النبييون يوم القيامة ))
هذه الآية الكريمة :
﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ﴾
لابدّ من شيء يجمعنا ، لابدّ من فكر يجمعنا ، لابدّ من قيم تجمعنا ، لابدّ من مبادئ تجمعنا ، هذه إذا جمعتنا فنحن كالبنيان المرصوص لا نُخترق .
الانسحاب من المجتمع والتقوقع حول الذات ليس من منهج المؤمنين :
شيء آخر : يقول عليه الصلاة والسلام
(( عليكم بالجماعةِ ، وإِيَّاكُم والفُرْقَةَ ، فَإِنَّ الشيطانَ مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعدُ ))
(( فإنما يأكلُ الذِّئبُ من الغنم القاصية ))
فأرادنا الله أن نندمج في الجماعة ، في جماعة المسلمين ، وحول منهجه ، وحول قرآنه ، وحول الطريق إلى سلامة المجتمع وسعادته ، فنحن معنا في القرآن الكريم آيات كثيرة ، وأحاديث كثيرة ، تدعونا إلى أن نكون اجتماعيين ولسنا فرديين ، الانسحاب من المجتمع والتقوقع حول الذات ليس من منهج المؤمنين .
الأستاذ جميل :
إذاً فضيلة الدكتور من رأى في نفسه الاستغناء عن الناس ، الاستغناء عن المجتمع ، لا يقبل منه ذلك ، هذه حالة مرضية تستوجب علاجاً .
نحن مكلفون أن نكون إيجابيين وأن نكون مع مجتمعنا لنأخذ بيده :
الدكتور راتب :
لكن لابدّ من تنويه ، أنا أستخدم لعبة شدّ الحبل ، فإذا فسد المجتمع
وهذا المؤمن إذا كان بإمكانه أن يشد هؤلاء إليه يجب أن يكون معهم ، أما إذا خاف على دينه ، وعلى مبادئه ، وعلى قيمه ، فلما التقى معهم واستطاعوا أن يشدوه إليهم فلينجُ بنفسه ، هذا الضابط.
﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ﴾
إذا ما عبدوا الله عز وجل ينبغي أن تعتزلهم لتنجو بنفسك ، أما إذا استطعت أن تأخذ بيدهم ، وأن تقنعهم ، وأن تعينهم على أمر دينهم ينبغي أن تكون
معهم ، من هذا كله عليك أن تكون أيها المؤمن في برج عاجي أخلاقي لا في برج عاجي فكري
لا ينبغي أن تنأى عنهم ، هم أهلك ، أبناء جلدتك ، أنت مكلف بنصحهم ، بالأخذ بيدهم ، لكن إياك أن تقع في سقطاتهم ، وفي وحلهم ، وفي انحرافاتهم ، كن في برج عاجي أخلاقي ، ولا تكن في برج عاجي فكري .
إذاً نحن مكلفون أن نكون إيجابيين ، وأن نكون مع مجتمعنا لنأخذ بيده ، ونعين ضعيفهم ، ونعلم جاهلهم ، ونقوي من كان بحاجة إلى مساعدة ، أما المجتمع إذا جذبنا إليه ووقعنا في سقطاته ووحله هذه مشكلة كبيرة ، فالقضية تحتاج إلى توازن دقيق ، ما دمت مستطيعاً أن تأخذ بيدهم إلى الصواب فكن معهم ، فإذا شعرت أنهم يمكن أن يأخذوك إلى سقطاتهم ، وإلى وحولهم ، فابتعد عنهم .
الأستاذ جميل :
إذاً هذا الإنسان الاجتماعي إما أن يفيد ، وإما أن يستفيد .
الناحية الاجتماعية أصل في حياة الإنسان :
الدكتور راتب :
هذا منطلق لهذا اللقاء الطيب ، الناحية الاجتماعية أصل في حياة الإنسان ، لكن قد ينحرف ، قد يندمج مع المجتمع فيسقط معهم ، قد ينعزل عنهم فيلغي وظيفته ، إذاً لابد من أن نواصل الاندماج معه بقصد الأخذ بيده ، ينبغي أن تندمج اندماجاً إيجابياً ، أي ليس أن تنهار مع انهيار المجتمع ، وينبغي أن تحافظ على هويتك الإيمانية .الأستاذ جميل :
فضيلة الدكتور ، إن كان هو مندمجاً مع هذا المجتمع فهو واحد منهم ، ما هو معيار التفاضل بين الناس ؟ وهل الناس على صعيد واحد ؟.
طاعة الله عز وجل معيار التفاضل بين الناس :
الدكتور راتب :
في الإسلام نصوص قرآنية ، ونبوية مذهلة ، من هذه النصوص قال تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾
سيدنا سعد بن أبي وقاص إذا دخل على النبي يقول النبي عليه الصلاة والسلام : " هذا خالي أروني خالاً مثل خالي " .
ما فدى أحداً من صحابته إلا سعداً ، قال :
(( ارْمِ سَعدُ ، فداك أبي وأمِّي ))
ومع ذلك قال له سيدنا عمر : " يا سعد لا يغرنك أنه قد قيل خال رسول الله ، فالخلق كلهم عند الله سواسية ، ليس بينه وبينهم قرابة إلا طاعتهم له " .
الأستاذ جميل :
دكتور ، هل نعني بهذه الأخوة المساواة التامة بحيث لا يعرف لصاحب الفضل فضله ويكون الفضل بينهم على الشيوع ؟.
التفاوت بين الناس بالتقوى لا بالانتماء :
الدكتور راتب :
لا أبداً .
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
لكن نحن ننطلق من أن مكانة الإنسان عند الله واحدة ، إن كان ذكراً أو أنثى ، إن كان أبيضاً أو أسوداً ، إن كان عربياً أو أعجمياً .
(( فلا فضل لعربي على أعجمي ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى ))
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
النبي الكريم قال :
(( يا عباس عم رسول الله ، يا فاطمة بنت محمد ، أنقذا نفسيكما من النار ، أنا لا أغني عنكما من الله شيئاً ))
(( من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه ))
(( لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم ))
دائماً وأبداً أراد الله أن يكون الناس عنده سواسية ، يتفاوتون بالتقوى ، التفاوت بالتقوى لا بالانتماء ، دائماً وأبداً هناك مقاييس انتمائية ، هذه باطلة ، ودائماً المجتمعات المتخلفة تعتمد مقاييس انتمائية ، وهناك مقاييس موضوعية ، المجتمعات الراقية أخلاقياً ومبدئياً تعتمد المقاييس الموضوعية ، فالخلق كلهم عند الله سواسية ، ليس بينهم وبينه قرابة إلا طاعتهم له .
هذه معانٍ مريحة ، وكأننا نبين أن البشر عند الله صنفان ، صنف عرف الله فانضبط بمنهجه ، وأحسن إلى خلقه فسلم وسعد في الدنيا والآخرة ، وصنف غفل عن الله وتفلت من منهجه ، وأساء إلى حلقه ، فشقي وهلك في الدنيا والآخرة ، ولن تجد صنفاً ثالثاً .
خاتمة و توديع :
الأستاذ جميل :
وللحديث بقية فضيلة الدكتور نتابعه معكم إن شاء الله في حلقة قادمة ، نشكر لكم وجزاكم الله خيراً ، شكراً لكم أيها الأخوة على حسن المتابعة ، نترككم بأمان الله .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته