- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (017) سورة الإسراء
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ الآية الثامنة والثمانون من سورة الإسراء ، وهي قوله تعالى :
﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (88) ﴾
مما يلفت النظر في هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى قدم الإنس على الجن ، هذه أول ملاحظة .
﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) ﴾
في هذه الآية قدمت الجن على الإنس ، هذه الحالة الثانية .
﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) ﴾
الزانية مقدمة على الزاني .
﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) ﴾
قدم السارق على السارقة .
﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً
قدمت التجارة على اللهو .
﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ
انعكست الآية .
﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) ﴾
قدم الإنس على الجن في الشياطين .
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) ﴾
قدم غض البصر على حفظ الفرج .
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) ﴾
قدم الأب ، في القربات قدم الأب .
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) ﴾
قدمت المرأة .
﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) ﴾
قدم الأخ .
﴿ يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) ﴾
قدم الابن .
مرة الابن ، مرة الزوجة ، مرة الأب ، مرة الأخ ، السارق قبل السارقة ، والزانية قبل الزاني ، والإنس قبل الجن في موضع ، والجن قبل الإنس في موضع ، واللهو قبل التجارة في موضع ، والتجارة قبل اللهو في موضع آخر ، يا ترى هل هناك علاقة بين ترتيب هذه الكلمات بعضها في بعض ؟ هل يستنبط من الترتيب حكم شرعي ؟ هل يستنبط من الترتيب معنى في القرآن الكريم ؟ لو أنه كلام البشر لا يستنبط - مرة قال : إنس ، مرة قال : جن - إذا كان هذا كلام البشر ، أما إذا كان هذا الكلام كلام خالق البشر فهناك معنى دقيق ، قدمت الزانية على الزاني لأن المرأة أقدر على الزنى من الرجل ، لأنها هي السبب ، هي تتبذل في ثيابها ، تتمختر في مشيتها ، تخضع بالقول في لسانها ، فيطمع بها الزاني ، فقدمت الزانية على الزاني لأنها هي السبب ، لكن الرجل أقدر على السرقة من المرأة ، في خرق السماوات والأرض قدم الجن .
﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) ﴾
أما في صياغة الكلام .
﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (88) ﴾
إذاً في معرض صياغة الكلام والبلاغة الإنس قدموا على الجن ، في معرض خرق السماوات والأرض الجن قدموا على الإنس ، في معرض الزنى قدمت المرأة ، في معرض السرقة قدم الرجل ، في مناسبة الاعتزاز الاجتماعي قدم الأب ، أنا ابن فلان .
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) ﴾
في معرض الشهوة قدمت المرأة .
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ
في معرض الاستعانة ، الإنسان والده كبير ، ووالدته كبيرة ، وابنه صغير ، بمن يستعين الإنسان ؟ بأخيه .
﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) ﴾
في معرض الفداء الابن أغلى شيء .
﴿ يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) ﴾
إذاً في موضع الفداء الابن ، موضع الاستعانة الأخ ، موضع الشهوة المرأة ، موضع الاعتزاز الأب ، بخرق السماوات والأرض الجن ، بصياغة الكلام الإنس ، بالزنى المرأة ، بالسرقة الرجل .
﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً
لا لهو بلا تجارة ، اللهو يحتاج إلى مال وفير ، والتجارة سبب جمع المال .
﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً
أما الإنسان إذا ترك صلاة الجمعة لعلة التجارة فأقل إثماً مما لو تركها لعلة اللهو .
﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ
معنى ذلك فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه .
إشارات في القرآن الكريم تدل على إعجازه :
إذا قرأت القرآن ينبغي أن تعلم أن كل حرف له معنى .
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ
كسب غير اكتسب ، عندنا قاعدة في اللغة أن كل زيادة في المبنى تقابلها زيادة في المعنى ، فالسين غير سوف ، السين للمستقبل القريب ، أما سوف فهي للمستقبل البعيد ، كل زيادة في المبنى تقابلها زيادة في المعنى .
﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ
الإنسان لمجرد أن ينبعث للعمل الصالح سجل له ، أما إذا انبعث إلى عمل سيئ فلا يسجل له إلا بعد أن يصر عليه ، وبعد أن يفتخر به ، وبعد ألا يتوب منه ، لم يتب واستمر ، وأصر ، وافتخر به ، عندئذٍ يسجل ، فالفعل اكتسب أي صار هناك إصرار ، وتأكيد .
﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) ﴾
الخير مراد ، أما الشر فهو غير مراد ، الإنسان أحياناً يعالج ابنه بدواء مر ويبكي الابن ، لكن الأب ليس من مراده إزعاج ابنه ، لكنه مضطر إلى هذا الدواء ، فقال :
﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ
أما الخير فمراد من الله عز وجل ، ما قال لك : وإن يمسسك بخير .
﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
الخير مراد ، أما الشر فغير مراد .
في آية أخرى :
﴿ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (85) ﴾
النصيب غير الكفل ، النصيب إيجابي فيه عطاء ، لك حصة ، أما هنا فأنت متحمل مسؤولية ، أنت كفيله ، كل إنسان دل على معصية يتحمل مثل إثم من عصى .
﴿ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا
لو قرأنا القرآن الكريم بهذه الدقة ، زيادة حرف تعني شيئاً ، نقصان حرف .
﴿ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً (80) ﴾
مدخل غير مُدخل ، المدخل اسم مكان من أدخل .
﴿ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي
الله هو الفعّال .
﴿ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي
والمخرج اسم مكان من أخرج ، أما : خرج مخرجاً ، ودخل مدخلاً ، لكن أدخل مدخلاً، وأخرج مخرجاً ، لأن هذا الكلام كلام خالق الكون ، ينبغي أن نقف عند كل جملة ، وعند كل كلمة، وعند كل حرف ، وعند كل حركة ، الله قال :
﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ(23) ﴾
غلقت غير غلّقت ، غلق الباب أي جعله مغلقاً ، أما غلّقه بمعنى أرتجه .
﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ
أردت من هذه الإشارات إلى أن يعرف الإنسان أن في هذا القرآن إعجازاً ، أحياناً كلمة واحدة ، أحياناً شدة ، أحياناً حركة ، مثلاً :
﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى
القرآن .
﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا
أنت بحسب اللغة .
﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا
يا لطيف ، لو أنك قلت كلمة لصار المعنى فاسداً ، والمعنى لا يليق بحضرة الله عز وجل ، لأن :
﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى
أي كانت عليا فجعلها سفلى .
﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا
كانت سفلى فجعلها عليا!! أعوذ بالله ، أما القرآن .
﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا
دائماً ، وقف .
﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى
وقف .
﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا
على الاستئناف ، أي كلمة الله هي العليا دائماً .
الوقوف عند دقائق القرآن كلمة كلمة وحركة حركة :
آيات كثيرة جداً يمكن أن نستنبط منها أحكاماً دقيقة من حركة ، من تقديم ، من تأخير، مثلاً :
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ
قدم غض البصر على حفظ الفرج ، لأن غض البصر طريق حفظ الفرج ، إذا الإنسان أطلق بصره ربما وقع في الفاحشة الكبيرة ، ربما ، لأن النظر سبب أساسي للفاحشة ، فإذا غض الإنسان بصره حفظ نفسه من الفاحشة ، فكان حفظ الفرج سببه غض البصر .
أيها الأخوة الكرام ؛ جدير بنا أن نقف عند دقائق القرآن الكريم كلمةً كلمة ، وحركةً حركة .
﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ
الله عز وجل بالمعنى الظاهر بدون إعراض ، الله هو الفاعل ، أما :
﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ
العلماء فاعل مؤخر ، هذا هو المعنى ، أحياناً يوجد إشارات أيضاً في كتاب الله من هذا القبيل .
﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى
لو أنهم قالوا : نعم ، لكفروا ، إذا قلنا : نعم ، أي نعم لست ربنا ، أما إذا قلنا : بلى ، أي أنت ربنا ، نفي النفي إثبات ، أما إذا قلت : نعم فقد أثبت النفي ، نفيت النفي فأنت تثبت ، أيضاً شيء دقيق جداً في كلام الله عز وجل ، لذلك يجب أن نقف عند هذه اللفتات ، هي لفتات لغوية ، لأن الله عز وجل قال :
﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) ﴾
وقال :
﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) ﴾
إذاً هذا القرآن الكريم أحد شروطه ، لا أقول كل شروطه ، أحد شروطه أن تكون متمكناً من هذه اللغة التي شرفها الله بأن جعل كلامه بها .
أشياء ثلاث لابد من أن يكون الإيمان بها عقلياً :
﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (88) ﴾
الآن معنى هذه الآية ؛ أخواننا الكرام عندنا أشياء ثلاث ، لابد من أن يكون الإيمان بها عقلياً ، عندنا أشياء أخرى يكون الإيمان بها تصديقياً ، الإيمان بالله خالقاً ، ورباً ، ومسيراً ، الإيمان بالله موجوداً ، وواحداً ، وكاملاً ، الإيمان بأسمائه الحسنى من خلال النظر في خلق السماوات والأرض ، هذا لا يكون إلا عن طريق العقل .
﴿ وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ
﴿ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155) ﴾
﴿ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) ﴾
أولاً : الإيمان بالله موجوداً ، وواحداً ، وكاملاً ، وخالقاً ، ورباً ، ومسيراً ، الإيمان بأسمائه الحسنى ، يحتاج إلى تفكر في خلق السماوات والأرض .
ثانياً : أما الإيمان بكتابه أيضاً فيحتاج إلى إعمال عقلٍ فيه ، لأن فيه إعجازاً ، ممكن القرآن يقول : غلبت الروم في أدنى الأرض ، هل كان أحد يعلم في عهد النبي أن أخفض نقطة على الإطلاق في الأرض بالقياس بالليزر في غور فلسطين ؟ وهذه المعركة جرت في غور فلسطين ؟ هذا إعجاز علمي .
﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ
من كان يعلم أن الأرض تدور ؟ سرعة الجبل عند خط الاستواء 1500 كيلو متر بالساعة أسرع من طائرة الكونكورد .
﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) ﴾
هذا في دورتها حول نفسها ، أما في مسيرها حول الشمس فكل ثانية تسير ثلاثين كيلو متراً ، إعجاز .
﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) ﴾
ما قال : بعيد ، قال : عميق ، والله بعيد أوضح ! لا ، قال : عميق ، معنى هذا أن الأرض كرة ، كلما ابتعدت عن نقطة صار هناك عمق ، العمق أبلغ في الكرة ، يوجد آيات كثيرة جداً تؤكد أن هذا القرآن ليس كلام البشر ، إذاً ما السبيل إلى الإيمان أن هذا القرآن كلام الله ؟ إعجازه إعجاز علمي ، إعجاز تشريعي ، إعجاز غيبي ، غيب الماضي ، غيب الحاضر ، غيب المستقبل ، إعجاز بلاغي ، إعجاز تربوي ، كل شيء فيه .
الشيء الثالث : الذي جاء بهذا الكتاب المعجز من هو ؟ رسول الله ، إذاً بالعقل نؤمن بوجود الله ، وكماله ، ووحدانيته ، وبكلامه . وبرسالة رسوله ، وانتهى دور العقل ، وجاء دور النقل ، الله قال لك :
﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ
انتهى حرام ، تحب أن تفهم الحكمة لا يوجد مانع ، لكنها حرام قولاً واحداً ، الخنزير حرام ، فالإنسان له دور في الإيمان بعقله ، وله دور في التلقي عن الله عز وجل ، فبعد أن آمنت بالله ، ورسوله ، وقرآنه بعقلك الآن ينتهي دور العقل ، ويبدأ دور التصديق ، فالإنسان إذا أعمل عقله في النقل ممحصاً فقد أعلن عن شكه بهذا النقل ، هناك أشياء للتصديق ، وأشياء للتحقيق .
﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (88) ﴾