- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠07برنامج الإسلام منهج حياة - قناة إقرأ
مقدمة :
السلام عليكم ورحمة الله ، أيها الأخوة والأخوات أهلاً بكم في حلقة جديدة في برنامج الإسلام منهج حياة .
وأرحب بضيفنا فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي ـ حفظه الله ـ الداعية الإسلامي.
الأستاذ جميل :
فضيلة الدكتور ، لعل الأسرة تكون من أهم المحطات في الحياة ، التي بنجاحها تثمر نجاح المجتمع ، وبفشلها تورث المجتمع طامة كبرى ، في القرآن الكريم وصف الله سبحانه وتعالى الأسرة بأنها آية :
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً ﴾
لماذا هذا التوصيف وما الذي يستفاد منه ؟.
النجاح لا يكون نجاحاً إلا إذا كان نجاحاً شمولياً :
الدكتور راتب :
أستاذ جميل ، بادئ ذي بدء نحن في هذا البرنامج اخترنا محطات خمس ، المحطة الأولى علاقة الإنسان بربه ، وما وسائل تمتين هذه العلاقة ؟
والمحطة الثانية علاقته بأسرته وأولاده ، وهي محطة مهمة جداً .
والمحطة الثالثة علاقته بمن حوله من أصدقاء ، من جيران ، من أقارب ، من زملاء ، من الناس عامة .
والمحطة الرابعة علاقته بعمله الذي يرتزق منه .
والمحطة الخامسة علاقته بصحته .
وننطلق في هذا البرنامج إن شاء الله من حقيقة أساسية وهي أن النجاح لا يكون نجاحاً إلا إذا كان نجاحاً شمولياً ، أما النجاح في حقل واحد من هذه الحقول ، أو في إحدى هذه المحطات لا يعد نجاحاً .
فبعد أن أمضينا حلقات عدة في الحديث عن علاقة الإنسان بربه ، اليوم ننتقل إلى علاقته بأهله ، بزوجته وأولاده .
الكون بكل عظمته اللامتناهية آية دالة على عظمة الله :
الحقيقة الدقيقة أن الله عزّ وجل حينما قال :
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ ﴾
الآية العلامة الدالة على عظمة الله ، كما أن الكون بسماواته وأرضه من آيات الله على عظمته .
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
وهو الكون .
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ﴾
الآن لا بد من تعليق ، أن العطف في اللغة يقتضي التقارب ، أنت لا تقول: اشترت بيتاً وملعقة ، ينبغي أن تقول : اشتريت بيتاً ومركبة ، بيتاً وأرضاً ، مزرعة ومركبة، لابد في العطف من التناسق والتقارب ، فإذا قال الله عز وجل :
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ ﴾
الدالة على عظمته الكون بأكمله ،
﴿ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ﴾
من آياته الشمس والقمر ، الآن ندقق ،
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ ﴾
العطف :
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾
كما أن الكون بكل عظمته اللامتناهية يعد آية دالة على عظمة الله ، كذلك نظام الزوجية ، وما ركب الله الذكر والأنثى من خصائص متكاملة وليست متشابهة .
﴿ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ﴾
متكاملة .
التصميم الإلهي الرائع للذكر والأنثى :
كيف أن هذا التصميم الرائع الإلهي للذكر والأنثى ، فالذكر له خصائص جسمية ، ونفسية ، واجتماعية ، وفكرية ، وقيادية ، والأنثى لها خصائص رائعة جداً جسمية ، ونفسية، واجتماعية ، وقيادية ، هذه الخصائص تؤكد قوله تعالى :
﴿ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ﴾
إنهما متكاملان وليسا متشابهين ، فروق كبيرة جداً ، لأن صفات المرأة التي تتميز بها كمال مطلق للمهمة التي أنيطت بها ، وصفات الرجل التي يتميز بها كمال مطلق للمهمة التي أنيطت به .
فمن آيات الله الدالة على عظمته ، وعلى حكمته ، وعلى علمه ، وعلى قدرته الذكر والأنثى
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ ﴾
كما أن الكون من آياته ، كما أن الشمس من آياته ، والقمر من آياته ، كما أن النجوم من آياته ،
﴿ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾
هذه الآية التي هي أصل في الزواج كلمات دقيقة تعد مراكز ثقل في الآية ،
﴿ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ﴾
المرأة مساوية للرجل تماماً في التكليف ، مكلفة كما هو مكلف ، مشرفة كما هو مشرف ، مسؤولة كما هو مسؤول .
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ﴾
مكلفة بأركان الإسلام ، مكلفة بأركان الإيمان ، مكلفة برعاية الزوج والأولاد ، مسؤولة عن كل ذلك ، كذلك الزوج .
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ﴾
إنها ترقى كما ترقى ، وتسمو كما يسمو ، وتصيب كما تصيب ، وتخطئ كما تخطئ ، وتحب كما تحب ، وتكره كما تكره
﴿ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ﴾
من جبلتكم ، من خصائصكم ، ولكن بخصائص تتميز بها عنك أيها الرجل كي تميل إليها ، وتتميز بخصائصك عنها كي تميل إليك .
المودة والرحمة بين الزوجين من خلق الله عزّ وجل :
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ﴾
ما السكنى ؟ الرجل له خصائص ، إنه يكمل نقصه الانفعالي والعاطفي بزوجته ، والزوجة لها خصائص لكنها تكمل نقصها القيادي بزوجها ، إذاً يسكن إليها ، وتسكن إليه ، يميل إليها ، وتميل إليه ، يحبها وتحبه ، هذه من تصميم الخالق العظيم .
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ ﴾
الدالة على عظمته ،
﴿ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ ﴾
أي المودة والرحمة بين الزوجين من خلق الله عز وجل ، هكذا أراد الله .
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾
ولكن في هذه الآية ملمح دقيق جداً ، فالزوج حينما يرى زوجته ملء عينه ، ملء سمعه ، ملء بصره ، جمالاً ، وكمالاً ، ورقةً ، ووفاء ، وطاعة يحبها ، والحب حالة داخلية ، شعور داخلي يعبر عنه بالمودة ، فابتسامته مودة ، وإحساسه حب ، هديته لها مودة ، عطفه عليها مودة ، معاونتها مودة .
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً ﴾
والزوجة حينما ترى زوجها ملء سمعها وبصرها ، شاب رائع ، كريم ، ذو مبادئ ، يحبها ، يدافع عنها ، يحميها ، تحبه ، تحبه حباً جماً ، فهو ملء سمعها وبصرها ، لذلك تميل إليه وتسكن إليه ، وتكمل نقصها القيادي به .
إذاً هذا معنى قوله تعالى :
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً ﴾
أعظم ما في الزواج الإسلامي أن الله بين الزوجين:
لكن الملمح الرائعة في كلمة
﴿ وَرَحْمَةً ﴾
أحياناً يفتقر الزوج ، أحياناً تمرض الزوجة ، هذه المؤسسة أقدس مؤسسة في حياة البشر ، دعمتها شرائع السماء ، هذه المؤسسة إذاً وجدت لتبقى ، فلذلك ينبغي أن تبقى بالمودة فإن لم تكن بالرحمة ، كم من رجل افتقر فعملت زوجته عملاً شاقاً لإطعامه ، وكم من زوجة مرضت فاعتنى بها زوجها حتى آخر لحظة ، هذا من عظمة الإسلام ، أعظم ما في الزواج الإسلامي أن الله بين الزوجين ، يتقرب إلى الله بخدمتها ، وتتقرب إلى الله بخدمته ، ويخاف الله أن يظلمها ، وتخاف الله أن تظلمه ، الكلمة الدقيقة الجامعة المانعة أن الله بين الزوجين .
هذا معنى قوله تعالى :
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً ﴾
الأستاذ جميل :
إذاً فضيلة الدكتور ليس من الضروري أن يكون الحب من البداية حتى النهاية في هذه المؤسسة ، لأن الشائع بين الناس أن الحب متى غادر الأسرة فهي أسرة فاشلة .
الدكتور راتب :
ما كل علاقة تبنى على الحب أصلاً ، تبنى على المصلحة أحياناً .
الأستاذ جميل :
سبحان الله ! دكتور ما التوجيهات القرآنية التي تحافظ على المثالية الأسرية ولاسيما عندما يكون العهد بين زوجين ؟
التوجيهات القرآنية التي تحافظ على المثالية الأسرية :
الدكتور راتب :
الحقيقة أنا أنطلق من حديث رائع :
(( ما تَوَادَّ اثْنَانِ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا))
أنا أنصح الزوج والزوجة أن يستقيما على أمر الله ، لقاءهما حتمي ، المحبة تتنامى ما دام في طاعة الله ، فإذا عصى أحدهما ربه فهناك مشكلة ، فلذلك قال تعالى :
﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾
ومن أجمل ما قاله العلماء : " ليست المعاشرة بالمعروف أن تمتنع عن إيقاع الأذى بها بل أن تتحمل الأذى منها ".
فلذلك عندما يستقيم الزوج على أمر الله ، وتستقيم هي على أمر الله ، يكون الحب والمودة التي هي من خلق الله عز وجل بينهما ، هذه الحقيقة ، لكن إذا بني الزواج على طاعة الله تولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين ، أما إذا بني على معصية الله يتولى الشيطان التفريق بينهما .
خاتمة و توديع :
الأستاذ جميل :
جزاكم الله خيراً فضيلة الدكتور ، من أجمل الكلمات أن الله سبحانه وتعالى بين الزوجين ، جزاكم الله خيراً وأحسن إليكم .
شكراً لكم مشاهدينا نراكم بخير إن شاء الله .
السلام عليكم ورحمة الله .