- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠07برنامج الإسلام منهج حياة - قناة إقرأ
مقدمة :
السلام عليكم ورحمة الله ، أيها الأخوة والأخوات أهلاً بكم مجدداً في حلقة جديدة في برنامج :"الإسلام منهج حياة ".
أرحب بضيفي فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ـ حفظه الله ـ الداعية الإسلامي ، أهلاً بكم فضيلة الدكتور .
الدكتور راتب :
بكم أستاذ جميل جزاك الله خيراً .
الأستاذ جميل :
دكتور تحدثنا في الحلقة السابقة عن مقومات التكليف ، وذكرتم منها الكون الذي قلتم عنه إنه القرآن الناطق ، والعقل ، والفطرة ، هل هنالك بعد من مقومات ؟.
من مقومات التكليف :
1 ـ الشهوة :
الدكتور راتب :
في الحقيقة هناك الشهوة ، قال تعالى :
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
هذه الشهوة قوة محركة ، وكأنها المحرك في السيارة ، وكأن العقل هو المقود ، وكأن الشرع هو الطريق ، فمهمة العقل أن يحافظ على بقاء المركبة على الطريق وهي متحركة ، فالشهوات أودعها الله في الإنسان لنرقى بها شاكرين تارةً ، وصابرين تارةً أخرى إلى رب الأرض والسماوات ، بل ما أودع الله فينا الشهوات إلا لنرقى بها إلى رب الأرض والسماوات ، هي حيادية ، إما أن تكون سلماً نرقى به إلى أعلى عليين ، أو أن تكون دركات نهوي بها إلى أسفل سافلين ، هي حيادية ، يمكن أن يلتقي ذكر بأنثى من خلال الزواج ، فهو يرقى بهذا الزواج إلى أعلى عليين ، وقد يلتقي ذكر بأنثى من خلال الزنا فيهوي بالزنا إلى أسفل سافلين .
يمكن أن تكسب المال المشروع وتنتفع به فترقى إلى الله شاكراً ، ويمكن أن يكون الكسب حراماً فيهوي الإنسان بهذا الكسب إلى أسفل سافلين .
الشهوة تماماً كالبنزين في المركبة ، إذاً هذا البنزين سائل متفجر ، إذا وضع في مستودع محكم ، وسال في الأنبوب المحكم ، وانفجر في الوقت المناسب ، وفي المكان المناسب ، ولّد حركة نافعة تقلك أنت وأهلك إلى مكان جميل ، والذي يجري في المركبة انفجارات ، هذا البنزين نفسه إذا صُب على المركبة وأعطي شرارة أحرق المركبة ومن فيها .
الشهوات قوة دافعة تدفعنا إلى الله أو قوة مدمرة تدمر سعادتنا في الدنيا والآخرة :
إذاً الشهوة قوة ، إما أن تكون قوة دافعة ، أو أنها قوة مدمرة ، ولأن الإنسان مخير كل الشهوات التي أودعها الله فيه حيادية ، بمعنى أنها قد تكون طريقاً إلى الرقي ، وقد تكون طريقاً إلى الهلاك ، والشرع مهمته أن يبين ما المساحة المسموحة من كل شهوة ، هو الإيمان ، هو الضبط ، فهناك شهوات يمكن أن تتحرك من خلالها 180 درجة ، سمح لك الشرع بمئة درجة ، فالمؤمن يوقع حركته بدافع شهوته في هذه المساحة التي سمح الله بها ، وهذا معنى قول الله تعالى :
﴿ بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾
أي كل شهوة أودعها الله فينا أعطانا الله مجالاً مسموحاً به ، فإذا تجاوز الإنسان هذا المجال وقع في العدوان ، والعدوان يقتضي التأديب ، والعقاب ، فمادمت أنت وفق منهج الله فأنت في الخير ، فإذا خرجت عن منهج الله فأنت في الشر .
فلذلك هذه الشهوات دافع كبير إلى رب الأرض والسماوات ، تصور إنساناً لا يشتهي شيئاً كيف يتقرب إلى الله ؟ لا يوجد طريق ثانٍ ، فما أودع الله فينا الشهوات إلا لنرقى بها تارةً صابرين ، حينما نغض البصر عن امرأة لا تحل لنا ، وتارةً شاكرين حينما يهبنا الله زوجة صالحة تسرنا إن نظرنا إليها ، وتحفظنا إذا غبنا عنها ، وتطيعنا إن أمرناها ، هذه الشهوة .
المؤمن يستمتع بكل ما أتاه الله من شهوات ولكن وفق المنهج الإلهي :
لكن النقطة الدقيقة ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناةً نظيفة تسري خلالها ، أي لا يوجد في الإسلام حرمان أبداً ، لكن هناك تنظيماً ، فالمؤمن يستمتع بكل ما أتاه الله من شهوات ، ولكن وفق المنهج الإلهي ، بل إن الله سبحانه وتعالى قال :
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ ﴾
أي لن تجد على سطح الأرض إنساناً أضل منه :
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾
المعنى المخالف عند علماء الأصول : الذي يتبع هواه وفق هدى الله عز وجل لا شيء عليه ، ليس هناك حرمان إطلاقاً ، لكن يوجد تنظيم ، هذا هو الدين ، الدين يعطيك كل شيء وأنت مرتاح ، وأنت معافى ، وأنت على ثقة أنك وفق الحق تتحرك .
الأستاذ جميل :
إذاً هذا المقوم الجديد من مقومات التكليف وهو الشهوة .
2 ـ الاختيار :
الدكتور راتب :
لكن هناك مقوماً آخر هو أن الحرية تثمن العمل ، لا قيمة لعمل الإنسان إلا إذا كان حراً ، فلذلك لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب ، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب ، ولو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة ، إن الله أمر عباده تخييراً ، ونهاهم تحذيراً ، وكلّف يسيراً ، ولم يكلف عسيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ، الله عز وجل يقول :
﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾
فلذلك حينما يلغى الاختيار في عقيدة المسلم يلغى الثواب والعقاب ، وتلغى الجنة والنار ، ويلغى حمل الأمانة ، ويلغى التكليف ، فأنت حر ، لك أن تؤمن ولك ألا تؤمن ، لك أن تصلي ولك ألا تصلي ، هناك حرية تثمن عملك .
الأستاذ جميل :
دكتور قد يزيغ العقل عن النظر في آية الكون ، أو قد تزيغ الفطرة عن تحديد مرجعيتها ، فهل من الممكن أن يرجع الإنسان جمال الكون وسعته من خلال عقله إلى صانع غير الله ؟ ما الذي يحجزه عن ذلك ونحن نرى بعض العقلاء الذين يتكلمون في الكون من غير أن ينسبوه إلى رب العالمين ؟
تكامل العقل مع الوحي :
الدكتور راتب :
الحقيقة هو أن العقل مقياس دقيق ، والفطرة مقياس ، لكن من شأن العقل أن يضل ، والدليل :
﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ ﴾
العقل قد يضل لأنه ابتعد عن الوحي ، ما قيمة العين البشرية ـ ولو أنها تتمتع بأعلى درجات الدقة ـ من دون نور يتوسط بينها وبين المرئيات ؟ وما قيمة العقل ـ مع أنه أثمن جهاز أودعه الله فينا على الإطلاق ـ من دون عقل يهتدي به ؟ فالعين والنور يتكاملان، والعقل والوحي يتكاملان ، فأية أمة استغنت عن وحي السماء طبعاً قد تشقى بعقلها .
الحكم بكل شيء في الغرب هو العقل ، العقل أوصلنا إلى هذه الحروب ، إلى إنسان دمرت فطرته ، دمرت سعادته ، لكن العناية فقط بجسمه ، العالم الغربي كله يعتني بأجسامنا لا بنفوسنا ، ولا بعقولنا .
3 ـ الشرع :
لذلك العقل من دون وحي يضل ، فإذا ضلّ فعندنا مرجعية هي الشرع ، العلماء قالوا : " الحسن ما حسنه الشرع ، والقبيح ما قبحه الشرع ".
أي أنت حينما تعطى مسألة رياضيات ، يعطيك المدرس الجواب الصحيح ، فإذا جاء حلك منتهياً إلى هذا الجواب فالطريقة صحيحة ، فإن جاء الحل بجواب آخر فالطريقة مغلوطة .
فأي فكر أوصلك إلى خلاف الشرع فهو مغلوط ، وأية فطرة أوصلتك لخلاف الشرع فهي مغلوطة ، أما حينما تهتدي بعقلك إلى وجود الله ، وإلى وحدانيته ، وإلى كماله ، وإلى أنك مخلوق للجنة ، هذا العقل توافق مع الفطرة ، وتوافق مع الواقع .
فالعقل يضل ، والمرجعية في ضلاله الشرع ، ما حسنه الشرع فهو الحسن ، وما قبحه الشرع فهو قبيح ، فكأن العقل ضمانة .
أحياناً يكون هناك موازين ـ مكاييل ـ بين أيدي الناس ، لو أن الواحد أساء استخدام هذا المكيال ، أي صغره أو كبره ، أو فعل شيئاً مزوراً إياه ، بمركز البلدية بأي مدينة هناك مكاييل نظامية هي المرجع ، فكأن العقل قد يضل ، وأن الفطرة قد تنطمس ، ما المرجع في تقويم العقل والفطرة ؟ الشرع .
من طبق سنة النبي الكريم في حياته فهو في مأمن من عذاب الله عز وجل :
لذلك الشرع هو المقياس الذي لا يختلف ، الشرع هو ما جيء به من السماء ، الشرع هو المنهج الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام ، لذلك قال تعالى :
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
ما معنى الآية بعد انتقال النبي إلى الرفيق الأعلى ؟ معنى الآية ما دامت سنتك مطبقة في حياتهم هم في مأمن من عذاب الله ، فإذا عادوا إلى عقولهم وحدها ، وابتعدوا عن منهج الله عز وجل ، وقادتهم عقولهم التي افتقدت إلى الوحي إلى عمل لا يرضي الله عز وجل ، استحقوا العقاب .
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾
الشرع هو المقياس الثابت لمقياسي العقل والفطرة :
إذاً الشرع هو المقياس الثابت لمقياسي العقل والفطرة ، قال تعالى :
﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴾
هذا الميزان الخطأ في الوزن لا يتكرر ، لكن الخطأ في الميزان لا يصحح ، لو أن هناك كفة أرجح من كفة ، لو استخدمت الميزان مليون مرة كل الأوزان غلط ، فهذا الغلط في الميزان لا يصحح ، بينما الخطأ في الوزن لا يتكرر .
فلذلك هذا العقل حينما يضل المرجعية الصحيحة هي الشرع .
خاتمة و توديع :
الأستاذ جميل :
جزاكم الله خيراً فضيلة الدكتور وأحسن إليكم ، شكراً لكم على حسن المتابعة نلقاكم مجدداً إن شاء الله .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .