- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (017) سورة الإسراء
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
صفات الضعف في الإنسان صفات خلقية لا كسبية :
الآية الحادية عشرة من سورة الإسراء وهي قوله تعالى :
﴿ وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولاً (11) ﴾
هناك تساؤل دقيق ، ما دام الله سبحانه وتعالى قد خلقه عجولاً ، ما ذنبه ؟
﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً
ما دمت يا رب قد خلقته ضعيفاً ، فما ذنبه ؟
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) ﴾
فهو هلوعٌ ، وعجولٌ ، و ضعيف ، هذه صفات ضعف فيه ، خلقاً لا كسباً ، هو عجولٌ ، وضعيفٌ ، و هلوعٌ ، صفات في الإنسان خلقاً لا كسباً ، فكيف يحاسب عليها ؟ سؤال دقيق .
أولاً : هي صفات ضعف في الإنسان ، وضعف خلقي لا ضعف خُلقي ، إلا أنها سبب رقيه عند الله عز وجل ، الدليل ؟ لو أن الإنسان خلق قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه ، خلقه ضعيفاً ليفتقر في ضعفه فيسعد بافتقاره ، كل السعادة عند الله عز وجل ، في الإقبال عليه ، في الاتصال به ، في الالتجاء إليه ، في الاستعانة به ، في التوكل عليه ، في محبته ، في الشوق إليه ، السعادة كلها عند الله عز وجل ، لو خلقه قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه ، خلقه ضعيفاً ليفتقر بضعفه فيسعد بافتقاره .
ثانياً : خلقه هلوعاً ، ما معنى هلوع ؟ قال :
﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) ﴾
أي كثير الخوف ، لو خلقه لا يخاف ، لا يلتجئ ، ولا يتوب ، ولا يندم ، ولا يبادر إلى التوبة ، خلقه هلوعاً ، حتى إذا لاح له شبح مصيبة سارع إلى أبواب الله ، سارع إلى التوبة ، سارع إلى الاستغفار ، سارع إلى طلب العفو ، سارع إلى العهد مع الله عز وجل ، إذاً خلقه هلوعاً، والهلوع كثير الجزع .
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) ﴾
يحب المال ، لو كان لا يحب المال إنفاق المال لا قيمة عنده حينما يدفع ألف ليرة .
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) ﴾
الله عز وجل أودع في الإنسان حب المال من أجل أن يرقى إذا أنفقه ، فهو هلوع كثير الجزع ، من أجل أن يسوقه الجزع إلى باب الله ، كثير الحرص على ما في يديه ، من أجل أنه إذا أنفق يرقى عند الله ، خلقه ضعيفاً ليفتقر بضعفه ، فلو استغنى بقوته لشقي باستغنائه .
ثالثاً : خلقه عجولاً ، لو خلقه مهولاً ، لاختار الآخرة البعيدة ، لا حباً بالله ، ولا طاعةً له ، ولا عبادةً له ، إنما اختارها تمشياً مع طبعه ، خلقه عجولاً ، فإذا اختار الآخرة يرقى ، أي خالف طبعه ، الإنسان لا يرقى إلا إذا خالف طبعه ، الدين يتوافق مع الفطرة ، ولا يتوافق مع الطبع ، الطبع مادي ، الإنسان يحب أن ينام ، الأمر التكليفي أن تستيقظ قبل الشمس ، الإنسان يحب أن يأخذ المال ، الأمر التكليفي أن تنفق المال ، الإنسان يحب أن يطلق بصره في محاسن النساء ، الأمر التكليفي أن يغض بصره ، الإنسان يحب أن يخوض بأعراض الناس ، موضوعات ممتعة ، لماذا فلانة طلقت ؟ هل خانته يا ترى ؟ مع من خانته ؟ يحب الأمر التكليفي ألا يغتاب أحداً ، وألا يتحدث فيما لا يعنيه ، فالأمر التكليفي دائماً يتناقض مع الطبع ، من أجل أن ترقى ، والأمر التكليفي يتوافق مع الفطرة الكاملة ، الفطرة متعلقة بالنفس ، والطبع متعلق بالجسد، فالأمر التكليفي يتوافق مع النفس ، الله عز وجل قال :
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا
أن يكون الإنسان ضعيفاً ، وأن يكون الإنسان هلوعاً ، وأن يكون الإنسان عجولاً ، هذه خصائص للإنسان خلقية ، وليست خُلقية ، خلقية في أصل تكوينه ، لا يحاسب عليها ، بل هي سبب ارتقائه عند الله ، والله لولاها لما ارتقى عند الله ، هلوع ، شاهد في التحليل أنه هناك ورماً ، لم يعرف ما هذا الورم ، لم يأخذ النتيجة بعد ، على الصلاة رأساً ، على الجوامع ، طبعاً ، شاهد أن هناك مشكلة ، هناك من يهدده ، يا رب ليس لي غيرك ، لو خلقه قوياً لا يطلب من الله، لو خلقه قوياً لا يساق إلى باب الله أبداً ، أكثر المؤمنين ، ولا أبالغ سبب إيمانهم ، وإقبالهم، وتوبتهم ، أن الله سبحانه وتعالى ضيق عليهم ، بحسب فطرتهم خافوا ، خوفهم ساقهم إلى باب الله، فالإنسان خلق هلوعاً لمصلحته ، وخلق جزوعاً لمصلحته ، وخلق منوعاً لمصلحته ، وخلق ضعيفاً لمصلحته ، وخلق عجولاً لمصلحته ، لو أن الإنسان خلق مهولاً ، أي طبعه يتناسب مع الأشياء البعيدة ، لاخترنا جميعاً الآخرة ، لكن الإنسان أحياناً أمامه مكسب كبير ، خلال أيام يغير بيته ، يغير مركبته ، يغير حياته كلها ، الإنسان يحب الشيء العاجل ، فإذا رفض الشيء العاجل طمعاً بالآجل ارتقى ، الإنسان إذا قرأ هذه الآيات :
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) ﴾
﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً
﴿ وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولاً
هذه نقاط الضعف الخلقي للإنسان وهي لصالحه ، من أجل أن يرقى بها إلى الله ، ولولا أنها من خصائص خلقه لما ارتقى إلى الله .
الإنسان العاقل يختار الآجل الأبدي :
الآية الآن :
﴿ وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ
أي إذا كان هناك مكسب مادي سريع يقبله ويقبل عليه ، ويدع الخير الكثير البعيد ، هكذا طبعه ، الخيار أن تختار الشيء البعيد على الشيء القريب :
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) ﴾
أنا ضربت مثلاً مرتين أو ثلاث أعيده لأنه يناسب هذه الجلسة ، كان باص المهاجرين يقف بالمرجة أمام المركز التجاري ، باتجاه الشرق ، يصعد الركاب ، الذي يستخدم عقله يقعد بالشمس ، على اليمين ، عندما يدور دورة واحدة خلال دقائق يأخذ الظل إلى آخر الخط ، إذا الإنسان لم يشغل عقله يقعد بالظل ، يتهم من يجلس الشمس بالجنون ، إذا الإنسان فكر يتحمل الشمس ثلاث دقائق أفضل من أن يتحملها نصف ساعة ، إلى آخر الخط ، الدنيا مؤقتة ، الإنسان العاقل ، ألم يقال : أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً .
الإنسان العاقل يختار الآجل ، الأبدي ، السرمدي ، المتنامي ، عن الشيء العاجل المؤقت ، سريع الزوال ، لذلك الدعاء النبوي الشريف :
(( ألا يا رُب نفسٍ طاعمةٍ ناعمةٍ في الدنيا ، جائعةٍ عاريةٍ يوم القيامة ، ألا يا رُب نفسٍ جائعةٍ عاريةٍ في الدنيا ، طاعمةٍ ناعمةٍ يوم القيامة ))
ألا يا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين ، ألا يا رب مهين لنفسه وهو لها مكرم ، ألا يا رب شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً ، العقل ميزان الدين ، العقل أصل الدين . " أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً " .
فهذه الآيات الثلاثة ؛ الإنسان عجول ، والإنسان هلوع ، والإنسان جزوع ، والإنسان ضعيف ، هذه خصائص الإنسان الخلقية لصالح الإنسان ، لصالح ارتقائه عند الله عز وجل .