- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠07برنامج الإسلام منهج حياة - قناة إقرأ
مقدمة :
السلام عليكم ورحمة الله ، أيها الأخوة والأخوات أهلاً بكم في برنامجنا :"الإسلام منهج حياة ".
ضيفنا هو فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ـ حفظه الله ـ الداعية الإسلامي، أهلاً بكم فضيلة الدكتور .
الدكتور راتب :
بكم أستاذ جميل جزاك الله خيراً .
الأستاذ جميل :
فضيلة الدكتور ، هناك مقولة : "من عرفه نفسه عرف ربه" ، من هو هذا الإنسان؟ نريد التعرف عليه لننطلق إلى معرفة الحق سبحانه وتعالى ؟.
الإنسان هو المخلوق الأول رتبة لأنه قَبِل حمل الأمانة :
الدكتور راتب :
أستاذ جميل الإنسان هو المخلوق الأول رتبة ، ذلك لأن الله سبحانه وتعالى حينما قال :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ ﴾
أي على كل الخلائق .
﴿ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾
قال : أنا لها يا رب ، وقَبِل حمل الأمانة ، فلما قَبِل حمل الأمانة كرمه الله عز وجل أعظم تكريم ، قال تعالى :
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾
أنا أريد أن أبين لأخوتي المشاهدين أنه لأنك من بني البشر فقط ، لأنك من بني البشر ، ذكر كنت أو أنثى ، فأنت المخلوق الأول عند الله ، يؤكد هذا المعنى الإمام علي رضي الله عنه حيث يقول :
" ركب الملك من عقل بلا شهوة ، وركب الحيوان من شهوة بلا عقل ، وركب الإنسان من كليهما ـ الآن موطن الشاهد ـ فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة ، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان " .
الإنسان عندما قَبِل حمل الأمانة سخر الله له مَا فِي السَّمَاوات وَمَا فِي الْأَرْض :
الإنسان إما أن يكون خير البرية قاطبة ، أو أن يكون شر البرية قاطبة .
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾
فالإنسان لأنه قَبِل حمل الأمانة في عالم الأزل يوم عرضت على الخلائق جميعاً
﴿ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ﴾
الإنسان قَبِل حملها ، وقال : أنا لها أهل يا رب ، ولما قَبِل حمل الأمانة سخر الله له :
﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾
ولا شك أن المسخر له أكرم من المسخر ، فلذلك الإنسان هو المخلوق المكرم .
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾
تكريماً لهذا الإنسان ، هو الأول ، وهو المكرم .
الأستاذ جميل :
دكتور ، هو الأول رتبة إذاً تقدم على الملائكة ، هل لي بسؤال ؟ هذا الإنسان الذي قَبِل حمل الأمانة ، من المقصود بهذه الأمانة التي حملها بالقِدم ؟ آدم عليه السلام .
التزكية ثمن الجنة و الناس جميعاً قبلوا حمل الأمانة :
الدكتور راتب :
لا ، بنو البشر جميعاً ، نحن جميعاً خلقنا في عالم الأزل بنص الآية الكريمة :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ ﴾
وهذه الكلمات الثلاث تعني الكون كله ، والكون كله ما سوى الله ،
﴿ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾
مثلاً : لو أن أباً غنياً قال لأولاده جميعاً : من منكم يقبل أن يذهب ويدرس ويأتي بدكتوراه أما إن لم تذهبوا لكم عندي دخل محدود ، وبيت ، وزوجة ، أما الذي يذهب ويأتي بدكتوراه أعطيه نصف المعمل ، هناك عرض .
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ﴾
أي قبل حمل الأمانة ، والأمانة نفسه التي بين جنبيه ، بعهدته ، بأمانته .
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾
فالذي يزكي نفسه بتعريفها بربها ، والذي يزكي نفسه بحملها على طاعته ، والذي يزكي نفسه بالأعمال الصالحة ، والذي يزكي نفسه بالإقبال على الله ، هذه التزكية هي ثمن الجنة ، جاء الله بنا إلى الدنيا كي نعد ثمن الجنة ، وثمن الجنة التزكية .
الفلاح و النجاح :
لذلك كلمة
﴿ أَفْلَحَ ﴾
أتت مرات ثلاث فقط في القرآن ،
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾
دنسها بالمعصية .
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾
فهذه كلمة الفلاح تعني النجاح مع الله ، أما النجاح تعني النجاح في الدنيا ، قد ينجح الإنسان في كسب المال ، قد ينجح في اعتلاء منصب رفيع ، هذا نجاح في الدنيا فيسمى تحقيق الأهداف في الدنيا نجاحاً ، أما تحقيق الأهداف الكبرى التي خلق الإنسان من أجلها تسمى فلاحاً ،
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾
فالإنسان هو المخلوق الأول ، والمخلوق المكرم ، والمخلوق المكلف ، الله عز وجل كلف الإنسان أن يعبده ، وبخلاف مفهوم عامة المسلمين الضيق المحدود للعبادة ، العبادة أن ينصاع لمنهج الله بكل تفاصيله ، ومنهج الله عز وجل شمولي شمولية تفوق حدّ الخيال ، يبدأ هذا المنهج من فراش الزوجية ، وينتهي بالعلاقات الدولية .
من كان كاملاً في تطبيق تعليمات الصانع استحق جنة عرضها السماوات والأرض :
ما من حركة ، ولا سكنة ، ولا نشاط ، ولا وقت ، ولا حيز ، ولا مجال ، إلا وهناك حكم شرعي افعل ولا تفعل ، فكأن هذا الإنسان أراده الله أن يكون كاملاً عن طريق تطبيق تعليمات الصانع ، فإذا كان كاملاً من خلال تطبيق تعليمات الصانع استحق جنة عرضها السماوات والأرض ، فيها :
(( ما لا عين رأتْ ، ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))
أستاذ جميل ، لو أن رقم واحد في الأرض ، وأصفار إلى الشمس ، وبين الأرض والشمس 156 مليون كم ، ولو أن كل ميليمتر يوجد صفر ، تصور رقم واحد بالأرض و156 مليون كم أصفار بواقع كل ميل صفر ، هذا الرقم الذي يصعب تصوره ، لو وضع صورة ، ووضع في المخرج إشارة اللانهاية فقيمته صفر ، أي رقم نسب إلى اللانهاية فهو صفر ، والدنيا بكل ما فيها من أموال ، من أعمار مديدة ، من ثروات طائلة ، من مناصب رفيعة ، من متع مبهجة ، من انغماس في الملذات ، ما دامت منسوبة إلى الدار الآخرة فهي صفر ، لذلك تعطى الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب ، لكن الآخرة لمن يحب حصراً .
تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف و تكريم :
الإنسان هو المخلوق الأول لأنه قَبِل حمل الأمانة ، ولأنه قَبِل حمل الأمانة كرمه الله ، فسخر له
﴿ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾
تسخير تعريف وتكريم ، تسخير التعريف من أجل أن يؤمن بالله ، هذا الكون ينطق بوجود الله ، وينطق بوحدانيته ، وينطق بكماله ، وفي كل دقيقة من دقائقه ، وفي كل جزئية من جزئياته ، دليل ساطع بيّن على عظمة الله ، فهذا الكون مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى ، هذا الكون هو منعكس لكمالات الله عز وجل ، فالإنسان خلقه الله ليسعده .
إذاً لا بد من أن يعبده ، والعبادة هي علة وجود الإنسان على وجه الأرض ، خلقنا من أجل أن نعبده ، لتكون العبادة ثمناً لما خلقنا من أجله ، في جنة ربنا التي وعدنا الله بها .
الأستاذ جميل :
دكتور ، هنالك قانون للأحوال الشخصية ، هنالك قانون للعقوبات ، قانون للسير ، ما هو قانون الحياة والوجود وكيف يمكن الرجوع إليه ؟.
عبادة الله عز وجل علة وجود الإنسان في الحياة الدنيا :
الدكتور راتب :
والله ! أنت حينما تذهب إلى باريس من أجل شيء واحد ، أن تنال الدكتوراه ، مدينة كبيرة ، مترامية الأطراف ، فيها مسارح ، فيها معارض ، فيها أسواق ، فيها دور لهو، فيها حدائق ، فيها جامعات ، فيها معامل ، مدينة عملاقة كبيرة ، هذا الطالب علة وجوده في هذه المدينة شيء واحد أن ينال الدكتوراه .
وحينما نأتي إلى الدنيا علة وجودنا في الدنيا شيء واحد هو أن نعبد الله ، فأي مكان حال بينك وبين عبادته ينبغي أن تغادر هذا المكان ، لأنه علة وجودك ، لو أن هذا الطالب لم يبقَ في الجامعة ، هل يبقى في باريس ؟ انتهت مهمته .
فأنا علة وجودي في الدنيا أن أعبد الله ، والعبادة في أدق تعاريفها : طاعة طوعية ليست قسرية ، لأن الأقوياء يطاعون قسراً ، لكن الله ما أراد أن تكون علاقته بخلقه علاقة قهر ، أراد أن تكون العلاقة بخلقه علاقة حب فقال :
﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾
يريدنا أن نأتيه طائعين بمبادرة منا ، بدافع محبتنا له ، وقال :
﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾
وقال :
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾
والحب أحد أكبر كليات الدين .
الفرق بين العباد و العبيد :
الإله العظيم ما أراد أن تكون علاقتنا به علاقة قهر ، أراد أن تكون علاقتنا به علاقة حب ، لذلك نفرق بين العباد والعبيد ، العبيد جمع عبد القهر ، بينما العباد جمع عبد الشكر .
﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ﴾
أما العبيد :
﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾
عبد القهر يجمع على عبيد ، بينما عبد الشكر يجمع على عباد .
إذاً العبادة طاعة طوعية ، لكن ممزوجة بمحبة قلبية ، لا بد من أن تحب الله ، وما عبد الله من أحبه ولم يطعه ، كما أنه ما عبده من أطاعه ولم يحبه ، أساسها معرفة يقينية، لا بدّ من طلب العلم لتعرف الله ، من هذا الإله العظيم الذي ينبغي أن تعبده ؟ ماذا عنده لو أطعته ؟ ماذا ينتظر الإنسان لو عصاه ؟ من أجل أن نعرفه لابد من أن نبحث عن حقيقته و مناهجه العلية .
شيء آخر : مسبوقة بعلم يقيني تفضي إلى سعادة أبدية ، هي نتائج هذا الدين ، نتائج عبادة ، نتائج خلق الإنسان في الدنيا ، طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .
العبادة تحقق وجودنا وسرّ وجودنا وغاية وجودنا :
إذاً نحن في العبادة نحقق وجودنا ، نحقق سرّ وجودنا ، نحقق غاية وجودنا ، في العبادة نسلم ونسعد ، في العبادة نكون على الطريق الذي رُسم لنا ، والعبادة ليست أن تؤدي العبادات الشكلية الشعائرية فقط ، خمسة بنود ، لأن النبي الكريم يقول :
(( بُنِي الإسلامُ على خَمْسٍ ))
بربك هل الإسلام هو الخمس ؟ هذه دعائم ، بناء أخلاقي ، الإسلام منهج تفصيلي دعائمه العبادات الخمس ، الصوم ، والصلاة ، والنطق بالشهادة ، أما حينما نفهم الإسلام دعائم فقط فقد ابتعدنا بعد الأرض عن السماء عن فهم جوهره .
خاتمة و توديع :
الأستاذ جميل :
جزاكم الله خيراً فضيلة الدكتور ، وأحسن إليكم ، وشكراً لكم مشاهدينا على حسن المتابعة ، نترككم في رعاية الله وحفظه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.