- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠07برنامج الإسلام منهج حياة - قناة إقرأ
مقدمة :
السلام عليكم ورحمة الله ، أيها الأخوة والأخوات أسعد الله أوقاتكم بكل خير ، وأهلاً بكم في لقاء جديد في برنامج : "الإسلام منهج حياة" .
ضيفنا هو فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامي ـ حفظه الله ـ أهلاً بكم فضيلة الدكتور .
الدكتور راتب :
بكم أستاذ جميل جزاك الله خيراً .
الأستاذ جميل :
دكتور ، ما هو معنى الجهاد ؟ وما هو دوره في حياة الإنسان ؟ لاسيما أن ذروة هذا الدين هو الجهاد .
الجهاد حجر الزاوية في الدين :
الدكتور راتب :
أحب أن أذكر أخوتي المشاهدين أننا في محطة رابعة ، الإنسان محطته الأولى أن يعرف الله ، وأن يستقيم على أمره ، وأن يسعد بقربه ، والمحطة الثانية أهله وأولاده ، والثالثة من حوله ، الرابعة علاقته بما يجري في الأرض ، كيف يفهم هذه الأحداث ؟ قد تُفهم فهماً شركياً ، وقد تُفهم فهماً توحيدياً ، الفهم التوحيدي مريح للنفس وواقعي ، والفهم الشركي متعب ومقلق ، يؤدي إلى الإحباط ، يؤدي إلى الطريق المسدود ، يؤدي إلى اليأس ، فما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
نحن لا زلنا في المحطة الرابعة ، محطة الشأن العام ، كيف أفهم ما يجري ؟ الحقيقة كأن الجهاد حجر الزاوية في الدين ، لكن فهم الناس للجهاد ليس كما ينبغي ، الحقيقة الجهاد أن تبذل غاية الجهد لتحقيق هدف ما .
أنواع الجهاد و معاني كل نوع :
1 ـ جهاد النفس و الهوى :
الجهاد كما تعلمون ذروة سنام الإسلام ، بل إن الجهاد أعلى مرتبة في الإسلام ، ولكن العوام يفهمونه فهماً آخر ، إذا ذُكر الجهاد ما فهموه إلا جهاداً قتالياً ، مع أن هناك أنوعاً منوعة من الجهاد ، هناك جهاد النفس والهوى ، وهناك الجهاد الدعوي ، وهناك الجهاد البنائي ، وهناك الجهاد القتالي ، فلابد أن نوضح معاني هذه الأنواع ، لأنه الأولى أن نبدأ بالمراحل الأولى ، لأنها كالتعليم الأساسي لا يبني شيئاً متقدماً على لا شيء .
فأولاً جهاد النفس والهوى .
أستاذ جميل ، المهزوم أمام نفسه ، أمام شهوته ، أمام مصلحته ، لا يمكن أن يقاتل نملة ، الإنسان حينما يهزم ، والغرب حينما يسعى كي نهزم من الداخل لكي نريد ما يريدون ، لكي ننغمس في الشهوات المحرمة ، الغرب حينما يخطط لنا ذلك ، يكون قد ألغى هذه الفضيلة ، أو هذه الفريضة التي هي ذروة سنام الإسلام .
فلابد من جهاد نفسي ، جهاد النفس والهوى ، إذاً الجهاد الأكبر جهاد النفس والهوى ، وكأنه يشبه التعليم الأساسي ، فالذي لم ينجح مع نفسه في الجهاد لا يستطيع أن يفعل شيئاً ، والدليل على هذا الجهاد الآية الكريمة :
﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
إذاً الجهاد الأكبر أن أحمل نفسي على طاعة الله ، أن أمنعها أن تعصي الله ، أن أحملها على الاتصال بالله ، أن أحمسها على أن تبذل الغالي والرخيص ، والنفس والنفيس في سبيل الله ، أن أضبطها وفق منهج الله ، أن يراني الله عز وجل عند الحلال والحرام ، أن يراني حيث أمرني ، وأن يفتقدني حيث نهاني ، أن أكون ملتزماً ، أن أكون طائعاً ، هذا جهاد النفس والهوى ، وقد قال العلماء الكبار : "جاهد تشاهد " ، إن جاهدت نفسك وهواك كشف الله لك طرفاً من كمالاته ، عندئذٍ تكون أسعد الناس ، فلابد من جهاد النفس والهوى ، لابد من طاعة الله ، لابد من حملها على البذل والعطاء ، والتضحية والفداء ، لابد من دفعها إلى الأعمال الصالحة البطولية ، هذا جهاد النفس والهوى ، هو الأساسي في الجهاد ، وهذا الجهاد لا أحد يمنعه ، ولا أحد يحاسبك عليه ، فيما بينك وبين نفسك ، حينما تؤدي الصلوات بإتقان ، حينما تبذل من مالك للفقراء والمساكين ، حينما تربي أولادك ، حينما تقيم الإسلام في بيتك ، وفي عملك ، فأنت في جهاد ، وهذا الجهاد الأساسي الذي أراد الله أن نبدأ به ، فإذا بدأنا به انتقلنا إلى جهاد آخر ، هو الجهاد الدعوي .
2 ـ الجهاد الدعوي :
أيضاً الجهاد الدعوي من ضروريات الأمة .
(( خيرُكمْ ـ بشكل مطلق ـ من تعلّمَ القُرآنَ وعَلَّمَهُ ))
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
هذا الجهاد الدعوي سماه الله في قرآنه الكريم جهاداً كبيراً ، فقال تعالى :
﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ﴾
أي بالقرآن :
﴿ جِهَاداً كَبِيراً ﴾
فنحن ينبغي أن نبدأ بجهاد النفس والهوى ، أن نضبط أمورنا ، أن نكون مؤهلين لتلقي نوع آخر من الجهاد ، فجهاد النفس والهوى كالتعليم الأساسي ، والجهاد الدعوي كالتعليم الثانوي ، فنحن ندعو إلى الله .
(( بلِّغُوا عني ولو آية ))
والدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم ، في حدود ما تعلم ومع من تعرف ، وكما قال عليه الصلاة والسلام :
(( خيرُكمْ من تعلّمَ القُرآنَ وعَلَّمَهُ ))
وقال :
(( بلِّغُوا عني ولو آية ))
هذا الجهاد الدعوي سماه الله جهاداً كبيراً ، لأن الجهاد القتالي من أجل الجهاد الدعوي ، فإذا أتيح لك الجهاد الدعوي فهذا شيء رائع جداً ، إذا سُمح لك أن تنقل هذا الدين للآخرين ، أن تبين معالمه ، أن تبين عقائده ، أن تبين فضائله ، أن تبين خصائصه ، هذا جهاد كبير ، وهو في أعلى عليين ، فالآية الكريم تؤكد ذلك :
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
3 ـ الجهاد البنائي :
إذا انتهينا من الجهاد الدعوي ، فهناك جهاد خطير جداً ، الجهاد البنائي ، الأمة لابدّ من أن تستعد للطرف الآخر ، لابدّ من أن تستعد عسكرياً ، واقتصادياً ، واجتماعياً ، وعلمياً ، واجتماعياً ، وإنسانياً ، هذا معنى قوله تعالى :
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم ﴾
لأن الله عز وجل لا ينصرنا إلا بشرطين ، كل شرط منهما شرط لازم غير كافٍ، الأول : الإيمان .
﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
الذي يحمل على طاعة الله ، وثانياً : الإعداد :
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم ﴾
لكن فضل الله عز وجل ما كلفنا أن نعد الإعداد المكافئ لأعدائنا الأقوياء ، لا ، كلفنا أن نعد الإعداد المتاح وعلى الله الباقي ، هذا رحمة بنا .
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾
القوة المطلقة ، في وقت السيف قوة ، والفرس قوة ، وفي وقت المنجنيق قوة ، وفي وقت آخر المدرعة قوة ، وفي وقت الطائرة قوة ، وفي وقت الأقمار الصناعية قوة ، وفي وقت الإعلام قوة ، وفي وقت التوجيه المعنوي قوة ، فالقوة مطلقة جاء المطلق على إطلاقه ، لكن ليفهم الصحابة ما القوة قال :
﴿ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾
هذا عند علماء البلاغة عطف الخاص على العام .
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
يجب أن يكون عدوكم عدواً لله ، لا أن يكون العدو مؤمناً ، هذه مشكلة كبيرة ، ملمح دقيق في هذه الآية ، إذاً :
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
وقد لا تحتاجون إلى للسلاح ، السلاح أحد أكبر وظائفه قوة رادعة، الآن القوة النووية مرهوبة الجانب ، وقد لا تستخدم هذا السلاح إطلاقاً ، لكنه :
﴿ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
فإذا تجاوزت الإعداد ، الآن التعليم إعداد ، الاقتصاد إعداد ، الصحة إعداد ، الآن النصر يحتاج إلى أشياء كثيرة جداً ، شعب صحيح ، شعب مثقف ، شعب علاقاته الاجتماعية رائعة ، فالإعداد شامل ، كل مسلم إذا أدار وقته فهو مجاهد ، حينما تساهم في بناء الأمة اقتصادياً ، اجتماعياً ، علمياً ، ثقافياً ، عسكرياً ، فأنت في جهاد ، فهذا أوسع معنى من معاني الجهاد الجهاد البنائي .
4 ـ الجهاد القتالي :
إذا نجح الإنسان النفسي ، ونجح في الجهاد الدعوي ، ونجح في الجهاد البنائي ينتظر أن ينجح في الجهاد القتالي ، أما هذه القفزة الطائشة من لا شيء إلى الجهاد القتالي لا ينجح ، الجهاد القتالي كالدكتوراه ، يحتاج إلى تعليم أساسي ، تعليم ثانوي ، تعليم جامعي ، ثلاثة أنواع من التعليم تفضي للدكتوراه ، فالجهاد يعين إنساناً سيقدم نفسه في سبيل الله .
لذلك الإنسان حينما يسلك المراحل الثلاث في الأعم الأغلب ينتظر أن ينجح في الجهاد القتالي .
الجهاد القتالي تاج على أنواع الجهاد الثلاثة :
لكن الحقيقة الدقيقة : أن الحرب بين حقين لا تكون لأن الحق لا يتعدد ، الحق يشبه خطاً مستقيماً بين نقطتين ، وبين نقطتين لا يمر إلا مستقيم واحد ، لو رسمت خطاً ثانياً يأتي فوقه تماماً ، الحق لا يتعدد ، لذلك الحرب بين حقين لا تكون ، والآن المعركة بين الحق والباطل لا تطول لأن الله مع الحق ، وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ والحرب بين باطلين لا تنتهي ، قد تستمر الحرب بين باطلين عقوداً ، مرة هذا يفوز و مرة هذا يفوز ، لكن لا يوجد حسم ، وأصعب شيء بالحرب عدم الحسم ، لا يموت فيها ولا يحيا ، لا يوجد حرب ولا يوجد سلم ، هذه حالة صعبة جداً تمر بها الأمة ، لا حرب ولا سلم، هناك أخطار تهددنا ولا يوجد حرب .
إذاً نحن أمام الجهاد القتالي ، وهو الجهاد الذي يأتي تاجاً على أنواع الجهاد الثلاثة .
خاتمة و توديع :
الأستاذ جميل :
جزاكم الله خيراً فضيلة الدكتور ، وأحسن إليكم ، شكراً لكم أيها الأخوة على حسن المتابعة ، ونترككم في أمان الله وحفظه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته