- محاضرات خارجية
- /
- ٠22ندوات مختلفة - لبنان
الفرق بين اللذة و السعادة :
أيها الأخوة الكرام؛ أيها الأخوة الأحباب؛ أشكر بادئ ذي بدء القائمين على هذا الملتقى على دعوتهم الكريمة، التي إن دلت على شيء فعلى حسن الظن بي، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنكم، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يحفظ لكم إيمانكم، وأهلكم، وأولادكم، وأموالكم، واستقرار بلادكم، هذه نعمة لا يعرفها إلا من فقدها، وقد ذقتموها سابقاً، ونذوقها نحن لاحقاً.
بادئ ذي بدء؛ لابد من بيان الفرق الدقيق بين اللذة والسعادة، بينهما بون شاسع، اللذة حسية، والسعادة نفسية، اللذة تحتاج إلى صحة ووقت ومال، ولحكمة بالغةٍ بالغةٍ بالغة أحد هذه الشروط الثلاث نفقدها في كل مرحلة، ففي البداية الصحة موجودة، لكن لا يوجد مال، الصحة موجودة، الوقت موجود، لكن لا يوجد مال، بمنتصف الحياة يوجد مال وصحة لكن لا يوجد وقت، بنهاية المطاف يوجد وقت و مال لكن لا يوجد صحة، دائماً ينقص الإنسان أحد بنود اللذة، أما السعادة فشيء آخر، لمجرد أن تنعقد لك مع الله صلة فأنت أسعد الناس.
فـلو شاهدت عيناك من حسننــــا الذي رأوه لما وليت عنــــــــــا لغـيرنــا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــــا
ولو ذقت مـن طعم المحبـــة ذرة عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـة لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنـــــــا
ولـــــو لاح من أنوارنا لك لائــح تركت جميع الكائنات لأجلنـــــــــــــــــا
فما حبنا سهل وكل من ادعـــى سهولته قلنا له قــــــــــــد جهلتنــــــــا
فأيسر مافي الحب للصب قتـلـه وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنـا
***
الله عز وجل موجود، وواحد، وكل شيء بيده، ذات كاملة، مصدر العطاء، مصدر السكينة، مصدر السعادة، فإذا أقبلت عليه بعد أن عرفته، واستقمت على أمره، وتقربت بالعمل الصالح، إن لم تقل على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني هناك مشكلة.
إذاً السعادة حسية تحتاج إلى وقت، صحة، مال، في كل مرحلة من مراحل الحياة تنقصنا واحدة، هذه اللذة، أما السعادة فأن تقبل على الله، أصل الجمال، والكمال، والنوال، أن تقبل عليه، أن تتصل به، أن تخدم خلقه، أن تحبه.
أنواع الحب :
قالوا: هناك حب في الله، وحب مع الله، الحب في الله عين التوحيد، والحب مع الله عين الشرك، تحب الله، تحب أنبياءه جميعاً، ورسله جميعاً، العلماء الربانيون، المساجد، العمل الصالح، العمل الخير، الحب في الله عين التوحيد، مئة نوع من الحب تتفرع عن حبك لله، أما الحب مع الله فعين الشرك، أن تحب جهة تمنعك أن تصلي، أو تمنعك أن تفعل صالحاً، أو تمنعك أن تنفق مالاً، لذك أتمنى على أخوتي الشباب، أنا أمام أناس كلهم شباب، ريح الجنة في الشباب، الشباب أمل الأمة، الشباب مستقبل الأمة، الشباب قوة الأمة، الشباب بالنسبة إلى المركبة هم المحرك، قوة اندفاع، والشيوخ والعلماء الربانيون هم المقود، الاندفاع يحتاج إلى شباب، والتوجيه يحتاج إلى شيوخ، والمنهج هو الطريق المعبد، هو الشرع، فالأمة ترتقي بقوة الشباب، وبتوجيه الشيوخ، وبلزوم الشرع، الكتاب والسنة:
(( ما إن تمسكتم بهما فلن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنة رسوله))
العمل الصالح علة وجود الإنسان في الدنيا :
الآن علة وجود الإنسان في الدنيا العمل الصالح، ما الدليل؟ لولا الدليل لقال من شاء ما شاء، لا تقبل شيئاً إلا بالدليل، ولا ترفض شيئاً إلا بالدليل، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء، الدليل الإنسان إذا اقترب أجله، أو دخل في غيبوبة الموت، ماذا يقول؟ بنص القرآن الكريم:
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾
معنى ذلك أن علة وجود الإنسان الوحيدة في الدنيا هي العمل الصالح، ولِمَ سمي العمل الصالح صالحاً؟ لأنه يصلح للعرض على الله، ومتى يصلح؟ إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة.
إذاً علة وجودنا الأولى والوحيدة في الدنيا العمل الصالح، لأنه يصلح للعرض على الله، ومتى يصلح؟ إذا كان خالصاً، وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق السنة.
الشروط العامة لنجاح الزواج :
الآن هناك شروط تسبق تأسيس الأسرة، طبعاً أنا ضيف، والمضيف تمنى عليّ أن أتحدث عن سعادة الأسرة، تمنى عليّ، وهأنذا أستجيب له.
لذلك نجاح الزواج اسمعوا أيها الشباب، لنجاح الزواج لابد من شروط عامة، ولابد من شروط خاصة، أما الشروط العامة فلابد من أن تطلب العلم، لتعرف من هو الصانع العظيم، وما هي تعليمات التشغيل والصيانة، لأن الإنسان أعقد كائن في الأرض، تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز، ولهذه الالة بالغة التعقيد صانع عظيم، ولهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة، فانطلاقاً من حرصك اللامحدود على سلامتك، وعلى سعادتك، وعلى استمرارك، الآن يوجد بالأرض ثمانية مليارات إنسان، ما منهم واحد إلا ويتمنى لنفسه السلامة، من يحب المرض؟ ولا شخص، من يحب الفقر؟ من يحب القهر؟ ثمانية مليارات إنسان يتمنون السلامة، ومن منا جميعاً لا يتمنى السعادة؟ منزله واسع، زوجته يحبها، أولاده أبرار، بناته محتشمات، نحن جميعاً، أما السعادة فتعني أن نقبل على هذا الخالق العظيم، وأما الاستمرار فثمانية مليارات إنسان ما منهم واحد إلا وهو يسعى إلى سلامته، وسعادته، واستمراره، السلامة بتطبيق تعليمات الصانع، افعل ولا تفعل، أنت أعقد آلة بالكون، لك صانع عظيم هو الله، لهذا الصانع العظيم تعليمات التشغيل والصيانة، افعل ولا تفعل، هناك أمر، ونهي.
إذاً لابد من تطبيق تعليمات الصانع، أما حتى أسعد فينبغي أن أتصل بالرحيم.
(( إذا أردتم رحمتي بارحموا خلقي))
لأشتق منه الرحمة، ينبغي أن أتصل بالعليم، لأشتق منه العلم، أن أتصل باللطيف، مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى، فإذا أحبّ الله عبداً منحه خلقاً حسناً، لذلك هناك أخلاق الأذكياء، أي يتابع دقة التصرفات من أجل مكانته، من أجل انتخابه، من أجل، من أجل، هذه علة تفسد الهدف، أما المؤمن فيعبد الله.
بالكلمات الجامعة المانعة الإيمان تصديق لما في القرآن، وإقبال، وعدم الإيمان تكذيب، وإعراض، وجميع الأمراض التي يعانيها جميع المجتمع الإسلامي من دون استثناء هي أعراض لمرض واحد هو الإعراض عن الله، أعراض الإعراض.
لذلك الشرط العام لزواج سعيد، لبيت سعيد، بأن تقول: ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني، الطريق أن تطلب العلم كي تعرف تعليمات الصانع، لأن الجهة الصانعة هي الجهة الخبيرة وحدها.
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
ولن تسعد إلا باتباع تعليمات الصانع افعل ولا تفعل، للتقريب: ماشي بالطريق رأيت لوحةً كتب عليها: ممنوع التجاوز حقل ألغام، هل تعتقد أن هذه اللوحة وضعت حداً لحريتك أم ضماناً لسلامتك؟ في اللحظة التي تفهم أن الأمر والنهي في الكتاب والسنة ليس حداً لحريتك، ولكنهما ضمان لسلامتك تسلم و تسعد.
أخواننا الكرام؛ يوجد خطأ بشراء البيت، قد يكون سعره مرتفعاً، وبعيداً عن الشمس، ممكن هناك خطأ بشراء المركبة، خطأ بشراء الأشياء المادية، أما هذا الخطأ فلا ضير فيه، لماذا؟ لأنه يصحح، ببيع هذا البيت وشراء بيت آخر، بيع هذه المركبة وشراء مركبة أخرى، أما الخطأ في اختيار الزوجة فخطأ كبير، فإذا أنجبت الأولاد منها هناك جهة ثالثة سوف تدفع الثمن وحدها، هم الأولاد، لذلك ورد في الاثر:
(( تزوجوا ولا تطلقوا))
الطلاق مشروع، قال بعض العلماء: تزوجوا امرأة لا تحتاجون إلى تطليقها، دراسة، متابعة، فهم، البيئة، الثقافة، الالتزام، تزوجوا امرأة لا تحتاجون إلى تطليقها.
أخواننا الكرام، إذاً قضية اختيار الزوجة لها عقابيل خطيرة، إذا أمكن أن تطلقها من يدفع الثمن؟ الأولاد، لذلك أنا أذكر هذا لا تشريعاً، ولكن لفت نظر، بعد أن تنجب الأولاد إذا اختلفت مع زوجتك ضع حظك من الزوجة تحت قدمك من أجل سلامة الأولاد، وإلا هذا أبوه وهذه أمه، أغلب الظن يصاب الطفل بمرض نفسي اسمه انفصام الشخصية، لذلك:
(( تزوجوا ولا تطلقوا))
بمعنى تزوج امرأة لا تحتاج إلى تطليقها.
من بني زواجه على طاعة الله تولى الله التوفيق بين الزوجين :
الشيء بالشيء يذكر؛ أحد الخلفاء معاوية بن أبي سفيان سأل العاص: ما بلغ من دهائك؟ قال: والله ما دخلت مدخلاً إلا أحسنت الخروج منه، فقال له معاوية: لست بداهية، أما أنا والله ما دخلت مدخلاً أحتاج أن أخرج منه، تعلموا.
أخواانا الكرام، ابحث عن زوج لابنتك يكون مؤمناً، إن أحبها أكرمها، وإن لم يحبها لا سمح الله لا يظلمها، ويا أيتها الفتاة لا تقبلي إلا بزوج مؤمن، فإن أحبك أكرمك، وإلا لا يظلمك أبداً.
أعرف شخصاً من أصدقائي تزوج فتاة، وفي الأسبوع الثاني من زواجه بها ظهر معها ورم خبيث بالرحم، يقول له أبوها: يا بني هذه ليست زوجتك، هي ابنتي، طلقها، وألح عليه، قال له: أبداً، بقي عامين أنفق كل ما يملك، وباع بيته، وبعد أسبوعين من الزواج كان معها ورم خبيث، هذا الزواج الإسلامي وجد ليبقى.
أعرف إنساناً زرته مع بعض العلماء، طريح الفراش من ستة و ثلاثين عاماً، شلل رباعي، وامرأته تخدمه، ما هذا الزواج؟!
لي صديق توفيت أمه، عمر أمه خمس و ثمانون سنة، وعمر أبيه خمس و تسعون سنة، هذا الأب بكى بكاءً غير معقول، بالخامسة و الثمانين و ليست بالثامنة عشرة ماتت! هو والد صديقي، أردت أن أواسيه قليلاً، قال لي: والله خمس و خمسون سنة ما نمت يوماً غاضباً عليها.
روت كتب الأدب والسيرة أن القاضي شريح لقية صديقة الفُضيل، قال: يا شريح كيف حالك في بيتك؟ قال: والله منذ عشرين عاماً لم أجد ما يعكر صفائي، قال: وكيف ذلك يا شريح؟ عشرون سنة ولا مشكلة! قال: والله خطبت امرأة من أسرة صالحة، فلما كان يوم الزفاف وجدت صلاحاً وكمالاً، صلاحاً في دينها، وكمالاً في خلقها، فصليت ركعتين شكراً لله على نعمة الزوجة الصالحة، فلما سلمت من صلاتي، وجدت زوجتي تصلي بصلاتي، وتسلم بسلامي، وتشكر شكري، يوم عرسه، فلما خلا البيت من الأهل والأحباب، دنوت منها، فقالت لي: على رسلك يا أبا أمية، ثم قامت وخطبت، وقفت وقالت: أما بعد فيا أبا أمية إنني امرأة غريبة، لا أعرف ما تحب، ولا ما تكره، فقل لي ما تحب حتى آتيه، وما تكره حتى أجتنبه، ويا أبا أمية لقد كان لك من نساء قومك من هي كفء لك، وكان لي من رجال قومي من هو كفء لي، وكنت لك زوجة على كتاب الله، وسنة رسوله، فاتقِ الله فيّ، وامتثل قوله تعالى:
﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾
صار العرس يوم خطابات، وقفت وقلت: أما بعد فقد قلت كلاماً إن تصدقي فيه وتثبتي عليه يكون لك ذخراً وأجراً، وإن تدعيه يكون حجة عليك، أحب كذا وكذا، وأكره كذا وكذا، وما وجدت من حسنة فانشريها، وما وجدت من سيئة فاستريها.
قالت: كيف نزور أهلي وأهلك؟ قال: نزورهم غباً، مع انقطاع بين الحين والحين، لئلا يملون، وفي الحديث الشريف:
((زر غباً تزدد حباً))
قالت: من منَ الجيران تحب أن أسمح لهن بدخول بيتك ومن تكره؟ قال: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم غير ذلك.
ومضى عليّ عام عدت فيه إلى البيت فإذا أم زوجتي عندنا، متى جاءت؟ بعد سنة، وليس كل يوم، كل يوم، رحبتُ بها أجمل ترحيب، وكانت قد علمت من ابنتها أنها في أهنأ حال، قالت: يا أبا أمية كيف وجدت زوجتك؟ قلت: والله هي خير زوجة، قالت: يا أبا أمية ما أوتي الرجل شراً من المرأة المدللة فوق الحدود، فأدب ما شئت أن تؤدب، وهذب ما شئت أن تهذب، ثم التفتت إلى ابنتها تأمرها بحسن السمع والطاعة.
ومضى عليّ عشرون عاماً لم أجد ما يعكر صفائي، إلا ليلة واحدة كنت فيها أنا الظالم.
أخواننا الكرام، الملخص إذا بني الزواج على طاعة الله تولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين، وإذا بني على معصية الله يتولى الشيطان التفريق بينهما.
الزوج و الزوجة متكاملان وليسا متساويين :
حقيقة أخرى: في الزواج الإسلامي الله بين الزوجين، كل طرف يخشى الله أن يظلم الطرف الآخر، وكل طرف يتقرب إلى الله بخدمة الطرف الآخر، الآية:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
والسماوات والأرض مصطلح قرآني يعني الكون، والكون ما سوى الله، ومن آياته الشمس والقمر.
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ﴾
دقق الآن، قبل أن أتابع، هل تقول مثلاً: اشتريت بيتاً وملعقةً؟ لابد في العطف من التماثل، الله عز وجل، قال:
﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾
رفع بر الوالدين إلى مستوى عبادته، فلذلك:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ ﴾
من آياته الشمس والقمر.
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ ﴾
أيضاً يوجد عطف، والعطف يفيد التماثل.
﴿ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ﴾
ما هو السكون إلى الزوجة؟ بعلم النفس الإنسان يسكن إلى ما يفتقر إليه، فالزوج يسكن إلى عاطفة زوجته الجياشة، والزوجة تسكن إلى قيادة زوجها الحكيمة، إذاً هما متكاملان وليسا متساويين.
مساواة المرأة للرجل في التكليف والتشريف والمسؤولية :
لكن بالمناسبة: المرأة مساوية للرجل تماماً في التكليف، والتشريف، والمسؤولية، مكلفة كما هو مكلف، مشرفة كما هو مشرف، مسؤولة كما هو مسؤول.
وماذا نفعل بقوله تعالى:
﴿ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ﴾
العلماء قالوا: خصائص الرجل الجسمية، والفكرية، والنفسية، والاجتماعية، كمال مطلق للمهمة التي أنيطت به، وخصائص المرأة الجسمية، والفكرية، والنفسية، والاجتماعية، كمال مطلق للمهمة التي أنيطت بها، إذاً هما متكاملان وليس متساويين.
الظفر بذات الدين :
الآن إلى النصوص، النبي عليه الصلاة والسلام قال:
((تُنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها. فاظْفَر بذات الدين تَرِبَتْ يداك))
أي إن لم تفعل.
((فاظْفَر بذات الدين تَرِبَتْ يداك))
وقال صلى الله عليه وسلم:
(( من تزوج المرأة لجمالها- لجمالها فقط - أذله الله، ومن تزوجها لمالها أفقره الله، ومن تزوجها لحسبها زاده الله دناءة، فعليك بذات الدين تربت يداك))
توجيه النبي الكريم.
﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾
الآن يوجد آية واحدة رائعة جداً، قال تعالى:
﴿ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾
لي أخ كريم والقصة من خمس و عشرين سنة، تزوج امرأة هو لم يكن ملتزماً، تزوجها كذلك ليست ملتزمة، فلما عرف الله، واستقام على أمره، استأذنني أن يطلقها، قلت له: الله عز وجل صبر عليك حتى عرفته، فكما صبر الله عليك اصبر عليها حتى تعرف ربها، لكن أوصيته وصيةً قويةً أن يبالغ في إكرامها، على أنها لم تلتزم معه، بالغ بإكرامها، يقسم بالله بعد ستة أشهر في زيارة لأهله وجدها محجبة حجاباً كاملاً.
(( يا داود ذكر عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها))
الآية الوحيدة:
﴿ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾
إذا علم الله منك الصدق في هدايتها يعينك على هدايتها.
الحكمة أكبر عطاء إلهي على الإطلاق :
الآن أكاد أقول: أكبر عطاء إلهي على الإطلاق الحكمة، الذي يلفت النظر الله ما قال: ومن يكن حكيماً، وما قال: من ابتغى الحكمة، لكنه قال:
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ ﴾
الحكمة لا تؤخذ، ولكنها تؤتى، لذلك المؤمن يتلقى أكبر هدية من الله الحكمة، بالحكمة يجعل العدو صديقاً، ومن دون حكمة يجعل الصديق عدواً، بالحكمة يتدبر أمره بالدخل المحدود، ومن دون حكمة يتلف المال الكثير، بالحكمة يسعد بأية زوجة، من دون حكمة يشقى بزوجة من الدرجة الأولى، احفظوا هذه الآية:
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾
الفلاح و النجاح :
أخواننا الكرام؛ ما ذكر بالقرآن كله كلمة نجاح، إلا كلمة فلاح، ماذا يعني النجاح؟ وماذا يعني الفلاح؟
بيل غيتس يملك ثلاثة و تسعين مليار دولار، هذا نجاح، نجاح في جمع المال، جوبز يملك سبعمئة مليار، رئيس وزراء ياباني بقي بمنصبه سبعين سنة، قبل أشهر استقال، النجاح أحادي، قد تنجح بجمع المال، بتحصيل ثروة كبيرة، باعتلاء منصب كبير، أما الفلاح فشمولي، إذا نجحت مع ربك معرفة، وطاعة، وإقبالاً، وعملاً صالحاً، بند، وإذا نجحت في بيتك، في اختيار زوجتك، وضبط البيت، وحمل أفراده على طاعة الله، هذا نجاح ثان، وإذا نجحت في عملك اخترت حرفة تنفع بها المسلمين، ولم تغش، ولم تدلس، ولم تكذب، والسعر معتدل، والمادة صحيحة، نجحت في عملك، نجحت مع الله معرفةً، وطاعةً، وتقرباً، نجحت في بيتك حسن اختيار الزوجة، وضبط البيت، نجحت مع أولادك تربية، ونجحت في عملك، عملت عملاً مشروعاً، إتقاناً واعتدالاً، ونجحت مع صحتك، مجموع النجاحات تسمى الفلاح، قال تعالى:
﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
البطولة النجاح الشمولي، أي الفلاح، البطولة أن تنجح مع الله معرفةً، وطاعةً، وتقرباً، وفي بيتك حسن اختيار للأم، والإحسان للأم، والأولاد، وأن تنجح في عملك، الحرفة مشروعة عند الله.
بالمناسبة بين قوسين، حرفتك التي ترتزق منها إذا كانت في الأصل مشروعة، بيع قماش، بيع أوان، إذا كانت في الأصل مشروعة، وسلكت بها الطرق المشروعة، لا يوجد كذب، ولا تدليس، ولا غش، ولم تشغلك لا عن فريضة، ولا عن واجب، وابتغيت منها خدمة المسلمين، وكفاية نفسك، الآن دقق، انقلبت هذه الحرفة إلى عبادة.
لذلك المؤمنون عاداتهم عبادة، والمنافقون عباداتهم سيئات، اشترى بيتاً، اختار امرأة صالحة، ربى أولاده، عادات المؤمن عبادات، وعبادات المنافق سيئات.
طلب العلم :
أخواننا الكرام، شيء دقيق جداً، قال تعالى:
﴿ اقْرَأْ ﴾
أول كلمة، في أول آية، في أول سورة:
﴿ اقْرَأْ ﴾
أي اطلب العلم، هذه الطاولة جماد، طول عرض، ارتفاع، حجم، والنبات ينمو، يزيد عليها بالنمو، والحيوان يزيد عليهما بالحركة، والإنسان يزيد على كل ذلك بقوة إدراكية أودعها الله فيه، هذه القوة الإدراكية تلبى بطلب العلم، فلابد من طلب العلم، خيارك مع طلب العلم لا خيار وردة حمراء تزين بها صدرك، ولكن خيارك مع العلم خيار هواء تستنشقه، وإلا فالموت محقق، لذلك:
﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾
المشاورة حضارة و قوة و تعاون :
ماذا نفهم من قوله تعالى:
﴿ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾
أي تعظمه، وتحبه معاً، أو تخافه بقدر ما تحبه، أو تحبه بقدر ما تخافه، هذا درس لكل الآباء، والمعلمين، وأي قيادة لعشرة أشخاص، هذا الذي تتولى أمره ينبغي أن يحبك بقدر ما يخافك، أو أن يخافك بقدر ما يحبك، إياك أن تفهم الهيمنة، والسيطرة، وأنا الرجل وسأطلقك متى شئت، هذه حيونة، القوامة أن تدير هذه المؤسسة.
كلكم قد ركبتم في الطائرة، كم طيار فيها؟ اثنان، الثاني بإمكانه أن يقود الطائرة، لكن القرار عند الأحداث الخطيرة للأول، ما الدليل؟
﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾
هي درجة القيادة، والطيار الثاني يقود طائرة، قبل أشهر الطيار الأول مات بالطائرة، جلطة ومات، الثاني قادها. فالزوجان بينهما درجة واحدة هي القيادة.
﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾
مؤسسة فيها زوج، وفيها زوجة، لكن بالأمور الحاسمة الخطيرة المصيرية القرار للزوج.
﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾
المشاورة حضارة، المشاورة قوة، المشاورة تعاون، لكن عندما يكون الأمر حاسماً فالرأي والقيادة للرجل.
بارك الله بكم جميعاً، وحفظ لكم إيمانكم، وأهلكم، وأولادكم.